مقالات الكوثرى

September 9, 2017 | Author: محمد الحنفى | Category: N/A
Share Embed Donate


Short Description

Download مقالات الكوثرى...

Description

‫ﻣﻘﺎﻻﺕ ﺍﻟﻜﻮﺛﺮﻯ‬ ‫محمد زاھد الكوثري‬

‫الفھرس‬

‫ﻣﺤﻖ ﺍﻟﺘﻘﻮّﻝ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺳﻞ‬ ‫ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺯﺍﻫﺪ ﺍﻟﻜﻮﺛﺮﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬

‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫المقدمة ‪:‬‬ ‫الحمد وصلوات ﷲ وسالمه على سيدنا محمد رسول ﷲ وآله‬ ‫وصحبه اجمعين‬ ‫اما بعد ‪ :‬فإنا نرى طائفة من الحشوية يحاولون إكفار األمة‬ ‫جمعاء بين حين وآخر بسبب أنھم يزورون القبور ويتوسلون‬ ‫ﷲ تعالى باألخيار ‪ .‬فكأنھم بذلك اصبحوا عباد األوثان فحاشاھم‬ ‫من ذلك ‪.‬‬ ‫فأحببت ذكر آراء أئمة أصول الدين في مسألة التوسل ألنھم‬ ‫اصحاب الشأن في تبيين وجود الفرق بين التوحيد واإلشراك‬ ‫وعبادة األوثان ‪ ،‬مع سرد مافي الكتاب والسنة من وجوه الداللة‬ ‫على ذلك عند اھل العلم ردا للحق الى نصابه ‪ ،‬وردعا ً للجھل‬

‫واصحابه ‪ ،‬وﷲ سبحانه ولي التسديد والتوفيق‬

‫الفصل األول ‪:‬‬ ‫فأقول مستعينا ً با جل جالله ‪ :‬إني أرى أن أتحدث ھنا عن‬ ‫مسألة التوسل التي ھي وسيلة دعاتھم إلى رميھم األمة المحمدية‬ ‫باإلشراك وكنت ال أحب طرق ھذا البحث لكثرة ما اثاروا حوله‬ ‫من جدل عقيم مع ظھور الحجة واستبانة المحجة‬ ‫وليس قصد أول من أثار ھذه الفتنة سوى استباحة أموال‬ ‫المسلمين ليؤسس حكمه بأموالھم على دمائھم باسم أنھم‬ ‫مشركون وأ ّنى يكون للحشوية صدق الدعوة إلى التوحيد !‬ ‫وھم في إنكارھم التوسل محجوجون بالكتاب ‪ ،‬والسنة والعمل‬ ‫المتوارث والمعقول ‪.‬‬ ‫أما الكتاب فمنه قوله تعالى ) وابتغوا إليه الوسيلة ( بعمومھا‬ ‫تشمل التوسل باألشخاص ‪ ،‬والتوسل باألعمال بل المتبادر من‬ ‫التوسل في الشرع ھو ھذا وذاك ‪ ،‬رغم تقول كل مفتر أفاك‬ ‫والفرق بين الحي والميت في ذلك ال يصدر إال عمن ينطوي‬ ‫على اعتقاد فناء األرواح ‪ ،‬المؤدي الى إنكار البعث وعلى‬ ‫ادعاء انتفاء اإلدراكات الجزئية من النفس بعد مفارقتھا البدن ‪،‬‬ ‫المستلزم إلنكار األدلة الشرعية في ذلك ‪.‬‬ ‫أما شمول الوسيلة في اآلية المذكورة للتوسل باألشخاص فليس‬ ‫برأي مجرد ‪ ،‬وال ھو بمأخوذ من العموم اللغوى فحسب ‪ ،‬بل‬

‫ھو المأثور عن عمر الفاروق رضي ﷲ عنه حيث قال بعد أن‬ ‫توسل بالعباس رضي ﷲ عنه في االستسقاء)ھذا و الوسيلة‬ ‫الى ﷲ عز جل ( كما في االستيعاب البن عبد البر ‪.‬‬ ‫واما السنة فمنھا حديث عثمان بن حنيف – بالتصغير – رضي‬ ‫ﷲ عنه وفيه ‪ " :‬يا محمد إني توجھت بك إلى ربي "‬ ‫وھكذا علّم الرسول صلى ﷲ عليه و سلم الضرير الدعاء ‪،‬‬ ‫وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاھره تحريف للكلم عن‬ ‫مواضعه بھوى ‪.‬‬ ‫وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات ﷲ‬ ‫عليه – وھو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ‪ ،‬فال‬ ‫شأن لنا بذلك ‪ ،‬بل الحجة ھي نص الدعاء المأثور عن الرسول‬ ‫عليه الصالة والسالم ‪.‬‬ ‫وقد نص على صحة ھذا الحديث جماعة من الحفاظ كما سيأتي‬ ‫وقد ورد أيضا ً في حديث فاطمة بنت أسد رضي ﷲ عنھا "‬ ‫بحق نبيك واألنبياء الذين من قبلي"‪ .‬ورجال ھذا الحديث ثقات‬ ‫سوى روح بن صالح ‪ .‬وعنه يقول الحاكم ‪ :‬ثقة مأمون وذكره‬ ‫ابن حبان في الثقات‪.‬‬ ‫وھو نص على أنه ال فرق بين األحياء واألموات في باب‬ ‫التوسل‬ ‫وھذا توسل بجاه األنبياء صريح ‪.‬‬ ‫وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي ﷲ عنه ‪ " :‬اللھم إني‬ ‫أسألك بحق السائلين عليك "‪ .‬وھذا توسل بالمسلمين عامة أحياء‬ ‫وأمواتا ‪.‬‬ ‫وابن الموفق في سنده لم ينفرد عن مرزوق وابن مرزوق من‬ ‫رجال مسلم وعطية حسّن له الترمذي عدة احاديث ‪ ،‬كما سيأتي‬

‫‪.‬‬ ‫وعلى التوسل باألنبياء والصالحين أحياء وأمواتا جرت األمة‬ ‫طبقة فطبقة‪.‬‬ ‫وقول عمر رضي ﷲ عنه في اإلستسقاء ‪ " :‬إنا نتوسل إليك بعم‬ ‫نبينا " نص في توسل الصحابة بالصحابة ‪ ،‬وفيه إنشاء التوسل‬ ‫بشخص العباس رضي ﷲ عنه ‪.‬‬ ‫وليس في ھذه الجملة فائدة الخبر ‪ ،‬ألن ﷲ تعالى يعلم أيضا ً علم‬ ‫المتوسلين بتوسلھم ‪ ،‬فتمحضت الجملة إلنشاء التوسل بالشخص‬ ‫‪.‬‬ ‫وقوله ) كنا نتوسل ( فيه أيضا ً ما في الجملة األولى ‪ ،‬وعلى أن‬ ‫قول الصحابي ‪ :‬كنا نفعل كذا ينصب على ما قبل القول فيكون‬ ‫المعنى أن الصحابة رضي ﷲ عنھم كانوا يتوسلون به صلى ﷲ‬ ‫عليه و سلم في حياته ‪ ،‬وبعد لحوقه بالرفيق األعلى إلى عام‬ ‫الرمادة ‪.‬‬ ‫وقصر ذلك على ما قبل وفاته عليه السالم تقصير عن ھوى‬ ‫وتحريف لنص الحديث ‪ ،‬وتأويل بدون دليل‪.‬‬ ‫ومن حاول إنكار جواز التوسل باألنبياء بعد موتھم بعدول عمر‬ ‫إلى العباس في اإلستسقاء قد حاول المحال ‪ ،‬ونسب إلى عمر ما‬ ‫لم يخطر له على بال ‪ ،‬فضالً عن أن ينطق به ‪ ،‬فال يكون ھذا‬ ‫إال محاولة إبطال السنة الصريحة بالرأي ‪.‬‬ ‫وفعل عمر إنما يدل على أن التوسل بقرابة الرسول ‪ r‬األحياء‬ ‫جائز كجوازه بالنبي عليه الصالة والسالم ليس غير ‪ ،‬بل في‬ ‫استعياب ابن عبد البر بيان سبب استسقاء عمر بالعباس حيث‬ ‫يقول فيه ) إن األرض أجدبت إجدابا ً شديداً على عھد عمر زمن‬ ‫الرمادة وذلك سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين ‪ :‬إن‬

‫بني إسرائيل كانوا إذا أصابھم مثل ھذا إستقوا بعصبة األنبياء ‪،‬‬ ‫فقال عمر ‪ :‬ھذا عم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم وصنو أبيه‬ ‫وسيد بني ھاشم فمشي إليه عمر ‪ ,‬وشكا إليه ( ‪.‬‬ ‫فھل استبان أن استسقاء عمر بالعباس لم يكن من جھة أن‬ ‫الرسول ميت ال يسمع نداء ‪ ،‬وال جاه له عند ﷲ تعالى ‪ :‬حاش‬ ‫‪ ،‬ما ھذا إال إفك مفترى ‪.‬‬ ‫وحديث مالك الدار في مجيء بالل بن الحارث الصحابي إلى‬ ‫قبر النبي صلى ﷲ عليه و سلم أيام القحط في عھد عمر ‪،‬‬ ‫وقوله ) يا رسول ﷲ استسق ﷲ ألمتك فإنھم قد ھلكوا فأتاه‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم في المنام فقال ‪ " :‬ائت عمر‬ ‫فاقرئه السالم وأخبره أنھم يسقون( نص في توسل الصحابة به‬ ‫عليه السالم بعد وفاته من غير نكير ‪.‬‬ ‫والحديث مما أخرج ابن أبي شيبه بسند صحيح ‪ ،‬كما في " فتح‬ ‫الباري "‬ ‫وھذا قامع لمن ال يجيز التوسل به صلوات ﷲ عليه بعد لحوقه‬ ‫بالرفيق األعلى وكذلك حديث عثمان بن حنيف في تعليمه دعاء‬ ‫الحاجة السابق ذكره لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان‬ ‫رضي ﷲ عنه وفيه التوسل بالنبي ‪ r‬بعد وفاته ‪ ،‬من غير أن‬ ‫ينكر عليه أحد‪.‬‬ ‫والحديث صححه الطبراني ‪ ،‬وأقره ابو الحسن الھيثمي في "‬ ‫مجمع الزوائد " كما سيأتي ‪.‬‬ ‫وقد جمع المحدث الكبير محمد عابد السندي ‪ ،‬في جزء خاص‬ ‫األحاديث واآلثار الواردة في ھذا الباب فشفى وكفى ‪.‬‬ ‫وعمل األمة المتوارث طبقة فطبقة في ذلك مما يصعب‬ ‫استقصاؤه وفي ذلك كتب خاصة ‪.‬‬

‫وفي مناسك اإلمام أحمد رواية ابي بكر المروزي التوسل إلى‬ ‫ﷲ تعالى بالنبي ‪r‬والصيغة التي ذكرھا أبو الوفاء بن عقيل كبير‬ ‫الحنابلة في " تذكرته " في التوسل به عليه السالم ‪ ،‬على مذھب‬ ‫الحنابلة فيھا طول ‪ ،‬ذكرنا نصھا في تكملتنا " للسيف الصقيل "‬ ‫وتوسل اإلمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ‬ ‫الخطيب " بسند صحيح‪.‬‬ ‫وتمسح الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي بقبر أحمد لإلستشفاء‬ ‫لدمامل أعيا األطبا ًء مذكور في " الحكايات المنثورة " للحافظ‬ ‫الضياء المقدسي سماعا ً من شيخة المذكور ‪.‬‬ ‫والكتاب محفوظ بظاھرية دمشق ‪ ،‬وھو بخط المؤلف ‪ .‬فھل‬ ‫ھؤالء عباد القبور؟!‪.‬‬ ‫وأما من جھة المعقول فإن أمثال اإلمام فخر الدين الرازي‬ ‫والعالمة سعد الدين التفتازاني والعالمة السيد الشريف‬ ‫الجرجاني وغيرھم من كبار أئمة أصول الدين الذين يفزع اليھم‬ ‫في حل المشكالت في أصول الديانة ‪ :‬قد صرحوا بجواز‬ ‫التوسل باألنبيا والصالحين أحياءا وأمواتا ً ‪ ،‬وأي ضعيف‬ ‫يستطيع أن يرميھم بعبادة القبور ‪ ،‬والدعوة إلى اإلشراك با ‪،‬‬ ‫وإليھم تفزع األمة في معرفة اإليمان والكفر ‪ ،‬والتوحيد‬ ‫واإلشراك ‪ ،‬والدين الخالص ‪.‬‬ ‫والمدد كله عند الجميع من مسبب األسباب جل جالله‪.‬‬ ‫فدونك نصوصا ً من كالم ھؤالء األئمة في ھذه المسألة‪.‬‬ ‫قال الرازي في تفسيره ‪ " :‬إن األرواح البشرية الخالية من‬ ‫العالئق الجسمانية المشتاقة إلى اإلتصال بالعالم العلوي بعد‬ ‫خروجھا من ظلمة األجساد تذھب إلى عالم المالئكة ومنازل‬ ‫القدس‪ ,‬ويظھر منھا آثار في أحوال ھذا العالم ‪ ،‬فھي المدبرات‬

‫أمرا أليس اإلنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مسألة‬ ‫فيرشده إليھا ‪.‬‬ ‫وقال الرازي في " المطالب العالية " وھو من أمتع كتبه في‬ ‫أصول الدين ‪ :‬في الفصل العاشر من المقالة الثالثة من الكتاب‬ ‫السابع منه ‪ :‬إن اإلنسان قد يرى أباه وأمه في المنام ويسألھما‬ ‫عن أشياء وھما يذكران أجوبة صحيحة ‪ ،‬وربما أرشداه إلى‬ ‫دفين في موضع ال يعلمه أحد ‪ ،‬ثم قال أنا كنت صبيا ً في أول‬ ‫التعلم ‪ ،‬وكنت أقرأ " حوادث ال أول لھا " فرأيت في المنام أبي‬ ‫فقال لي ‪ :‬أجود الدالئل أن يقال الحركة إنتقال من حالة إلى‬ ‫حالة فھي تقتضي بحسب ماھيتھا مسبوقيتھا بالغير ‪ ،‬واألزل‬ ‫ينافي مسبوقا ً بالغير ‪ ،‬فوجب أن يكون الجمع بينھما محاالً ثم‬ ‫قال المنصف والظاھر أن ھذا الوجه أحسن من كل ما قيل في‬ ‫ھذه المسألة‪.‬‬ ‫وأيضا ً سمعت أن الفردوسي الشاعر لمّاصنف كتابة المسمى "‬ ‫بشاھنامه " على اسم السلطان محمود بن سبكتكين ولم يقض‬ ‫حقه كما يجب ‪ ،‬وما راعاه كما يليق بذلك الكتاب ‪ ،‬ضاق قلب‬ ‫الفردوسي ‪ ،‬فرأي في المنام " رستم " فقال له ‪ :‬قد مدحتني في‬ ‫ھذا الكتاب ‪ ،‬كثيراً وأنا في زمرة األموات فال أقدر على قضاء‬ ‫حقك ‪ ،‬ولكن إذھب إلى الموضع الفالني واحفره فإنك تجد فيه‬ ‫دفينا ً فخذه‪ .‬فكان الفردوسي يقول ‪ :‬أن رستم بعد موته أكثر‬ ‫كرما ً من محمود حال حياته ‪.‬‬ ‫وقال أيضا ً في الفصل الثامن عشر من تلك المقالة – والفصل‬ ‫الثامن عشر في بيان كيفية اإلنتفاع بزيارة الموتى والقبور ‪" : -‬‬ ‫ثم قال سألني بعض أكابر الملوك عن المسألة ‪ ،‬وھو الملك‬ ‫محمد بن سالم بن الحسين الغوري – وكان رجالً حسن السيرة‬

‫مرضي الطريقة ‪ ،‬شديد الميل إلى العلماء ‪ ،‬قوي الرغبة في‬ ‫مجالسة أھل الدين والعقل – فكتبت فيھا رسالة وأنا أذكر ھنا‬ ‫ملخص ذلك فأقول للكالم فيه مقدمات ‪ .‬المقدمة األولى ‪ :‬أ ّنا قد‬ ‫دللنا على أن النفوس البشرية باقية بعد موت األبدان ‪ ،‬وتلك‬ ‫النفوس التي فارقت أبدانھا أقوى من ھذه النفوس المتعلقة‬ ‫باألبدان من بعض الوجوه ‪ .‬أما أن النفوس المفارقة أقوى من‬ ‫ھذه النفوس من بعض الوجوه ‪ ،‬فھو أن تلك النفوس لما فارقت‬ ‫أبدانھا فقد زال الغطاء ‪ ،‬وانكشف لھا عالم الغيب ‪ ،‬وأسرار‬ ‫منازل األخرة ‪ ،‬وصارت العلوم التي كانت برھانية عند التعلق‬ ‫باألبدان ضرورية بعد مفارقة األبدان ‪ ،‬ألن النفوس في األبدان‬ ‫كانت في عناء وغطاء ‪ ،‬ولمّا زال البدن أشرفت تلك النفوس‬ ‫وتجلت وتألألت ‪ ،‬فحصل للنفوس المفارقة عن األبدان بھذا‬ ‫الطريق نوع من الكمال ‪ .‬وأما أن النفوس المتعلقة باألبدان‬ ‫أقوى من تلك النفوس المفارقة من وجه أخر فألن آالت الكسب‬ ‫والطلب باقية لھذه النفوس بواسطة األفكار المتالحقة ‪،‬‬ ‫واألنظار المتتالية تستفيد كل يوم علما ً جديداً ‪ ،‬وھذه الحالة غير‬ ‫حاصلة للنفوس المفارقة ‪.‬‬ ‫والمقدمة الثانية أن تعلق النفوس بأبدانھا تعلق يشبه العشق‬ ‫الشديد ‪ ،‬والحب التام ‪ ، ،‬ولھذا السبب كان كل شيء تطلب‬ ‫تحصيله في الدنيا فإنما تطلبه لتتوصل به إلى إيصال الخير‬ ‫والراحة إلى ھذا البدن ‪ .‬فإذا مات اإلنسان وفارقت النفس ھذا‬ ‫البدن ‪ ،‬فذلك الميل يبقى ‪ ،‬وذلك العشق ال يزول وتبقى تلك‬ ‫النفوس عظيمة الميل إلى ذلك البدن‪,‬عظيمة اإلنجذاب ‪ ،‬على‬ ‫ھذا المذھب الذي نصرناه من أن النفوس الناطقة مدركة‬ ‫للجزئيات ‪ ،‬وأنھا تبقى موصوفة بھذا اإلدراك بعد موتھا ‪ ،‬إذا‬

‫عرفت ھذه المقدمات فنقول ‪ :‬إن اإلنسان إذا ذھب إلى قبر‬ ‫إنسان قوي النفس ‪ ،‬كامل الجوھر شديد التأثير ‪ ،‬ووقف ھناك‬ ‫ساعة ‪ ،‬وتأثرت نفسه من تلك التربة – وقد عرفت أن لنفس‬ ‫ذلك الميت تعلقا ً بتلك التربة أيضا ً‪ -‬فحينئذ يحصل لھذا الزائر‬ ‫الحي ‪ ،‬ولنفس ذلك الميت مالقاة بسبب إجتماعھما على تلك‬ ‫التربة ‪ ،‬فصارت ھاتان النفسان شبيھتين بمرآتين صقيلتين‬ ‫وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من كل واحدة منھما إلى أخرى ‪.‬‬ ‫فكل ما حصل في نفس ھذا الزائر الحي من المعارف البرھانية‬ ‫‪،‬والعلوم الكسبية ‪ ،‬واألخالق الفاضلة من الخضوع له ‪،‬‬ ‫والرضا بقضاء ﷲ ينعكس منه نور إلى روح ذلك الميت ‪ ،‬وكل‬ ‫ما حصل ذلك اإلنسان الميت من العلوم المشرقة الكاملة فإنه‬ ‫ينعكس منه نور إلى روح ھذا الزائر الحي‪ .‬وبھذا الطريق‬ ‫تكون تلك الزيارة سببا ً لحصول المنفعة الكبرى ‪ ،‬والبھجة‬ ‫العظمى لروح الزائر ‪ ،‬ولروح المزور ‪ ،‬وھذا ھو السبب‬ ‫األصلى في شرع الزيارة ‪ ،‬وال يبعد أن تحصل فيھا أسرار‬ ‫أخرى أدق وأغمض مما ذكرنا ‪ .‬وتمام العلم بحقائق األشياء‬ ‫ليس إال عند ﷲ اھـ ‪.‬‬ ‫و ھا أنت رأيت ما يراه اإلمام فخر الدين الرازي في الزيارة‬ ‫من األخذ والعطاء ‪ ،‬واإلستفاضة واإلفاضة على نسبة منزلتي‬ ‫المزور والزائر ‪.‬‬ ‫وقال العالمة المحقق السعد التفتازاني في " شرح المقاصد "‬ ‫وھو من أمھات كتب أصول الدين – في الصفحة ‪ 32‬من‬ ‫الجزء الثاني منه في الردة على الفالسفة‬ ‫لماكان إدراك الجزئيات مشروطا ً عند الفالسفة بحصول‬ ‫الصورة في اآلالت ‪ ،‬فعند مفارقة النفس وبطالن اآلالت ال‬

‫تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء الشروط بانتفاء الشرط ‪.‬‬ ‫وعندنا لما لم تكن اآلالت شرطا ً في إدراك الجزئيات ‪ ،‬إما أنه‬ ‫ليس بحصول الصورة ال في النفس وال في الحس‪ ,‬وإما ألنه ال‬ ‫يتمنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاھر من قواعد‬ ‫اإلسالم أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات جزئية ‪ ،‬وإطالع‬ ‫على بعض جزئيات أحوال األحياء ‪ ،‬سيما الذين بينھم وبين‬ ‫الميت تعارف في الدنيا ‪ ،‬ولذا ينتفع بزيارة القبور‪ ,‬واإلستعانة‬ ‫بنفوس األخيار من األموات في إستنزال الخيرات وإستدفاع‬ ‫الملمات ‪ ،‬فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ً ما بالبدن وبالتربة التي‬ ‫دفن فيھا ‪ .‬فإذا زار الحي تلك التربة ‪ ،‬توجھت نفسه تلقاء نفس‬ ‫الميت حصل بين النفسين مالقات وإفاضات ‪ .‬ا ھـ ‪.‬‬ ‫ھذا ھو تحقيق ھذا اإلمام الجليل في المسألة ‪ ،‬فھذا أيضا ً ممن ال‬ ‫يميز بين التوحيد واإلشراك ؟ قف لرأس يتخيل ذلك ! ‪.‬‬ ‫وقال التفتازاني أيضاَ◌ً في الصفحة ) ‪ ( 150‬من الجزء‬ ‫المذكور ‪ :‬وبالجملة ظھور كرامات األولياء يكاد يلحق بظھور‬ ‫معجزات األنبياء ‪ ،‬وإنكارھا ليس بعجب من أھل البدع‬ ‫واألھواء إذ لم يشاھدوا ذلك من أنفسھم قط ولم يسمعوا به من‬ ‫رؤسائھم الذين يزعمون انھم على شئ مع إجتھادھم في أمور‬ ‫العبادات واجتناب السيئات فوقعوا في أولياء ﷲ تعالى أصحاب‬ ‫الكرامات ‪ ،‬يمزقون أديمھم ويمضغون لحومھم ‪ ،‬ال يسمّونھم‬ ‫إال باسم الجھلة المتصوفة‪ ,‬وال يعدونھم إال عداد آحاد المبتدعة‬ ‫قاعدين تحت المثل السائر ) أو سعتھم سبا وأودوا باإلبل ( ولم‬ ‫يعرفوا أن مبنى ھذا األمرعلى صفاء القصيدة ونقاء السريرة ‪،‬‬ ‫واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة ‪ .‬اھـ وھذا ھو قول ھذا اإلمام‬ ‫الجليل في أولياء ﷲ أصحاب الكرامات مع انه ال صلة له‬

‫بالتصوف ‪ ،‬وفي تلك عبرة لمن تعود أن يلغ في دماء أصفياء‬ ‫األمة ‪.‬‬ ‫وقال العالمة السيد الشريف الجرجاني في أوائل حاشية على‬ ‫)المطالع ( عند بيان الشارح وجه الصالة على النبي وآله عليه‬ ‫وعليھم الصالة والسالم في أوائل الكتب ‪ ،‬ووجه الحاجة إلى‬ ‫التوسل بھم في االستفاضة ‪ " :‬فإن قيل ھذا التوسل إنما يتصور‬ ‫إذا كانوا متعلقين باألبدان ‪ ،‬وأما إذا تجردوا عنھا فال ‪ ،‬إذ ال‬ ‫وجھة مقتضية للمناسبة ‪ .‬قلنا يكفيه أنھم كانوا متعلقين بھا‬ ‫متوجھين إلى تكميل النفوس الناقصة بھمة عالية ‪ ،‬فإن أثر ذلك‬ ‫باق فيھم‪ ،‬وكذلك كانت زيارة مراقدھم معدة لفيضان أنوار‬ ‫كثيرة منھم على الزائرين كما يشاھده ‪ ،‬أصحاب البصائر " ا ھـ‬ ‫‪.‬‬ ‫فتطابق الكتاب والسنة ‪ ،‬وعمل األمة المتوارثة ‪ ،‬وكالم أئمة‬ ‫أصول الدين في المسألة كما رأيت ومن عاند بعد ذلك فھو زائغ‬ ‫عن السبيل ‪.‬‬ ‫الفصــل الثـاني ‪:‬‬ ‫وأتحدث اآلن بإذن ﷲ تعالى عن األحاديث ‪ ،‬واآلثار المروية‬ ‫في ھذا الباب تفصيالً لما أجملناه ‪ ،‬ھناك بعد اإلشارة إلى‬ ‫اآليات في ذلك ‪.‬‬ ‫فأقول سبق أن تلونا قوله تعالى ‪ ) :‬يا أيھا الذين أمنوا اتقوا ﷲ‬ ‫وابتغوا إليه الوسيلة ( احتجاجا ً به على أن التوسل بالذوات‬

‫واألعمال مطلوب شرعا ً ‪ ،‬لشمول إبتغاء الوسيلة لھذا وذاك ‪ ،‬ال‬ ‫بمجرد الرأي فقط ‪ ،‬وال بالعموم اللغوي فحسب ‪ ،‬بل بما رواه‬ ‫ابن عبد البر في) االستيعاب ( عن عمر رضى ﷲ عنه أنه قال‬ ‫بعد أن استسقى بالعباس رضي ﷲ عنه وسقوا " ھذا – وﷲ –‬ ‫الوسيلة إلى ﷲ عز وجل والمكان منه " وزد على ذلك قول‬ ‫عمر أيضا ً في ) أنساب الزبير بن بكار ( على ما في فتح‬ ‫الباري ‪ " :‬واتخذوه – يعني العباس – وسيلة إلى ﷲ " وال‬ ‫يتصور أن يكون ھذا بمعنى ‪ :‬اطلبوا الدعاء منه ألن عمر طلب‬ ‫منه الدعاء ‪ ،‬وتقدم ھو للدعاء ‪ ،‬وبعد طلب أمير المؤمنين منه‬ ‫وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر ال يكون قول عمر ھذا إال‬ ‫بمعنى ‪ " :‬توسلوا به إلى ﷲ " كما فعل عمر نفسه ‪ ،‬لكن الھوى‬ ‫يعمي ويعم ‪.‬‬ ‫وفي فتح الباري ) ‪ (337 -2‬وليس في قول عمر أنھم كانوا‬ ‫يتوسلون به داللة على أنھم سألوه أن يستسقي لھم إذ يحتمل أن‬ ‫يكونوا في الحالتين طلبوا السقيا من ﷲ مستشفعين به صلى ﷲ‬ ‫عليه و سلم‪.‬‬ ‫وقال ابن رشد أراد بالترجمة ) باب سؤال الناس اإلمام‬ ‫االستسقاء ( االستدالل بالطريق األولى ألنھم إذا كانوا يسألون‬ ‫ﷲ به فيسقيھم فأحرى أن يقدموه للسؤال اھـ ‪.‬‬ ‫وكالم الحافظين يقضي على وھم من يھم قائالً أن التوسل به ‪r‬‬ ‫ھو طلب الدعاء منه ‪ ،‬وأين التوسل من الدعاء ؟ نعم قد يدعوا‬ ‫المتوسل به للمتوسل ‪ ،‬ولكن ليس ھذا مدلوالً لغويا ً وال شرعيا ً‬ ‫للتوسل ‪ ،‬ويستأنس في التوسل به ‪ r‬بما ذكره البغوي وغيره من‬ ‫أھل التفسير بالرواية في قوله تعالى ‪ ) :‬وكانوا من قبل‬ ‫يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءھم ما عرفوا كفروا به (‬

‫من أن اليھود كانوا إذا حزبھم أمر وداھمھم عدو يقولون ‪" :‬‬ ‫اللھم انصرنا عليھم بالنبي المبعوث في أخر الزمان الذي نجد‬ ‫صفته في التوراة فكانوا ينصرون " واستقصاء الروايات في‬ ‫ذلك في " الدر المنثور " ‪.‬‬ ‫وتخصيص قوله تعالى ‪ ) :‬ولو أنھم إذ ظلموا أنفسھم جاءوك‬ ‫فاستغفروا ﷲ واستغفر لھم الرسول لوجدوا ﷲ توابا ً رحيما ً ( ‪.‬‬ ‫بما قبل الموت تخصيص بدون حجة عن ھوى وترك المطلق‬ ‫على إطالقة مما اتفق عليه أھل الحق ‪ ،‬والتقييد ال يكون إال‬ ‫بحجة‪,‬وال حجة ھنا تقيد اآلية ‪ ،‬بل فقھاء المذاھب حتى الحنابلة‬ ‫على شمول اآلية لما بعد الموت واألنبياء أحياء في قبورھم " ‪.‬‬ ‫وقد ذكرنا صيغة التوسل به صلى ﷲ عليه و سلم عند الحنابلة‬ ‫وقت زيارة قبره نقالً عن كتاب ) التذكرة ( ألبي الوفاء بن‬ ‫عقيل من قدماء الحنابلة في أواخر تكملتنا للرد على نونية ابن‬ ‫القيم ‪ ،‬وفيھا التوسل ‪ ،‬وتالوة تلك اآلية وليس خبر العتبي مما‬ ‫يرد بجرة قلم ‪.‬‬ ‫ولنعد إلى الكالم في بعض األحاديث واألثار الواردة في التوسل‬ ‫تفصيالً لما أجملناه فيما سبق ‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬فمنھا ما أخرجه البخاري في ) االستسقاء ( حيث قال في‬ ‫صحيحه ‪ ،‬حدثني الحسن بن محمد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا محمد‬ ‫األنصاري قال ‪ :‬حدثني أبي عبد ﷲ بن المثنى ‪ ،‬عن ثمامة بن‬ ‫عبد ﷲ بن أنس‪ ,‬عن انس أن عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه‬ ‫كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال ‪ ) :‬اللھم‬ ‫إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا‬ ‫قال فيسقون( وفيه التوسل بالذات وادعاء أن ھناك مضافا ً‬ ‫محذوف‪ ،‬أي بدعاء عم نبينا تقوّ ل محض بدون أي حجة ‪ ،‬كما‬

‫أن فرض العدول – لوفاة النبي صلى ﷲ عليه و سلم‪ -‬إلى‬ ‫العباس تقويل لعمر ما لم يخطر له على بال‪,‬بل فيه جواز‬ ‫التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ‪ ،‬بل التوسل بلفظ " عم‬ ‫نبينا " توسل بقرابة العباس منه عليه الصالة والسالم وبمنزلته‬ ‫لديه ‪ ،‬فيكون ھذا التوسل توسالً به صلى ﷲ عليه و سلم وأيضا ً‬ ‫ولفظ "كنا " غير خاص بعھد النبي صلى ﷲ عليه و سلم بل‬ ‫يشمله وما بعده إلى عام الرمادة ‪ ،‬والتقييد تقييد بدون مقيّد ‪.‬‬ ‫وكان ابن عمر رضي ﷲ عنھما يتمثل بشعر أبي طالب ‪:‬‬ ‫وأبيض يستسقى الغمام بوجھه ‪ .‬كما في البخاري بل وروى‬ ‫استنشاد الرسول ‪r‬ذلك الشعر كما في فتح الباري ‪.‬‬ ‫وفي شعر حسان رضى ﷲ عنه ‪ :‬فسقى الغمام بغرة العباس ‪.‬‬ ‫كما في االستيعاب وفي كل ذلك طلب السقيا من ﷲ بذات‬ ‫العباس وجاھه عند ﷲ تعالى‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ومنھا ما أخرجه البيھقي ‪ ،‬وبطريقه أخرجه التقي السبكي‬ ‫في " شفاء السقام " وغيره ‪ ،‬من حديث مالك الدار في استسقاء‬ ‫بالل بن الحارث المزني رضى ﷲ عنه في عھد عمر بالنبي‬ ‫صلى ﷲ عليه و سلم ومالك الدار باإلضافة ھو مالك بن عياض‬ ‫مولى عمر ‪ ،‬وكان خازنه ‪ ،‬وقد واله وكلة عيال عمر ثم واله‬ ‫عثمان رضى ﷲ عنه القسم فسمي مالك الدار كما في طبقات‬ ‫ابن سعد واإلصابة ‪ .‬وفي " معارف " ابن قتيبة ‪ :‬ومن موالي‬ ‫عمر بن الخطاب مالك الدار ‪ ،‬وكان عمر واله داراً وكان يقسم‬ ‫بين الناس فيھا شيئا ً اھـ ‪.‬‬ ‫ونص الحديث "أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب‬ ‫رضى عنه ‪ ،‬فجاء رجل إلى قبر النبي صلى ﷲ عليه و سلم‬ ‫فقال ‪ :‬يا رسول ﷲ استسق ألمتك فإنھم قد ھلكوا ‪ ،‬فأتاه رسول‬

‫ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم في المنام فقال ‪ " :‬ائت عمر فأقرئه‬ ‫السالم وأخبره أنھم يسقون " الحديث ‪.‬‬ ‫ومحل االستشھاد وطلب االستسقاء منه صلى ﷲ عليه و سلم‬ ‫في البرزخ ‪ ،‬ودعاؤه لربه ‪ ،‬وعلمه بسؤال من يسأل لمن ينكر‬ ‫صنيعه ھذا أحد من الصحابة ‪.‬وقد أخرج ھذا الحديث البخاري‬ ‫في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصراً ‪.‬‬ ‫وأخرجه ابن أبي خيثمة من ھذا الوجه مطوالً ‪ ،‬كما في‬ ‫اإلصابة وأخرجه أيضا ً ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ‪ ،‬كما نص‬ ‫عليه ابن حجر ‪ ،‬في الفتح ‪ / 338 – 2 /‬من رواية أبي صالح‬ ‫السمان ‪ ،‬عن مالك الدار – والداري باليا سھو من الطابع – ابن‬ ‫حجر ‪ :‬أن الذي رأى المنام المذكور ھو بالل بن الحارث‬ ‫المزني أحد الصحابة ‪ ،‬كما روى سيف في الفتوح ‪ .‬ا ھـ ‪.‬‬ ‫وھذا نص على عمل الصحابة في االستسقاء به صلى ﷲ عليه‬ ‫و سلم بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد منھم مع بلوغ الخبر‬ ‫إليھم ‪ ،‬وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع ‪ .‬فھذا يقطع‬ ‫ألسنة المتقولين ‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ومنھا حديث عثمان بن حنيف رضى ﷲ عنه في دعاء‬ ‫عن النبي صلى ﷲ عليه و سلم وفيه " اللھم إني اسألك وأتوجه‬ ‫إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجھت بك إلى ربي‬ ‫في حاجتي " الحديث ‪ .‬وفيه التوسل بذات النبي صلى ﷲ عليه‬ ‫و سلم وبجاھه ‪ ،‬ونداء له في غيبته ‪.‬‬ ‫وھذا أيضا ً مما يقطع ألسنة المتقولين ‪.‬‬ ‫وھذا الحديث أخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في‬ ‫أواخر الدعوات من " جامعه " وابن ماجه في " صالة الحاجة‬ ‫من سننه " وفيه نص على صحته ‪ .‬والنسائي في " عمل اليوم‬

‫والليلة " وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " والبيھقي في "‬ ‫دالئل النبوة " وغيرھم على اختالف يسير في غير موضع‬ ‫االستشھاد ‪ ،‬وصححه جماعة من الحفاظ يقارب عددھم خمسة‬ ‫عشر حافظا ً ‪.‬‬ ‫فمنھم سوى المتأخرين ‪ :‬الترمذي وابن حبان ‪ ،‬والحاكم‬ ‫والطبراني ‪ ،‬وأبو نعيم ‪ ،‬والبيھقي والمنذري‪ ,‬وسند الترمذي‬ ‫‪:‬حدثنا محمود بن غيالن نا عثمان بن عمر ‪ ،‬نا شعبة ‪ ،‬عن أبي‬ ‫جعفر عن عمارة – بالضم – ابن خزيمة بن ثابت عن عثمان‬ ‫بن حنيف ‪ ،‬ثم ساق الحديث ‪ ،‬وقال ھذا حديث حسن صحيح‬ ‫غريب ال نعرفه إال من ھذا الوجه من حديث أبي جعفر – وھو‬ ‫الخطمي " ‪.‬‬ ‫وفي بعض النسخ المطبوعة " وھو غير الخطمي " وفي‬ ‫بعضھا " وليس ھو الخطمي " ‪.‬‬ ‫وھذا وذاك من تصرفات الناسخين ‪ ،‬وليس من عادة الترمذي‬ ‫أن يقول ھو غير فالن ‪ ،‬ويتركه من غير بيان ‪.‬‬ ‫على أن ابا جعفر الراوي عن عمارة بين شيوخ شعبه إنما ھو‬ ‫عمير بن يزيد الخطمي المدني األصل ثم البصري ‪ ،‬كما يظھر‬ ‫من كتاب الرجال المعروفة من مطبوع ومخطوط ‪.‬‬ ‫وأبو جعفر الرازي المتوفي ‪ 160‬من شيوخ شعبه لم يدرك‬ ‫عمارة المتوفي ‪ 105‬اصالً ‪ ،‬ألن رحلته إلى الحجاز بعد وفاة‬ ‫عمارة بنحو تسع سنين ‪ ،‬وشعبة شعبة في التثبيت فيما يروي ‪.‬‬ ‫على أن طرقا ً أخرى للحديث عند الطبراني وغيره تنص في‬ ‫صلب السند على أنه الخطمي الثقة باتفاق ‪ ،‬وسند الطبراني في‬ ‫الحديث مسوق في " شفاء السقام " للتقي السبكي ‪.‬‬ ‫ورجال سند الترمذي كلھم ثقات ‪ ،‬وإنما سماه غريبا ً النفراد‬

‫عثمان بن عمر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬وانفراد أبي جعفر عن عمارة ‪،‬‬ ‫وھما ثقتان باتفاق ‪ ،‬وكم من حديث صحيح ينفرد به أحد الرواة‬ ‫كحديث " إنما األعمال بالنيات " وسماه حسناَ◌ً لتعدد طرقه بعد‬ ‫أبي جعفر ‪ ،‬وعثمان بن عمر ‪.‬‬ ‫وتسميته صحيحا ً باعتبار تكامل أوصاف الصحة في رواته ‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬ومنھا حديث عثمان بن حنيف ايضا ً في تعليم دعاء‬ ‫صالة الحاجة المذكور لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن‬ ‫عفان رضى ﷲ عنه فدعا به فقضيت حاجته ‪.‬‬ ‫وموضع االستشھاد أن الصحابي المذكور فھم من حديث دعاء‬ ‫الحاجة أنه ال يختص بزمنه صلى ﷲ عليه و سلم وھذا توسل‬ ‫به ‪ ،‬ونداء بعد وفاته صلى ﷲ عليه و سلم وعمل متوارث بين‬ ‫الصحابة رضوان ﷲ عليھم أجمعين وقد أخرج ھذا الحديث‬ ‫الطبراني في الكبير وصححه بعد سوقه من طرق ‪ ،‬كما ذكره‬ ‫أبو الحسن الھيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه ‪ ،‬كما أقر‬ ‫المنذري قبله في " الترغيب والترھيب " وقبله أبو الحسن‬ ‫المقدسي ‪ ،‬وأخرجه أيضا ً ابو نعيم في " المعرفة " والبيھقي من‬ ‫طريقين ‪ ،‬وإسنادھما صحيح أيضا ً ‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬ومنھا حديث فاطمة بنت أسد رضي ﷲ عنھا ‪ ،‬وفيه‬ ‫من لفظ رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم " بحق نبيك واألنبياء‬ ‫من قبلي " وصححه ابن حبان والحاكم ‪ ،‬وأخرجه الطبراني في‬ ‫الكبير ‪ ،‬واألوسط بسند فيه روح بن صالح وثقه ابن حبا ن ‪،‬‬ ‫والحاكم ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬كما قال الھيثمي في "‬ ‫المجمع " ‪.‬‬ ‫وفيه توسل بذوات األنبياء الذين انتقلوا إلى دار اآلخرة ‪.‬‬ ‫سادسا‪ :‬ومنھا حديث عمر رضي ﷲ عنه عن النبي صلى ﷲ‬

‫عليه و سلم " لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق‬ ‫محمد أال غفرت لي " أخرجه الحاكم في المستدرك ‪ ،‬وقال ھذا‬ ‫حديث صحيح اإلسناد ‪ ،‬وھو أول حديث ذكرته ‪ .‬لعبد الرحمن‬ ‫بن زيد بن أسلم ‪ .‬اھـ وساق سنده التقى السبكي في ) شفاء‬ ‫السقام ( وأخرجه الطبراني في األوسط والصغير ‪ ،‬وفي‬ ‫سندھما بعض من ال يعرفه الھيثمي ‪.‬‬ ‫واما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك ‪ ،‬وتبعه أخرون ‪ ،‬إال‬ ‫أنه لم يتھم بالكذب بل بالوھم ‪.‬‬ ‫ومثله ينتقى بعض أحاديثه ‪ .‬وھذا ھو الذي فعله الحاكم حيث‬ ‫رأى ان الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال‬ ‫ألبي جعفر المنصور ‪ ....." :‬وھو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم‬ ‫عليه السالم " ‪.‬‬ ‫وبعد أن أقر اإلمام مالك رضي ﷲ عنه بصحة الخبر واحتج به‬ ‫زالت تھمة الوھم وقلة الضبط عن عبد الرحمن الذي إنما يقتدي‬ ‫من رماه بذلك بمالك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد‬ ‫خبره مطلقا ً ‪.‬‬ ‫وھذا ھو اإلمام الشافعي يستدل في دين ﷲ ببعض احاديثه في "‬ ‫األم " وفي " مسنده " فال لوم على الحاكم في عده ھذا الحديث‬ ‫صحيحا ً ‪ ،‬بل ھو الصحيح ‪ ،‬إال عند من يضيق صدره عند‬ ‫سماع فضائل المصطفى ‪ r‬وأما قول مالك ألبي جعفر المذكور‬ ‫فھو ما أخرجه القاضي عياض في " الشفاء بتعريف حقوق‬ ‫المصطفى " بسند جيد وابن حميد في السند ھو محمد بن حميد‬ ‫الرازي في الراجح‪ ،‬على خالف ما ظنه التقي السكبي لكن‬ ‫الرازي ھذا ليس حاله كما يريد ان يصوره الشمس بن عبد‬ ‫الھادي حيث حشر قول جميع من تكلم فيه وأھمل كالم من أثنى‬

‫عليه ‪ ،‬وھو أحد الثالثة الذين اتصلوا بإبن تيمية ‪ ،‬وھم شباب ‪،‬‬ ‫فانخدعوا به ‪ ،‬وزاغوا‪ ,‬يذكر الجرح ويغفل عن التعديل في‬ ‫األدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه ‪.‬‬ ‫ومحمد بن حميد ھذا روى عن ابو داود والترمذي وابن ماجه‬ ‫وأحمد بن حنبل ‪ ،‬ويحى بن معين ‪.‬‬ ‫قال ابن ابي خيثمة ‪ :‬سئل عن أبي معين فقال ‪ :‬ثقة ال بأس به‬ ‫رازي كيّس ‪ ،‬وقال أحمد ‪ :‬ال يزال بالرد علم مادام محمد بن‬ ‫حميد ‪ ،‬وممن أثنى عليه الصاغاني والذھلي ‪ .‬وقال الخليلي في‬ ‫" اإلرشاد " كان حافظا ً عالما ً بھذا الشأن رضيه أحمد ويحي‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬فيه نظر ‪ ،‬وليس مثله يتھم في ھذا الخبر ‪ ،‬وقد‬ ‫مات سنة ‪ 248‬عن سن عالية وكان عمره عند وفاة مالك ال‬ ‫يقل عن نحو خمس عشر سنة ‪ ،‬وھم يقبلون رواية ابن خمس‬ ‫في مسند إمامھم ويعقوب بن اسحاق ‪ ،‬البأس به كما ذكره‬ ‫الخطيب في تاريخه ‪.‬‬ ‫وأبو الحسن عبد ﷲ بن محمد بن المنتاب ‪ ،‬من أج ّل أصحاب‬ ‫إسماعيل القاضي ‪ ،‬واله المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالي‬ ‫سنة ثالثمائة ولم يكن غير الثقات األفذاذ من أھل العلم ليولّى‬ ‫قضاء المدينة المنورة في ذلك العھد ‪.‬‬ ‫واسم المنتاب يھم فيه كثير ‪ ،‬وصاحبه محمد بن احمد بن الفرج‬ ‫وثقه السمعاني في " األنساب " عند ذكر الجزائري ‪ ،‬وأقره ابن‬ ‫األثير في " اللباب " وأبو الحسن الفھري من الثقات األثبات‬ ‫مترجم في " العبر " للذھبي ‪.‬‬ ‫وابن دلھات من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم في " صلة "‬ ‫ابن بشكوال ‪ ،‬وھي مطبوعة بمدريد ‪ .‬وابن عبد الھادي يابى‬ ‫قبول ھذا الخبر ‪ ،‬ألنه يمس شذوذ شيخه ليس إال ‪ ،‬أراد ابن‬

‫المنتاب بسوق ھذا الخبر الرد على ما في " مبسوط " شيخه‬ ‫إسماعيل القاضي المالكي المخالف لما رواه ابن وھب ‪ ،‬عن‬ ‫مالك ‪ ،‬وإسماعيل من أھل العراق ‪ ،‬وأھل مصر والمدينة‬ ‫المنورة أعلم بمسائل مالك منھم ‪ .‬على أن إسماعيل لم يسند ما‬ ‫ذكره إلى مالك بل ارسله إرساالً ‪ ،‬لكنه حيث يوافق ھوى إبن‬ ‫عبد الھادي يقبله بدون سؤال عن سنده بخالف ما ھنا ويطريه‬ ‫إطراء يغنيه عن ذكر السند في نظره ‪ ،‬فكأنه لم ير قول داود‬ ‫األصفھاني فيه ‪ ،‬و في خلقه شؤون ‪ ،‬على أنه قد وردت‬ ‫أخبار اخرى في توسل ادم يعضد بعضھا بعضا ً ‪ ،‬استغنينا عن‬ ‫ذكرھا ‪ ،‬اكتفاء بما سطرناه ‪ ،‬ألن األحاديث السابقة فيھا كفاية‬ ‫لغير المتعنت ‪.‬‬ ‫‪ -7‬ومنھا حديث ابي سعيد الخدري رضي ﷲ عنه في سنن ابن‬ ‫ماجه في " باب المشي إلى الصالة "‪ " :‬من خرج من بيته إلى‬ ‫الصالة فقال اللھم إني أسألك بحق السائلين عليك " الحديث ‪.‬قال‬ ‫الشھاب البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه‬ ‫" ھذا إسناد مسلسل بالضعفاء ‪.‬‬ ‫عطيه ھو العوفي ‪ ،‬وفضيل بن مرزوق ‪ ،‬والفضل بن الموفق‬ ‫‪ )،‬ھو ابن خال ابن عيينة ‪ ،‬قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث‬ ‫ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر بل وثقه اليسني ( كلھم‬ ‫ضعفاء ‪,‬لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن‬ ‫مرزوق ‪ ،‬فھو صحيح عنده ‪.‬‬ ‫وذكر رزين ‪ ،‬ورواه أحمد بن منيع في ) مسنده ( ثنا يزيد ‪ ،‬ثنا‬ ‫فضيل بن مرزوق ‪ ،‬فذكره بإسناده ومتنه وقال عالء الدين‬ ‫مفلطاي في ) األعالم شرح سنن ابن ماجه ( ذكر أبو نعيم‬ ‫الفضل " وھو ابن دكين " في كتاب " الصالة " عن فضيل بن‬

‫مرزوق ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري موقوفا ً اھـ ‪.‬‬ ‫ولم ينفرد عطية عن الخدري ‪ ،‬بل تابعه أبو الصديق عنه في‬ ‫رواية عبد الحكم بن ذكوان ‪ .‬وھو ثقة عند ابن حبان ‪ ،‬وإن‬ ‫أعله أبو الفرج في ) علله ( ‪.‬‬ ‫وأخرج ابن اليسني في ) علم اليوم والليلة ( بسند فيه الوازع‬ ‫‪،‬عن بالل ‪ ،‬وليس فيه عطيه وال مرزوق وال ابن الموفق "‬ ‫اللھم بحق السائلين عليك " تظھرانه لم ينفرد عطية ‪ ،‬وال ابن‬ ‫مرزوق ‪،‬وال ابن الموفق ‪,‬بالنظر إلى ھذه الطرق على فرض‬ ‫ضعف الثالثة ‪.‬مع أن يزيد بن ھارون شيخ أحمد بن منيع‬ ‫شارك ابن الموفق في روايته ‪ ،‬عن ابن مرزوق وكذا الفضل‬ ‫بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرھم ‪.‬‬ ‫وعطية جرح بالتشيع لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث ‪،‬‬ ‫وعن ابن معين أنه صالح ‪ ،‬وعن ابن سعد ‪ :‬ثقة إن شاء ﷲ ‪،‬‬ ‫وعن ابن عدي ‪ :‬له أحاديث صالحه ‪.‬وبعد التصريح بالخدري‬ ‫ال يبقى إحتمال التدليس ‪ ،‬وال سيما مع المتابعة وابن مرزوق‬ ‫ترجح توثيقه عند مسلم فروى عنه في " صحيحه " ‪.‬‬ ‫على أن الحديث مروي بطريق بالل ‪ ،‬رضي ﷲ عنه فال تنزل‬ ‫درجة الحديث مھما نزلت عن درجة االحتجاج به ‪ ،‬بل يدور‬ ‫أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواھد كما أشرنا‬ ‫إليھا ‪.‬‬ ‫وقول من يقول ‪ :‬إن الجرح مقدم على التعديل على ضعفه فيما‬ ‫إذا تعارضا بتكافئھما في الميزان ‪ ،‬دون إثبات ذلك مفاوز فال‬ ‫يتمكن المبتدعة من اتخاذ ذلك تكأة لرد األحاديث الثابتة برجال‬ ‫وثقھم أھل الشأن بترجح ذلك عندھم ‪.‬‬ ‫وقدحسن ھذا الحديث الحافظان ‪ :‬العراقي في " تخريج أحاديث‬

‫اإلحياء " وابن حجر في " أمالي " األذكار " وفي الحديث‬ ‫التوسل بعامة المسلمين وخاصتھم‪ ،‬وإدخال الباء في أحد‬ ‫مفعولي السؤال إنما ھو في السؤال اإلستعالمي كقوله تعالى "‬ ‫فسئل به خبيراً " و " وسأل سائل بعذاب واقع " وأما السؤال‬ ‫اإلستعطائي فال تدخل الباء فيه أصالً إال على المتوسل به‬ ‫فدونك األدعية المأثورة فتصوّ ر إدخالھا ھنا في المفعول الثاني‬ ‫إخراج للكالم عن سننه بھوى ‪ ،‬وصيحة باطل تمجھا األسماع ‪.‬‬ ‫وليس معنى الحق اإلجابة ‪ ،‬بل ما يستحقه السائلون‬ ‫المتضرعون فضالً من ﷲ سبحانه ‪ .‬فيكون عد " بحق السائلين‬ ‫" سؤاالً لھذا الداعي ھذيانا ً محضا ً ‪ ،‬وال سيما عند مالحظة ما‬ ‫عطف عليه في الحديث ‪ ،‬وأما زعم أنه ليس في سياق الحديث‬ ‫ما يصلح أن يكون سؤاالً غير ذلك فمما يثير الضحك الشديد‬ ‫والھزء المديد ‪ ،‬فأين ذھب من ھذا الزاعم " أن تعيذني من‬ ‫النار" وكم يكرر الفعل للتوكيد ‪ :‬فالسؤال في الفعل األخر ھو‬ ‫السؤال في الفعلين المتقدمين ‪ ،‬بل لو لم تكن تلك األفعال من‬ ‫باب التوكيد لدخلت في باب التنازع ‪ ،‬فيكون ھذا القيد معتبراً‬ ‫في الجميع على كل تقدير وأما من يحاول رد التوسل بتصور‬ ‫دخوله في الحلف بغير ﷲ ‪ ،‬فإنما حاول الرد على المصطفى‬ ‫صلوات ﷲ عليه ألنه ھو الذي علم صيغ التوسل ‪ ،‬وفيھا‬ ‫التوسل باألشخاص ‪ ،‬وأين التوسل من الحلف ؟‬ ‫الفصـل الثالث ‪:‬‬

‫وال بأس أن نزيد ھنا كلمة في االستغاثة واالستعانة ‪،‬والكل من‬ ‫واد واحد ففي حديث الشفاعة عند البخاري " بآدم ثم بموسى ثم‬ ‫بمحمد صلى ﷲ عليه و سلم" وھذا يدل على جواز إستعمال‬ ‫اإلستغاثة في صدد التوسل ‪.‬‬ ‫وأما حديث " ال يستغاث بي " عند الطبراني ‪ ،‬ففي سنده لھيعة‬ ‫وقد شرحنا حاله في ) االشفاق ( فال يناھض الحديث الصحيح‪.‬‬ ‫وأما حديث " وإذا استعنت فاستعن با " فمعناه ‪ :‬عند استعانتك‬ ‫بأي مستعان فاستعن با – على لين في طرقھا كلھا – حمالً‬ ‫على الحقيقة فالمسلم ال ينسى مسبب األسباب عندما يستعين‬ ‫بسبب من األسباب وھا ھو عمر رضي ﷲ عنه حينما أستسقى‬ ‫بالعباس رضي ﷲ عنه لم ينس أن يقول آن االستسقاء ))اللھم‬ ‫فاسقنا((‪..‬وھذا ھو األدب اإلسالمي ‪.‬‬ ‫ولو لم نحمل الحديث على ھذا المعنى لتكلفنا المجاز ‪،‬‬ ‫ولعارضته عدة آيات وأحاديث في سردھا طول‪ .‬على أن لفظ‬ ‫"إذا" في الحديث بعيد عن إفادة معنى "كلما" بل ھو من صيغ‬ ‫اإلھمال عند المناطقة ‪ ،‬فال يكون للخصم مجال أن يتمسك به‬ ‫أصال‪ .‬وزد على ذلك إفراد الضمير‪ ,‬والخاصة – ومنھم ابن‬ ‫عباس رضي ﷲ عنھما – يحسن بھم أن تكون استعانتھم‬ ‫بمسبب األسباب ‪.‬‬ ‫وأما قوله تعالى ‪ ) :‬إياك نعبد وإياك نستعين ( ففي العبادة‬ ‫والھداية بقرينة السباق والسياق كما ھو الجدير بحال المناجاة ‪،‬‬ ‫فال يكون فيه تعطيل األسباب العادية الدنيوية‬ ‫وقد أحسن صديقنا العالمة المحض صاحب المؤلفات الممتعة‬ ‫األستاذ الكبير الشيخ محمد حسنين العدوي المالكي حيث ألف‬

‫عدة كتب في دفع شبه يصطنعھا التيميون حول التوسل فأزاح‬ ‫ظلما تھم ببيانه العذب وتحقيقه الرئع ‪ ،‬ومقامة في العلم فوق‬ ‫منازل شيوخ مشايخ ھؤالء بدرجات اتفاقا ً بين أھل العلم ‪.‬‬ ‫وأما سماع أصحاب القبور وإدراكھم فمن أوسع من سرد أدله‬ ‫ذلك المحدث عبد الحي اللكنوي في ) تذكرة الراشد( وأما قوله‬ ‫تعالى ‪ ) :‬وما أنت بمسمع من في القبور ( ففي حق المشركين‬ ‫عند المحققين ‪.‬‬ ‫وھناك تحقيق ذلك فال تلتفت إلى مغالطات المغالطين‬ ‫الخاتمــة ‪:‬‬ ‫وبتلك األحاديث واآلثار يظھر أن من ينكر التوسل باألنبياء‬ ‫واألولياء والصالحين أحياء وأمواتا ً ليس عنده أدنى حجة ‪ ،‬وإن‬ ‫رمي المسلمين باإلشراك بسبب التوسل ما ھو إال تھور يرجع‬ ‫ضرره إلى الرامي ‪ ،‬نسأل ﷲ العافية ‪.‬‬ ‫وأما إن كان بين العامة من يخطئ في مراعاة أدب الزيارة‬ ‫والتوسل فمن واجب أھل العلم إرشادھم إلى الصواب برفق‪.‬‬ ‫وقد جرى عمل األمة على التوسل والزيارة إلى أن أبتدع إنكار‬ ‫ذلك الحراني ‪ ،‬فرد أھل العلم كيده في نحره ‪ ،‬ودامت فتنته عند‬ ‫جاھلي بالياه ‪.‬‬ ‫وقد غلط اآللوسي وابنه المتصرف في تفسيره بعض غلط ترده‬ ‫عليھما تلك األدلة ‪ ،‬وكانا مضطر بين في مسائل من عدوى‬ ‫جيرانھما ‪ ،‬وبعض شيوخھما ‪ ،‬وليس ھذا بموضع بسط لذكر‬

‫ذلك‪.‬‬ ‫ومن أراد ان يعرف عمل األمة في التوسل بخير الخلق فليراجع‬ ‫) مصباح الظالم في المستغيثين بخير األنام( لإلمام القدوة أبي‬ ‫عبدﷲ النعمان بن محمد موسى التلمساني المالكي المتوفي سنة‬ ‫‪ ،683‬وھو من محفوظات الدار المصرية وفي ذلك كفاية لغير‬ ‫المتعنتين ‪ ،‬ومن ﷲ الھداية والتوفيق‪.‬‬

‫ﺍﻟﻼﻣﺬﻫﺒﻴﺔ ﻗﻨﻄﺮﺓ ﺍﻟﻼﺩﻳﻨﻴﺔ‬ ‫ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻜﻮﺛﺮﻱ‬ ‫ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫ال تجد بين رجال السياسة ‪ -‬على اختالف مبادئھم ‪ -‬من يقيم‬ ‫وزنا لرجل يدعي السياسة وليس له مبدأ يسير عليه ويكافح عنه‬ ‫باقتناع وإخالص ‪ ،‬وكذلك الرجل الذي يحاول أن يخادع‬ ‫الجمھور قائال لكل فريق ‪ :‬أنا معك ‪.‬‬ ‫ومن أردإ خالل المرء أن يكون إمعة ‪ ،‬ال مع ھذا الفريق وال‬

‫مع ذلك الفريق ‪ ،‬وإن تظاھر لكل فريق أنه معه ‪ .‬وقدما قال‬ ‫الشاعر العربي ‪:‬‬ ‫يوما يمان إذا القيت ذا يمن = وإذا لقيت معديا فعدناني‬ ‫ومن يتذبذب بين المذاھب منتھجا الالمذھبية في الدين اإلسالمي‬ ‫فھو أسوأ وأردأ من الجميع ‪.‬‬ ‫وللعلوم طوائف خاصة تختلف مناھجھم حتى في العلم الواحد‬ ‫عن اقتناع خاص ؛ فمن ادعى الفلسفة من غير انتماء إلى أحد‬ ‫مسالكھا المعروفة ‪ ،‬فإنه يعد سفيھا منتسبا إلى السفه ‪ ،‬ال إلى‬ ‫الفلسفة ‪ ،‬والقائمون بتدوين العلوم لھم مبادئ خاصة ومذاھب‬ ‫معينة حتى في العلوم العربية ال يمكن إغفالھا ‪ ،‬وال تسفيه‬ ‫أحالم المتمسكين بأھدابھا لمن يريد أن يكرع من ينابيعھا‬ ‫الصافية ‪.‬‬ ‫وليس ثمة علم من العلوم عني به العلماء عناية تامة على توالي‬ ‫القرون من أبعد عھد في اإلسالم إلى أدنى عھوده القريبة منا‬ ‫مثل الفقه اإلسالمي ‪ ،‬فالنبي ‪ -‬صلى ﷲ عليه وسلم – كان يفقه‬ ‫أصحابه في الدين ‪ ،‬ويدربھم على وجوه االستنباط ‪ ،‬حتى كان‬ ‫نحو ستة من الصحابة – رضوان ﷲ عليھم أجمعين – يفتون‬ ‫في عھد النبي – صلى ﷲ عليه وسلم ‪. -‬‬ ‫وبعد انتقاله إلى الرفيق األعلى استمر الصحابة على التفقه على‬ ‫ھؤالء ‪ ،‬ولھم أصحاب معروفون بين الصحابة والتابعين في‬

‫الفتيا ‪ ،‬فالمدينة كانت مھبط الوحي ‪ ،‬ومقر جمھرة الصحابة إلى‬ ‫آخر عھد ثالث الخلفاء الراشدين ‪ ،‬وعني كثير من التابعين من‬ ‫أھل المدينة بجمع شتات المنقول عن الصحابة من الفقه‬ ‫والحديث ‪ ،‬حتى كان للفقھاء السبعة من أھل المدينة منزلة‬ ‫عظيمة في الفقه ‪ ،‬كان سعيد بن المسيب يسأله ابن عمر –‬ ‫رضي ﷲ عنھما – عن أقضية أبيه ‪ ،‬تقديرا من ذلك الصحابي‬ ‫الجليل لسعة علم ھذا التابعي الكبير بأقضية الصحابة ‪.‬‬ ‫ثم انتقلت علوم ھؤالء إلى شيوخ مالك من أھل المدينة ‪ ،‬فقام‬ ‫مالك بجمعھا وإذاعتھا على الجماھير ‪ ،‬فنسب المذھب إليه‬ ‫تأصيال وتفريعا ‪ ،‬وانصاع له علماء كبار تقديرا لقوة حججه‬ ‫ونور منھجه على توالي القرون ‪ ،‬ولو قام أحد ھؤالء العلماء‬ ‫المنتمين إليه بالدعوة إلى مذھب يستجده لوجد من يتابعه من‬ ‫أھل العلم لسعة علمه وقوة نظره ‪ ،‬لكنھم فضلوا المحافظة على‬ ‫االنتساب إلى مذھب عالم المدينة ‪ ،‬حرصا على جمع الكلمة ‪،‬‬ ‫وعلما منھم بأن بعض المسائل الضعيفة المروية عن صاحب‬ ‫المذھب تترك في المذھب إلى ما ھو أقوى حجة وأمتن نظرا‬ ‫برأي أصحاب الشأن من فقھاء المذھب ‪ ،‬حتى أصبح المذھب‬ ‫باستدراك المستدركين لمواطن الضعف َ‬ ‫بالغ القوة ‪ ،‬بحيث إذا‬ ‫قارعه أحد المتأخرين أو ناطحه َف َقدَ رأسه ‪.‬‬ ‫وھكذا باقي المذاھب لألئمة المتبوعين ‪ ،‬فھا ھي الكوفة بعد أن‬ ‫ابتناھا الفاروق – رضي ﷲ عنه – وأسكن حولھا الفُصَّح من‬ ‫قبائل العرب ‪ ،‬بعث إليھا ابن مسعود – رضي ﷲ عنه – ليفقه‬ ‫أھل الكوفة في دين ﷲ قائال لھم ‪ :‬إني آثرتكم على نفسي بعبدﷲ‬ ‫‪.‬‬

‫وعبدﷲ ھذا منزلته في العلم بين الصحابة عظيمة جدا ‪ ،‬وھو‬ ‫الذي يقول فيه عمر ‪ :‬كنيف ملئ علما ‪ .‬وفيه ورد حديث ‪) :‬‬ ‫إني رضيت ألمتي ما رضي لھا ابن أم عبد ( وحديث ‪ ) :‬من‬ ‫أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم‬ ‫عبد ‪.‬‬ ‫فقراءة ابن مسعود ھي التي يرويھا عاصم عن زر بن حبيش‬ ‫عنه ‪ ،‬كما أن قراءة علي بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه – ھي‬ ‫التي يرويھا عاصم عن أبي عبدالرحمن عبدﷲ بن حبيب‬ ‫السلمي عنه ‪.‬‬ ‫فعُني ابن مسعود بتفقيه أھل الكوفة من عھد عمر إلى أواخر‬ ‫عھد عثمان – رضي ﷲ عنھم – عناية ال مزيد عليھا ‪ ،‬حتى‬ ‫امتألت الكوفة بالفقھاء ‪.‬‬ ‫ولما انتقل علي بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه – إلى الكوفة ‪،‬‬ ‫سُرَّ من كثرة فقھائھا جدا فقال ‪ :‬رحم ﷲ ابن أم عبد ‪ ،‬قد مأل‬ ‫ھذه القرية علما ‪.‬‬ ‫ووالى بابُ مدينة العلم )يعني علي رضي ﷲ عنه( تفقيھھم ‪،‬‬ ‫إلى أن أصبحت الكوفة ال مثيل لھا في أمصار المسلمين في‬ ‫كثرة فقھائھا ومحدثيھا ‪ ،‬والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة‬ ‫العربية فيھا بعد أن اتخذھا على بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه‬ ‫– عاصمة الخالفة ‪ ،‬وبعد أن انتقل إليھا أقوياء الصحابة‬

‫وفقھاؤھم ‪ ،‬وقد ذكر العجلي أنه توطن الكوفة وحدھا من‬ ‫الصحابة ألف وخمسمائة صحابي ‪ ،‬سوى من أقام بھا ونشر‬ ‫العلم بين ربوعھا ‪ ،‬ثم انتقل إلى بلد آخر فضال عن باقي بالد‬ ‫العراق ‪ ،‬فكبار أصحاب علي وابن مسعود – رضي ﷲ عنھما‬ ‫– بھا لو دونت تراجمھم في كتاب خاص ألتى كتابا ضخما ‪،‬‬ ‫وليس ھذا موضع سرد ألسمائھم ‪ ،‬وقد جمع شتات علوم ھؤالء‬ ‫إبراھيم بن يزيد النخعي ‪ ،‬وآراؤه مدونة في آثار أبي يوسف ‪،‬‬ ‫وآثار محمد بن الحسن ‪ ،‬ومصنف ابن أبي شيبة وغيرھا ‪ ،‬ويعد‬ ‫النقاد مراسيله صحاحا ‪ ،‬ويفضله على جميع علماء األمصار‬ ‫الشعبي الذي يقول عنه ابن عمر – رضي ﷲ عنھما – حينما‬ ‫رآه يحدث بالمغازي ‪ :‬لھو أحفظ لھا مني وإن كنت قد شھدتھا‬ ‫مع رسول ﷲ – صلى ﷲ عليه وسلم ‪. -‬‬ ‫ويقول أنس بن سيرين ‪ :‬دخلت الكوفة فوجدت بھا أربعة آالف‬ ‫يطلبون الحديث وأربعمائة قد فقھوا كما في الفاصل‬ ‫للرا َمھُرْ م ُِزيّ ‪.‬‬ ‫وقد جمع أبو حنيفة علوم ھؤالء ودوَّ نھا بعد أخذ ور ّد سديدين‬ ‫في المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه في مجمع فقھي كيانه من‬ ‫أربعين فقيھا من نبالء تالميذه المتبحرين في الفقه والحديث‬ ‫وعلوم القرآن والعربية ‪ ،‬كما نص على ذلك الطحطاوي وغيره‬ ‫‪.‬‬ ‫وعن ھذا اإلمام األعظم يقول محمد بن إسحاق النديم ‪ ،‬الذي‬ ‫ليس ھو من أھل مذھبه ‪ :‬والعلم برا وبحرا ‪ ،‬شرقا وغربا ‪،‬‬ ‫بعدا وقربا تدوينه رضي ﷲ عنه ‪.‬‬

‫ويقول الشافعي رضي ﷲ عنه ‪ :‬الناس عيال في الفقه على أبي‬ ‫حنيفة ‪.‬‬ ‫ثم أتى الشافعي ‪ -‬رضي ﷲ عنه – فجمع عيونا من المعينين ‪،‬‬ ‫وزاد ما تلقاه من شيوخه من أھل مكة كمسلم بن خالد ‪ ،‬الذي‬ ‫تلقى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ‪ -‬رضي ﷲ‬ ‫عنھما ‪ ، -‬وقد امتأل الخافقان بأصحاب الشافعي وأصحاب‬ ‫أصحابه ‪ ،‬وملؤوا العالم علما ‪ ،‬وأھل مصر من أعرف الناس‬ ‫بعلومه وعلوم أصحابه حيث سكنھا في أواخر عمره ‪ ،‬ونشر‬ ‫بھا مذھبه الجديد ‪ ،‬ودفن بھا – رضي ﷲ عنه ‪. -‬‬ ‫وال يتسع ھذا المقال لبيان ما لسائر األئمة من الفقھاء من‬ ‫الفضل على الفقه اإلسالمي ‪ ،‬وھم على اتفاق في نحو ثلثي‬ ‫مسائل الفقه ‪ ،‬والثلث الباقي ھو معترك آرائھم ‪ ،‬وحججھم في‬ ‫ذلك ومداركھم مدونة في كتب أھل الفقه ‪.‬‬ ‫فمذاھب تكون بھذا التأسيس وھذا التدعيم إذا لقيت في آخر‬ ‫الزمن متزعما في الشرع يدعو إلى نبذ التمذھب باجتھاد جديد‬ ‫يقيمه مقامھا ‪ ،‬محاوال تدعيم إمامته بالالمذھبية بدون أصل‬ ‫يبني عليه غير شھوة الظھور ‪ ،‬تبقى تلك المذاھب وتابعوھا في‬ ‫حيرة بماذا يحق أن يلقب من عنده مثل ھذه الھواجس‬ ‫والوساوس ‪ ،‬أھو مجنون مكشوف األمر ‪ ،‬غلط من لم يقده إلى‬ ‫مستشفى المجاذيب ‪ ،‬أم مذبذب بين الفريقين يختلف أھل العقول‬ ‫في ع ِّده من عقالء المجانين ‪ ،‬أو مجانين العقالء ؟! ‪.‬‬

‫بدأنا منذ مدة نسمع مثل ھذه النعرة من أناس في حاجة شديدة‬ ‫على ما أرى إلى الكشف عن عقولھم بمعرفة الطبيب الشرعي ‪.‬‬ ‫قبل االلتفات إلى مزاعمھم في االجتھاد الشرعي القاضي – في‬ ‫زعمھم – على اجتھادات المجتھدين ‪ ،‬فعلى تقدير ثبوت أن‬ ‫عندھم بعض عقل ‪ ،‬فال بد أن يكونوا من صنائع أعداء ھذا‬ ‫الدين الحنيف ‪ ،‬ممن لھم غاية ملعونة إلى تشتيت اتجاه األمة‬ ‫اإلسالمية في شؤون دينھم ودنياھم ‪ ،‬تشتيتا يؤدي بھم إلى‬ ‫التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز يوما بعد يوم ‪ ،‬بعد إخاء مديد‬ ‫استمر بينھم منذ بزغت شمس اإلسالم إلى اليوم ‪.‬‬ ‫فالمسلم الرزين ال ينخدع بمثل ھذه الدعوة ‪ ،‬فإذا سمع نعرة‬ ‫الدعوة إلى االنفضاض من حول أئمة الدين الذين حرسوا‬ ‫أصول الدين اإلسالمي وفروعه من عھد التابعين إلى اليوم ‪،‬‬ ‫كما توارثوه من النبي – صلى ﷲ عليه وسلم – وأصحابه –‬ ‫رضي ﷲ عنھم أجمعين – أو طرق سمعه نعيق ال َّنيْل من‬ ‫مذاھب أھل الحق ‪ ،‬فال بد له من تحقيق مصدر ھذه النعرة‬ ‫واكتشاف وكر ھذه الفتنة ‪ ،‬وھذه النعرة ال يصح أن تكون من‬ ‫مسلم صميم درس العلوم اإلسالمية حق الدراسة ‪ ،‬بل إنما تكون‬ ‫من متمسلم مندس بين علماء المسلمين أخذ بعض رؤوس‬ ‫مسائل من علوم اإلسالم بقدر ما يظن أنھا تؤھله لخدمة صنائعه‬ ‫النظر في مصدر تلك‬ ‫ومرشحيه ‪ ،‬فإذا دقق ذلك المسلم الرزين‬ ‫َ‬ ‫النعرة بنوره الذي يسعى بين يديه ‪ ،‬يجده شخصا ال يشارك‬ ‫المسلمين في آالمھم وآمالھم إال في الظاھر ‪ ،‬بل يزامل‬

‫ويصادق إناسا ال يتخذھم المسلمون بطانة ‪ ،‬ويلفيه يجاھر‬ ‫بالعداء لكل قديم وعتيق إال العتيق المجلوب من مغرب شمس‬ ‫الفضيلة ‪ ،‬ويراه يعتقد أن رطانته تؤھله – عند أسياده – لعمل‬ ‫كل ما يعمل ‪ ،‬فعندما يطلع ذلك المسلم على جلية األمر يعرف‬ ‫كيف يخلص نيئة اإلسالم من شرور ھذا النعيق المنكر بإيقاف‬ ‫أھل الشأن على حقائق األمور ‪ ،‬والحق يعلو وال يعلى عليه ‪.‬‬ ‫فمن يدعو الجمھور إلى نبذ التمذھب بمذاھب األئمة المتبوعين‬ ‫الذين أشرنا فيما سبق إلى بعض سيرھم – ال يخلو من أن يكون‬ ‫من الذين يرون تصويب المجتھدين في استنباطاتھم كلھا ‪،‬‬ ‫بحيث يباح لكل شخص غير مجتھد أن يأخذ بأي رأي من آراء‬ ‫مجتھد من المجتھدين ‪ ،‬بدون حاجة إلى االقتصار على آراء‬ ‫مجتھد واحد يتخيره في االتباع ‪ ،‬وھذا ينسب إلى المعتزلة ‪،‬‬ ‫وأما الصوفية فإنھم يصوبون المجتھدين ‪ ،‬بمعنى األخذ بالعزائم‬ ‫خاصة من بين أقوالھم من غير اقتصار على مجتھد واحد ‪.‬‬ ‫وإليه يشير أبو العالء صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرازي –‬ ‫من رجال نور الدين الشھيد – في كتابه ) الجمع بين التقوى‬ ‫والفتوى من مھمات الدين والدنيا ( حيث ذكر في أبواب الفقه‬ ‫منه ما ھو مقتضى الفتوى ‪ ،‬وما ھو موجب التقوى من بين‬ ‫أقوال األئمة األربعة خاصة ‪ ،‬وليس في ھذا معنى التشھي‬ ‫أصال ‪ ،‬بل ھو محض التقوى والورع ‪.‬‬ ‫والرأي الذي ينسب إلى المعتزلة يبيح لغير المجتھد األخذ بما‬ ‫يروقه من اآلراء للمجتھدين ‪ ،‬لكن أقل ما يجب على غير‬ ‫المجتھد في باب االجتھاد أن يتخير لدينه مجتھدا يراه األعلم‬

‫واألورع ‪ ،‬فينصاع لفتياه في كل صغير وكبير ‪ ،‬بدون تتبع‬ ‫الرخص – في التحقيق – وأما تتبعه الرخص من أقوال كل‬ ‫إمام ‪ ،‬واألخذ بما يوافق الھوى من آراء األئمة ‪ ،‬فليسا إال تشھيا‬ ‫محضا ‪ ،‬وليس عليھما مسحة من الدين أصال ‪ ،‬كائنا من كان‬ ‫مبيح ذلك ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول األستاذ أبو إسحق اإلسفراييني اإلمام ‪ ،‬عن‬ ‫تصويب المجتھدين مطلقا ‪ :‬أوله سفسطة وآخره زندقة ‪ .‬ألن‬ ‫أقوالھم تدور بين النفي واإلثبات ‪ ،‬فأنى يكون الصواب في‬ ‫النفي واإلثبات معا ؟ ‪.‬‬ ‫نعم ‪ ،‬إن من تابع ھذا المجتھد جميع آرائه فقد خرج من العھدة‬ ‫‪ ،‬أصاب مجتھده أم أخطأ ‪ ،‬وكذا المجتھدون اآلخرون ‪ ،‬ألن‬ ‫الحاكم إذا اجتھد وأصاب فله أجران ‪ ،‬وإذا اجتھد وأخطأ فله‬ ‫أجر واحد ‪ ،‬واألحاديث في ھذا الباب في غاية من الكثرة ‪.‬‬ ‫وعلى اعتبار من قلد المجتھد خارجا من العھدة وإن أخطأ‬ ‫مجتھ ُده ‪َ ،‬ج َرت األم ُة منذ بزغت شمس اإلسالم ‪ ،‬وال تزال‬ ‫بازغة إلى قيام الساعة ‪ -‬بخالف شمس السماء فإن لھا فجرا‬ ‫وضحى وغروبا – ولوال أن المجتھد يخرج من العھدة على‬ ‫تقدير خطئه لما كان له أجر ‪ ،‬وليس كالمنا فيه ‪ ،‬وكالم األستاذ‬ ‫أبي أسحق اإلسفراييني عن المصوبة حق ‪ ،‬يدل عليه ألف دليل‬ ‫ودليل ‪ ،‬ولكن ليس ھذا بموضع توسع في بيان ذلك ‪.‬‬ ‫وأما إن كان الداعي إلى نبذ التمذھب يعتقد في األئمة المتبوعين‬

‫أنھم من أسباب وعوامل الفرقة والخالف بين المسلمين ‪ ،‬وأن‬ ‫المجتھدين في اإلسالم إلى اليوم كلھم على خطإ ‪ ،‬وأنه يستدرك‬ ‫عليھم في آخر الزمن الصواب الذي خفي على األمة منذ بزوغ‬ ‫شمس اإلسالم إلى اليوم ‪ ،‬فھذا من التھور والمجازفة البالغين‬ ‫حد النھاية ‪.‬‬ ‫ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة ھذه النعرة بين حين وآخر‬ ‫تھوين أمر أخبار اآلحاد الصحيحة من السنة ‪ ،‬وكذا اإلجماع‬ ‫والقياس ‪ ،‬بل دالالت الكتاب المعتبرة عند أھل االستنباط ‪.‬‬ ‫فبتھوين أخبار اآلحاد يتخلصون من كتب السنة من صحاح‬ ‫وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد وتفاسير بالرواية وغيرھا ‪،‬‬ ‫وإذن فال معجزة كونية تستفاد منھا وال أحكام شرعية تستمد‬ ‫منھا ‪ ،‬فھل يسلك مثل ھذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع‬ ‫أعداء اإلسالم ؟ ‪.‬‬ ‫على أن أخبار اآلحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقھا تواتر‬ ‫معنوي ‪ ،‬بل قد يحصل العلم بخبر اآلحاد عند احتفافه بالقرائن ‪،‬‬ ‫بل يوجد بين أھل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين – غير‬ ‫المنتقدة – من تلك األحاديث المحتفة بالقرائن ‪.‬‬ ‫وبنفي اإلجماع يتخلصون من مذاھب جمھرة أھل الحق ‪،‬‬ ‫وينحازون إلى الخوارج المرقة ‪ ،‬والروافض المردة ‪.‬‬ ‫وب َر ِّد القياس الشرعي يسدون على أنفسھم باب االجتھاد‬ ‫ِ‬ ‫ومسالك العلة – على طرقھا المعروفة المألوفة – منحازين إلى‬

‫نفاة القياس من الخوارج والروافض وجامدي أھل الظاھر ‪.‬‬ ‫وبتالعبھم بدالالت الكتاب المعتبرة عند أھل االستنباط يتخذون‬ ‫القيود الجارية مجرى الغالب الملغاة باتفاق بين القائلين‬ ‫بالمفاھيم وغير القائلين بھا من صدر اإلسالم إلى اليوم وسيلة‬ ‫لتغيير كثير من األحكام القطعية ‪ ،‬ويجعلون للعرف شأنا غير‬ ‫ما له عند جميع فقھاء ھذه األمة ‪ ،‬خانعين لما ألقاه بعض‬ ‫مستشرقي اليھود بمصر في عمل أھل المدينة ونحوه ‪ ،‬وكذلك‬ ‫صنيعھم في المصلحة المرسلة التي شرحنا دخائلھا بعض شرح‬ ‫في مقالنا ) شرع ﷲ في نظر المسلمين ( ‪.‬‬ ‫وكل ذلك يجري تحت بصر األزھر وسمعه ‪ ،‬ورجاله سكوت ‪،‬‬ ‫والسكوت على تلك المخازي مما ال يرتضيه األزھر السني‬ ‫الذي أسس بنيانه على التقوى منذ عھد الملك الظاھر بيبرس‬ ‫وأمرائه األبرار ‪ ،‬حيث صيروه معقل العلم ألھل السنة ‪ ،‬بعد‬ ‫أن أحيوا معالمه ‪ ،‬ولم تزل ملوك اإلسالم ترعاه على ھذا‬ ‫األساس إلى اليوم ‪ ،‬وال يزال بابه مغلقا على غير أتباع األئمة‬ ‫األربعة ‪ ،‬وكم أدروا عليه من الخيرات لھذه الغاية النبيلة ‪،‬‬ ‫وللملك فؤاد األول – رحمه ﷲ – يد بيضاء في إنھاض األزھر‬ ‫على ذلك األس القويم ‪ ،‬والحكومة الرشيدة المتمسكة بأھداب‬ ‫الدين اإلسالمي لم تزل تسدي إليه كل جميل مراعاة لتلك الغاية‬ ‫السديدة ‪.‬‬ ‫فإذا تم لدعاة النعرة الحديثة في قصر االجتھاد على شخص‬ ‫واحد من أبناء العھد الحديث – بمؤھالت غير معروفة –‬

‫وتمكنوا من إبادة المذاھب المدونة في اإلسالم لھؤالء األئمة‬ ‫األعالم ‪ ،‬ومن حمل الجماھير على االنصياع آلراء ذلك‬ ‫الشخص يتم لھم ما يريدون ‪.‬‬ ‫لكن الذي يتغنى بحرية الرأي على اإلطالق بكل وسيلة كيف‬ ‫يستقيم له منح الطامحين من أبناء الزمن مثله إلى االجتھاد من‬ ‫االجتھاد ‪ ،‬أم كيف يجيز إمالء ما يريد أن يمليه من اآلراء على‬ ‫الجماھير مرغمين فاقدي الحرية ‪ ،‬أم كيف يبيح داعي الحرية‬ ‫المطلقة حرما الجماھير المساكين المقلدين حرية تخير مجتھد‬ ‫يتابعونه باعتبار تعويلھم عليه في دينه وعلمه في عھد النور!!؟‬ ‫‪ .‬ولم يسبق لھذا الحجر مثيل في عھد الظلمات !!! وھذا مما ال‬ ‫أستطيع الجواب عنه ‪.‬‬ ‫وقصارى القول أنك إذا قمت بدرس أحوال القائمين بتلك النعرة‬ ‫الخبيثة وجدتھم ال يألفون المألوف ‪ ،‬وال يعرفون المعروف ‪،‬‬ ‫أعمت شھوة الظھور بصائرھم ‪ ،‬حتى تراھم يصادقون‬ ‫المتألبين على الشرق المسكين ‪ ،‬فنعرتھم ھذه ما ھي إال نعيق‬ ‫اإللحاد المنبعث عن أھل الفساد ‪ ،‬فيجب على أھل الشأن أن‬ ‫يسعوا في تعرف مصدر الخطر ‪ ،‬وإطفاء الشرر ‪ ،‬وليست ھذه‬ ‫الدعوة المنكرة سوى قنطرة الالدينية السائدة في بالد أخرى‬ ‫منيت باإللحاد وكتبت لھا التعاسة ‪ ،‬والمؤمن ال يلدغ من جحر‬ ‫مرتين ‪ ،‬والعاقل من اتعظ بغيره ‪ ،‬وﷲ يقول الحق وھو يھدي‬ ‫السبيل ‪.‬‬

‫ﻣَ ْﺴﹶﺄﻟﹶﺔﹲ ﻓﻲ ﻣُ ْﻌﺘَ ِﻘﺪِ ﺍﻟﺤُﻠﹸﻮﻝﹺ ﻭﺍﻟﺠﹺﻬَﺔ‬ ‫س َُؤا ٌل ُي ِجيبُ َع َليه‬ ‫َش ْي ُخ اإلسْ الَم اإلما ُم الحاف ُ‬ ‫العالَّ َمة‬ ‫ِظ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َش ْي ُخ الجام ِِع األَ ْز َھر‬ ‫َ‬ ‫الب ْش ِريُّ ال َمالِكِيُّ‬ ‫اج ِ‬ ‫َسلِي ُم بنُ أبي َفرَّ ٍ‬ ‫ال ُم َت َو َّفى َس َن َة ‪1335‬ھـ‬ ‫َر ِح َم ُه ﷲُ َت َعا َلى‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬

‫ورة‬ ‫صف ُ َ‬ ‫نص السؤال يرفعه العالمة أحمد بن بدر شيخ معھد َب ْل َ‬ ‫قال رحمه ﷲ‪:‬‬ ‫رجل منْ‬ ‫ُوصفون‬ ‫الذين ي‬ ‫العلم ھُنا‬ ‫أھل‬ ‫ما قولُكم دا َم فضلُكم في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج َھ ِة ال َفو ِق َّي ِة ِ سبحا َن ُه‬ ‫بال َّت َف ُّق ِه في‬ ‫الدين َتظا َھ َر باعتقا ِد ُثبو ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتعالى ‪ ،‬و َي َّدعي أنَّ ذلك مذھبُ ال َّس َلفِ ‪ ،‬و َت ِب َع ُه على ذلك‬ ‫ُنكرون علي ِه ‪..‬‬ ‫ِلم ي‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫البعضُ القلي ُل َ‬ ‫الناس ‪ ،‬وجمھو ُر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أھل الع ِ‬ ‫إلخ السؤال‪.‬‬ ‫الب ْش ِري‬ ‫َنصُّ َج َوا ِ‬ ‫ْخ اإلِسْ الَ ِم َسل ٍِيم ِ‬ ‫ب َشي ِ‬

‫خادم الع ِْل ِم‬ ‫الشيخ أحمد علي بدر‬ ‫الفاضل ال َعالَّم ِة‬ ‫إلى حضر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫محرم سن َة‬ ‫بتاريخ ‪22‬‬ ‫صفُور َة ‪ْ ،‬قد أرسل ُتم‬ ‫الشريفِ ِب َب ْل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪1325‬ھـ مكتوبا ً مصحوبا ً‬ ‫بسؤال عنْ ح ُْك ِم َم ِن يعتق ُد ُث َ‬ ‫بوت‬ ‫ٍ‬ ‫اآلتي وفي ِه الكِفاي ُة لِ َم ِن‬ ‫الجواب‬ ‫ال ِج َھ ِة ل ُه َت َعالى ‪َ ،‬ف َحرَّ رْ نا لكم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُسلمين َخيراً ‪.‬‬ ‫عن الم‬ ‫بع‬ ‫َ‬ ‫ص َ‬ ‫الحق وأَ ْن َ‬ ‫ا َّت َ‬ ‫ف ‪ ،‬جزاكم ﷲُ ِ‬ ‫مذھب‬ ‫ك بنا وبك َس َوا َء طري ِق ِه ‪ ،‬أَنَّ‬ ‫َ‬ ‫وس َل َ‬ ‫ك ﷲُ بتوفي ِق ِه َ‬ ‫ِاعْ َل ْم أَيَّد َ‬ ‫ﷲ تعالى ُم َن َّ‬ ‫ـزهٌ عنْ‬ ‫الفِرق ِة ال َّنا ِجي ِة وما عليه أَجْ َم َع ال ُّس ِّني َ‬ ‫ُّون أنَّ َ‬ ‫ث ‪ ،‬و ِمنْ‬ ‫ث مُخالِفٌ لھا في‬ ‫ت ال ُح ُدو ِ‬ ‫جميع سِ َما ِ‬ ‫الحواد ِ‬ ‫مُشابھ ِة َ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك َت َن ُّ‬ ‫كان كما دَ لَّ ْ‬ ‫ت على ذلك البراھينُ‬ ‫عن ال ِج َھ ِة وال َم ِ‬ ‫ـز ُھ ُه ِ‬ ‫المكان وھُما‬ ‫ج َھ ٍة َيسْ َت ْل ِز ُم قِدَ َم الجھ ِة أو‬ ‫ال َق ْط ِع َّي ُة ‪ ،‬فإنَّ كو َنه في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷲ تعالى‪.‬‬ ‫م َِن العا َلم ‪ ،‬وھو ما سِ َوى ِ‬ ‫ْ‬ ‫ﷲ تعالى‬ ‫وقد قا َم البُرھانُ القاط ُع على حُدو ِ‬ ‫ث ُك ِّل ما سِ َوى ِ‬ ‫جماع َم َن أَ ْث َب َ‬ ‫ت ال ِج َھ َة و َمنْ َن َفاھا ‪ ،‬وألَنَّ ال ُم َت َم ِّك َن َيستحي ُل‬ ‫بإِ‬ ‫ِ‬ ‫دون‬ ‫بدون‬ ‫كان يُمْ كِنُ وجو ُده‬ ‫مع أنَّ ال َم َ‬ ‫المكان َ‬ ‫ِ‬ ‫وُ جو ُد ذا ِت ِه ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخال ِء ‪َ ،‬‬ ‫لجواز َ‬ ‫ِن‬ ‫ال ُم َت َم ِّك ِن‬ ‫فيلز ُم إمكانُ الواج ِ‬ ‫ب ووجوبُ ال ُم ْمك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َج ْو َھراً السْ تحا َل ِة َك ْو ِن ِه‬ ‫وكِالھما باط ٌل ‪ ،‬وألنه َلو َت َح َّي َز َل َك َ‬ ‫كان جوھراً فإِمَّا أنْ ينقس َم وإمَّا أنْ ال ينقس َم ‪،‬‬ ‫َع َرضا ً ‪ ،‬ولو َ‬ ‫غير‬ ‫وھو‬ ‫وكِالھما باط ٌل ‪ ،‬فإنَّ‬ ‫المنقسم َ‬ ‫َ‬ ‫ھو الج ُْز ُء الذي ال َي َت َج َّزأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫أحق ُر األشيا ِء تعالى ﷲُ عنْ ذلك ُعلُوّ اً كبيراً ‪ ،‬والمنقس ُم جس ٌم‬ ‫الوجوب الذاتيَّ ‪ ،‬فيكونُ المركبُ‬ ‫ھو م َُر َّكبٌ والتركيبُ يُنافي‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ممكنا ً َيحْ تا ُج إلى عِ لَّ ٍة م َُؤ ِّث َر ٍة ‪ ،‬وقد َث َب َ‬ ‫القاطع أ َّن ُه‬ ‫بالبرھان‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى واجبُ الوجو ِد لِذاتِه ‪َ ،‬غنِيٌّ عنْ ُك ِّل ما سِ واه مُف َت ِق ٌر إلي ِه‬ ‫ْس كم ِْثلِ ِه شي ٌء وھ َُو السمي ُع البصي ُر ‪.‬‬ ‫ك ُّل ما َعدَ اه ‪ ،‬سبحانه َلي َ‬

‫ھذا وقد َخ َذ َل ﷲُ أقواما ً ْ‬ ‫أغواھم الشيطانُ وأَ َزلھم ‪ِ ،‬ا َّتبعوا‬ ‫َ‬ ‫ثبوت الجھ ِة تعالى ﷲ‬ ‫أھوا َءھم وتمسكوا بما ال يجدِي فاعتقدوا‬ ‫فوق ‪ ،‬إال أنھم‬ ‫عن ذلك علواً كبيراً ‪ ،‬واتفقوا على أنھا جھ ُة ٍ‬ ‫من‬ ‫للس ْط ِح األَعْ َلى َ‬ ‫من اعتقدَ أنه جس ٌم ُم َماسٌّ َ‬ ‫افترقوا ‪ ،‬فمنھم ِ‬ ‫اع في ُك ْف ِرھم‬ ‫وب ِه قا َل ال َكرَّ ا ِم َّي ُة وال َيھُو ُد ‪ ،‬وھؤال ِء ال ن َِز َ‬ ‫َ‬ ‫ش ِ‬ ‫العرْ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬ومنھم منْ‬ ‫ليس‬ ‫ـزي ِه ‪ ،‬وأنَّ كو َنه فيھا َ‬ ‫أثبت الجھ َة َ‬ ‫مع ال َّت ْن ِ‬ ‫َ‬ ‫ضالَّ ٌل فُس ٌ‬ ‫َّاق في َعقِيدتِھم ‪ ،‬إلِ ْطالق ِِھم‬ ‫سام وھؤال ِء ُ‬ ‫َك َك ِ‬ ‫ون األجْ ِ‬ ‫ار ُع ‪ ،‬وال ِمرْ َي َة أنَّ فاسِ َق ال َعقِيدَ ِة أَ ْق َب ُح‬ ‫على ِ‬ ‫ﷲ ما لم يأذنْ ب ِه ال َّش ِ‬ ‫ً‬ ‫داعية أو مقت ًدى‬ ‫كان‬ ‫وأ ْش َن ُع ِمنْ فاسِ ِق َ‬ ‫ِيرسِ َّي َما َمنْ َ‬ ‫ار َح ِة ِب َكث ٍ‬ ‫الج ِ‬ ‫المتأخرين أحم ُد بنُ‬ ‫ب إلي ِه ال َقو ُل بالجھ ِة من‬ ‫َ‬ ‫ِب ِه ‪ ،‬و ِممَّنْ ُنسِ َ‬ ‫الح ْن َبلِيُّ ال ِد َم ْشقِيُّ من‬ ‫عبد‬ ‫بن َت ْي ِم َّي َة َ‬ ‫الحرَّ انِيُّ َ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِالحليم ِ‬ ‫بن عبدِال َّس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُع َل َما ِء ال َقرْ ِن َّ‬ ‫ُور ُنسِ َب ْ‬ ‫جماع‬ ‫ت إلي ِه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مْن أم ٍ‬ ‫ِن في ضِ ِ‬ ‫الثام ِ‬ ‫خالف اإلِ‬ ‫بل البعضُ منھم َك َّفرُوهُ ‪،‬‬ ‫فيھا َع َمالً ِب َر ْأ ِي ِه و َش َّن َع علي ِه مُعاصِ روهُ ِ‬ ‫و َلق َِي م َِن ُّ‬ ‫دَب بعضُ َتالم َِذ ِت ِه ل َِّلذبِّ‬ ‫الذ ِّل‬ ‫والھوان ما َلق َِي وقد ا ْن َت َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وساق له عبارا ٍ‬ ‫ض َح معناھا ‪،‬‬ ‫سب إلي ِه‬ ‫ت أَ ْو َ‬ ‫َعن ُه و َتب ِْر َئ ِت ِه ِممَّا ُن َ‬ ‫فھم مُراد ِه ‪ ،‬واستشھدَ ِبعبارا ٍ‬ ‫ت له أُخرى‬ ‫وأبان َغ َل َط‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الناس في ِ‬ ‫صريح ٍة في دَ ْف ِع ال ُّت ْھ َم ِة عنه ‪ ،‬وأنه لم يخرجْ َعمَّا عليه اإلجما ُع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُوخ َقدَ مِه ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وذلك ھو ال َمظنونُ بالرَّ ج ُِل ل َِجالَ َل ِة َق ْد ِره و ُرس ِ‬ ‫ٌ‬ ‫واھية َوھْ ِمي ٌَّة ال‬ ‫القائلون بالجھ ِة أمو ٌر‬ ‫ِفون‬ ‫َ‬ ‫َّك ِب ِه المُخال َ‬ ‫وما َت َمس َ‬ ‫تصلُ ُح أَ ِدلَّ ًة َع ْقلِي ًَّة وال َن ً‬ ‫قلية ‪ ،‬وقد أَب َ‬ ‫ْط َلھا العُلما ُء بما ال مزيدَ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫عليه ‪ ،‬وما َت َم َّس ُكوا به ظواھ ُر آيا ٍ‬ ‫موھمة كقولِه‬ ‫وأحاديث‬ ‫ت‬ ‫العرش اس َت َوى (( وقولِه ‪ )) :‬إلي ِه‬ ‫تعالى ‪ )) :‬الرَّ حمنُ على‬ ‫ِ‬ ‫يصع ُد ال َكلِ ُم َّ‬ ‫الطيِّبُ (( وقولِه ‪ )) :‬تعر ُج المالئك ُة والرو ُح إلي ِه‬

‫األرض ((‬ ‫ف بك ُم‬ ‫َ‬ ‫(( وقولِه ‪ )) :‬ءأمِن ُتم َمنْ في السما ِء أنْ يخسِ َ‬ ‫ھو القاھ ُر َ‬ ‫ث )) إنه تعالى‬ ‫فوق عِ بادِه (( وكحدي ِ‬ ‫وقولِه ‪ )) :‬و َ‬ ‫نـز ُل إلى السما ِء ال ُّدنيا َك َّل َلي َل ٍة (( وفي رواي ٍة )) في ُك ِّل ليل ِة‬ ‫َي ِ‬ ‫ُجم َُع ٍة فيقو ُل ھ ْل ِمنْ تائ ٍ‬ ‫فأتوب علي ِه ؟ ھل من مُستغف ٍِر فأغف َِر‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫للجار َي ِة َ‬ ‫شارت إلى‬ ‫أين ﷲُ ؟ (( فأ‬ ‫له ؟ (( وكقولِه‬ ‫الخرْ سا ِء ‪َ )) :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫كان ول ْم يُن ِكرْ َع َليھا اإلشار َة‬ ‫السما ِء‬ ‫حيث َسأ َ َل بـ) أين َ( التي ل ِْل َم ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مؤمنة ‪.‬‬ ‫إلى السما ِء ‪ ،‬ب ْل قا َل إنھا‬ ‫عارضُ األَ ِدلَّ َة‬ ‫ومث ُل ھذه ي َُجابُ عنھا بأنھا َظوا ِھ ُر َظ ِّني ٌَّة ال ُت ِ‬ ‫المكان والجھ ِة ‪ ،‬فيجبُ تأويلُھا‬ ‫ال َق ْط ِع َّي َة اليقيني َة ال َّدالَّ َة على انتِفا ِء‬ ‫ِ‬ ‫وحملُھا على محام َل صحيح ٍة ال َتأْباھا ال َّدال ِئ ُل وال ُّنصوصُ‬ ‫تعيين للمرا ِد منھا كما ھو‬ ‫ال َّشرْ عِ َّي ُة ‪ ،‬إِمَّا َتأْ ِويالً إِجْ مالِ ّيا ً بال‬ ‫ٍ‬ ‫مذھبُ ال َّس َلفِ ‪ ،‬وإمَّا تأويالً تفصيل ّيا ً‬ ‫بتعيين محا ِملِھا وما يُرا ُد‬ ‫ِ‬ ‫ي َ‬ ‫الخ َلفِ ‪ ،‬كقولِھم إنَّ االستوا َء بمعنى االستيال ِء‬ ‫منھا كما ھو َر ْأ ُ‬ ‫القائل‪:‬‬ ‫قول‬ ‫ِ‬ ‫كما في ِ‬ ‫ير َس ْي ٍ‬ ‫اق‬ ‫ف ودَ ٍم ُمھ َْر ِ‬ ‫ق ِد اسْ َت َوى ِب ْش ٌر َع َلى الع َِر ِ‬ ‫اق ‪ِ /‬منْ َغ ِ‬ ‫وصُعو ُد ال َكلِم َّ‬ ‫ضاهُ ِب ِه ‪ ،‬ألنَّ ال َكلِ َم‬ ‫الط ِّي ِ‬ ‫ور َ‬ ‫ب إلي ِه َقبُولُ ُه إِيَّاهُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫صعُو ُدهُ ‪ ،‬وقولُه ‪َ :‬منْ في ال َّس َما ِء ‪ ،‬أيْ أ ْم ُرهُ‬ ‫َع َرضٌ َيسْ َتحِي ُل ُ‬ ‫وس ُْل َطا ُن ُه ‪ ،‬أو َم َل ٌ‬ ‫ب ‪ ،‬و ُعرُو ُج‬ ‫الع َذا ِ‬ ‫ك ِمنْ َمالئِكتِه م َُو َّك ٌل ِب َ‬ ‫ان ُي َت َقرَّ بُ إلي ِه في ِه ‪،‬‬ ‫والروح إليه ُ‬ ‫المالئك ِة‬ ‫صعُو ُدھم إلى َم َك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وقولُه َ‬ ‫ال َع َليھم بال َقھ ِْر وال َغ َل َب ِة ‪ ،‬كما يُقا ُل أَ ْم ُر‬ ‫فوق عِ بادِه أيْ َع ٍ‬ ‫الن َ‬ ‫فالن ‪ ،‬أيْ أ َّنه أَ ْقدَ ُر مِنه وأَ ْغ َلبُ و ُن ُزولُه إلى‬ ‫أمر‬ ‫ٍ‬ ‫فُ ٍ‬ ‫فوق ِ‬ ‫وعدَ ِم المُعا َم َل ِة بما َيسْ َت ْدعِ يه‬ ‫ورحمتِه َ‬ ‫السَّما ِء َمحْ مُو ٌل َع َلى لُ ْط ِف ِه َ‬ ‫ِيل ‪َ ،‬‬ ‫وخصَّ اللَّي َل ألَ َّنه‬ ‫يل ال َّتمْ ث ِ‬ ‫ُعلُوُّ ُر ْت َب ِت ِه وعِ َظ ِم َشأْنِه على َس ِب ِ‬

‫َمظِ َّن ُة َ ْ‬ ‫جاري ِة ِبـ)‬ ‫ُور ال َق ْل ِ‬ ‫ب ‪ ،‬وسُؤالُه ل ِْل ِ‬ ‫ُوع و ُحض ِ‬ ‫الخل َو ِة وال ُخض ِ‬ ‫أين ( اسْ ت ِْك َشافٌ لِما ي َ‬ ‫ُظنُّ ِبھا اعْ ِت َقا ُده ِمنْ أَ ْي ِن َّي ِة ال َمعْ بُو ِد كما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ار ْ‬ ‫أرادت َخال َِق‬ ‫ت إلى السما ِء َف ِھ َم أنھا‬ ‫ُّون ‪َ ،‬ف َلمَّا أَ َش َ‬ ‫الو َث ِني َ‬ ‫َيعْ َت ِق ُدهُ َ‬ ‫ْس ْ‬ ‫وح َك َم بإيمانِھا‪.‬‬ ‫ت َو َث ِني ًَّة ‪َ ،‬‬ ‫ان أنھا َلي َ‬ ‫ال َّس َما ِء ‪ ،‬فاسْ َت َب َ‬ ‫وقد َب َس َط ال ُع َلما ُء في م َ‬ ‫ال ذلك‬ ‫ُطوَّ التِھم تأوي َل ُك ِّل َما َو َردَ ِمنْ أَمْ َث ِ‬ ‫وحمْ الً ل َّ‬ ‫ين وأَھْ لِ ِه‬ ‫َع َمالً ِبال َق ْط ِعيِّ َ‬ ‫ِلظ ِّنيِّ علي ِه ‪َ ،‬ف َجزا ُھ ُم ﷲُ َع ِن ال ِّد ِ‬ ‫ِمين‬ ‫العجي ِ‬ ‫ب أَنْ َيدَ َع مُسْ لِ ٌم َق ْو َل َج َم َ‬ ‫الج َزا ِء ‪ ،‬وم َِن َ‬ ‫اع ِة المُسل َ‬ ‫ير َ‬ ‫َخ َ‬ ‫وضالَ َلتِھم ‪ ،‬أَ َما َسم َِع َق ْو َل‬ ‫وأ ِئ َّمت ِِھم و َي َت َش َّد َق ِب ُترَّ َھا ِ‬ ‫ين َ‬ ‫ت المُبتدِعِ َ‬ ‫ﷲ تعالى ‪َ )) :‬و َمنْ ُي َشاق ِِق الرَّ سُو َل ِمنْ َبعْ ِد َما َت َبي ََّن َل ُه الھُدَى‬ ‫ِ‬ ‫وسا َء ْ‬ ‫ت‬ ‫يل‬ ‫المؤمنين ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى و ُنصْ لِ ِه َج َھ َّن َم َ‬ ‫َ‬ ‫و َي َّت ِبعْ َغي َر َس ِب ِ‬ ‫ﷲ َت َعا َلى َمنْ َت َل َّط َخ ِب َشي ٍء ِمنْ ھذه‬ ‫َمصِ يرا (( َف ْل َي ُتبْ إِ َلى ِ‬ ‫ت وال َي َّت ِبعْ ُخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْطان فإ َّنه يأ ُم ُر بال َفحْ شا ِء‬ ‫طوا ِ‬ ‫القاذورا ِ‬ ‫ت ال َّشي ِ‬ ‫رار عليه ‪ ،‬فإنَّ‬ ‫وال ُم ْن َك ِر ‪ ،‬وال َيحْ ِم َل َّن ُه ال ِع َنا ُد َع َلى ال َّت َمادِي واإلِصْ ِ‬ ‫ِي َع َلى ال َباطِ ِل ُي ْفضِ ي‬ ‫ب َعيْنُ الصَّوا ِ‬ ‫جوع إلٮالصَّوا ِ‬ ‫ب وال َّت َماد َ‬ ‫الرُّ َ‬ ‫ب )) َمنْ َي ْھدِي ﷲُ َفھ َُو ال ُم ْھ َت ِد و َمنْ يُضْ لِ ْل َف َلنْ َت ِج َد‬ ‫الع َذا ِ‬ ‫إلى أَ َش ِّد َ‬ ‫َّبيل‬ ‫ﷲ تعالى أَنْ َي ْھ ِد َي َنا َجمِيعا ً َس َوا َء الس ِ‬ ‫َل ُه َولِ ّيا ً مُرْ شِ دا (( َنسأ ُل َ‬ ‫وسلَّ َم على َس ِّيدِنا‬ ‫وصلَّى ﷲُ تعالى َ‬ ‫الوكي ُل ‪َ ،‬‬ ‫وھ َُو حسبُنا و ِنعْ َم َ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫وصحْ ِب ِه‬ ‫م َُح َّم ٍد َ‬ ‫َ‬ ‫أجمعين و َمنْ َت ِب َعھُم بإِحْ ٍ‬ ‫يوم ال ِّد ِ‬ ‫سان إلى ِ‬ ‫لعلم والساد ِة‬ ‫أماله الفقير إليه سبحانه ‪َ :‬سلِي ٌم ِ‬ ‫الب ْش ِريُّ خاد ُم ا ِ‬ ‫آمين‪.‬‬ ‫آمين َ‬ ‫المالِ ِك َّي ِة باألَ ْز َھ ِر َع َفى ﷲُ َعن ُه َ‬ ‫انتھى نص السؤال والجواب نقال عن )) فرقان القرآن ((‬ ‫للعالمة القضاعي ص‪ 62‬ـ ط‪1‬ـ المكتبة األزھرية ‪ ،‬وعن‬

‫ھامش )) ال ِّدين الخالص (( ج‪/1‬ص‪ 39‬لإلمام محمود ال ُّسبْكي ـ‬ ‫ط‪ 5‬ـ الجمعية الشرعية ‪ ،‬القاھرة‪.‬‬

‫ﻓﺘﻮﻯ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﺪ ﻓﻴﻤﻦ ﺍﻧﺘﻘﺺ ﺍﻷﺷﺎﻋﺮﺓ‬ ‫سئل اإلمام ابن رشد الجد المالكي رحمه ﷲ تعالى الملقب عند‬ ‫المالكية بشيخ المذھب عن رأي المالكية في السادة األشاعرة‬ ‫وحكم من ينتقصھم كما في فتاواه ) ‪ ( 802 / 2‬وھذا نص‬ ‫السؤال والجواب ‪:‬‬ ‫السؤاال‪:‬‬ ‫ما يقول الفقيه القاضي األجل ‪ .‬أبو الوليد وصل ﷲ توفيقه‬ ‫وتسديده ‪ ،‬ونھج إلى كل صالحة طريقه ‪ ،‬في أبي الحسن‬ ‫األشعري وأبي إسحاق اإلسفراييني وأبي بكر الباقالني وأبي‬ ‫بكربن فورك وأبي المعالي ‪ ،‬ونظرائھم ممن ينتحل علم الكالم‬ ‫ويتكلم في أصول الديانات ويصنف للرد على أھل األھواء ؟‬ ‫أھم أئمة رشاد وھداية أم ھم قادة حيرة وعماية ؟ ‪.‬‬ ‫وما تقول في قوم يسبونھم وينتقصونھم ‪ ،‬ويسبون كل من ينتمي‬

‫إلى علم األشعرية ‪ ،‬ويكفرونھم ويتبرأون منھم ‪ ،‬وينحرفون‬ ‫بالوالية عنھم ‪ ،‬ويعتقدون أنھم على ضاللة ‪ ،‬وخائضون في‬ ‫جھالة ‪ ،‬فماذا يقال لھم ويصنع بھم ويعتقد فيھم ؟ أيتركون على‬ ‫أھوائھم ‪ ،‬أم يكف عن غلوائھم ؟ ! ‪.‬‬ ‫فأجاب رحمه ﷲ ‪:‬‬ ‫تصفحت عصمنا ﷲ وإياك سؤالك ھذا ‪ ،‬ووقفت على الذين‬ ‫سميت من العلماء فھؤالء أئمة خير وھدى ‪ ،‬وممن يجب بھم‬ ‫االقتداء ‪ ،‬ألنھم قاموا بنصر الشريعة ‪ ،‬وأبطلوا شبه أھل الزيغ‬ ‫والضاللة ‪ ،‬وأوضحوا المشكالت ‪ ،‬وبينوا ما يجب أن يدان به‬ ‫من المعتقدات ‪ ،‬فھم بمعرفتھم بأصول الديانات العلماء على‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬لعلمھم با عزوجل وما يجب له وما يجوز عليه ‪،‬‬ ‫وما ينتفي عنه ‪ ،‬إذ ال تعلم الفروع إال بعد معرفة االصول ‪،‬‬ ‫فمن الواجب أن يعترف بفضائلھم ‪ ،‬ويقر لھم بسوابقھم ‪ ،‬فھم‬ ‫الذين عنى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بقوله ‪ ) :‬يحمل ھذا‬ ‫العلم من كل خلف عدوله ‪ ،‬ينفون عنه تحريف الغالين ‪،‬‬ ‫وانتحال المبطلين ‪ ،‬وتأويل الجاھلين ( ‪.‬‬ ‫فاليعتقد أنھم على ضاللة وجھالة إال غبي جاھل ‪ ،‬أو مبتدع‬ ‫زائغ عن الحق مائل ‪ ،‬وال يسبھم وينسب إليھم خالف ما ھم‬ ‫عليه إال فاسق ‪ ،‬وقد قال ﷲ عز وجل ‪) :‬والذين يؤذون‬ ‫المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بھتانا وإثما‬ ‫مبينا( ‪.‬‬

‫فيجب أن يبصر الجاھل منھم ‪ ،‬ويؤدب الفاسق ‪ ،‬ويستتاب‬ ‫المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسھال ببدعة ‪ ،‬فإن تاب‬ ‫وإال ضرب أبدا حتى يتوب ‪ ،‬كما فعل عمر بن الخطاب رضي‬ ‫ﷲ عنه بصبيغ المتھم في اعتقاده ‪ ،‬من ضربه إياه حتى قال‪ :‬يا‬ ‫أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء‬ ‫‪ ،‬وإن كنت تريد قتلي فأجھز علي ‪ ،‬فخلى سبيله ‪ ،‬وﷲ أسأل‬ ‫العصمة والتوفيق برحمته ‪.‬‬ ‫قاله ‪ :‬محمدبن رشد ‪.‬‬

‫ﻛﻼﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ‬ ‫قال اإلمام الداعية الكبير الحسن بن أحمد بن عبدالرحمن البنا‬ ‫الساعاتي رحمه ﷲ تعالى في كتابه ) العقائد ( ط االتحاد‬ ‫اإلسالمي ‪1404‬ھـ ص‪ 74‬ما نصه ‪:‬‬ ‫)) ‪ ..‬قد علمت أن مذھب السلف في اآليات المتشابھات‬ ‫واألحاديث التي تتعلق بصفات ﷲ تبارك وتعالى أن يمروھا‬ ‫على ماجاءت عليه ‪ ،‬ويسكتوا عن تفسيرھا أو تأويلھا ‪ ،‬وأن‬ ‫مذھب الخلف أن يؤولوھا بما يتفق مع تنـزيه ﷲ تبارك وتعالى‬ ‫عن مشابھة خلقه ‪ ،‬وعلمت أن الخالف شديد بين أھل الرأيين‬ ‫حتى أدى بينھما إلى التنابز باأللقاب العصبية ‪ ،‬وبيان ذلك من‬

‫عدة أوجه ‪:‬‬ ‫أوال ‪:‬‬ ‫اتفق الفريقان على تنـزيه ﷲ تبارك وتعالى عن المشابھة لخلقه‬ ‫‪.‬‬ ‫ثانيا ‪:‬‬ ‫كل منھما يقطع بأن المراد بألفاظ ھذه النصوص في حق ﷲ‬ ‫تبارك وتعالى غير ظواھرھا التي وضعت لھا ھذه األلفاظ في‬ ‫حق المخلوقات ‪ ،‬وذلك مترتب على اتفاقھما على نفي التشبيه ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪:‬‬ ‫كل من الفريقين يعلم أن األلفاظ توضع للتعبير عما يجول في‬ ‫النفوس ‪ ،‬أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة‬ ‫وواضعيھا ‪ ،‬وأن اللغات مھما اتسعت ال تحيط بما ليس ألھلھا‬ ‫بحقائقه علم ‪ ،‬وحقائق ما يتعلق بذات ﷲ تبارك وتعالى من ھذا‬ ‫القبيل ‪ ،‬فاللغة أقصر من أن تواتينا باأللفاظ التي تدل على ھذه‬ ‫الحقائق ‪ ،‬فالتحكم في تحديد المعاني بھذه األلفاظ تغرير ‪.‬‬ ‫وإذا تقرر ھذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل ‪،‬‬ ‫وانحصر الخالف بينھما في أن الخلف زادوا تحديد المعنى‬ ‫المراد حيثما ألجأتھم ضرورة التنـزيه إلى ذلك حفظا لعقائد‬ ‫العوام من شبھة التشبيه ‪ ،‬وھو خالف ال يستحق ضجة وال‬ ‫إعناتا ‪.‬‬

‫) ترجيح مذھب السلف(‬ ‫ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم ھذه‬ ‫المعاني إلى ﷲ تبارك وتعالى أسلم وأولى باالتباع ‪ ،‬حسما لمادة‬ ‫التأويل والتعطيل ‪ ،‬فإن كنت ممن أسعده ﷲ بطمأنينة اإليمان ‪،‬‬ ‫وأثلج صدره ببرد اليقين ‪ ،‬فال تعدل به بديال ‪ ،‬ونعتقد إلى جانب‬ ‫ھذا أن تأويالت الخلف ال توجب الحكم عليھم بكفر وال فسوق ‪،‬‬ ‫وال تستدعي ھذا النـزاع الطويل بينھم وبين غيرھم قديما‬ ‫وحديثا ‪ ،‬وصدر اإلسالم أوسع من ھذا كله ‪.‬‬ ‫وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف ‪ ،‬رضوان ﷲ عليھم ‪،‬‬ ‫إلى التأويل في عدة مواطن ‪ ،‬وھو اإلمام أحمد بن حنبل رضي‬ ‫ﷲ عنه ‪ ،‬من ذلك تأويله لحديث ‪ )) :‬الحجر األسود يمين ﷲ‬ ‫في أرضه (( وقوله صلى ﷲ عليه وسلم ‪ )) :‬قلب المؤمن بين‬ ‫إصبعين من أصابع الرحمن (( وقوله صلى ﷲ عليه وسلم ‪)) :‬‬ ‫إني ألجد نفس الرحمن من جانب اليمن (( ‪.‬‬ ‫وقد رأيت لإلمام النووي رضي ﷲ عنه ما يفيد قرب مسافة‬ ‫الخالف بين الرأيين مما ال يدع مجاال للنـزاع والجدال ‪ ،‬وال‬ ‫سيما وقد قيد الخلف أنفسھم في التأويل بجوازه عقال وشرعا ‪،‬‬ ‫بحيث ال يصطدم بأصل من أصول الدين ‪.‬‬ ‫قال الرازي في كتابه )) أساس التقديس (( ‪ )) :‬ثم إن جوزنا‬ ‫التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويالت على‬ ‫التفصيل ‪ ،‬وإن لم نجز التأويل فوضنا العلم بھا إلى ﷲ تعالى ‪،‬‬

‫فھذا ھو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابھات ‪،‬‬ ‫وبا التوفيق (( ‪.‬‬ ‫وخالصة ھذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد‬ ‫غير الظاھر المتعارف بين الخلق ‪ ،‬وھو تأويل في الجملة ‪،‬‬ ‫واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم باألصول الشرعية غير‬ ‫جائز ‪ ،‬فانحصر الخالف في تأويل األلفاظ بما يجوز في الشرع‬ ‫‪ ،‬وھو ھين كما ترى ‪ ،‬وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسھم ‪،‬‬ ‫وأھم ما يجب أن تتوجه إليه ھمم المسلمين اآلن توحيد الصفوف‬ ‫‪ ،‬وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيال ‪ ،‬وﷲ حسبنا ونعم‬ ‫الوكيل (( اھـ ‪ .‬كالم اإلمام البنا رحمه ﷲ تعالى نقال عن‬ ‫رسالته في العقائد ‪.‬‬

‫ﻧﻘﺪ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺔ‬ ‫ﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺣﺠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬ ‫ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﺪﺟﻮﻱ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫قال العالمة أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد ال ِّدجوي‬ ‫المالكي األزھري المتوفى سنة ‪1365‬ھـ ‪:‬‬ ‫جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوھا عن توحيد األلوھية وتوحيد‬ ‫الربوبية ما معناھما ؟؟ وما الذي يترتب عليھما ؟؟ ومن ذا الذي‬ ‫فرق بينھما ؟؟ وما ھو البرھان على صحة ذلك أو بطالنه ؟؟‬ ‫فنقول وبا التوفيق ‪:‬‬ ‫إن صاحب ھذا الرأي ھو ابن تيمية الذي شاد بذكره ‪ ،‬قال ‪)) :‬‬ ‫إن الرسل لم يبعثوا إال لتوحيد األلوھية وھو إفراد ﷲ بالعبادة ‪،‬‬ ‫وأما توحيد الربوبية وھو اعتقاد أن ﷲ رب العالمين المتصرف‬ ‫في أمورھم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل‬

‫قوله تعالى ‪) :‬ولئن سألتھم من خلق السموات واألرض ليقولن‬ ‫ﷲ( اھـ ‪.‬‬ ‫ثم قالوا ‪ :‬إن الذين يتوسلون باألنبياء واألولياء ويتشفعون بھم‬ ‫وينادونھم عند الشدائد ھم عابدون لھم قد كفروا باعتقادھم‬ ‫الربوبية في تلك األوثان والمالئكة والمسيح سواء بسواء ‪ ،‬فإنھم‬ ‫لم يكفروا باعتقادھم الربوبية في تلك األوثان وما معھا بل‬ ‫بتركھم توحيد األلوھية بعبادتھا ‪ ،‬وھذا ينطبق على زوار القبور‬ ‫المتوسلين باألولياء المنادين لھم المستغيثين بھم الطالبين منھم‬ ‫ما ال يقدر عليه إال ﷲ تعالى ‪ ..‬بل قال محمد بن عبدالوھاب‪:‬‬ ‫)) إن كفرھم أشنع من كفر عباد األوثان (( اھـ !! وإن شئت‬ ‫ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة ‪ ،‬فھذا ملخص مذھبھم مع‬ ‫اإليضاح ‪ ،‬وفيه عدة دعاوى ‪ ،‬فلنعرض لھا على سبيل‬ ‫االختصار ‪ ،‬ولنجعل الكالم في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم‬ ‫نتحاكم إلى النقل ‪ ،‬فنقول‪:‬‬ ‫قولھم ‪ ) :‬إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد األلوھية‬ ‫( تقسيم غير معروف ألحد قبل ابن تيمية ‪ ،‬وغير معقول أيضا‬ ‫كما ستعرفه ‪ ،‬وما كان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول‬ ‫ألحد دخل في اإلسالم ‪ :‬إن ھناك توحيدين وإنك ال تكون مسلما‬ ‫حتى توحد توحيد األلوھية ‪ ،‬وال أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ‪،‬‬ ‫وال ُسمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعھم في‬ ‫كل شيء ‪ ،‬وال معنى لھذا التقسيم ‪ ،‬فإن اإلله الحق ھو الرب‬ ‫الحق ‪ ،‬واإلله الباطل ھو الرب الباطل ‪ ،‬وال يستحق العبادة‬ ‫والتأليه إال من كان ربا ‪ ،‬وال معنى ألن نعبد من ال نعتقد فيه‬ ‫أنه رب ينفع ويضر ‪ ،‬فھذا مرتب على ذلك كما قال تعالى ‪) :‬‬

‫رب السموات واألرض وما بينھما فاعبده واصطبر لعبادته ھل‬ ‫تعلم له سميا ً( ‪.‬‬ ‫فرتب العبادة على الربوبية ‪ ،‬فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع‬ ‫ويضر فال معنى ألن نعبده ـ كما قلنا ـ ويقول تعالى ‪ ) :‬أال‬ ‫يسجدوا الذي يخرج الخبء في السموات واألرض ( يشير‬ ‫إلى أنه ال ينبغي السجود إال لمن ثبت اقتداره التام ‪ ،‬وال معنى‬ ‫ألن نسجد لغيره ‪ ،‬ھذا ھو المعقول ‪ ،‬ويدل عليه القرآن والسنة ‪.‬‬ ‫أما القرآن فقد قال ‪ ) :‬وال يأمركم أن تتخذوا المالئكة والنبيين‬ ‫أربابا ( ‪ ،‬فصرح بتعدد األرباب عندھم ‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫تصريح القرآن بأنھم جعلوا المالئكة أربابا يقول ابن تيمية‬ ‫ومحمد بن عبدالوھاب ‪ :‬إنھم موحدون توحيد الربوبية وليس‬ ‫عندھم إال رب واحد وإنما أشركوا في توحيد األلوھية !! ويقول‬ ‫يوسف عليه السالم لصاحبي السجن وھو يدعوھما إلى التوحيد‬ ‫‪ ) :‬أأرباب متفرقون خير أم ﷲ الواحد القھار ( ‪ ،‬ويقول ﷲ‬ ‫تعالى أيضا ‪) :‬وھم يكفرون بالرحمن قل ھو ربي( ‪ ،‬وأما ھم‬ ‫فلم يجعلوه ربا ‪.‬‬ ‫ومثل ذلك قوله تعالى ‪ ) :‬لكنا ھو ﷲ ربي ( خطابا لمن أنكر‬ ‫ربوبيته تعالى ‪ ،‬وانظر إلى قولھم يوم القيامة ‪ ) :‬تا إن كنا‬ ‫لفي ضالل مبين إذ نسويكم برب العالمين ( ‪ ،‬أي في جعلكم‬ ‫أربابا ـ كما ھو ظاھر ـ وانظر إلى قوله تعالى ‪ ) :‬وإذا قيل لھم‬ ‫اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ‪ ، ( ..‬فھل‬ ‫ترى صاحب ھذا الكالم موحدا أو معترفا ؟!‪.‬‬ ‫ثم انظر إلى قوله تعالى ‪ ) :‬وھم يجادلون في ﷲ ( ‪ ،‬إلى غير‬ ‫ذلك وھو كثير ال نطيل بذكره ‪ ،‬فإذا ليس عند ھؤالء الكفار‬ ‫توحيد الربوبية ـ كما قال ابن تيمية ـ ‪ ،‬وما كان يوسف عليه‬

‫السالم يدعوھم إال إلى توحيد الربوبية ‪ ،‬ألنه ليس ھناك شيء‬ ‫يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد األلوھية عند‬ ‫يوسف عليه السالم ‪ ،‬فھل ھم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه‬ ‫مخطئا في التعبير باألرباب دون اآللھة ؟!‪.‬‬ ‫ويقول ﷲ في أخذ الميثاق ‪ ) :‬ألست بربكم قالوا بلى ( ‪ ،‬فلو‬ ‫كان اإلقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين‬ ‫ولكنه ال ينفعھم ـ كما يقول ابن تيمية ـ ‪ ،‬ما صح أن يؤخذ عليھم‬ ‫الميثاق بھذا ‪ ،‬وال صح أن يقولوا يوم القيامة ‪ ) :‬إنا كنا عن ھذا‬ ‫غافلين ( ‪ ،‬وكان الواجب أن يغير ﷲ عبارة الميثاق إلى ما‬ ‫يوجب اعترافھم بتوحيد األلوھية حيث إن توحيد الربوبية غير‬ ‫كاف ـ كما يقول ھؤالء ـ ‪ ،‬إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ‪،‬‬ ‫وھو ال يخفى عليك ‪ ،‬وعلى كل حال فقد اكتفى منھم بتوحيد‬ ‫الربوبية ‪ ،‬ولو لم يكونا متالزمين لطلب إقرارھم بتوحيد‬ ‫األلوھية أيضا ً‪.‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ) :‬وھو الذي في السماء إله وفي األرض‬ ‫إله ( ‪ ،‬فإنه إله في األرض ولو لم يكن فيھا من يعبده كما في‬ ‫آخر الزمان ‪ ،‬فإن قالوا ‪ :‬إنه معبود فيھا أي مستحق للعبادة ‪،‬‬ ‫قلنا ‪ :‬إذن ال فرق بين اإلله والرب ‪ ،‬فإن المستحق للعبادة ھو‬ ‫الرب ال غير ‪] ،‬و[ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه‬ ‫الصالة والسالم إال في الربوبية وقد قال ‪ ) :‬أنا ربكم األعلى (‬ ‫ثم قال ‪ ) :‬لئن اتخذت إلھا غيري ألجعلنك من المسجونين ( وال‬ ‫داعي للتطويل في ھذا ‪.‬‬ ‫وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه ال عن إلھه ‪ ،‬ألنھم ال‬ ‫يفرقون بين الرب واإلله ‪ ،‬فإنھم ليسوا بتيميين وال متخبطين ‪،‬‬ ‫وكان الواجب على مذھب ھؤالء أن يقولوا للميت ‪ :‬من إلھك ال‬

‫من ربك !! أو يسألوه عن ھذا وذاك ‪.‬‬ ‫وأماقوله ‪ ) :‬ولئن سألتھم من خلق السموات واألرض ليقولن‬ ‫ﷲ ( ‪ ،‬فھم يقولون بألسنتھم ما ليس في قلوبھم إجابة لحكم‬ ‫الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات واآليات البينات ‪،‬‬ ‫ولعلھم نطقوا بما ال يكاد يستقر في قلوبھم أو يصل إلى نفوسھم‬ ‫‪ ،‬بدليل أنھم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبھم ‪ ،‬وأنھم‬ ‫ينسبون الضر والنفع إلى غيره ‪ ،‬وبدليل أنھم يجھلون ﷲ تمام‬ ‫الجھل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر األمور ‪ ،‬وإن شئت‬ ‫فانظر إلى قولھم لھود عليه الصالة والسالم ‪ ) :‬إن نقول إال‬ ‫اعتراك بعض آلھتنا بسوء ( فكيف يقول ابن تيمية ‪ :‬إنھم‬ ‫معتقدون أن األصنام ال تضر وال تنفع إلى آخر ما يقول؟!‪.‬‬ ‫ثم انظر بعد ذلك في زرعھم وأنعامھم ‪) :‬ھذا بزعمھم وھذا‬ ‫لشركائنا فما كان لشركائھم فال يصل إلى ﷲ وما كان فھو‬ ‫يصل إلى شركائھم ( ‪ ،‬فقدموا شركاءھم على ﷲ تعالى في‬ ‫أصغر األمور وأحقرھا ‪.‬‬ ‫وقال تعالى في بيان اعتقادھم في األصنام ‪ ) :‬وما نرى معكم‬ ‫من شفعائكم الذين زعمتم أنھم فيكم شركاء ( ‪ ،‬فذكر أنھم‬ ‫يعتقدون أنھم شركاء فيھم ‪ ،‬ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد ‪:‬‬ ‫) أعل ھبل ( ‪ ،‬فأجابه صلى ﷲ عليه وسلم بقوله ‪ ) :‬ﷲ أعلى‬ ‫وأجل( ‪ ،‬فانظر إلى ھذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد‬ ‫الذي ينسبه إليھم ابن تيمية ويقول ‪ :‬إنھم فيه مثل المسلمين سواء‬ ‫بسواء وإنما افترقوا بتوحيد األلوھية ؟!‪.‬‬ ‫وأدل من ذلك كله قوله تعالى ‪ ) :‬وال تسبوا الذين يدعون من‬ ‫دون ﷲ فيسبوا ﷲ عدوا بغير علم ( ‪ ،‬إلى غير ذلك مما يطول‬ ‫شرحه ‪ ،‬فھل ترى لھم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه‬

‫عقيدة ؟!‪.‬‬ ‫أما التيميون فيقولون بعد ھذا كله ‪ :‬إنھم موحدون توحيد‬ ‫الربوبية ‪ ،‬وإن الرسل لم يقاتلوھم إال على توحيد األلوھية الذي‬ ‫لم يكفروا إال بتركه !! وال أدري ما معنى ھذا الحصر مع أنھم‬ ‫كذبوا األنبياء وردوا ما أنزل عليھم واستحلوا المحرمات‬ ‫وأنكروا البعث واليوم اآلخر وزعموا أن صاحبة وولدا وأن‬ ‫المالئكة بنات ﷲ ) أال إنھم من إفكھم ليقولون ولد ﷲ وإنھم‬ ‫لكاذبون( ‪ ،‬وذلك كله لم يقاتلھم عليه الرسل ـ في رأي ھؤالء ـ‬ ‫وإنما قاتلوھم على عدم توحيد األلوھية ـ كما يزعمون ـ وھم‬ ‫بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منھم‬ ‫في رأي ابن عبدالوھاب!!‪.‬‬ ‫وما علينا من ذلك كله ‪ ،‬ولكن نقول لھم بعد ھذا ‪ :‬على فرض‬ ‫أن ھناك فرقا بين توحيد األلوھية وتوحيد الربوبية ـ كما‬ ‫يزعمون ـ فالتوسل ال ينافي توحيد األلوھية فإنه ليس من العبادة‬ ‫في شيء ال لغة وال شرعا وال عرفا ‪ ،‬ولم يقل أحد إن النداء أو‬ ‫التوسل بالصالحين عبادة ‪ ،‬وال أخبرنا الرسول صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم بذلك ‪ ،‬ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي وال‬ ‫بالميت‪.‬‬ ‫فإن تشبث متشبث بأن ﷲ أقرب إلينا من حبل الوريد فال يحتاج‬ ‫إلى واسطة ‪ ،‬قلنا له ‪ ) :‬حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ( ‪ ،‬فإن‬ ‫رأيك ھذا يلزمه ترك األسباب والوسائط في كل شيء ‪ ،‬مع أن‬ ‫العالم مبني على الحكمة التي وضعت األسباب والمسببات في‬ ‫كل شيء ‪ ،‬ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة ـ وھي معلومة من‬ ‫الدين بالضرورة ـ فإنھا ـ على ھذا الرأي ـ ال حاجة إليھا ‪ ،‬إذ ال‬ ‫يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة ‪.‬‬

‫ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله ‪ ) :‬إنا نتوسل إليك بعم‬ ‫نبيك العباس إلخ ‪ ، ( ..‬وعلى الجملة يلزم سد باب األسباب‬ ‫والمسببات والوسائل والوسائط ‪ ،‬وھذا خالف السنة اإللھية التي‬ ‫قام عليھا بناء ھذه العوالم كلھا من أولھا إلى آخرھا ‪ ،‬ولزمھم‬ ‫على ھذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين‬ ‫‪ ،‬فإنه ال يمكنھم أن َيدَ عوا األسباب أو يتركوا الوسائط بل ھم‬ ‫أشد الناس تعلقا بھا واعتمادا عليھا ‪.‬‬ ‫وال يفوتنا أن نقول ‪ :‬إن التفرقة بين الحي والميت في ھذا المقام‬ ‫ال معنى لھا فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصال ‪ ،‬وإنما‬ ‫طلب من ﷲ متوسال إليه بكرامة ھذا الميت عنده أو محبته له‬ ‫أو نحو ذلك ‪ ،‬فھل في ھذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم‬ ‫ھو حق ال مرية فيه ؟؟ ‪ ،‬ولكنھم قوم يجازفون وال يحققون ‪،‬‬ ‫كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين ‪.‬‬ ‫وانظر كتب المذاھب األربعة ‪ ،‬حتى مذھب الحنابلة في آداب‬ ‫زيارته صلى ﷲ عليه وسلم تجدھم قد استحبوا التوسل به إلى‬ ‫ﷲ تعالى ‪ ،‬حتى جاء ابن تيمية فخرق اإلجماع وصادم‬ ‫المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اھـ ‪.‬‬ ‫انتھى جواب العالمة حجة اإلسالم يوسف الدجوي المالكي‬ ‫األزھري رحمه ﷲ تعالى ‪.‬‬

‫ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻷﺷﻌﺮﻱ‬

‫ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﺣﺴﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻲ‬ ‫ﺷﻴﺦ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻷﺯﻫﺮ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬

‫التحق النبي صلى ﷲ عليه وسلم بالرفيق األعلى وقد أورث‬ ‫الناس دينا ساطع الحجج‪ ،‬محكم اآليات‪ ،‬فساروا في ضوئه أمة‬ ‫واحدة‪ ،‬ال يختلفون في شيء يرجع إلى العقائد حتى آخر خالفة‬ ‫عثمان رضي ﷲ عنه حيث حميت تلك المناقشات السياسية‪،‬‬ ‫واتخذھا مرضى القلوب أمثال )عبدﷲ بن سبأ( ذريعة إلى فتنة‬

‫يكيدون بھا اإلسالم‪ ،‬ففتحوا بابھا بقتل الخليفة‪ ،‬ونشأت خالفة‬ ‫علي كرم ﷲ وجھه‪ ،‬وغبار الفتنة ثائر‪ ،‬فتولدت تحت مثاره‬ ‫آراء سياسية‪ ،‬ثم جعلت تلك اآلراء تتحول إلى مذاھب دينية‪،‬‬ ‫ودب في النفوس مرض االختالف‪ ،‬ومن ھذا االختالف ما‬ ‫يرجع إلى أصول العقائد‪ ،‬فيحل عروة اإليمان‪ ،‬ومنه ما يرجع‬ ‫إلى فروعھا‪ ،‬فال يزيد على أن يسمى انحرافا عن الصواب‪.‬‬ ‫كثرت الفرق‪ ،‬وتعددت األلقاب‪ ،‬فوھن حبل االتحاد اإلسالمي‪،‬‬ ‫ولوال ھذا التفرق لبلغ اإلسالم من القوة فوق ما بلغ‪ ،‬وارتقى في‬ ‫السيادة ذروة فوق التي ارتقى‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة يغالون في )التشيع( لإلمام علي كرم ﷲ‬ ‫وجھه‪ ،‬ومن أبعدھم في ھذا الغلو السبئية أتباع )عبدﷲ بن سبأ(‪،‬‬ ‫الذي ادعى لعلي عليه السالم وصف اإللھية‪ ،‬فنفاه علي إلى‬ ‫المدائن‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه كان يھوديا‪ ،‬فتظاھر باإلسالم ليكيد له بمثل‬ ‫ھذه الدعوى‪.‬‬ ‫ويقابل ھذه الفرقة فرقة يدينون بكراھة علي رضي ﷲ عنه‪،‬‬ ‫وھم )الخوارج(‪ ،‬ونشأ ھذا المذھب من جماعة كانوا مع علي‬ ‫في حرب صفين‪ ،‬ثم خرجوا عليه عقب قضية التحيكم‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة يبالغون في إثبات الوعد‪ ،‬حتى قال‬ ‫بعضھم ‪ :‬ال يضر مع اإليمان معصية‪ ،‬وھم )المرجئة(‪.‬‬ ‫أما اإلرجاء الذي ينسب إلى بعض فضالء التابعين كالحسن بن‬ ‫محمد بن الحنفية‪ ،‬فمعناه عدم القطع على إحدى الطائفتين‬ ‫المقتتلتين من العلويين واألمويين بكونھا مخطئة أو مصيبة‪،‬‬ ‫وإرجاء أمرھما أي تأخيره وتفويضه إلى ﷲ تعالى‪ ،‬وھو بھذا‬ ‫المعنى ال يمس جانب اإليمان‪ ،‬وال يعد صاحبه عند أھل السنة‬ ‫موضعا للعيب‪.‬‬

‫ومن ھذه الفرق فرقة يبالغون في إثبات القدرة لإلنسان‪،‬‬ ‫وينكرون إضافة الخير والشر إلى القدر‪ ،‬وھم )القدرية(‪ ،‬وأول‬ ‫من تكلم بھذا )معبد بن عبدﷲ الجھني( الذي خرج مع ابن‬ ‫األشعث‪ ،‬ووقع في يد الحجاج فقتله سنة ‪80‬ھـ‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة ال يثبتون للعبد قدرة على الفعل ال مؤثرة‬ ‫وال كاسبة‪ ،‬وھم )الجبرية(‪ ،‬وأول من ظھر بھذا المذھب )جھم‬ ‫بن صفوان( الذي خرج مع الحارث بن سريج على بني أمية‬ ‫في أواخر دولتھم‪ ،‬ووقع في قبضتھم بعد انھزام الحارث وقتل‬ ‫سنة ‪ 128‬أو ‪ 131‬ھـ‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة ي َش ِّبھُون ﷲ ـ وھو واجب الوجود ـ ببعض‬ ‫مخلوقاته‪ ،‬وھم )المشبھة(‪ ،‬وممن تعزى إليه ھذه البدعة )الجعد‬ ‫بن درھم( مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية‪.‬‬ ‫ومن غالة المشبھة )الكرامية( أتباع )محمد بن َكرَّ ام) وھو شيخ‬ ‫نشأ في سجستان‪ ،‬ثم دخل نيسابور‪ ،‬وباح بالتجسيم‪ ،‬فحبسه‬ ‫عبدﷲ بن طاھر‪ ،‬ثم أطلقه فتخلص إلى القدس الشريف‪ ،‬وھناك‬ ‫توفي سنة ‪256‬ھـ‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة يؤولون القرآن والسنة على غير ما يراد‬ ‫منھا‪ ،‬مكرا بالدين وصرفا للناس عن ھدايته‪ ،‬وھم )الباطنية(‪،‬‬ ‫وائتمار من أصلھم المجوسية بالكيد لإلسالم وقع ـ على ما‬ ‫يقصه أبو بكر بن العربي ـ في عھد البرامكة‪ ،‬ولكن تأويل‬ ‫الظاھر على وجوه تعطل أحكام الشريعة وتذھب ببھاء حكمتھا‬ ‫ظھر فيما بعد‪ ،‬ومن زعماء ھذه النحلة )حمدان قرمط( المتوفى‬ ‫سنة ‪264‬ھـ‪ ،‬ومنه أخذ الباطنية لقب )القرامطة‪).‬‬ ‫ومن أذناب ھذه الفرقة اليوم الطائفة المسماة بـ)البابية( أو‬

‫)البھائية(‪ ،‬وكانت قبل ھذا تعمل في خفاء‪ ،‬فسرى وباؤھا في‬ ‫نفوس كثير من المسلمين الغافلين‪ ،‬حتى أخذ بعض زعمائھا‬ ‫الغرور‪ ،‬فجاھروا بشيء مما يسرون‪ ،‬فانكشفت للناس‬ ‫سريرتھا‪ ،‬وافتضح أمرھا‪ ،‬فال تقوم لدعايتھا بعد ھذا ـ إن شاء‬ ‫ﷲ ـ قائمة‪.‬‬ ‫ومن ھذه الفرق فرقة )المعتزلة(‪ ،‬ومن رؤوسھا )أبو حذيفة‬ ‫واصل بن عطاء َّ‬ ‫الغزال(‪ ،‬وصاحبه )عمرو بن عبيد(‪ ،‬وكانا‬ ‫يجالسان الحسن البصري المتوفى سنة ‪116‬ھـ‪ ،‬ثم اعتزاله في‬ ‫نفر كانوا على رأيھما‪ ،‬وظھر بعد ھؤالء طبقة أخرى‪ ،‬من‬ ‫زعمائھا )إبراھيم بن يسار ال َّن َّظام( المتوفى سنة ‪221‬ھـ‪،‬‬ ‫و)محمد بن الھذيل العالّف( المتوفى سنة‪235‬ھـ‪ ،‬و)أحمد بن‬ ‫أبي دؤاد( المتوفى سنة ‪240‬ھـ‪ ،‬و)بشر المريسي( المتوفى سنة‬ ‫‪218‬ھـ‪ ،‬ثم عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة ‪250‬ھـ‪.‬‬ ‫وظھر بعد ھؤالء طبقة ‪ ،‬من رجالھا )أبو علي محمد الجبائي(‬ ‫المتوفى سنة ‪303‬ھـ‪ ،‬وھو أستاذ أبي الحسن األشعري‪ ،‬و)أبو‬ ‫القاسم عبدﷲ الكعبي( المتوفى سنة ‪317‬ھـ‪ ،‬وإليه تنسب الفرقة‬ ‫)الكعبية)‪ ،‬و)أبو ھاشم عبدالسالمبن أبي علي الجبائي( المتوفى‬ ‫سنة ‪321‬ھـ‪ ،‬وإليه تنسب الفرقة (البھشمية(‪ ،‬فالكعبي وأبو‬ ‫ھاشم كانا معاصرين ألبي الحسن األشعري‪.‬‬ ‫وظھر مذھب االعتزال لذلك العھد‪ ،‬إذ كان لكثير من زعمائه‬ ‫البراعة في البيان والوجاھة عند رجال الدولة‪ ،‬فعمرو بن عبيد‬ ‫كان رفيع المنـزلة عند المنصور‪ ،‬وكان المجلس الذي يعقده‬ ‫البرامكة ألصحاب المقاالت ينتظم من أبي الھذيل العالف‪،‬‬ ‫وإبراھيم النظام‪ ،‬وبشر بن المعتمر‪ ،‬وجعفر بن حرب‪ ،‬وثمامة‬

‫بن أشرس‪ ،‬وجعفر بن بشر‪ ،‬وكلھم من زعماء االعتزال‪.‬‬ ‫وأحمد بن أبي دؤاد كان وجيھا لدى المأمون‪ ،‬وتولى قاضي‬ ‫القضاة في خالفة المعتصم‪ ،‬وھو الذي امتحن اإلمام أحمد بن‬ ‫حنبل وحاول إلزامه القول بخلق القرآن الكريم‪ ،‬وكذلك كان ابن‬ ‫أبي دؤاد في عھد الواثق‪ ،‬ولما تقلد المتوكل الخالفة أصيب ابن‬ ‫أبي دؤاد بفالج‪ ،‬فخلفه في القضاء ابنه محمد بن أحمد‪ ،‬ثم‬ ‫صرفه المتوكل عن القضاء‪ ،‬وولّى مكانه يحيى بن أكثم‪ ،‬وكان‬ ‫يقتدي بمذھب أھل السنة‪.‬‬ ‫ومن أسباب ظھور االعتزال أن بعض زعمائه كانوا يتصدون‬ ‫للرد على الخارجين عن الملة من نحو الكالحدة والطبيعيين‪،‬‬ ‫كما رد واصل الغزال على المانوية‪ ،‬ورد أبو ھاشم بن أبي‬ ‫علي الجبائي على القائلين بالطبائع‪ ،‬ورد أبو الحسين بن أبي‬ ‫عمر الخياط على ابن الراوندي في كتاب (االنتصار(‪ ،‬وكانوا‬ ‫يدرسون الفلسفة‪ ،‬ويتناولون آراء رجالھا بالنقض‪ ،‬فألبي ھاشم‬ ‫ھذا كتاب )النقض على أرسطاليس في الكون والفساد(‪ ،‬ومما‬ ‫نقرؤه في ترجمة النظام أن جعفر بن يحي البرمكي ذكر‬ ‫أرسطاليس‪ ،‬فقال النظام‪ :‬قد نقضت عليه كتابه‪ ،‬فقال جعفر‪:‬‬ ‫كيف وأنت ال تحسن أن تقرأه! فقال النظام‪ :‬أيھما أحب إليك‪ :‬أن‬ ‫أقرأه من أوله إلى آخره‪ ،‬أمن آخره إلى أوله؟ ثم أخذ يذكره شيئا‬ ‫فشيئا‪ ،‬وينقض عليه‪ ،‬فتعجب جعفر منه‪.‬‬ ‫ودراسة المعتزلة للفلسفة أفادت في ردھم على بعض الفالسفة‬ ‫والمالحدة‪ ،‬ولكن انحرفت ببعض آرائھم عن قصد السبيل‪،‬‬ ‫فتعسفوا في نقض نصوص من الكتاب والسنةظنا منھم أن‬ ‫الفلسفة تتعاصى عن قبول ما تدل عليه ھذه النصوص‪ ،‬ولم يكن‬ ‫المعتزلة في المسائل التي تعزى إليھم على رأي واحد‪ ،‬بل كانوا‬

‫يختلفون في بعض اآلراء‪ ،‬وقد ينتصب بعضھم لتفنيد آراء‬ ‫بعض‪ ،‬كما ألف جعفر بن حرب في الرد على أبي الھذيل‬ ‫العالّف كتابا سماه (توبيخ أبي الھذيل( وبالغ في الرد عليه حتى‬ ‫أشار إلى تكفيره‪.‬‬ ‫مذھب االعتزال في القرن الثاني والثالث رواجا أن أھل‬ ‫وزاد‬ ‫َ‬ ‫السنة كانوا ال يعنون بمجادلتھم على طريقة نظرية يرخي فيھا‬ ‫الخصم لخصمه العنان‪ ،‬ثم يدفع شيھه شبھة بعد أخرى‪ ،‬وينقض‬ ‫أدلته دليال بعد دليل‪ ،‬وكان اإلمام أحمد بن حنبل رضي ﷲ عنه‬ ‫يكره التصدي لمجادلة المبتدعين‪ ،‬وحكى عنه الغزالي في كتاب‬ ‫)المنقذ( أنه أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على‬ ‫المعتزلة‪ ،‬فقال الحارث‪ :‬الرد على المبتدعة فرض‪ ،‬فقال أحمد‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬ولكن حيث حكيت شبھتھم أوال‪ ،‬ثم أجبت عنھا‪ ،‬فال يؤمن‬ ‫أن يطالع الشبھة من تعلق بفھمه‪ ،‬وال يلتفت إلى الجواب‪ ،‬أو‬ ‫ينظرإلى الجواب‪ ،‬وال يفھم كنھه‪ ،‬قال الغزالي‪ :‬وما ذكره أحد‬ ‫حق‪ ،‬ولكن في شبھة لم تنتشر ولم تشتھر‪ ،‬أما إذا انتشرت‬ ‫فالجواب عنھا واجب‪ ،‬وال يمكن الجواب إال بعد الحكاية‪.‬‬ ‫كان أھل السنة من ناحية التفقه في الدين وتقرير أصول األحكام‬ ‫يبسطون القول إلى أبعد غاية‪ ،‬أما موقفھم أمام الفرق التي تتكلم‬ ‫في العقائد وما يتصل بھا‪ ،‬فيشبه موقف من يستخف بقوة‬ ‫خصمه‪ ،‬فال يعد لھم ما استطاع من قوة‪ ،‬أو ال يُعمل في دفاعھم‬ ‫ما لديه من سالح‪ ،‬حتى يجوسوا خالل أرضه‪ ،‬وينقصوھا من‬ ‫أطرافھا‪.‬‬ ‫سادت في القرن الثالث اآلراء المخالفة لمذھب السلف‪ ،‬حتى‬ ‫ظھر أبو الحسن األشعري فأحسن التعبير عن مذھب أھل‬ ‫السنة‪ ،‬وانقلب علم الكالم إلى ھيئة غير ھيئته التي خلعھا عليه‬

‫المعتزلة والمرجئة والمشبھة والقدرية‪ ،‬والذي يستطيع ان‬ ‫يجاھد فيقلب أمما كثيرة من جھة إلى أخرى‪ ،‬جدير بأن يعد في‬ ‫أعاظم الرجال‪ ،‬فإذا عرضنا عليك صحيفة من حياة أبي الحسن‬ ‫األشعري‪ ،‬فإنما نعرض عليك شيئا من سيرة رجل كان له في‬ ‫إصالح النفوس وتقويم العقول جھاد أي جھاد‪.‬‬ ‫نسب أبي الحسن األشعري ومولده‪:‬‬ ‫ھو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن‬ ‫عبدﷲ بن موسى بن بالل بن أبي بردة بن ابي موسى األشعري‬ ‫صاحب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬واألشعري نسبة إلى‬ ‫)أشعر( قبيلة باليمن‪ ،‬فنسبه عربي صريح‪ ،‬ومولده بالبصرة‬ ‫سنة ستين ومائتين‪.‬‬ ‫نشأته العلمية‪:‬‬ ‫نشأ األشعري بالبصرة‪ ،‬وھي يومئذ زاھية بالعلوم الدينية‬ ‫والعربية وفن الكالم‪ ،‬فأخذ السنة عن‪ :‬الحافظ زكريا بن يحيى‬ ‫الساجي‪ ،‬وأبي خليفة الجمحي‪ ،‬وسھل بن نوح‪ ،‬ومحمد بن‬ ‫يعقوب المقرئ‪ ،‬وعبدالرحمن بن خلف الضبي‪ ،‬وقد أكثر في‬ ‫تفسيره من الرواية عن ھؤالء‪،‬ثم رحل إلى بغداد‪ ،‬وأخذ عمن‬ ‫لقيه فيھا من علماء الحديث‪.‬‬ ‫ودرس علم الكالم على مذھب المعتزلة‪ ،‬فكان يتلقى على طائفة‬ ‫من كبارھم مثل أبي علي الجبائي‪ ،‬والشحام‪ ،‬والعطوي‪ ،‬وكان‬

‫متقدما في ھذا العلم على أقرانه‪ ،‬وسنحدثك قريبا عن براءته من‬ ‫مذھب المعتزلة‪ ،‬ورجوعه إلى مذھب أھل السنة‪.‬‬ ‫وإذا لم يذكر األشعري في طبقات المحدثين‪ ،‬فألن ھمته لم تكن‬ ‫مصروفة إلى اإلكثار من الرواية‪ ،‬وإنما كان يبذل جھده في‬ ‫تعرف آراء الفرق‪ ،‬والغوص على الحجج التي تنقض شبھھم‪،‬‬ ‫وتدمغ باطلھم‪ ،‬فال بأس عليه مما وصفه به بعض الحنابلة من‬ ‫أن خبرته بمقاالت أھل الكالم أوسع من خبرته بمذاھب أھل‬ ‫الحديث‪ ،‬وكثير ممن عاصروه أو تلقوا عنه قد شھدوا له بغزارة‬ ‫العلم‪ ،‬وحسن التصرف فيما يعلم‪ ،‬وقال األستاذ )أبو إسحق‬ ‫اإلسفرائيني(‪ :‬كنت في جنب الشيخ )أبي الحسن الباھلي(‬ ‫كقطرة في جنب البحر‪ ،‬وسمعت الباھلي يقول‪ :‬كنت في جنب‬ ‫األشعري كقطرة في جنب البحر‪.‬‬ ‫وھذه الشھادة وإن كانت صادرة عن تواضع من أبي الحسن‬ ‫الباھلي‪ ،‬ال تخلو من إيماء إلى عظم منـزلة أبي الحسن‬ ‫األشعري في العلم‪.‬‬ ‫مذھبه في أصول الدين‪:‬‬ ‫كان أبو الحسن األشعري في مبدأ أمره على مذھب االعتزال‪،‬‬ ‫ولزم أبا علي الجبائي سنين كثيرة‪ ،‬ثم اھتدى إلى أن الحق في‬ ‫جانب أھل السنة‪ ،‬وأراد أن يكون رجوعه عن االعتزال‬ ‫عالنية‪ ،‬فأتى المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ورقي‬ ‫كرسيا‪ ،‬ونادى بأعلى صوته قائال‪ :‬من عرفني فقد عرفني‪ ،‬ومن‬ ‫لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي‪ :‬أنا فالن بن فالن‪ ،‬كنت أقول‬ ‫بخلق القرآن‪ ،‬وأن ﷲ ال تراه أألبصار ـ يعني في الدار اآلخرة‬

‫ـ وأن أفعال الشر أنا أفعلھا‪ ،‬وأنا تائب مقلع معتقد للرد على‬ ‫المعتزلة‪.‬‬ ‫والواقع أنه لم يأت بمذھب جديد‪ ،‬وإنما صار إلى مذھب السلف‬ ‫وما كان عليه األئمة الراشدون‪ ،‬فقام بتأييده والنضال عنه‪،‬‬ ‫وإنما يُنسب إليه المتمسكون بمذھب أھل السنة ألنه زاد المذھب‬ ‫حججا‪ ،‬وألف فيه كتبا كثيرة‪ ،‬وقد صرح في كتاب )اإلبانة( بأنه‬ ‫على طريق السلف فقال‪)) :‬وديانتنا التي بھا ندين التمسك بكتاب‬ ‫ﷲ وسنة نبيه صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬وما روي عن الصحابة‬ ‫والتابعين وأئمة الحديث‪ ،‬ونحن بذلك معتصمون‪ ،‬وبما كان عليه‬ ‫أحمد بن حنبل نضر ﷲ وجھه ورفع درجته وأجزل مثوبته‬ ‫قائلون‪ ،‬ولمن خالف قوله مجانبون((‪ .‬وعوده إلى إلى مذھب‬ ‫أھل السنة بعد االعتزال شاھد ـ كما قال القاضي عياض في‬ ‫)المدارك( ـ على ثبات قدمه‪ ،‬وصحة يقينه في االلتزام بالسنة‪،‬‬ ‫إذ لم يلزمھا ألنه نشأ عليھا‪ ،‬وال اعتقدھا تقليدا‪.‬‬ ‫مذھبه في األحكام العملية‪:‬‬ ‫تنازع بعض أصحاب المذاھب أبا الحسن األشعري‪ ،‬كل ينسبه‬ ‫إلى مذھبه‪ ،‬ذكره ابن السبكي في )طبقات الشافعية( وقال‪ :‬قد‬ ‫زعم بعض الناس أن الشيخ مالكي المذھب‪ ،‬وليس بصحيح‪،‬‬ ‫وإنما كان شافعيا تفقه على أبي إسحق المروزي‪ ،‬نص على‬ ‫ذلك األستاذ )أبو بكر بن فورك( في )طبقات المتكلمين(‪،‬‬ ‫واألستاذ )أبو إسحق اإلسفرائيني( فيما نقله عنه الشيخ )أبو‬ ‫محمد الجويني( في )شرح الرسالة‪(.‬‬ ‫وذكره القاضي عياض في كتاب )المدارك( على أنه من فقھاء‬

‫المالكية‪ ،‬وقال‪ :‬ذكر محمد بن موسى بن عمران أن األشعري‬ ‫كان مالكيا وقال‪ :‬ذكر لي بعض الشافعية أنه كان شافعيا‪ ،‬حتى‬ ‫لقيت الشيخ الفاضل الفقيه رافعا الحمال الشافعي فذكر لي عن‬ ‫شيوخه أن أبا الحسن كان مالكيا‪ ،‬وكان مذھب مالك رحمه ﷲ‬ ‫تعالى في وقته شائعا في العراق‪ ،‬أيام إسماعيل بن إسحق‪.‬‬ ‫والذي يظھر أن أبا الحسن األشعري لم يؤلف كتابا في األحكام‬ ‫يستفاد منه أنه مستقل النظر في األحكام‪ ،‬أو أنه مقتد بأحد‬ ‫األئمة‪.‬‬ ‫قوته على المناظرة‪:‬‬ ‫تمرن األشعري على المناظرات منذ كان على مذھب‬ ‫االعتزال‪ ،‬حتى إن أستاذه أبا علي الجبائي كان إذا حضرت‬ ‫مناظرة‪ ،‬قال له‪ُ :‬نبْ عني‪ ،‬وكان الجبائي صاحب قلم‪ ،‬ولم يكن‬ ‫قويا على المناظرة في المجالس‪.‬‬ ‫وكان رحمه ﷲ يقصد إلى مواطن المعتزلة ليناظرھم‪ ،‬فقيل له‪:‬‬ ‫كيف تخالط أھل البدع‪ ،‬وتقصدھم بنفسك‪ ،‬وقد أمرت بھجرھم؟‬ ‫فقال‪ :‬ھم أولو رئاسة‪ :‬منھم الوالي والقاضي‪ ،‬ولرئاستھم ال‬ ‫ينـزلون إليّ ‪ ،‬فإذا كانوا ھم ال ينـزلون إليّ ‪ ،‬وال أسير أنا إليھم‪،‬‬ ‫فكيف يظھر الحق‪ ،‬ويعلمون أن ألھل السنة ناصرا بالحجة! ‪.‬‬ ‫وكان ال يبتدئ مناظريه بالسؤال‪ ،‬بل يقف موقف المجيب‬ ‫المدافع‪ ،‬حضر األستاذ أبو عبدﷲ بن خفيف مناظرة بين‬ ‫األشعري وبعض مخالفيه‪ ،‬فقضى العجب من علمه وفصاحته‪،‬‬ ‫وقال له‪ :‬لم ال تسأل أنت ابتداء؟ فقال األشعري‪ :‬أنا ال أكلم‬ ‫ھؤالء ابتداء‪ ،‬ولكن إذا خاضوا في ذكر ما ال يجوز في دين‬

‫ﷲ‪ ،‬رددنا عليھم بحكم ما فرض ﷲ سبحانه وتعالى علينا من‬ ‫الرد على مخالفي الحق‪.‬‬ ‫وجرت مناظرات بين أبي الحسن األشعري والجبائي‪ ،‬منھا‬ ‫مناظرة في قول الجبائي كسائر معتزلة البصرة‪ :‬إنه يجب على‬ ‫ﷲ تعالى مراعاة األصلح بمعنى األنفع للعبد‪ ،‬فسأل األشعريُّ‬ ‫أبا علي الجبائي عن ثالثة إخوة عاش أحدھم في الطاعة‪،‬‬ ‫وأحدھم في الكفر والمعصية‪ ،‬واآلخر مات صغيرا‪ ،‬فقال له‬ ‫الجبائي‪ :‬يثاب األول ويعاقب الثاني‪ ،‬وال يعاقب الثالث وال‬ ‫يثاب‪ ،‬فقال األشعري‪ :‬إن قال الثالث‪ :‬يارب ھل عمرتني‪،‬‬ ‫فأصلح‪ ،‬فأدخل الجنة كما دخلھا أخي المؤمن! فأجاب الجبائي‬ ‫بأن الرب يقول‪ :‬كنت أعلم أنك لو عشت لفسقت فدخلت النار‪،‬‬ ‫ثم قال األشعري‪ :‬فإن قال الثاني‪ :‬يارب لِ َم َل ْم ُتمِتني صغيرا‬ ‫حتى ال أعصي فال أدخل النار كما أ َم َّ‬ ‫ت الثالث! فانقطع‬ ‫الجبائي‪.‬‬ ‫فمعتزلة البصرة ھم الذين يرون وجوب مراعاة األصلح بمعنى‬ ‫األنفع للعبد‪ ،‬أما معتزلة بغداد فيذھبون في تفسير األصلح الذي‬ ‫يجب على ﷲ مراعاته إلى معنى األوفق في الحكمة والتدبير‪،‬‬ ‫وليس ھذا المذھب بموضع المناظرة السالفة‪ ،‬ألن الحكمة ال‬ ‫تتبع جلب المنفعة أو درء المفسدة الشخصية‪ ،‬وإنما تقوم على ما‬ ‫يقتضيه حسن النظام العام للخليقة‪.‬‬ ‫أخالقه وتقواه‪:‬‬ ‫كان في أبي الحسن دعابة‪ ،‬وكان له مع ھذه الدعابة غيرة على‬ ‫الحق حامية‪ ،‬وتلك الغيرة ھي التي تدفعه إلى مقارعة مخالفيه‬

‫غير مبال بما كان لھم من جاه أو رئاسة‪ ،‬قال أحد أصحابه‪:‬‬ ‫))إنه كان حضر معه مجلسا في جماعة من المبتدعة‪ ،‬فقام فيه‬ ‫مقاما حسنا‪ ،‬وكسر حجتھم‪ ،‬فلما خرج قلت له‪ :‬جزاك ﷲ‬ ‫خيرا‪ ،‬قال‪ :‬وما ذاك؟ قلت‪ :‬لمقامك ھذا تعالى ونصر دينه‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬يا أخي إنا ابتلينا بأمراء سوء أظھروا بدع المخالفين‪،‬‬ ‫ونصروھا‪ ،‬فوجب علينا القيام ‪ ،‬والذب عن دينه حسب‬ ‫الطاقة‪ ،‬فمسألة من معرفة ربك‪ ،‬وما تطيعه به وتتقرب به إليه‬ ‫أجدى عليك من ھذا((‪.‬‬ ‫وھذه القصة تدلك على أنه كان يؤثر الحق على رضى األمراء‪،‬‬ ‫وأنه كان من التواضع بحال من يذكر أن االزدياد من معرفة ﷲ‬ ‫واإلقبال على فعل الطاعات يفضل ما كان يشتغل به من‬ ‫مقارعة االبتداع على طريقة علم الكالم‪.‬‬ ‫وفي أبي الحسن خصلة يع ُِّز في أھل العلم وجودھا‪ ،‬وھي‬ ‫الرجوع عن الرأي عندما يستبين الحق‪ ،‬وشاھد ھذا أنه نفض‬ ‫يده من مذھب االعتزال عالنية عندما استبان أن الحق في‬ ‫جانب أھل السنة‪ ،‬وكان قد صنف في أيام اعتزاله كتابا كبيرا‬ ‫نصر فيه مذھب االعتزال‪ ،‬وقد يقول في بعض مؤلفاته‪ :‬ألفنا‬ ‫كتابا في مسألة كذا‪ ،‬رجعنا عنه‪ ،‬ونقضناه‪ ،‬فمن وقع إليه فال‬ ‫ي َُعوِّ َلن عليه‪.‬‬ ‫وكان رحمه ﷲ متجمال بالحياء والورع‪ ،‬قال أحمد بن علي‬ ‫الفقيه‪ :‬خدمت اإلمام أبا الحسن بالبصرة سنتين‪ ،‬وعاشرته‬ ‫ببغداد إلى أن توفي‪ ،‬فلم أجد أورع منه‪ ،‬وال أغض طرفا‪ ،‬ولم‬ ‫أر أحدا أكثر حياء منه في أمور الدنيا‪ ،‬وال أنشط منه في أمور‬ ‫اآلخرة‪.‬‬ ‫وكان ينفق من غلة ضيعة وقفھا جده بالل بن أبي بردة‪.‬‬

‫خصومه‪:‬‬ ‫خصوم الرجل على قدر عظم شأنه‪ ،‬فكلما ارتفع الرجل درجة‪،‬‬ ‫أو ظھرت له مزية‪ ،‬تألم لھامن أحسوا من أنفسھم العجز عن أن‬ ‫يبلغوا شأوه‪ ،‬فليس من العجيب أن يكون لمثل األشعري خصوم‬ ‫يناوءونه‪ ،‬و َيعْ ُزون إليه من المقاالت ما لم ينطق به لسانه‪ ،‬ولم‬ ‫يخطر على قلبه‪ ،‬وليس من المعقول أن يقف األشعري لطوائف‬ ‫مختلفة المذاھب واآلراء وقفة من ال يعرف ذلك الذي يسميه‬ ‫الناس رھبة أو إحجاما‪ ،‬ويرجو مع ھذا أن يمضي في سالمة‬ ‫من أن يتحدثوا عنه في غير أمانة‪.‬‬ ‫ألصق به خصومه أقواال لم تسمع منه في مناظرة وال توجد له‬ ‫في كتاب‪ ،‬كما عزوا إليه أنه قال‪ :‬إن المعجز ھو كالم ﷲ تعالى‬ ‫الذي لم يزل غير مخلوق‪ ،‬وال نزل إلينا وال سمعناه قط‪ ،‬وقد‬ ‫ساق األستاذ ركن الدين )أبو محمد عبدﷲ الجويني( في كتاب‬ ‫)عقيدة اإلمام المطلبي( أشياء من ھذه األراجيف‪ ،‬وقال‪)) :‬قد‬ ‫تصفحت ما تصفحت من كتبه‪ ،‬وتأملت نصوصه في ھذه‬ ‫المسائل‪ ،‬فوجدتھا كلھا على خالف ما نسب إليه(( ثم قال‪)) :‬وال‬ ‫عجب أن اعترضوا عليه واخترصوا‪ ،‬فإنه رحمه ﷲ تعالى‬ ‫فاضح القدرية وعامة المبتدعة‪ ،‬وكاشف عوراتھم‪ ،‬وال خير‬ ‫فيمن ال يعرف حاسده((‪.‬‬ ‫وتحدث القاضي عياض في كتاب )المدارك( عمن يناوئون‬ ‫األشعري فنسب طائفة منھم إلى الغلو في ترك التأويل حتى‬ ‫وقعوا في التشبيه‪ ،‬ثم قال‪)) :‬وأكثر من شنع عليه باألندلس ابن‬

‫حزم‪ ،‬فإنه مأل كتابه وعلى أئمة أصحابه كذبا وتشانيع باطلة‪،‬‬ ‫وذلك في كتابه المسمى بـ))النصائح والفضائح((‪.‬‬ ‫وألبي العباس أحمد بن محمد بن عبدالمنعم القرطبي رسالة ر َّد‬ ‫بھا على شخص تورط في ھجو األشعري‪ ،‬تسمى ))زجر‬ ‫المفتري على أبي الحسن الشعري(( قال في مطلعھا‪:‬‬ ‫أسير الھوى ضلت خطاك عن القصد فھا أنت ال ُتھدَى لخيـر‬ ‫وال َتھْـدِي‬ ‫والع َلـم الفـرد‬ ‫سللت حساما مـن لسانـك كاذبـا على عالم اإلسـالم َ‬ ‫تمرست في أعراض بيـت مقـدس رمى ﷲ منك الثغر بالحجر‬ ‫الصلـد‬ ‫ومما قال في وصف األشعري‪:‬‬ ‫وسـل حسامـا مـن بيـان فھـومـه فـرد سيـوف الغـي مغلولـة‬ ‫الـحـد‬ ‫وأبدى علومـا ميـزت فضـل فضلـه كتمييز ذي البردين‬ ‫والغـرس والـورد‬ ‫فجاءت مجيء الصبح‪ ،‬والصبح واضـح وسارت مسير الشمس‬ ‫والشمس في السعد‬ ‫سللن سيوف الحق في موطـن الھـدى فغادرن صرعى‬ ‫الملحديـن بـال لحـد‬

‫وأيـدن ديـن ﷲ فـي أفــق الـعـال بال منصـل عضـب‪ ،‬وال فـرس‬ ‫نھـد‬ ‫وأمضين حكم النقـل والعقـل فاحتـوى كالم إمـام الحـق مجـدا‬ ‫علـى مجـد‬ ‫أنصاره‪:‬‬ ‫قلنا فيما سلف‪ :‬إن األشعري لم يبتدع مذھبا جديدا‪ ،‬وإنما ھو‬ ‫مقرر لمذھب السلف المبني على الوقوف عند نصوص الكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬وترك تأويلھا حيث لم يعارضھا قاطع من معقول أو‬ ‫محسوس‪ ،‬فمزية األشعري أنه بسط البحث والمناضلة عنھا‬ ‫بالحجج النظرية‪ ،‬أي على طريقة علم الكالم‪ ،‬وھي الطريقة‬ ‫التي مكنته من الظھور على من يدرسون أو يدعون الفلسفة‪،‬‬ ‫ويتعلقون في الجدال عن مذاھبھم بشيء من آرائھم‪ ،‬وألخذه‬ ‫بظاھر الكتب والسنة‪ ،‬وتصديه لمدافعة كل فرقة شاذة أو ضالة‬ ‫بمثل سالحھا‪ ،‬كان لمؤلفاته الوقع الحسن في نفوس أكثر أھل‬ ‫العلم من أتباع األئمة‪ ،‬قال القاضي عياض في كتاب )المدارك(‪:‬‬ ‫))فلما كثرت تآليفه وان ُتفع بقوله‪ ،‬وظھر ألھل الحديث والفقه‬ ‫َذبُّه عن السنن والدين‪ ،‬تعلق بكتبه أھل السنة وأخذوا عنه‪،‬‬ ‫ودرسوا عليه‪ ،‬وتفقھوا في طريقه‪ ،‬وكثر طلبته وأتباعه لتعلم‬ ‫تلك الطرق في َ‬ ‫الذبِّ عن السنة وبسط الحجج واألدلة في نصر‬ ‫الملة((‪.‬‬ ‫وقد ينساق أبو الحسن األشعري في مجادلة الخصوم إلى آراء‬ ‫ال تمس أصول العقائد‪ ،‬وال ترجع إلى صريح القرآن أو السنة‪،‬‬

‫وأكثر ما يخالفه فيه بعض علماء السنة الذين يجلونه كإمام‬ ‫الحرمين وغيره من الراسخين في العلم عائد إلى ھذا القبيل‪.‬‬ ‫أنكر بعض أھل العلم على اإلمام الرازي مناقشته لألشعري في‬ ‫بعض مؤلفاته‪ ،‬فقال ابن السبكي‪ :‬واإلمام الرازي ال ينكر عظمة‬ ‫األشعري‪ ،‬كيف وھو على طريقته يمشي‪ ،‬وبقوله يأخذ! ولكن لم‬ ‫تبرح األئمة يعترض متأخرُھا على متقدمھا‪ ،‬وال يشينه ذلك‪ ،‬بل‬ ‫يزينه‪.‬‬ ‫ومن معاصري األشعري محمد بن محمد بن محمود أبو‬ ‫منصور الماتريدي المتوفى سنة ‪333‬ھـ وھو من أئمة أھل‬ ‫الحق‪ ،‬وبينه وبين األشھري خالف في مسائل يعذر كل منھما‬ ‫صاحبه في االجتھاد فيھا‪ ،‬وال يراه حائدا بھا عن مذھب أھل‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬ ‫ألبي الحسن مؤلفات كثيرة‪ ،‬حتى قيل إنھا تزيد على مائتي‬ ‫مصنف‪ ،‬من ھذه المؤلفات‪:‬‬ ‫‪1‬ـ كتاب ))الفصول في الرد على الخارجين على الملة من‬ ‫الملحدين والفالسفة والطبيعيين والدھريين وأھل التشبيه‬ ‫والقائلين بقدم الدھر على اختالف مقاالتھم وأنواع مذاھبھم((‪،‬‬ ‫ثم رد على البراھمة واليھود والنصارى والمجوس‪ ،‬وھو كتاب‬ ‫كبير يشتمل على اثني عشر كتابا‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ومنه كتاب ))الموجز))وھو يشتمل على اثني عشر كتابا‬ ‫على حسب تنوع مقاالت المخالفين من الخارجين عن الملة‬ ‫والداخلين فيھا‪ ،‬وآخره كتاب اإلمامة‪.‬‬

‫‪3‬ـ ومنھا تفسيره المسمى بـ))المختزن((‪ ،‬قال القاضي أبو بكر‬ ‫بن العربي في كتاب )القواصم والعواصم(‪ :‬انتدب األشعري إلى‬ ‫كتاب ﷲ فشرحه في خمسمائة مجلد‪ ،‬وسماه بالمختزن‪ ،‬ومنه‬ ‫أخذ الناس كتبھم‪ ،‬ومنه أخذ عبدالجبار الھمداني كتابه في تفسير‬ ‫القرآن الذي يسمى بالمحيط في مائة سفر‪ ،‬ثم ذكر ابن العربي‬ ‫أن الصاحب ابن عباد بذل عشرة آالف دينار لخازن الكتب في‬ ‫بغداد‪ ،‬فألقى النار في الخزانة‪ ،‬فاحترقت الكتب واحترق من‬ ‫بينھا ))المختزن(( ولم تكن منه إال نسخة واحدة‪ ،‬فنفدت من‬ ‫أيدي الناس‪ ،‬وكان الصاحب بن عباد على مذھب المعتزلة‪،‬‬ ‫وألبيه عباد بن عباس كتاب أحكام القرآن ينصر فيه مذھب‬ ‫االعتزال‪.‬‬ ‫وليس بين أيدينا من مؤلفات أبي الحسن غير كتاب ))اإلبانة((‪،‬‬ ‫ور َّد على ما يخالفھا من آراء‬ ‫وھو كتاب قرر فيه عقيدة السلف‪َ ،‬‬ ‫اعتزالية‪ ،‬ومنه يقف القارئ على طريقة الشيخ في الرد على‬ ‫مخالفيه‪ ،‬ويعرف كيف كان يجمع في االستدالل بين السمع‬ ‫والعقل‪.‬‬ ‫وفاته‪:‬‬ ‫توفي أبو الحسن رحمه ﷲ تعالى في بغداد سنة أربع وعشرين‬ ‫وثالثمائة‪ ،‬قال أبو علي زاھر بن أحمد السرخسي‪ :‬لما قرب‬ ‫أجل أبي الحسن األشعري دعاني فأتيته‪ ،‬فقال‪ :‬اشھد علي أني ال‬ ‫أكفر أحدا من أھل ھذه القبلة‪ ،‬ألن الكل يشيرون إلى معبود‬ ‫واحد‪ ،‬وإنما ھذا كله اختالف عبارات‪.‬‬ ‫ومات في حجر أبي علي ھذا‪ ،‬وكانوا يصفونه عند النداء‬

‫لجنازته بناصر الدين‪ ،‬ودفن في تربة بين الكرخ وباب البصرة‪،‬‬ ‫قال أبو الحسن القابسي‪ :‬لقد مات األشعري يوم مات وأھل‬ ‫السنة باكون عليه وأھل البدع مستريحون منه‪ .‬أفاض ﷲ على‬ ‫قبره رحمة ونورا‪.‬‬

‫ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺭﺍﺕ ﺣﻮﻝ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬ ‫السؤال‪:‬‬ ‫عندي استفسارات عن‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬حديث الجارية كما نعلم له عدة روايات صحيحة ومختلفة‬ ‫األلفاظ ‪ ،‬فمنھا ) أتشھدين أن ال إله إال ﷲ ‪ ( ...‬ومنھا ) سألھا‬ ‫من ربك ‪ ، (..‬فھل يحمل ذلك على تصرف الراوي أم على‬

‫اختالف الحادثة ‪ ،‬وكيف نجمع بين الروايات ‪..‬؟؟ وما تعليقك‬ ‫على قول ابن حجر ‪ :‬ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليھود‬ ‫ال إله إال الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك‪ ،‬إال إن كان عاميا‬ ‫ال يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك كما في قصة الجارية‬ ‫التي سألھا النبي صلى ﷲ عليه وسلم أنت مؤمنة‪ ،‬قالت نعم‪،‬‬ ‫قال فأين ﷲ؟ قالت في السماء‪ ،‬فقال أعتقھا فإنھا مؤمنة‪.‬‬ ‫وبالنسبة لراويه ‪ :‬معاوية بن الحكم السلمي ‪ :‬قال عنه البخاري‬ ‫‪ :‬له صحبة ‪ ،‬وال أدري لماذا ال يقال أنه صحابي ‪ ،‬وما تأثير‬ ‫ذلك على درجة حديثه ‪ ..‬فكيف إذا قيل عنه أعرابي ؟؟‬ ‫ان َن ِبيّ م َِن األ ْن ِب َيا ِء َي ُخ ّ‬ ‫ط َف َمنْ َوا َف َق‬ ‫ في الحديث نفسه ورد ‪َ ) :‬ك َ‬‫َخ ّ‬ ‫ط ُه َف َذاك( ‪ ،‬وھذا قد يستغله البعض إلباحة العرافة والتكھن ‪،‬‬ ‫وھل يفعل ذلك األنبياء ‪..‬؟‬ ‫فھل ورد عن غير معاوية ھذا شيء شبيه بھذه الرواية ‪ ،‬أم‬ ‫تفرد بھا ‪ ،‬؟؟‬ ‫وقد أجمع العلماء على عدم جواز الخط ‪ ،‬خالفا لظاھر الرواية‬ ‫‪!..‬‬ ‫قال النووي‪ :‬قد اتفقوا على النھي عنه االَن‬ ‫في حديثه أيضا أنه تكلم أثناء الصالة ‪ ،‬مما يدل على عدم علمه‬ ‫بأحكام الصالة ‪ ،‬قال النووي ‪:‬‬ ‫أما كالم الجاھل إذا كان قريب عھد باإلسالم فھو ككالم الناسي‬ ‫فال تبطل الصالة بقليله لحديث معاوية بن الحكم‬ ‫انظر كيف وصفه ‪ :‬جاھل قريب عھد باإلسالم !!!‬ ‫كما أن عبد الرزاق رواه في الجامع بلفظ ‪:‬‬ ‫عن زيد بن أسلم قال‪ :‬عطس رجل في الصالة فقال له ))‬ ‫أعرابي (( إلى جنبه‪ :‬رحمك ﷲ‪ ،‬قال األعرابي‪ :‬فنظر إلي‬

‫القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬واثكاله‬ ‫ثانيا‪ :‬كيف تفسر عبارة )الذي في السماء ( الواردة في‬ ‫األحاديث التالية ‪:‬‬ ‫أخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه‬‫والبيھقي في الدالئل بسند صحيح‪ ،‬عن ابن عباس رضي ﷲ‬ ‫عنھما قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪" :‬لما أسري بي‬ ‫مرت بي رائحة طيبة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا جبريل ما ھذه الرائحة الطيبة؟‬ ‫قال‪ :‬ماشطة بنت فرعون وأوالدھا كانت تمشطھا‪ ،‬فسقط المشط‬ ‫من يدھا‪ ،‬فقالت بسم ﷲ‪ ،‬فقالت ابنة فرعون‪ ،‬أبي؟ قالت‪ :‬بل‬ ‫ربي وربك ورب أبيك‪ .‬قالت‪ :‬أولك رب غير أبي؟ قالت‪ :‬ألك‬ ‫رب غيري؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ربي وربك ﷲ الذي في السماء‪.‬‬ ‫ في سنن أب داوود ‪ :‬عن ِأبي ال ّدرْ دَ ا ِء قا َل َس ِمعْ ُ‬‫ت َرسُو َل ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم َيقُو ُل‪َ " :‬منْ ا ْش َت َكى ِم ْن ُكم َشيْئا ً أو ا ْش َت َكاهُ أ ٌخ‬ ‫ُك في ال ّس َما ِء‬ ‫ُك أَ ْمر َ‬ ‫س اسْ م َ‬ ‫َل ُه َف ْل َيقُ ْل‪َ :‬ر ّب َنا ﷲ الّذِي في السّماء َت َق ّد َ‬ ‫ض‬ ‫ض كما َرحْ َم ُت َ‬ ‫ك في ال ّس َماء فاجْ َع ْل َرحْ َم َت َ‬ ‫َواألرْ ِ‬ ‫ك في األرْ ِ‬ ‫ت َربّ ّ‬ ‫ْ‬ ‫اغ ِفرْ َل َنا حُو َب َنا َو َخ َطا َيا َنا أ ْن َ‬ ‫ين أ ْن ِز ْل َرحْ َم ًة مِن‬ ‫الطي ِّب َ‬ ‫ِك َع َلى َھ َذا ْال َو َج ِع َف َيب َْرأ ُ"‬ ‫ك َوشِ َفا ًء ِمنْ شِ َفائ َ‬ ‫َرحْ َم ِت َ‬ ‫ وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس ـ‬‫مولى لعبد اللھابن عمرو بن العاص ـ عن عبد ﷲ بن عمرو أن‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال "ارحموا من في األرض‬ ‫يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي وقال حديث حسن‬ ‫صحيح‬ ‫ﷲ صلى‬ ‫‪ -‬في صحيح مسلم ‪َ :‬عنْ أَ ِبي ھ َُري َْرة َقا َل‪َ :‬قا َل َرسُو ُل ّ ِ‬

‫امْرأَ َت ُه‬ ‫ﷲ عليه وسلم‪َ " :‬والّذِي َن ْفسِ ي ِب َي ِد ِه! َما ِمنْ َرج ٍُل َي ْدعُو َ‬ ‫ان الّذِي فِي ال ّس َما ِء َساخِطا ً َع َل ْي َھا‪،‬‬ ‫إِ َلى ف َِراشِ َھا‪َ ،‬ف َتأْ َبى َع َل ْيهِ‪ ،‬إِالّ َك َ‬ ‫ضى َع ْن َھا"‬ ‫َح ّتى َيرْ َ‬ ‫ثالثا‪ :‬قال العز بن عبد السالم ‪ :‬إن الشرع إنما عفا عن المجسمة‬ ‫لغلبة التجسيم على الناس ‪ ،‬فإنھم ال يفھمون موجودا في غير‬ ‫جھة‪ ،‬بخالف الحلول فإنه ال يعم االبتالء به وال يخطر على‬ ‫قلب عاقل ‪ ،‬فال يعفى عنه ) قال السيوطي بعده ‪ :‬مقصود الشيخ‬ ‫أنه ال يجري في تكفيرھم الخالف الذي جرى في المجسمة ‪ ،‬بل‬ ‫يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا ‪ ،‬وإن جرى في المجسمة‬ ‫خالف (‪.‬‬ ‫وقال ابن رشد الفيلسوف ما معناه ‪ :‬إنه وإن كان الحق أن ﷲ‬ ‫تعالى ليس جسما ‪ ،‬إال أنه ال يجوز التصريح بذلك لعامة الناس‬ ‫وذلك ألن عقولھم ال تستطيع أن تستوعب مثل ھذا الكالم ‪..‬‬ ‫ما رأيك في ھذه األقوال ‪..‬؟‬ ‫رابعا‪ :‬رأيتك تعتقد بتوبة ابن تيمية من أشياء خطيرة ) مثل‬ ‫حلول الحوادث ‪ -‬قدم العالم ‪ -‬فناء النار ( ‪ ،‬فما قولك بمن يعتقد‬ ‫ھذه األشياء اآلن وال يقتنع برواية التوبة التي تتمسك بھا ‪..‬؟؟‬

‫الجواب‪:‬‬ ‫األخ الكريم‪:‬‬ ‫سأجيب باختصار على ما فھمته من األسئلة على ھذا النحو ‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬بالنسبة الختالف ألفاظ حديث الجارية فمبني على اتحاد‬ ‫الحادثة ‪ ،‬وبالتالي عدم التعويل على أين ﷲ من باب ما طرقه‬ ‫االحتمال سقط به االستدالل ‪ ،‬أقول ھذه طريقة اإلمام البيھقي‬ ‫وآخرون ‪ ،‬وقد سبق وأشرت إلى كالم لإلمام أحمد كما رواه‬ ‫الخالل عنه قال فيه ليس كل أحد يقول إنھا مؤمنة ‪ ،‬وھذه‬ ‫الطريقة مرجعھا إلى اختالف األلفاظ ودخول االحتمال كما‬ ‫ترى حتى على القول بتعدد الحادثة ‪ ،‬وھي وجيھة ‪ ،‬ومن قال‬ ‫بتعدد الحادثة يلزمه قول أحمد المؤسس على نفي اإليمان أو‬ ‫نفيه في الحال ‪ ،‬أو يصير إلى التاوبل بحمل كالم الجارية على‬ ‫محمل يخرجه عن الحلول والجھة ‪..‬‬ ‫وأما الكالم على معاوية بن الحكم باعتباره أعرابيا فطريقة ال‬ ‫تعجبني ‪ ،‬ويلزم عليھا اطراح أحاديث األعراب أو الشك فيھا‬ ‫مع أن العبرة بصحة النقل والوثاقة وفھم اللغة وھذا حاصل ‪..‬‬ ‫وأما رواية الخط فقد قدح فيھا أبو الوليد بن رشد الجد الفقيه‬ ‫المالكي في رسالة له طبعت باسم ) الرد على من ذھب إلى‬ ‫تصحيح علم الغيب من جھة الخط لما روي في ذلك من أحاديث‬ ‫ووجه تاويلھا(‬ ‫وقال في ھذه الرسالة طبع دار ابن حزم ص‪: 42‬‬

‫)) وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم في‬ ‫الخط فال يصح عنه من طريق صحيح ‪ ،‬وإن صح فال بد من‬ ‫تأويل على ما يطابق القرآن وال يخرج عما انعقد عليه بين أھل‬ ‫السنة اإلجماع ‪ ،‬فنقول إن معنى قول النبي صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم‪ :‬فمن وافق خطه علم ‪ ،‬اإلنكار ال اإلخبار (( اھـ ‪.‬‬ ‫كما يفھم القدح أيضا من إطالق ابن العربي في أحكام القرآن‬ ‫عدم صحة شيء في الخط ‪ 696/4‬وقد تعقبه القرطبي في‬ ‫التفسير ‪ 179/16‬بتصحيح حديث معاوية بن الحكم ‪ ..‬لكن‬ ‫الشذوذ ال ينافي صحة السند‪.‬‬ ‫وأما ھل وردت آثار تؤيد حديث معاوية ھذا فنعم جاء ھذا عن‬ ‫ابن عباس في تفسير قوله تعالى )أو أثارة من علم( وروي‬ ‫أيضا عن أبي ھريرة ‪ ،‬وفي الرسالة السالفة البن رشد بيان‬ ‫لذلك ‪ ،‬وراجع فتح الباري ‪ 576/8‬وغيره ‪..‬‬ ‫ونعته بالجھل اعتذار عنه وبيان لوجه صدور ما صدر منه‬ ‫لعدم مؤاخذته ال استصغارا واحتقارا ‪ ،‬وھذا معقول في حديث‬ ‫عھد باإلسالم ‪..‬‬ ‫ثانيا‪ :‬وأما كيف أفسر عبارة )الذي في السماء ( الذي في قصة‬ ‫الماشطة فھذا ظاھره أن ﷲ حال في السماء التي تعرفھا‬ ‫الماشطة !!! وھذا إما لقرب عھدھا باإليمان فتعذر للجھل ‪ ،‬وإما‬ ‫عنت الذي في السماء سلطانه وقھره ونحو ذلك مما قاله األئمة‬ ‫في مناسبات كثيرة ‪ ،‬على أن ھذه القصة ال يصح سندھا ألن‬ ‫راويھا ھو عطاء بن السائب وقد اختلط فسقطت روايته ‪،‬‬

‫وحماد بن سلمة الراوي عنه اختلف العلماء في روايته عن‬ ‫عطاء ھل ھي قبل أو بعد االختالط ‪ ،‬فال تقوم به حجة على ھذا‬ ‫‪ ،‬وقد أشار الھيثمي إلى ھذا في مجمع الزوائد ‪..‬‬ ‫ُك ( فھذه فيھا‬ ‫وأما رواية ) َر ّب َنا ﷲ الّذِي في السّماء َت َق ّد َ‬ ‫س اسْ م َ‬ ‫جار وجرور ھما ) في السماء ( فيجوز أن يكون الجار‬ ‫والمجرور متعلقين بما قبلھما يعني ) ﷲ الذي في السماء (‬ ‫ويجوز أن يكونا متعلقين بما بعدھما أي ) في السماء تقدس‬ ‫اسمك ( وعلى ھذا الوجه فال داللة فيه ألن الذي في السماء إنما‬ ‫ھو تقديس االسم من المالئكة ‪ ..‬وسيأتي أن ھذا الوجه تؤيده‬ ‫رواية صريحة سيأتيك ذكرھا ‪..‬‬ ‫وقد كنت من مدة طويلة كتبت تعليقا على ھذا الحديث في‬ ‫ھامش كتاب السيف الصقيل ص ‪ 140‬طبعة مكتبة زھران‬ ‫استدركت به على العالمة الكوثري وھذا ھو أثبته بنصه ‪:‬‬ ‫)) لھذا الخبر ثالث طرق ھذه إحداھا ‪ ،‬وھي كما ترى ] أعني‬ ‫التي أشار إليھا الكوثري وفي سندھا زيادة بن محمد منكر‬ ‫الحديث [ ‪ ،‬والثانية عن أبي بكر بن أبي مريم وھو ضعيف عن‬ ‫أشياخه وھم مجاھيل ‪ ،‬والثالثة من طريق طلق بن حبيب عن‬ ‫أبيه ‪ ،‬ورواھا شعبة فقال ‪ :‬عن طلق عن رجل من أھل الشام‬ ‫عن أبيه أن رجال ‪ ..‬وصححھا الحافظ عبدان !! عن ] الرواية [‬ ‫السابقة ‪ ،‬لكن لفظھا ‪ ) :‬ربنا ﷲ الذي تقدس في السماء اسمه (‬ ‫فبين أن الجملة متعلقة بتقدس اسمه وھي معينة ألحد االحتمالين‬ ‫‪ ،‬وعليھا ال حجة ‪ ..‬البن القيم ‪ ،‬والطرق كلھا ضعيفة (( اھـ‬ ‫وھو واضح ‪.‬‬

‫وأما حديث الراحمون فھو مشھور لكنه ضعيف لذاته وإن حسنه‬ ‫الحفاظ لشواھده ألن راويه أبا قابوس مجھول ومع ھذا فالقول‬ ‫فيه كالقول في قوله تعالى ءأمنتم من في السماء سواء بسواء ‪..‬‬ ‫ان الّذِي فِي ال ّس َما ِء َساخِطا ً َع َل ْي َھا‪ ،‬فراجع‬ ‫وأما حديث إِالّ َك َ‬ ‫صحيح مسلم تر الروايات مصرحة بأن الساخط والالعن ھم‬ ‫المالئكة ‪..‬‬ ‫ثالثا‪ :‬وأما كالم العز بن عبدالسالم فقد شرحه السيوطي‬ ‫ومقصوده بالتجسيم القول بالجھة الحسية السيما مع نفي اللوازم‬ ‫فھذا في إكفاره خالف ‪ ،‬واألصح عند األشاعرة عدم اإلكفار بھا‬ ‫وﷲ أعلم ‪ ،‬وليس كذلك الحلول ‪ ،‬فمقصود العز أن الخالف‬ ‫على اإلكفار في الجھة واإلجماع عليه في الحلول دليل على‬ ‫اختالف المسألتين بسبب وضوح الكفر في الثاني ‪..‬‬ ‫وأما ابن رشد فھذا ھو الفيلسوف وال ينبغي االلتفات إليه وقد‬ ‫كاد يقتل على الزندقة بفتاوى أشاعرة المغرب لوال السالطين ‪،‬‬ ‫وكون الحديثي العھد في اإلسالم ـ فضال عن العوام من‬ ‫المسلمين ـ ينزھون ﷲ عن كونه صنما وحجرا ونارا وعجال‬ ‫وجسدا ـ وكلھا أجسام ـ فأمر ال يحتاج إلى تدليل وفيه رد على‬ ‫ھذا الفيلسوف ‪ ،‬وكل العوام عقيدتھم أحسن من عقيدة ھذا‬ ‫الفيلسوف الخبيث الذي دافع عن كفريات الفالسفة ورد على‬ ‫الغزالي ‪..‬‬

‫رابعا‪ :‬ينبغي التنبيه إلى أن ابن تيمية لم يقل بقدم العالم بل قال‬ ‫بقدم النوع وبينھما فرق كبير ‪ ،‬وقدم النوع حكم قائله حكم‬ ‫المعتزلة الذين أثبتوا قادرا ولم يثبتوا قدرة فلم يكفرھم أھل السنة‬ ‫بسبب التنتاقض في كالمھم ‪ ،‬وأما حلول الحدواث في الذات‬ ‫وھي عقيدة الكرامية فتكفير قائلھا واجب ‪ ،‬وأما فناء النار فھو‬ ‫جھمي وال نكفره ‪ ،‬فبان أن المستحق للتكفير ھو القائل بحلول‬ ‫الحوادث بالذات دون القول بالقدم النوعي أو فناء النار في‬ ‫األصح إن شاء ﷲ ‪ ،‬فمن قال من أتباعه بحلول الحوادث بالذات‬ ‫فھو كافر ‪ ..‬وﷲ أعلم ‪.‬‬

‫ِﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺸﻮﻛﺎﻧﻲ‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﺳﻞ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬

‫ف ‪" :‬أنَّ رجالً‬ ‫بن حُني ٍ‬ ‫ضرير‬ ‫البصر أتى ال َّنبيَّ‬ ‫َ‬ ‫َعن ع ُْث َم َ‬ ‫ان ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫ﷲ أنْ يُعافيني‪َ ،‬قا َل إنْ شِ َ‬ ‫ئت‬ ‫ﷲُ َع َل ْي ِه َ‬ ‫َ‬ ‫وسلَّم ف َقا َل‪ :‬اد ُع َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عوت‪ ،‬وإنْ شِ َ‬ ‫فأمرهُ‬ ‫لك‪َ ،‬قا َل فادعُهْ ‪َ ،‬قا َل‬ ‫ئت‬ ‫دَ‬ ‫َ‬ ‫فھو خي ٌر َ‬ ‫صبرت َ‬ ‫أسألك‬ ‫ُحسن وُ ضُو َءهُ ويدعو ب َھ َذا ال ُّدعا ِء‪ :‬الَّل ُھ َّم إ ِّني‬ ‫َ‬ ‫أنْ يتوضَّأ في َ‬ ‫ِّك م َُحمَّد نبيِّ الرَّ حم ِة إ ِّني توجَّ ُ‬ ‫بك إِلى َربِّي‬ ‫ھت َ‬ ‫إليك بنبي َ‬ ‫وأتوجَّ ُه َ‬ ‫ضى لي‪ ،‬الَّل ُھ َّم َف َش ِّفعْ ُه فيَّ " ‪ .‬حديث صحيح‬ ‫في حاجتي ھ ِذ ِه ل ُت ْق َ‬ ‫أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ‪ ،‬وابن ماجه باب ما جاء‬ ‫في صالة الحاجة ‪ ،‬والنسائي في عمل اليوم والليلة ‪ ،‬والحاكم‬ ‫في المستدرك وابن خزيمة في صحيحه ‪ ،‬والطبراني في الدعاء‬ ‫وغيرھم ‪.‬‬ ‫قال الشوكاني في تحفة الذاكرين ‪ )) :‬وفي الحديث دليل على‬ ‫جواز التوسل برسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إلى ﷲ عز وجل‬ ‫مع اعتقاد أن الفاعل ھو ﷲ سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع‬ ‫‪ ،‬ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (( انتھى ‪.‬‬ ‫وقال فيھا في شرح قول صاحب العمدة ‪ ) :‬ويتوسل إلى ﷲ‬ ‫بأنبيائه والصالحين ( ما لفظه ‪ )) :‬ومن التوسل باألنبيا ء ما‬ ‫أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي ﷲ عنه أن‬ ‫أعمى أتى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال‪ :‬وأما‬ ‫التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة‬ ‫استسقوا بالعباس رضي ﷲ عنه عم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وقال عمر رضي ﷲ عنه اللھم إنا نتوسل إليك بعم نبينا‬ ‫الخ (( انتھى ‪.‬‬ ‫وقال في رسالته ) الدر النضيد في إخالص كلمة التوحيد (‪)) :‬‬ ‫وأما التوسل إلى ﷲ سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه‬ ‫العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السالم إنه ال‬

‫يجوز التوسل إلى ﷲ تعالى إال بالنبي صلى ﷲ عليه وسلم إن‬ ‫صح الحديث فيه اھـ ‪ .‬ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه‬ ‫النسائي في سننه والترمذي وصححه وابن ماجه وغيرھم أن‬ ‫أعمى أتى إلى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ﷲ‬ ‫إني أصبت في بصري فادع ﷲ لي ‪ ،‬فقال له النبي صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم ‪ )) :‬توضأ وصل ركعتين ثم قل ‪ :‬اللھم إني أسألك‬ ‫وأتوجه إليك بنبيك محمد ‪ ،‬يا محمد إني أستشفع بك في رد‬ ‫بصري اللھم شفع النبي فيّ (( وقال ‪ )) :‬فإن كان لك حاجة‬ ‫فمثل ذلك (( فرد ﷲ بصره‪.‬‬ ‫وللناس في معنى ھذا قوالن ‪:‬‬ ‫أحدھما ‪ :‬أن التوسل ھو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال ‪:‬‬ ‫كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم‬ ‫نبينا وھو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضي ﷲ‬ ‫عنه أنھم كانوا يتوسلون بالنبي صلى ﷲ عليه وسلم في حياته‬ ‫في االستسقاء ‪ ،‬ثم توسل بعمه العباس بعد موته ‪ ،‬وتوسلھم ھو‬ ‫استسقاؤھم بحيث يدعو ويدعون معه ‪ ،‬فيكون ھو وسيلتھم إلى‬ ‫ﷲ تعالى ‪ ،‬والنبي صلى ﷲ عليه وسلم كان في مثل ھذا شافعا ً‬ ‫وداعيا ً لھم ‪.‬‬ ‫والقول الثاني ‪ :‬أن التوسل به صلى ﷲ عليه وسلم يكون في‬ ‫حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ‪ ،‬وال يخفاك أنه قد ثبت‬ ‫التوسل به صلى ﷲ عليه وسلم في حياته وثبت التوسل بغيره‬ ‫بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا ً سكوتيا ً لعدم إنكار أحد منھم‬ ‫على عمر رضي ﷲ عنه في التوسل بالعباس رضي ﷲ عنه ‪،‬‬ ‫وعندي أنه ال وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السالم ألمرين ‪:‬‬

‫األول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي ﷲ عنھم ‪.‬‬ ‫والثاني ‪ :‬أن التوسل إلى ﷲ بأھل الفضل والعلم ھو في التحقيق‬ ‫توسل بأعمالھم الصالحة ومزاياھم الفاضلة إذ ال يكون الفاضل‬ ‫فاضالً إال بأعماله ‪ ،‬فإذا قال القائل ‪ ) :‬اللھم إني أتوسل إليك‬ ‫بالعالم الفالني ( فھو باعتبار ما قام به من العلم ‪ ،‬وقد ثبت في‬ ‫الصحيحين وغيرھما أن النبي صلى ﷲ عليه وسلم حكى عن‬ ‫الثالثة الذين انطبقت عليھم الصخرة أن كل واحد منھم توسل‬ ‫إلى ﷲ بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ‪ ،‬فلو كان التوسل‬ ‫باألعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركا كما يزعمه‬ ‫المتشددون في ھذا الباب كابن عبد السالم ومن قال بقوله من‬ ‫أتباعه لم تحصل اإلجابة لھم وال سكت النبي صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنھم ‪ ،‬وبھذا تعلم أن ما‬ ‫يورده المانعون من التوسل باألنبياء والصلحاء من نحو قوله‬ ‫تعالى } ما نعبدھم إال ليقربونا إلى ﷲ زلفى { ونحو قوله تعالى‬ ‫} فال تدعوا مع ﷲ أحداً { ونحو قوله تعالى } له دعوة الحق‬ ‫والذين يدعون من دونه ال يستجيبون لھم بشيء { ليس بوارد‬ ‫بل ھو من االستدالل على محل النـزاع بما ھو أجنبي عنه ‪،‬‬ ‫فإن قولھم } ما نعبدھم إال ليقربونا إلى ﷲ زلفى { مصرح بأنھم‬ ‫عبدوھم لذلك ‪ ،‬والمتوسل بالعالم مثالً لم يعبده بل علم أن له‬ ‫مزية عند ﷲ بحمله العلم فتوسل به لذلك ‪ ،‬وكذلك قوله } وال‬ ‫تدعوا مع ﷲ أحداً { فإنه نھى عن أن يدعى مع ﷲ غيره كأن‬ ‫يقول با وبفالن ‪ ،‬والمتوسل بالعالم مثالً لم يدع إال ﷲ فإنما‬ ‫وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل‬ ‫الثالثة الذين انطبقت عليھم الصخرة بصالح أعمالھم وكذلك‬ ‫قوله } والذين يدعون من دونه { االَية فإن ھؤالء دعوا من ال‬

‫يستجيب لھم ولم يدعوا ربھم الذي يستجيب لھم والمتوسل‬ ‫بالعالم مثالً لم يدع إال ﷲ ولم يدع غيره دونه وال دعا غيره‬ ‫معه ‪ ،‬وإذا عرفت ھذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون‬ ‫للتوسل من األدلة الخارجة عن محل النـزاع خروجا ً زائداً على‬ ‫ما ذكرناه كاستداللھم بقوله تعالى } وما أدراك ما يوم الدين ثم‬ ‫ما أدراك ما يوم الدين يوم ال تملك نفس لنفس شيئا ً واألمر‬ ‫يومئذ { فإن ھذه االَية الشريفة ليس فيھا إال أنه تعالى المنفرد‬ ‫باألمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من األمر شيء ‪،‬‬ ‫والمتوسل بنبي من األنبياء أو عالم من العلماء ھو ال يعتقد أن‬ ‫لمن توسل به مشاركة جل جالله في أمر يوم الدين ‪ ،‬ومن‬ ‫اعتقد ھذا لعبد من العباد سواء كان نبيا ً أو غير نبي فھو في‬ ‫ضالل مبين ‪ ،‬وھكذا االستدالل على منع التوسل بقوله } ليس‬ ‫لك من األمر شيء { و قوله تعالى‪ } :‬قل ال أملك لنفسي نفعا ً‬ ‫وال ضراً { فإن ھاتين االَيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم من أمر ﷲ شيء وأنه ال يملك لنفسه نفعا ً‬ ‫وال ضراً فكيف يملك لغيره ‪ ،‬وليس فيھما منع التوسل به أو‬ ‫بغيره من األنبياء أو األولياء أو العلماء ‪ ،‬وقد جعل ﷲ لرسوله‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى‬ ‫وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل‬ ‫تعطه واشفع تشفع وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة ال‬ ‫تكون إال بإذنه وال تكون إال لمن ارتضى ‪ ،‬وھكذا االستدالل‬ ‫على منع التوسل بقوله صلى ﷲ عليه وسلم لما نزل قوله تعالى‬ ‫} وأنذر عشيرتك األقربين { يا فالن بن فالن ال أملك لك من‬ ‫ﷲ شيئا ً ‪ ،‬يا فالنة بنت فالن ال أملك لك من ﷲ شيئا ً‪ ،‬فإن ھذا‬ ‫ليس فيه إال التصريح بأنه صلى ﷲ عليه وسلم ال يستطيع نفع‬

‫من أراد ﷲ ضره وال ضر من أراد ﷲ تعالى نفعه ‪ ،‬وأنه ال‬ ‫يملك ألحد من قرابته فضالً عن غيرھم شيئا ً من ﷲ ‪ ،‬وھذا‬ ‫معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه ال يتوسل به إلى ﷲ فإن ذلك ھو‬ ‫طلب األمر ممن له األمر والنھي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين‬ ‫يدي طلبه ما يكون سببا ً لإلجابة ممن ھو المنفرد بالعطاء والمنع‬ ‫وھو مالك يوم الدين (( انتھى كالم الشوكاني ‪.‬‬

‫ﻋﺮﻑ ﺍﻟﺘﻔﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ‬ ‫ﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﺍﺑﻦ ﺭﻭﺍﺣﺔ‬ ‫بسم ﷲ الرحمن الرحيم‬

‫السؤال‪:‬‬ ‫الحمد ‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا رسول ﷲ ‪ ،‬وعلى آله‬ ‫وصحبه ومن اتبع ھداه ‪ ،‬وبعد ‪..‬‬ ‫فقد سألني بعض أھل العلم عن قصة عبدﷲ بن رواحة مع‬ ‫زوجه لما أنشدھا شعرا يوھمھا أنه من كالم ﷲ !! ھل تصح أم‬ ‫ال ؟؟ ‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫القصة المسؤول عنھا رويناھا في ) سنن الدارقطني ( ‪:‬‬ ‫أنبأني العالمة األديب عبدالقادر البخاري عن عبدالقادر‬ ‫المجددي عن فضل الرحمن عن الشاه عبدالعزيز عن أبيه الشاه‬ ‫ولي ﷲ عن أبي طاھر الكوراني عن أبيه البرھان عن النجم‬ ‫الغزي عن أبيه البدر عن أبي الفتح السكندري عن عائشة بنت‬ ‫محمد عن الحجار عن القطيعي عن الشھرزوري عن ابن‬ ‫المھتدي عن الحافظ الدراقطني في سننه ) مع المغني ‪120/1‬‬ ‫( قال ‪:‬‬ ‫)) حدثنا محمد بن مخلد نا العباس بن محمد الدوري ‪ ،‬وحدثنا‬ ‫إبراھيم بن دبيس بن أحمد الحداد نا محمد بن سليمان الواسطي‬ ‫قاال ‪ :‬نا أبو نعيم نا زمعة بن صالح عن سلمة بن وھرام عن‬ ‫عكرمة قال ‪:‬‬ ‫كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته ‪ ،‬فقام إلى جارية له‬

‫في ناحية الحجرة فوقع عليھا ‪ ،‬وفزعت امرأته ‪ ،‬فلم تجده في‬ ‫مضجعه ‪ ،‬فقامت وخرجت ‪ ،‬فرأته على جاريته ‪ ،‬فرجعت إلى‬ ‫البيت ‪ ،‬فأخذت الشفرة ثم خرجت ‪ ،‬وفرغ فقام فلقيھا تحمل‬ ‫الشفرة ‪ ،‬فقال مھيم ؟! فقالت ‪ :‬مھيم !! ‪ ،‬لو أدركتك حيث رأيتك‬ ‫لوجأت بين كتفيك بھذه الشفرة ‪ ،‬قال ‪ :‬وأين رأيتني ؟ قالت ‪:‬‬ ‫رأيتك على الجارية ‪ ،‬فقال ما رأيتني ‪ ،‬وقد نھى رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وھو جنب ‪ ،‬قالت ‪:‬‬ ‫فاقرأ ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أتانا رسول ﷲ يتلوا كتابه = كما الح مشھور من الفجر ساطع‬ ‫أتى بالھدى بعد العمى فقلوبنا = به موقنات أن ما قال واقع‬ ‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه = إذا استثقلت بالمشركين‬ ‫المضاجع‬ ‫فقالت آمنت با وكذبت بصري ‪ ،‬ثم غدا على رسول ﷲ صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فضحك حتى رأيت نواجذه صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم (( اھـ ‪.‬‬ ‫وھذه القصة المسؤول عنھا ينبغي النظر فيھا متنا وسندا ‪..‬‬ ‫أوال ‪ ) :‬بحث سندھا ( ‪:‬‬ ‫وما وقفت عليه من طرقھا ست فقط ‪:‬‬ ‫األولى ‪ ) :‬طريق عكرمة ( ‪:‬‬

‫عند الدارقطني في سننه ج‪1‬ص‪ 120‬وقد رويناھا من طريقه‬ ‫كما مضى ‪ ،‬وابن أبي الدنيا في األشراف ص‪ 113‬وغيرھما ‪،‬‬ ‫وفي السند إلى عكرمة ‪ ) :‬زمعة بن صالح ( و ) سلمة بن‬ ‫وھرام ( وھما ضعيفان ‪ ،‬وقد اختلف فيه على عكرمة فبعضھم‬ ‫يجعله موقوفا على عكرمة وبعضھم يجعله عن عكرمة عن ابن‬ ‫عباس ‪ ،‬فھذا الطريق ضعيف ‪ ،‬واألبيات المروية في ھذا‬ ‫الطريق سبق ذكرھا ‪.‬‬ ‫الثانية ‪ ) :‬طريق نافع ( ‪:‬‬ ‫عند ابن أبي الدنيا في األشراف ص‪ 114‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا وليد بن شجاع قال حدثني ابن وھب قال حدثني أسامة بن‬ ‫زيد الليثي أن نافعا حدثه قال ‪ )) :‬كانت البن رواحة امرأة‬ ‫وكان يتقيھا ‪ ،‬وكانت له جارية فوقع عليھا ‪ ،‬فقالت له ـ وفرقت‬ ‫أن يكون قد فعل ـ فقال سبحان ﷲ ‪ ،‬قالت ‪ :‬اقرأ علي إذن فإنك‬ ‫جنب فقال ‪:‬‬ ‫شھدت بإذن ﷲ أن محمدا = رسول الذي فوق السماوات من‬ ‫عل‬ ‫وأن أبا يحيى ويحيى كالھما = له عمل في دينه متقبل (( اھـ ‪.‬‬ ‫أسامة بن زيد الليثي في اإلسناد فيه ضعف خفيف ‪ ،‬واإلسناد‬ ‫منقطع بين نافع وعبدﷲ بن رواحة ‪ ،‬واألبيات فيه رويت في‬ ‫قصة أخرى منسوبة لحسان بن ثابت !! ومع ھذا ھي مغايرة‬

‫لألبيات التي في الطريق األولى !! وأخرجھا ابن أبي شيبة في‬ ‫مصنفه ‪ 174/6‬عن أبي أسامة عن نافع !! وأبو أسامة حماد بن‬ ‫زيد لم يدرك نافعا وھو مدلس وقد عنعن ‪ ،‬ومن طريق ابن أبي‬ ‫شيبة أخرجھا الموفق المقدسي في العلو ص‪ ، 100‬ونقل ھذ‬ ‫الطريق الذھبي في سير أعالم النبالء ‪ ، 238/1‬فليس ھذا‬ ‫الطريق أيضا بصحيح ‪.‬‬ ‫تنبيه‪:‬‬ ‫في االستيعاب والعلو للموفق وللذھبي أن زوجة ابن رواحة‬ ‫قالت بعد أن فرغ من األبيات ‪ )) :‬صدق ﷲ ‪ !! (( ..‬قالت ھذا‬ ‫وھي تحسب أنه فرغ من التالوة ‪ ،‬فلو صح ھذا لكان شاھدا‬ ‫لختم التالوة بصدق ﷲ العظيم ‪.‬‬ ‫الثالثة ‪ ) :‬طريق ابن الماجشون ( ‪:‬‬ ‫رواھا اليزيدي في أماليه ص‪ 102‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا أبو حرب قال حدثني محمد بن عباد قال حدثني‬ ‫عبدالعزيز بن أخي الماجشون قال ‪ )) :‬بلغني أنه كانت لعبدﷲ‬ ‫بن رواحة جارية يستسرھا عن أھله فقالت له امرأته ‪ :‬لقد‬ ‫رأيتك دخلت مع جاريتك وإنك اآلن جنب منھا‪ ،‬فجاحد ذلك‪،‬‬ ‫قالت فإن كنت صادقا فاتل علي القرآن فقال ‪:‬‬ ‫شھدت بأن وعد ﷲ حق = وأن النار مثوى الكافرينا‬ ‫وأن العرش فوق الماء طاف = وفوق العرش رب العالمينا‬ ‫وتحمله مالئكة شداد = مالئكة اإلله مقربينا‬

‫قالت آمنت با وكذبت البصر !! فأتى ابن رواحة رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم فحدثه الحديث فضحك صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫ولم يغير عليه (( اھـ ‪.‬‬ ‫ومن طريق اليزيدي أخرجھا الذھبي في السير ‪ 238/1‬مع‬ ‫أخطاء في المطبوعة ففيھا ‪ ) :‬الزيدي ( والصواب اليزيدي ‪،‬‬ ‫وفيھا ‪ :‬محمد بن عياذ ‪ ،‬وھو ) محمد بن عباد ( وأخرجھا‬ ‫اإلمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية ‪ 139/1‬من وجه‬ ‫آخر عن ابن الماجشون ‪ ،‬وأخرجھا الحافظ ابن عساكر في‬ ‫تاريخه ‪ ،‬وابن الماجشون بينه وبين ابن رواحة وسائط فالسند‬ ‫ضعيف باالنقطاع ‪.‬‬ ‫الرابعة ‪ ) :‬طريق يزيد بن الھاد ( ‪:‬‬ ‫عند ابن ابي الدنيا في األشراف ص‪ 113‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني قال ‪ :‬حدثني عبدﷲ‬ ‫بن وھب عن عبدالرحمن بن سلمان عن ابن الھاد أن أمرأة ابن‬ ‫رواحة ‪ ..‬إلخ وابن الھاد وھو يزيد بن عبدﷲ الليثي من الطبقة‬ ‫الخامسة لم يدرك ابن رواحة فالسند منقطع ‪ ،‬واألبيات في ھذا‬ ‫الطريق كاألبيات في الطريق الثالث ‪ ،‬مع أن الوليد بن شجاع‬ ‫وعبدﷲ بن وھب في ھذا الطريق ھم رواة الطريق الثاني‬ ‫طريق نافع واألبيات فيه مختلفة عن ھذا الطريق ھنا !! ‪.‬‬ ‫الخامسة ‪ ) :‬طريق قدامة بن إبراھيم ( ‪:‬‬

‫وھي في كتاب ) الرد على الجھمية ( المنسوب لعثمان بن سعيد‬ ‫الدارمي ص‪ 46‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري أنبأ يحيى بن أيوب حدثني‬ ‫عمارة بن غزية عن قدامة بن إبراھيم بن محمد بن حاطب أنه‬ ‫حدثه أن عبدﷲ بن رواحة رضي ﷲ عنه وقع بجارية له …‬ ‫إلخ وھذا السند أيضا فيه انقطاع بين قدامة وعبدﷲ بن رواحة ‪،‬‬ ‫وفيه يحيى بن أيوب كثير الخطأ ‪ ،‬واألبيات في ھذا الطريق‬ ‫كاألبيات في الطريق الثالثة ‪.‬‬ ‫السادسة ‪ ) :‬طريق أبي ھريرة رضي ﷲ عنه ( ‪:‬‬ ‫رواھا اإلمام البخاري في صحيحة في كتاب التھجد ‪ ،‬باب‬ ‫فضل من تعارَّ من الليل فصلى ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شھاب‬ ‫أخبرني الھيثم بن أبي سنان أنه سمع أبا ھريرة رضي ﷲ عنه ـ‬ ‫وھو يقصص في قصصه ـ وھو يذكر رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم ‪ :‬إن أخا لكم ال يقول الرفث ‪ ،‬يعني عبدﷲ بن رواحة ‪:‬‬ ‫وفينا رسول ﷲ يتلو كتابه = إذا انشق معروف من الفجر‬ ‫ساطع‬ ‫أرانا الھدى بعد العمى فقلوبنا = به موقنات أن ما قال واقع‬ ‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه = إذا استثقلت بالمشركين‬ ‫المضاجع (( اھـ ‪.‬‬ ‫قال الحافظ في الفتح ‪ 41/3‬في شرح ھذه الرواية ‪:‬‬

‫)) فائدة ‪ :‬وقعت لعبدﷲ بن رواحة في ھذه األبيات قصة‬ ‫أخرجھا الدارقطني من طريق سلمة بن وھرام عن عكرمة قال‬ ‫كان عبدﷲ بن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته ‪ ،‬فقام إلى‬ ‫جاريته فذكر القصة في رؤيتھا إياه على الجارية وجحده ذلك‬ ‫والتماسھا منه القراءة ألن الجنب ال يقرأ ‪ ،‬فقال ھذه األبيات ‪،‬‬ ‫فقالت ‪ :‬آمنت با وكذبت بصري ‪ ،‬فأعلم النبي صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم فضحك حتى بدت نواجذه (( اھـ ‪.‬‬ ‫فالحافظ ابن حجر رحمه ﷲ يرى أن ھذه الرواية ھنا في‬ ‫الصحيح مرتبطة بالقصة التي رواھا الدارقطني بدليل أن‬ ‫األبيات ھي ھي سوى اختالف يسير ‪..‬‬ ‫التفصيل‪:‬‬ ‫ال بد أن نفرق أوال بين القصة وبين األبيات الشعرية الواردة‬ ‫فيھا ‪ ،‬أما القصة فإن الطرق الخمسة الضعيفة تكاد تتفق على‬ ‫أحداثھا إال في قليل منھا ‪ ،‬فھل تصلح ھذه الطرق ألن يشد‬ ‫بعضھا بعضا فترتقي إلى الحسن لغيره أم ال ؟؟؟ ھذا متوقف‬ ‫على وجود تعدد يُطمأن إليه ‪ ،‬قال الحافظ السخاوي في فتح‬ ‫المغيث عند كالمه على مبحث الحسن ‪: 72/1‬‬ ‫)) ‪ ..‬وحيث ثبت اختالف صنيع األئمة في إطالقه فال يسوغ‬ ‫إطالق القول باالحتجاج به ‪ ،‬بل البد من النظر في ذلك ‪ ،‬فما‬ ‫كان منه منطبقا على الحسن لذاته فھو حجة ‪ ،‬أو الحسن لغيره‬ ‫فيفصل بين ما تكثر طرقه فيحتج وما ال فال (( اھـ كالم‬ ‫السخاوي ‪.‬‬

‫فإذا كان كل طريق من طرق ھذه القصة ال يرتقي إلى الحسن‬ ‫لذاته بل غاية ما يصل إليه ھو الحسن لغيره فھل يمكننا عد ھذه‬ ‫الطرق المتعاضدة كثيرة بحيث يحتج بھا أم ال ؟؟ مسألة بحث‬ ‫ونظر ‪ ،‬والذي أميل إليه أن الحكم البات في المسألة ينبغي أن‬ ‫يؤخر إلى بحث مضمون المتن ومدى موافقته لقواعد الشريعة ‪،‬‬ ‫فالمتن واإلسناد مرتبطان ال ينفصالن ‪.‬‬ ‫ما تقدم كان متعلقا بالقصة دون األبيات الشعرية ‪ ،‬أما األبيات‬ ‫الشعرية فالضعف فيھا أشد واالضطراب فيھا أكبر ‪ ،‬فإنك إذا‬ ‫نظرت إلى الطرق المذكورة وجدت األبيات قد قيلت على ثالثة‬ ‫أوجه متغايرة بحرا ورويا ومعنى !!! فاألبيات في الطريق‬ ‫األول من بحر ) الطويل ( ورويھا على حرف ) العين ( ‪،‬‬ ‫واألبيات في الطريق الثاني من بحر ) الطويل ( ورويھا على‬ ‫حرف ) الالم ( ‪ ،‬واألبيات في الطريق الثالث والرابع والخامس‬ ‫من بحر ) الوافر ( ورويھا على حرف ) النون ( !!! والمعاني‬ ‫مختلفة في الصور الثالث !! وھذا اضطراب عجيب ال يمكن‬ ‫االطمئنان معه إلى صحة ھذه األبيات ‪.‬‬ ‫فإن قيل ‪ :‬أال يعضد الطرق الثالث والرابع والخامس بعضھا‬ ‫بعضا من جھة اتحاد األبيات فيھا ؟؟ فالجواب ‪ :‬إن الطريق‬ ‫السادس صحيح لذاته وھو شاھد للطريق األول !! فإن لم نرجح‬ ‫ھذا الطريق لصحته لذاته واعتبرنا الطرق األخرى وجب‬ ‫االضطراب ‪.‬‬ ‫لكن ال يفوتني ھنا أن أشير إلى بعض ما وجدته من أحكام على‬ ‫ھذه القصة ‪:‬‬

‫أوال ـ الحافظ ابن عبد البر قال في االستيعاب عن ھذه القصة ‪:‬‬ ‫)) روينا من وجوه صحاح ‪ !! (( ..‬ومعنى قوله ھذا أنه يصحح‬ ‫كل طريق من طرق ھذه القصة !! فھذا إما تجوز منه وتوسع‬ ‫وإنما أراد أنھا واردة من طرق متعددة يشد بعضھا بعضا ‪،‬‬ ‫وإما خطأ منه لما مر من أنه ال يصح لھذه القصة طريق بمفرده‬ ‫‪.‬‬ ‫ثانيا ـ وھناك احتمال ثالث رأيته للعالمة محمد زاھد الكوثري ‪،‬‬ ‫قال في تكملة النونية ما نصه ص‪: 143‬‬ ‫)) وھذه قصة تذكر في كتب المحاضرات والمسامرات دون‬ ‫كتب الحديث المعتمدة ‪ ،‬ولم ترد في كتب أھل الحديث بسند‬ ‫متصل ولو من وجه واحد وأما ما وقع في االستيعاب من قول‬ ‫ابن عبدالبر ‪ :‬رويناه من وجوه صحاح ‪ ،‬فسھو واضح من‬ ‫الناسخ ‪ ،‬وأصل الكالم ‪ :‬من وجوه غير صحاح ‪ ،‬فسقط لفظ )‬ ‫غير ( فتتابعت النسخ على السھو إذ لم يجد أھل االستقصاء‬ ‫سندا واحدا يحتج بمثله في ھذه القصة بل كل ما عندھم في ھذا‬ ‫الصدد أخبار منقطعة ‪ ،‬وما يكون في عھد ابن عبدالبر مرويا‬ ‫بطرق صحيحة كيف ال يكون مرويا عند من بعده ولو بطريق‬ ‫واحد صحيح ؟! وھذا يعين ما قلنا من سقوط لفظ ) غير ( في‬ ‫الكتاب ‪ ،‬ولم يتمكن الذھبي بعد بذل جھده من ذكر سند واحد‬ ‫غير منقطع في القصة ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫وھذا االحتمال الذي ذكره األستاذ الكوثري وارد ومعقول ‪.‬‬ ‫ثالثا ـ ورأيت الحافظ التاج السبكي قال في طبقات الشافعية‬ ‫‪: 139/1‬‬

‫)) قلت ‪ :‬ولم يخرج ھذا األثر في شيء من الكتب الستة (( ثم‬ ‫قال ‪ )) :‬واعلم أن األثر عن عبدﷲ بن رواحة روي على وجه‬ ‫آخر وبشعر آخر فرواه الدارقطني من حديث زمعة بن صالح‬ ‫عن سلمة بن وھرام عن عكرمة قال كان عبدﷲ بن رواحة …‬ ‫كذا رواه الدراقطني مرسال ورواه من وجه عن زمعة عن‬ ‫عكرمة عن ابن عباس متصال ‪ ،‬وزمعة وشيخه سلمة بن وھرام‬ ‫متكلم فيھما (( اھـ كالم اإلمام السبكي وھو صحيح ‪ ،‬وھو يشير‬ ‫إلى ضعف ھذا الطريق ‪ ،‬لكنه لم يستوف ذكر الطرق فيكون‬ ‫كالمه منصبا على طريق الدارقطني فقط وھو طريق عكرمة ‪.‬‬ ‫رابعا ـ والمفھوم من صنيع األلباني في مختصر العلو أنه ال‬ ‫يصحح ھذه القصة ألنه حذفھا من المختصر وھي موجودة في‬ ‫األصل للذھبي ‪ ،‬وھو ال يفعل ذلك إال إذا رأى عدم صحتھا ‪،‬‬ ‫لكن ال أدري ما سبب التضعيف عنده ؟ أھو راجع إلى المتن أم‬ ‫السند ؟؟ أم غليھما معا ؟؟ ‪.‬‬ ‫خامسا ـ ورأيت محقق كتاب العلو للمقدسي طبعة الدار )‬ ‫السلفية ( ص‪ 99‬بعد أن ذكر طريقين فقط ‪ ،‬وھما طريق‬ ‫الماجشون وقدامة قال ‪ )) :‬والطريقان ال يقوي أحدھما اآلخر‬ ‫لشدة ضعفھما ‪ (( ..‬اھـ والمفھوم من كالمه أنه لم يقف على‬ ‫باقي الطرق !! ورأيته قال في تعليقه على ) الرد على الجھمية‬ ‫( ص‪ 47‬بعد أن ذكر الطريقين ‪ )) :‬فطرقه ضعيفة ضعفا ال‬ ‫يقوي بعضھا بعضا ‪ (( ..‬اھـ فالظاھر أنه لم يتتبع الطرق كلھا‬ ‫‪ ،‬كما يفھم من كالمه أن الضعف الكائن في ھذين الطريقين‬ ‫ضعف شديد وبالتالي ال ينجبر !! وھذا خالف الواقع فليس في‬

‫ھذه األسانيد من ھو في حد المتروك ‪ ،‬فإن قصد الوسائط‬ ‫المجھولة فھذا أيضا غير سديد ألنه مبني على كون المجھول‬ ‫متروك !! وھذا مردود ألن الجھالة ال سيما في المتقدمين من‬ ‫كبار التابعين في حد المقبول ‪ ،‬قال الحافظ الذھبي في ختام‬ ‫كتاب الضعفاء ‪:‬‬ ‫)) وأما المجھولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين‬ ‫أو أواسطھم احتمل حديثه ‪ ،‬وتلقي بحسن الظن إذا سلم من‬ ‫مخالفة األصول ومن ركاكة األلفاظ ‪ ..‬وإن كان الرجل منھم‬ ‫من صغار التابعين فسائغ رواية خبره ‪ ،‬ويختلف ذلك باختالف‬ ‫جاللة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك ‪ ،‬وإن كان المجھول من‬ ‫أتباع التابعين فمن بعدھم فھو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به‬ ‫‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫وناھيك بمن يروي عنه عكرمة ونافع ويزيد ابن الھاد وأشباھھم‬ ‫‪ ،‬فرد ھذا الخبر ـ عند من رده ال يسوغ أن يكون لعلة الترك‬ ‫أي ليس لكونه ضعيفا ضعفا ال ينجبر ـ كما قيل ـ بل لقرائن‬ ‫مجتمعة ‪ ،‬تفھم مما ذكرناه ‪.‬‬ ‫فھذه األحكام منصبة على طرق ھذه الرواية ‪ ،‬وسيأتي ما يتعلق‬ ‫بالمتن ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ ) :‬بحث متن القصة ( ‪:‬‬ ‫قد تقدم ما يتعلق باإلسناد ‪ ،‬ورأينا أنه ال يصح سند واحد لھذه‬ ‫القصة ‪ ،‬وغاية ما يقال أن األحداث المشتركة في الطرق الست‬ ‫لھذه القصة يشھد بعضھا لبعض فيرتقي اإلسناد إلى الحسن‬

‫لغيره ‪ ،‬فلو قال قائل ھذا لم يكن قوله عندي ببعيد ‪ ،‬ولكن ھناك‬ ‫إشكاالت وردت على المتن ال بد من التعرض لھا ‪ ،‬فإن عجزنا‬ ‫عن الجواب لم يكن بد من نكارة القصة أو شذوذھا ‪:‬‬ ‫) االعتراض األول ( ‪:‬‬ ‫ھذه القصة فيھا ـ من جھة الظاھر ـ ما يضع من قدر صحابي‬ ‫رفيع المقام ‪ ،‬وذلك أن عبدﷲ بن رواحة من أجالء الصحابة ‪،‬‬ ‫ومن كبارھم ممن جاھد مع النبي صلى ﷲ عليه وسلم وقاد‬ ‫المسلمين في مؤتة حتى استشھد ‪ ،‬ومثله ال يليق صدور ذلك‬ ‫منه بحال ‪ ،‬إذ كيف يتصور أن مثله يوھم زوجه بأن شعره من‬ ‫كالم ﷲ تعالى ؟؟!! ‪ ،‬رأيت ھذا االستشكال لفضيلة العالمة‬ ‫محمد زاھد بن الحسن الكوثري إذ قال في تكلمة النونية‬ ‫ص‪: 143‬‬ ‫)) وأفعال الصحابة كلھا جد ‪ ،‬وجل مقدار مثل ھذا الصحابي‬ ‫عن أن يوھم صحابية أنه يتلو القرآن بإنشاده الشعر لھا ‪(( ..‬‬ ‫اھـ ‪.‬‬ ‫كما رأيته لمحقق العلو للمقدسي ـ طبعة الدار السلفية ـ قال ‪)) :‬‬ ‫ومتن القصة منكر ‪ ،‬إذ كيف يوھم ھذا الصحابي الجليل زوجه‬ ‫بأنه قد قرأ عليھا قرآنا ؟ فكان عليه أن يجيبھا بشيء آخر ‪ ،‬وﷲ‬ ‫أعلم (( اھـ ‪.‬‬ ‫ونقل ھذا المحقق عن المعلق على العلو طبعة المنار قوله ‪)) :‬‬ ‫ال شك عندي في أن ھذه المسألة موضوعة ‪ ،‬فإن صحابيا جليال‬ ‫ال يكذب عمدا ‪ ،‬ويلبس القرآن (( اھـ ‪.‬‬

‫الجواب ‪:‬‬ ‫يمكن أن يجاب بأنه رضي ﷲ عنه لم يسبق له توجيه من النبي‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم بخصوص ھذا الخطأ الذي وقع له ‪ ،‬وإنما‬ ‫يلزم يقبح ھذا لو كان النبي قد حذرھم من ھذا ونھاھم من قبل ‪،‬‬ ‫وال دليل على ھذا ‪ ،‬بل البد من وقوعھم في الخطأ ليعلمھم‬ ‫النبي الصواب كما حصل في رفع الصوت بحضرته وقصة‬ ‫مھاجر أم قيس وقصة قتل أسامة لمن شھد أن ال إله إال ﷲ‬ ‫وھكذا ‪ ،‬وقد يجوز أن عبدﷲ بن رواحة لما علم بإباحة الكذب‬ ‫على الزوج بنية الصلح ظن ھذا الجواز على إطالقه بحيث‬ ‫يتناول مثل ھذا الصنيع منه ‪ ،‬ويجاب أيضا بأنه قد يجوز أن‬ ‫يكون أدرك أنه ارتكب محرما ـ وھو غير معصوم قطعا ـ‬ ‫ولھذا أخبر النبي من خوفه ووجله فطمأنه النبي بمغفرة زلته‬ ‫لحسن مقصده ‪.‬‬ ‫) االعتراض الثاني ( ‪:‬‬ ‫كيف يرتكب ھذا الخداع والتدليس ليفر من االعتراف بشيء‬ ‫حالل مباح ؟؟!! ‪.‬‬ ‫والجواب ‪:‬‬ ‫أن الكذب على الزوجة من أجل اإلصالح ال يدخل في الوعيد‬ ‫على الكذب المذموم ‪ ،‬وقدمنا أنه قد يكون معذورا لعدم علمه ‪،‬‬ ‫ولھذا ذھب إلى النبي وأخبره بما كان منه ‪.‬‬ ‫) االعتراض الثالث ( ‪:‬‬

‫كيف يتصور أن امرأة عربية من ذلك الجيل ال تفرق بين‬ ‫الشعر والقرآن ؟؟!!‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫ھذا اإلشكال لم أجد جوابا مقنعا عليه ‪ ،‬ولن يخلو الجواب عليه‬ ‫من تكلف وتعسف ‪ ،‬إذ يبعد كل البعد أن يشتبه القرآن على‬ ‫امرأة عربية زوج لشاعر كبير ‪ ،‬واالعتذار بأنھا ال تحفظ‬ ‫القرآن ال يصلح ‪ ،‬ومثل ھذا اإلشكال يصعب دفعه عندي ‪ ،‬ولو‬ ‫تصورنا أن المجتمع العربي ذلك الوقت كان غير قادر على‬ ‫التفريق بين الشعر والقرآن كھذه المرأة لكان ذلك من أعظم‬ ‫حجج أھل اإللحاد والزندقة ‪ ،‬وھذا ما قام اإلجماع واألدلة‬ ‫والبراھين على بطالنه ‪.‬‬ ‫) االعتراض الرابع ( ‪:‬‬ ‫كيف يعقل أن ﷲ تعالى يقول مثل ھذه العبارات ‪ ) :‬أتانا رسول‬ ‫ﷲ ( !! ) كتابه ( !! ) فقلوبنا به موقنات ( !! أفيجوز في عقل‬ ‫عاقل من ھذا الجيل أن يكون ﷲ ھو قائل ھذا ؟؟!! اللھم ال ‪،‬‬ ‫فكيف يجوز ذلك في فھم امرأة عربية فصيحة من جيل فجر‬ ‫اإلسالم ‪ ،‬وزوج صحابي جليل شاعر من فصحاء العرب ؟؟!!‬ ‫‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫أقول ‪ :‬ھذا اإلشكال أيضا كسابقه يصعب دفعه ‪ ،‬ألن األبيات‬

‫في كل صورھا تحمل ألفاظا ال يتصور العربي الفصيح‬ ‫صدورھا من ﷲ ‪ ،‬ألن ﷲ ال يجوز أن يقول تلك األلفاظ ‪،‬‬ ‫فكيف جوزت زوج ابن رواحة أن يكون ھذا من كالم ﷲ ؟؟!!‬ ‫ولو جاز اشتباه ذلك على امرأة عربية من ذلك الجيل لجر ھذا‬ ‫لنتائج خطيرة ‪ ،‬ولعل ھذا مما ال يشتبه على نساء ھذا الجيل‬ ‫فكيف بذاك ؟؟!! ولم أجد ما أدفع به ھذا اإلشكال أيضا ‪،‬‬ ‫ويصعب أن نتصور القصة دون األبيات الشعرية فيھا ‪.‬‬ ‫) االعتراض الخامس ( ‪:‬‬ ‫إن عبدﷲ بن رواحة قد قال لھا ‪ :‬ما رأيتني !! وھذا كذب ألنھا‬ ‫رأته ‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫ھذا يمكن دفعه بما تقدم من أن عبدﷲ بن رواحة لم يكن يعلم‬ ‫حكم ھذا الفعل فمشى على البراءة األصلية ‪ ،‬أو لعله كان يعلم‬ ‫أن الكذب من أجل اإلصالح سائغ ‪ ،‬أو لعله عنى ما رأيتني من‬ ‫رآه إذا ضربه على رئته ال من الرؤية البصرية تورية ‪ ،‬وفي‬ ‫المعاريض مندوحة عن الكذب ‪.‬‬ ‫) االعتراض السادس ( ‪:‬‬ ‫ثم ھي تقول ‪ :‬آمنت با وكذبت بصري !! فكيف سكت عنھا‬ ‫وقد صدقت أن شعره ھو كالم ﷲ !! أم كيف كذبت ما رأته‬ ‫بعينھا وھو يقين !! وما نعلم أن مذھبا كذب البصر إال‬ ‫السوفسطائية الذين ال يدرون إذا نظروا إلى أحدھم أحمار ھو أم‬

‫إنسان أم جماد !!! ‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫يمكن الجواب بأن سكوته لعله ألنه لم يعرف الحكم كما قدمنا‬ ‫فظن أن مثل ھذه الحيلة جائزة ثم علم عدم جوازھا من النبي ‪،‬‬ ‫أو لعله فرع على جواز الكذب بنية اإلصالح جواز السكوت‬ ‫أيضا على اعتقاد الخطأ ‪ ،‬أما تكذيبھا البصر فيمكن حمله على‬ ‫أنھا ظنته إياه ولم تتحققه جيدا ‪ ،‬والظن الغالب قد يندفع بمثله أو‬ ‫بما ھو أقوى منه فال تكون رؤيتھا رؤية تحقق وإدراك تام ‪ ،‬ال‬ ‫سيما إذا كان ذلك بالليل ‪ ،‬فال يكون تكذيبھا لرؤيتھا ورجوعھا‬ ‫عن شيء ھو متيقن عندھا ‪ ،‬بل لما ھو مظنون فقط لورود ما‬ ‫ھو أقوى منه عندھا ‪.‬‬ ‫) االعتراض السادس ( ‪:‬‬ ‫كيف يضحك النبي صلى ﷲ عليه وسلم ـ ورضاه إقرار !! ـ من‬ ‫ھذا الفعل !! وھو القائل صلوات ﷲ وسالمه عليه ‪ )) :‬من كذب‬ ‫علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (( !! ھذا فيمن كذب عليه‬ ‫ھو صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬فكيف بمن كذب على ﷲ ؟؟!! وﷲ‬ ‫تعالى يقول في ذم الكفار ‪ )) :‬ويقولون ھو من عند ﷲ ‪ ،‬وما‬ ‫ھو من عند ﷲ ‪ ،‬ويقولون على ﷲ الكذب وھم يعلمون ((‬ ‫ويقول تعالى ‪ )) :‬ومن أظلم ممن افترى على ﷲ الكذب ‪(( ..‬‬ ‫‪ ..‬وتلخيص ھذا االعتراض في كالم األستاذ الكوثري في‬ ‫التكملة حيث قال ‪:‬‬

‫)) وإيھام كون الشعر من القرآن ليس مما يقر عليه النبي صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم فمتن الخبر نفسه يدل على البطالن ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫ھذا الضحك ال يدل على اإلقرار بل على استظراف ھذه الحيلة‬ ‫الدالة على الذكاء فقط ‪ ،‬ولھذا ذكرھا ابن الجوزي في كتاب‬ ‫األذكياء ‪ ،‬فقد يجتمع الضحك واالستنكار معا ‪ ،‬كما ضحك‬ ‫النبي من اليھودي في خبر األصابع ‪ ،‬وكما ضحك النبي من‬ ‫الذي أتى امرأته في نھار رمضان وكما ضحك من اعتقاد‬ ‫عائشة لحصان له جناحان ونحو ذلك ‪ ،‬وليس في القصة أن‬ ‫النبي أقره على ھذا بل في طريق اليزيدي ـ مثل سير النبالء ـ‬ ‫أن النبي لم ) يغير عليه ( كذا بالياء المثاة تحت ‪ ،‬ولعله ) لم‬ ‫يغبر عليه ( من االغبرار وھو تغير اللون ‪ ،‬أي لم يشدد ‪،‬‬ ‫ومعناه أنه أنكر عليه ھذا وعلمه عدم جوازه غير معنف له وال‬ ‫ساخط عليه ‪ ،‬ألنه كان حسن النية ‪ ،‬والجاھل يتلطف به ويعلم ‪،‬‬ ‫وما كان الرفق في شيء إال زانه ‪.‬‬ ‫) االعتراض السابع ( ‪:‬‬ ‫ورود لفظ ) فوق العرش ( !! ‪.‬‬ ‫الجواب ‪:‬‬ ‫األبيات الواردة في القصة مضطربة فھي لم تتفق على ھذا‬ ‫اللفظ كما مر ‪ ،‬وعلى فرض صحة ورود ھذا اللفظ فال إشكال‬ ‫أيضا في استعماله ألن اإلشكال إنما ھو في حمله على ظاھره‬

‫المحسوس لنا ‪ ،‬وليس ھذا مما يحمل على ظاھره عند أھل‬ ‫السنة والجماعة ‪ ،‬بل يفوض علمه إلى ﷲ ‪ ،‬أو يؤول تأويال‬ ‫صحيحا ‪ ،‬ومن ألطف تأويالته ما نقله اإلمام تاج الدين السبكي‬ ‫في الطبقات ‪ 139/1‬عن اإلمام الرافعي الفقيه الكبير واستحسنه‬ ‫فقال ‪:‬‬ ‫)) ما أحسن قول اإلمام الرافعي في كتاب األمالي وقد أورد ھذه‬ ‫األبيات ‪ :‬ھذه الفوقية فوقية العظمة واالستغناء ‪ ،‬في مقابلة‬ ‫صفة الموسومين بصفة العجز والفناء (( اھـ ‪.‬‬ ‫الخالصة ‪:‬‬ ‫تبين من خالل ما تقدم أن طرق القصة قد يقال فيھا بأنھا ترتقي‬ ‫إلى الحسن لغيره ‪ ،‬أو على األقل ترقى عن اإلنكار بذلك التعدد‬ ‫‪ ،‬ولكن تبقى متقاصرة عن درجة الحجة ال سيما مع ورود‬ ‫اإلشكاالت على المتن ‪ ،‬وال يخلو الجواب عن بعضھا من تكلف‬ ‫‪ ،‬وفي الجملة أميل إلى أن ھذه القصة قد حصلت على نحو ما‬ ‫ليس بالضرورة أن يتطابق كل التطابق مع سياق ھذه المقاطيع‬ ‫ھنا ‪ ،‬لكني ال أستطيع أن أقول بأنھا صالحة لالحتجاج في شيء‬ ‫من أبواب العقد والحالل والحرام ‪ ،‬ھذا وﷲ أعلم ‪ ،‬وصلى وﷲ‬ ‫وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬

‫ﺬ ْﻳﺮَﺍﺕ‬ ‫ﺍﻟﺘﱠ ْﺤ ِ‬ ‫ﻦ ﻛِﺘَﺎﺏ‬ ‫ﻣِ ْ‬ ‫"ﺇﹺ ْﺑﻄﹶﺎﻝﹺ ﺍﻟﱠﺘ ﹾﺄ ﹺﻭ ْﻳﻼﹶﺕ"‬ ‫تأليف‬ ‫األخ األزھري‬ ‫عفا ﷲ عنه‬ ‫مشرف روض الرياحين‬ ‫‪1422‬ھـ ـ ‪2001‬م‬ ‫) انظركيف يفترون على ﷲ الكذب وكفى به إثما مبينا (‬ ‫‪ /50‬النساء ‪.‬‬ ‫==========‬ ‫) ما قدروا ﷲ حق قدره ‪ ،‬إن ﷲ لقوي عزيز (‬ ‫الحج ‪.‬‬

‫‪/74‬‬

‫==========‬ ‫) فال تضربوا‬

‫األمثال ‪ ،‬إن ﷲ يعلم وأنتم ال تعلمون (‬

‫‪ / 74‬النحل ‪.‬‬ ‫==========‬ ‫) ليس كمثله شيء وھو السميع البصير (‬ ‫‪ /11‬الشورى ‪.‬‬ ‫==========‬ ‫) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين‬ ‫‪ ،‬والحمد رب العالمين (‬ ‫الصافات ‪ 180 /‬ـ ‪. 182‬‬ ‫] المقدمة [‬ ‫الحمد رب العالمين ‪ ،‬والعاقبة للمتقين ‪ ،‬وال عدوان إال على‬ ‫الظالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم النبيين ‪ ،‬وصفوة الخلق‬ ‫أجمعين ‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله الطيبين ‪ ،‬وأصحابه المجاھدين‬ ‫‪ ،‬ومن تبعھم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وبعد ‪..‬‬ ‫فقد زرت ذات يوم إحدى المكتبات المعروفة ببلدنا الخليجية ‪،‬‬ ‫والتي تحرص على استحضار كل جديد وھام من كتب أھل‬

‫الحديث واألثر أعلى ﷲ منارھم وثبت بحوله أركانھم ‪ ،‬فبينما‬ ‫كنت أ ُ َطوِّ ف النظر في نفائسھا ‪ ،‬وأقلب البصر في طرائفھا ‪ ،‬إذ‬ ‫أفزعني عنوان كتاب لطالما سمعنا بذمه وقرأنا عن فضائحه في‬ ‫بطون الكتب دون أن نراه ‪ ،‬حتى كنا نشك في صحة ما ينقل‬ ‫عنه من أقوال فاسدة ‪ ،‬وعقائد كاسدة ‪ ،‬ونقول ‪ :‬ال وجود لكتاب‬ ‫كھذا ‪ ،‬وھو كتاب )) إبطال التأويالت ألخبار الصفات (( تأليف‬ ‫القاضي أبي يعلى ) ‪ ( 1‬محمد ابن الحسين بن الفراء الحنبلي‬ ‫المتوفى سنة ) ‪458‬ھـ ( ‪ ،‬حتى رأيناه اآلن ‪ ،‬فقرأته ألزداد‬ ‫يقينا بصدق ما قاله أھل العلم عنه ؟؟ ولما علم بأمر ھذا الكتاب‬ ‫بعض الفضالء ممن عندھم محبة لمنھج السلف وغيرة عليه ‪،‬‬ ‫طلب مني أن أكتب كلمات كاشفات لما فيه من مسائل التجسيم‬ ‫والتشبيه ‪ ،‬على سبيل االختصار ‪ ،‬ليعرضھا على من له يد في‬ ‫نشره من باب المناصحة في الدين ‪ ،‬ولما كان الفاضل المذكور‬ ‫غير متھم عند الناشر أيضا ‪ ،‬وال بظنين لديھم ‪ ،‬رأيت إسعافه‬ ‫بذلك فرض عين َع َليّ ‪ ،‬عساه يفلح في كفھم عن نشره ‪،‬‬ ‫وإقناعھم بعدم خيره بل بكثرة شره ‪ ،‬وقبل أن يفتتن بما فيه‬ ‫بعض الجھال ) ‪ ( 2‬ممن ضعفت مناعتھم عن مقاومة مسائل‬ ‫التشبيه ‪ ،‬وقبل أن يھجم البعض عليه بالترجمة إلى اللغات‬ ‫األجنبية ) ‪ ( 3‬فيصل إلى أسواق الغرب فيكون سبة وفضيحة‬ ‫لإلسالم ما بعدھا فضيحة ‪ ،‬وسميت ھذا المختصر بـ)‬ ‫التحذيرات من كتاب إبطال التأويالت ( ‪ ،‬وﷲ الموفق ‪.‬‬ ‫] الكتاب وتاريخه [‬

‫صنف أبو يعلى كتابه ھذا في أوائل القرن الخامس الھجري في‬ ‫بغداد عاصمة الخالفة اإلسالمية ‪ ،‬لكن الكتاب ما شاع وذاع‬ ‫خبره إال سنة ) ‪429‬ھـ ( لما ضج علماء بغداد لظھور ھذا‬ ‫الكتاب والفتتان بعض الجھال بما فيه ‪ ،‬وقد سجل اإلمام‬ ‫المؤرخ ابن األثير في كتابه الشھير ) الكامل في التاريخ (‬ ‫‪ 16/8‬ھذه الواقعة في أحداث سنة ) ‪429‬ھـ ( فقال ‪:‬‬ ‫)) وفيھا أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما‬ ‫ضمنه كتابه من صفات ﷲ سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد‬ ‫التجسيم ‪ ،‬وحضر أبو الحسن القزويني الزاھد بجامع‬ ‫المنصور ‪ ،‬وتكلم في ذلك تعالى ﷲ عما يقول الظالمون علوا‬ ‫كبيرا (( اھـ ‪.‬‬ ‫وال شك أن ھذه الحادثة ما كانت إال بسبب انتشار كتاب أبي‬ ‫بـ) إبطال التأويالت ( ‪ ،‬واغترار بعض‬ ‫يعلى المسمى‬ ‫الجھال بما فيه ‪ ،‬واطلع العلماء عليه فضجوا واستنكروا ‪،‬‬ ‫وصارت فتنة اقتضت تدخل الخليفة القائم بأمر ﷲ العباسي‬ ‫لتسكينھا بمساعدة أبي الحسن القزويني الزاھد الشافعي ) ‪( 1‬‬ ‫المقبول من جميع الطوائف ‪ ،‬وقد أخرج القائم بأمر ﷲ عقيدة‬ ‫والده الخليفة القادر با وھي عقيدة طيبة مختصرة نافعة ساقھا‬ ‫وو َّق َع عليھا العلماء‬ ‫ابن الجوزي في ) المنتظم ( بطولھا ‪َ ،‬‬ ‫وسكنت الفتنة ‪.‬‬ ‫ويجمل بنا ھنا أن نسوق الحادثة أيضا من ) طبقات الحنابلة (‬ ‫ألبي الحسين بن أبي يعلى وھو يتحدث عن أبيه مؤلف ) إبطال‬ ‫التأويالت ( ‪ ،‬قال ‪: 197/2‬‬

‫)) وقد كان حضر الوالد السعيد قدس ﷲ روحه في سنة‬ ‫اثنتين وثالثين وأربعمائة في دار الخالفة في أيام القائم بأمر‬ ‫ﷲ رضوان ﷲ عليه مع الجم الغفير والعدد الكثير من أھل‬ ‫العلم وكان صحبته الشيخ الزاھد أبو الحسن القزويني ‪ ،‬لفساد‬ ‫قول جرى من المخالفين لما شاع من قراءة كتاب ) إبطال‬ ‫التأويالت ( فخرج إلى الوالد السعيد من اإلمام القائم بأمر ﷲ‬ ‫رضوان ﷲ عليھم ‪ :‬االعتقا ُد القادري في ذلك بما يعتقد الوالد‬ ‫السعيد ‪ ،‬وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب ) إبطال‬ ‫التأويالت ( ليتأمل فأعيد إلى الوالد ‪ ،‬وشكر له تصانيفه ‪..‬‬ ‫(( اھـ كالم ولده ‪ ،‬وفيه تلطف معذور ‪.‬‬ ‫أما الذھبي فقد ذكر الحادثة في ) سير أعالم النبالء ( ‪90/18‬‬ ‫في ترجمة أبي يعلى فقال ‪:‬‬ ‫)) وجمع كتاب ) إبطال تأويل الصفات ( فقاموا عليه لما فيه‬ ‫من الواھي والموضوع ‪ ،‬فخرج إلى العلماء من القادر با‬ ‫) إبطال‬ ‫المعتقد الذي جمعه ‪ ،‬و ُحمِل إلى القادر كتاب‬ ‫التأويل ( فأعجبه ‪ ،‬وجرت أمور وفتن نسأل ﷲ العافية ‪ ،‬ثم‬ ‫أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة ‪ (( ..‬اھـ ) ‪( 1‬‬ ‫‪.‬‬ ‫والحاصل أن الخليفة ألزم أبا يعلى بالتوقيع على العقيدة القادرية‬ ‫المعترف بھا بأسلوب لطيف يليق بعالم مثله في وظيفة القضاء‬ ‫‪ ،‬وشاركه في ذلك جمع من العلماء الشافعية لئال يستنكف عن‬ ‫التوقيع ‪ ،‬لكن توقيعه ھذا ال يعني أكثر من كفه عن قراءة كتابه‬

‫عالنية بين عامة الناس ‪ ،‬أما ھل رجع في باطن األمر عن‬ ‫كتابه ھذا أم ال ؟ مسألة بحث ونظر ‪ ،‬وباب حسن الظن واسع )‬ ‫‪ ( 2‬لكن الكتاب بقي متداوال في بغداد بين بعض الحشوية من‬ ‫أصحاب أبي يعلى ‪ ،‬ووقف عليه غير واحد من العلماء الكبار‬ ‫من أھل مذھبه ومن غيرھم ‪ ،‬وبسبب عدم ظھور رجوع‬ ‫صريح ألبي يعلى عن ھذا الكتاب فقد تباينت واختلفت مواقف‬ ‫العلماء من أبي يعلى ‪ ،‬خاصة وھم يرون استدالل بعض‬ ‫الحشوية بھذا الكتاب ‪ ،‬وبعض أھل مذھبه صار أشد حنقا عليه‬ ‫من غيرھم ‪ ،‬غيرة منھم على مذھبھم أن يعيبه الناس بسبب أبي‬ ‫يعلى وكتابه المقيت ‪.‬‬ ‫قال ابن األثير في ) الكامل في التاريخ ( في أحداث سنة )‬ ‫‪459‬ھـ ( حيث كانت وفاة أبي يعلى ‪:‬‬ ‫)) وفي شھر رمضان منھا توفي أبو يعلى محمد بن الحسين‬ ‫بن الفراء الحنبلي ‪ ،‬ومولده سنة ثمانين وثالثمائة ‪ ،‬وعنه‬ ‫انتشر مذھب أحمد رضي ﷲ عنه ‪ ،‬وكان إليه قضاء الحريم‬ ‫ببغداد بدار الخالفة ‪ ،‬وھو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل‬ ‫عجيبة ‪ ،‬وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض ‪ ،‬تعالى ﷲ‬ ‫عن ذلك ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫وقد قال فيه معاصره أبو محمد رزق ﷲ الحنبلي ) ‪ ( 1‬شيخ‬ ‫الحنابلة ورئيسھم في بغداد ‪ ،‬ما لفظه ‪ )) :‬لقد شان المذھب‬ ‫شينا قبيحا ال يغسل إلى يوم القيامة (( اھـ كما في ) دفع شبه‬ ‫التشبيه ( البن الجوزي ص‪ ، 10‬والعبارة عند سبط ابن‬

‫الجوزي في ) مرآة الزمان ( بلفظ أقبح ‪ )) :‬لقد بال أبو يعلى‬ ‫على الحنابلة بولة ال يغسلھا ماء البحر (( اھـ نقال من )‬ ‫السيف الصقيل ( ص‪ ، 148‬وھي عند ابن األثير في ) الكامل‬ ‫( ‪ 104/8‬أشنع لفظا ‪ )) :‬لقد خري أبو يعلى على الحنابلة‬ ‫خرية ال يغسلھا الماء (( اھـ ‪ ،‬كل ھذا بسبب الكتاب المذكور ‪.‬‬ ‫وقد بقي ھذا الكتاب مثار فتن ‪ ،‬وحجة تستغل للتشنيع على‬ ‫الحنابلة ‪ ،‬كما حدث في سنة ) ‪475‬ھـ ( ‪ ،‬قال ابن األثير في‬ ‫الكامل في أحداث ھذه السنة ‪:‬‬ ‫)) َو َردَ إلى بغداد ھذه السنة الشريف أبو القاسم البكري‬ ‫المغربي الواعظ ) ‪ ( 2‬وكان أشعري المذھب ‪ ،‬وكان قد قصد‬ ‫نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه‬ ‫الجراية الوافرة ‪ ،‬فوعظ بالمدرسة النظامية وكان يذكر‬ ‫الحنابلة ويعيبھم ويقول ‪ ) :‬وما كفر سليمان ولكن الشياطين‬ ‫كفروا ‪ ،‬وﷲ ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا ( ثم إنه قصد‬ ‫يوما دار قاضي القضاة أبي عبدﷲ الدامغاني بنھر القالئين‬ ‫فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت‬ ‫إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دُور بني الفراء وأخذ كتبھم ‪،‬‬ ‫وأخذ منھا كتاب الصفات ألبي يعلى ‪ ،‬فكان ُيقرأ بين يديه وھو‬ ‫جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليھم ‪ ،‬وجرى له معھم‬ ‫س َّنة ‪ ،‬ومات‬ ‫خصومات وفتن ولُ ِّق َب‬ ‫بع َلم ال ُّ‬ ‫البكري من الديوان َ‬ ‫ُّ‬ ‫ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن األشعري (( اھـ ‪.‬‬

‫فترى أن ھذا الواعظ قد جعل ما في ھذا الكتاب حجة له فيما‬ ‫ذھب إليه من الطعن والتشنيع ‪ ،‬وأن الحنابلة قد فتحوا على‬ ‫أنفسھم بابا يُتوسل من خالله للطعن عليھم ‪ ،‬وقد كانوا في‬ ‫غنى عن مثل ھذا ‪ ،‬مما يدل داللة واضحة على أن ھذا الكتاب‬ ‫كان له أثر كبير في إثارة الفتن وتأجيجھا ‪ ،‬حتى جاوز خبرھا‬ ‫بالد المشرق إلى بالد المغرب ‪.‬‬ ‫قال اإلمام الحافظ أبوبكر بن العربي المالكي األندلسي في كتابه‬ ‫الشھير ) ‪ ) ( 1‬العواصم من القواصم ( ص‪: 209‬‬ ‫)) ‪ ..‬وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن‬ ‫الحسين الفراء رئيس الحنابلة ببغداد كان يقول إذا ذكر ﷲ‬ ‫تعالى وما ورد من ھذه الظواھر في صفاته يقول ‪ :‬ألزموني‬ ‫ما شئتم فإني ألتزمه إال اللحية والعورة !! ‪ (( ..‬اھـ ) ‪. ( 2‬‬ ‫وھذا القول ال يخلو من حاصل ‪ ،‬وسترى أن كتاب ) إبطال‬ ‫ُصدق ھذا القول ويشھد له ‪.‬‬ ‫التأويالت ( فيه ما ي َ‬ ‫ثم جاء دور اإلمام الشھير الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن‬ ‫الجوزي الحنبلي ليذب عن مذھبه ويبرأ إمامه من أكاذيب‬ ‫الدجالين ‪ ،‬ويصنف في األخبار الموضوعة ويحذر الناس منھا‬ ‫بھمة عالية لم ُتعھد ‪ ،‬وشن حربا شعواء على كتاب ) إبطال‬ ‫التأويالت ( ورفع عن الحنابلة عارا وشنارا دام دھرا ‪،‬‬ ‫فاستطاع أن يمحوه محوا بحيث يحق للحنابلة أن يفتخروا بمثله‬ ‫‪ ،‬فصنف كتابه الجليل ) دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه ( الذي‬

‫صار مسمارا في حلوق المجسمة ‪ ،‬وال يُعرف في الحنابلة أشد‬ ‫وأصلب منه في مواجھة ھذه البدعة ‪ ،‬وكتابه كله في الرد‬ ‫على فضائح أبي يعلى ومن شابھه من شيوخه أو تالميذه فنكتفي‬ ‫بما يفي ‪ ،‬قال رحمه ﷲ تعالى ‪:‬‬ ‫)) ورأيت من أصحابنا من تكلم في األصول بما ال يصلح ‪،‬‬ ‫وانتدب للتصنيف ثالثة ‪ :‬أبو عبدﷲ بن حامد ‪ ،‬وصاحبه‬ ‫القاضي أبو يعلى ‪ ،‬وابن الزاغوني ‪ ،‬فصنفوا كتبا شانوا بھا‬ ‫المذھب ‪ ،‬ورأيتھم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ‪ ،‬فحملوا‬ ‫الصفات على مقتضى الحس فسمعوا أن ﷲ سبحانه وتعالى‬ ‫خلق آدم عليه الصالة والسالم على صورته فأثبتوا له صورة‬ ‫ووجھا زائدا على الذات ‪ ،‬وعينين ‪ ،‬وفما ولھوات وأضراسا ‪،‬‬ ‫وأضواء لوجھه ھي السبحات ‪ ،‬ويدين وأصابع وكفا وخنصرا‬ ‫وإبھاما وصدرا وفخذا ) ‪ ( 1‬وساقين ورجلين وقالوا ‪ :‬ما‬ ‫س !!‬ ‫س و ُي َم َّ‬ ‫سمعنا بذكر الرأس !! وقالوا ‪ :‬يجوز أن َي َم َّ‬ ‫ويدني العبد من ذاته وقال بعضھم ‪ :‬ويتنفس ‪ ،‬ثم إنھم‬ ‫ُيعقل ! ‪ (( ..‬اھـ من‬ ‫يرضون العوام بقولھم ‪ :‬ال كما‬ ‫أوله ص‪ 8 _7‬ط الكليات األزھرية ‪.‬‬ ‫وقال في آخره ‪:‬‬ ‫)) ولما علم بكتابي ھذا جماعة من الجھال ‪ ،‬لم يعجبھم ألنھم‬ ‫أَلِفُوا كالم رؤسائھم المجسمة فقالوا ‪ :‬ليس ھذا المذھب ‪ .‬قلت‬ ‫‪ :‬ليس مذھبكم وال مذھب من قلدتم من أشياخكم ‪ ،‬فقد نزھت‬ ‫مذھب اإلمام أحمد ‪ ،‬ونفيت عنه كذب المنقوالت ‪ ،‬وھذيان‬ ‫المقوالت ‪ ،‬غير مقلد فيما أعتقده ‪ (( ..‬اھـ من ص‪. 67‬‬

‫وھذا كتاب عظيم نافع في الدفاع عن الحنابلة ونفي التشبيه‬ ‫عنھم ‪ ،‬ورحم ﷲ ابن الجوزي الذي لم يحاب أحدا في الحق ‪.‬‬ ‫وجاء ابن تيمية فأكد على احتواء كتابه على األخبار الباطلة‬ ‫فقال عنه في ) درء تعارض العقل والنقل ( ‪237/5‬ـ‪: 238‬‬ ‫)) ‪ ..‬وھو وإن أسند األحاديث التي ذكرھا وذكر من رواھا ‪،‬‬ ‫ففيھا عدة أحاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة‬ ‫المعراج ونحوه ‪ ،‬وفيھا أشياء عن بعض السلف رواھا بعض‬ ‫الناس مرفوعة ‪ ،‬كحديث قعود الرسول‪ e‬على العرش ‪ ،‬رواه‬ ‫بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة ‪ ،‬وھي كلھا موضوعة‬ ‫‪ ..‬ولھذا وغيره تكلم رزق ﷲ التميمي وغيره من أصحاب‬ ‫أحمد في تصنيف القاضي أبي يعلى لھذا الكتاب بكالم غليظ )‬ ‫‪ ، ( 1‬وشنع عليه أعداؤه بأشياء ھو منھا بريء ‪ ،‬كما ذكر‬ ‫ھو ذلك في آخر الكتاب ‪ ..‬مع أن ھؤالء وإن كانوا نقلوا عنه‬ ‫ما ھو كذب عليه ‪ ،‬ففي كالمه ما ھو مردود نقال وتوجيھا ‪..‬‬ ‫(( اھـ ) ‪. ( 2‬‬ ‫والعذر الوحيد ألبي يعلى في إيراد الموضوعات ھو ما قاله‬ ‫الحافظ الذھبي في ) سير أعالم النبالء ( ‪ 91/18‬ونصه ‪:‬‬ ‫)) ولم تكن له يد طولى في معرفة الحديث ‪ ،‬فربما احتج‬ ‫بالواھي (( اھـ ‪.‬‬ ‫ومع ما في كالم ابن تيمية والذھبي من التلطف والتحنن على‬ ‫أبي يعلى ‪ ،‬إال أنھما يتفقان مع غيرھما في اإلنكار على كتابه‬ ‫في الجملة وإن اختلفت األسباب ‪.‬‬

‫وكأني بموفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي يعني أبا يعلى‬ ‫عندما قال في كتابه ) ذم التأويل ( ‪َ )) :‬و ْل ُي ْع َل ْم أن من أثبت‬ ‫تعالى صفة بشيء من ھذه األحاديث الموضوعة ‪ ،‬فھو‬ ‫أشد حاال ممن تأول األخبار الصحيحة ‪ (( ..‬اھـ منه ص‪. 46‬‬ ‫‪+++‬‬ ‫] كتاب أبي يعلى يظھر من جديد [‬ ‫بقي ھذا الكتاب مغمورا مھجورا مفقودا ال يُسمع له بذكر طيلة‬ ‫ھذه القرون ‪ ،‬وحتى من نقد الكتاب ممن قدمنا ذكرھم لم يكن‬ ‫الكتاب شائعا في أعصارھم ‪ ،‬ولھذا ال ترى إشارة إليه إال نادرا‬ ‫‪ ،‬وكلما سار الزمن اضمحل وجوده حتى صار في حكم‬ ‫المعدوم بعد القرن الثامن الھجري ‪ ،‬ولم يبق له أثر إال تلك‬ ‫النقول التي حفظھا لنا من ردوا عليه وأنكروا ما فيه ‪ ،‬وبقي‬ ‫الحال كذلك إلى عصرنا ھذا الذي نحن فيه ) القرن الخامس‬ ‫عشر الھجري ( ‪ ،‬ولوال ثقتنا بأولئك الطاعنين عليه والرادين ‪،‬‬ ‫وتقديرنا لمكانتھم العلمية وصدقھم وإمامتھم ‪ ،‬لكان من الصعب‬ ‫جدا التصديق بأن أحدا من أتباع المذاھب األربعة يكتب مثل‬ ‫ھذا الكتاب ‪ ،‬أوينطق بما نقلوه عنه ‪ ،‬والحاصل أن الزمان قد‬ ‫استدار ليرجع الكتاب إلى الظھور ثانية في حلة قشيبة وجرأة‬ ‫عجيبة ‪.‬‬ ‫ففي سنة ) ‪1408‬ھـ ( عثروا على مخطوطة الكتاب في مكتبة‬ ‫عباس العزاوي بالعراق ‪ ،‬وكانت ناقصة ‪ ،‬وفي سنة )‬

‫‪1409‬ھـ ( ظفر محقق الكتاب ) ‪ ( 1‬الذي باء بإثم نشره‬ ‫ووزره ظفر بمصورة من نسخة كاملة منه في مكتبة حماد‬ ‫األنصاري ‪ ،‬وھكذا شرع في إخراج الكتاب فتم طبعه سنة )‬ ‫‪1410‬ھـ ( وقد وُ ضعت عليه ملصقة مكتوب عليھا ‪ ) :‬الناشر‬ ‫دار إيالف الدولية للنشر والتوزيع ( ويظھر من تحت الملصق‬ ‫‪ ) :‬مكتبة اإلمام الذھبي للنشر والتوزيع ( كما ھو مثبت على‬ ‫جانب الكتاب ‪ ،‬والناشران من الكويت ‪ ،‬ورأيت أنا الكتاب يباع‬ ‫في المملكة وغيرھا ‪ ،‬والذي طبع منه حتى اآلن جزءان فقط ‪،‬‬ ‫والمحقق َيعِد في آخر الجزء الثاني بإصدار الجزء الثالث ‪.‬‬ ‫ولقد قام المحقق بإخراج الكتاب والتقديم له بجرأة متناھية‬ ‫وبشكل ملفت للنظر يقتضي منا موقفا لوجه ﷲ تعالى ‪ ،‬وذودا‬ ‫عن عقيدة أھل السنة والجماعة ومنھج السلف ‪.‬‬ ‫وليس التفخيم من شأن الكتاب بالزخارف والنقوش والعناوين‬ ‫الرنانة الملفتة للنظر ‪ ،‬وليس ذلك الثناء العظيم ‪ ،‬وذلك اإلطراء‬ ‫الزائد ألبي يعلى بأنه ) القاضي اإلمام األوحد ‪ ..‬نور ﷲ‬ ‫وجھه آمين ( ثم طرحه للبيع بتحقيق أبي عبدﷲ النجدي !!‬ ‫ليس ذلك إال محاولة مكشوفة إلغراء الجھال والبسطاء‬ ‫الغافلين بشراء ھذا الكتاب واقتنائه لِ َت َعلُّ ِم العقيدة الصحيحة‬ ‫السلفية النقية من شوائب التجسيم والتشبيه !! والحاصل أن‬ ‫كثيرا من صغار طالب العلم باتوا يعانون من ضعف المناعة‬ ‫الفطرية المقاومة للتشبيه والتجسيم ‪ ،‬بسبب تكسر كريات‬ ‫التنـزيه البيضاء الناشئ من تناول الوجبات الدسمة ‪ ،‬ولعلھم ال‬

‫يجدون مدى الدھر مثل ھذا الكتاب القاضي على ما تبقى من‬ ‫آثار فطرة التوحيد والتنـزيه ‪.‬‬ ‫ويواصل المحقق محاولة إقناع القراء بعظمة الكتاب فيقول بعد‬ ‫خطبة الكتاب ص‪: 4‬‬ ‫)) وبعد ‪ ،‬فإن كتاب ) إبطال التأويالت ألخبار الصفات (‬ ‫للقاضي أبي يعلى الفراء كان يعد إلى زمن قريب من الكتب‬ ‫المفقودة ‪ ،‬وھو كتاب فريد في بابه ‪ ،‬إذ تضمن الرد على‬ ‫تأويالت األشاعرة والمعتزلة والجھمية ألخبار الصفات اإللھية‬ ‫‪ ،‬الواردة على لسان رسوله ‪ e‬وأعلم الخلق به ‪ ،‬وبيان مذھب‬ ‫السلف فيھا وھو إثباتھا واإليمان بھا ‪ ،‬ونفي التكييف عنھا‬ ‫والتمثيل لھا ‪ ،‬فھذا ھو التوحيد الذي بينه ﷲ تعالى ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫فأما قول المحقق ‪ ) :‬يعد إلى زمن قريب من الكتب المفقودة (‬ ‫فنعم ھو كذلك في حكم المفقود منذ ألف سنة ‪ ،‬وما نال أحد من‬ ‫المسلمين شرف إظھاره من حكم العدم إلى الوجود إال ھذا‬ ‫المحقق المسكين ‪ ،‬فھنيئا له ھذا العمل الصالح الذي سيسجل في‬ ‫صحائف أعماله الخالدة والذي يجد بشارته في قوله ‪ )) : e‬من‬ ‫سن سنة ‪ ، (( ..‬وقول المحقق عن كتاب أبي يعلى ھذا بأنه ‪) :‬‬ ‫فريد في بابه ( فال شك أنه فريد في بابه نادر الوجود ‪ ،‬وما‬ ‫تقدم من كالم أھل العلم دليل صادق على أنه فريد وحيد !! وھل‬ ‫تجرأ أحد من المسلمين على تصنيف كتاب ككتاب أبي يعلى‬

‫ھذا ؟! بل ھل فقد المسلمون الحياء والعقل معا حتى يصفوا ﷲ‬ ‫تعالى وتقدس بما وصفه به أبو يعلى مما سيطلع عليه القارئ‬ ‫الكريم ؟! بل ومحققه فريد أيضا بين المحققين ‪ ،‬وأما قوله ‪) :‬‬ ‫تضمن الرد على تأويالت األشاعرة ) ‪ ( 1‬والمعتزلة والجھمية‬ ‫( فإي وﷲ لقد رد على األشاعرة والماتريدية أھل السنة أھل‬ ‫الحديث ‪ ،‬وھدم دين المسلمين وداس العقل والفھم ‪ ،‬واجتث‬ ‫التوحيد والتنـزيه من أصوله ‪ ،‬ووصف ﷲ تعالى وتقدس بما لم‬ ‫يسبقه إليه إال اإلغريق واليھود وأھل التجسيم ‪ ،‬وصار سبة‬ ‫وعارا على األمة ‪ ،‬وخري به على أھل السنة عامة ‪ ،‬وعلى‬ ‫الحنابلة خاصة كما قال رزق ﷲ الحنبلي وقد صدق ‪ ،‬وقد كال‬ ‫له العلماء الصاع صاعين ال سيما أھل مذھبه ‪ ،‬ومحققنا‬ ‫العظيم قد قلد أبا يعلى بعد ألف سنة فشنع بتحقيقه لھذا الكتاب‬ ‫على أھل السنة عامة وعلى أھل الحديث والسلفية خاصة ‪،‬‬ ‫وإلى ﷲ المشتكى منه ‪ ،‬ثم قال المحقق العظيم ‪ ) :‬الواردة على‬ ‫لسان رسوله ( فعجبا لھذا المجازف ‪ ،‬وھل كان إنكار أھل‬ ‫العلم على ھذا الكتاب ألنه مشتمل على ما صح وثبت ؟؟!!‬ ‫فسيرى القارئ الكريم كم طار المحقق بعيدا عن الواقع المؤلم ‪،‬‬ ‫فورب السماوات إن الكتاب لموبوء بالموضوعات ‪ ،‬وكيف‬ ‫صوَّ ر من نور ﷲ قلبه باإليمان أن النبي‪ e‬ينطق ببعض ما‬ ‫َي َت َ‬ ‫نطق به أبو يعلى ؟!! فوالذي خلق الخلق ما يقول ذلك إال كذاب‬ ‫أشر ‪ ،‬ثم قال ‪ ) :‬وبيان مذھب السلف فيھا ‪ ..‬فھذا ھو‬ ‫التوحيد ‪ ( ..‬يقصد أن أبا يعلى أبان في كتابه مذھب السلف !!‬ ‫وأنه حقق فيه عين التوحيد !! وھذا الكالم من المحقق من‬ ‫أوضح األدلة على أن االنتساب لمذھب السلف قد صار لعبة‬ ‫يتلھى بھا كل من ھب ودب لِي َُروِّ َج بدعته ‪ ،‬فالمجسم يقول نحن‬

‫نتبع السلف ‪ ،‬والمعطل يقول نحن نتبع السلف ‪ ،‬و الخارجي‬ ‫السفاح يقول ذلك ‪ ،‬وھكذا كل مخرف ينسب دجله إلى السلف‬ ‫لِ َت ْنفُ َق سوقه عند العوام من الناس ‪ ،‬وأنا أقول ھنا ‪ :‬من قال بأن‬ ‫كتاب أبي يعلى ھذا ھو مذھب السلف فعليه لعنة ﷲ ‪ ،‬ألنه بقوله‬ ‫ھذا قد نسب السلف إلى التشبيه والتجسيم قطعا ويقينا ‪،‬‬ ‫والمحقق يرى ما في كتاب أبي يعلى من الجرأة على ذات‬ ‫العظيم سبحانه مجرد ھفوات فيقول ص‪ )) : 6‬والكتاب ال يخلو‬ ‫من ھفوات ‪ ،‬كما ھو شأن جميع الكتب فقد أبى ﷲ أن يتم إال‬ ‫كتابه (( اھـ ‪ ،‬فھل رأيتم يأيھا المسلمون كتابا قط يصف ﷲ‬ ‫تعالى بأنه ) شاب أمرد ( ؟؟!!! ) ‪ ، ( 1‬وھل ھذه‬ ‫أم تجسيمات وتشبيھات يونانيات أو يھوديات‬ ‫ھفوات‪،‬‬ ‫ال تؤاخذنا بما قاله‬ ‫من أوضح الكفريات ؟؟!! ‪ ،‬اللھم‬ ‫السفھاء منا ‪.‬‬ ‫والحاصل أن المحقق قد أتى جرما عظيما بإخراج ھذا الكتاب‬ ‫من مقبرة التشبيه ‪ ،‬وإذا كان المحقق يقول إن كتاب أبي يعلى )‬ ‫ال يخلو من ھفوات ( فغيره ممن عميت قلوبھم ال يرون ھذه‬ ‫الھفوات !! فقد جاء من ) ‪ ( 2‬وصف ) إبطال التأويالت ( بـ ‪:‬‬ ‫) المستطاب ( !!! فليفرح المحقق فقد آتى الكتاب أكله !‬ ‫وظھرت منافع طباعته ونشره فھنيئا له ‪ ،‬وما أعظم دعوته إلى‬ ‫منھج السلف !!! فسبحانك يا موالي ‪ ،‬كيف استطابوا كتابا‬ ‫ينتقصك ؟؟!! وبالباطل يصفك ؟؟!! فإنا وإنا إليه راجعون ‪.‬‬ ‫أفھكذا تزداد قافلة المستطيبين لھذه المخازي ؟! فا المحاسب‬ ‫والمجازي ‪ ،‬والذي نخشاه أن يتسع الخرق على الراتق ‪ ،‬ويفلت‬ ‫الزمام من قبضة اإلحكام ‪ ،‬فينتشر التشبيه باسم التوحيد‬

‫والتنـزيه ‪ ،‬ويُعزى كل ما عطب وتلف إلى مذھب السلف ‪،‬‬ ‫والسلف الصالح برآء من كل ھذا الھراء ‪.‬‬ ‫وفيما يلي أمثلة لما تضمنه الكتاب من التعرض لعظمة الذات‬ ‫القدسية ‪ ،‬بوصف الجبار المنتقم بالنعوت الوقحة الردية !! بل‬ ‫ونسبة ذلك بكل صفاقة ووقاحة إلى صاحب الخلق األعظم ‪،‬‬ ‫والمقام األفخم ‪ ،‬سيد العرب والعجم ‪ ،‬صلوات ربي وسالمه‬ ‫عليه ‪ ،‬وھو بأبي وأمي بريء من ھذا المختلق المكذوب ‪،‬‬ ‫براءة الحق من ال ِّس َنة واللُّغوب ‪ ،‬وإلى ﷲ المصير ‪.‬‬ ‫‪+++‬‬ ‫] نقوالت من إبطال التأويالت [‬ ‫اعلم أن محقق الكتاب قد صنع عناوين وضعھا بين معقوفين‬ ‫ھكذا ] [ لبعض الصفات ‪ ،‬ولم يفعل ذلك لكل الصفات التي‬ ‫أثبتھا أبو يعلى !! ألن أكثرھا نقائص واضحة ال تليق با ‪،‬‬ ‫فاستحيى المحقق من إبرازھا في عناوين ظاھرة ‪ ،‬فاختفت في‬ ‫طيات الكتاب ‪ ،‬واآلن سأذكر الصفات التي صنع لھا المحقق‬ ‫أبوابا دون تعليق ‪ ،‬ثم ننظر فيما أھمله المحقق مما أثبته أبو‬ ‫يعلى في جملة الصفات ‪ ،‬بوب المحقق لـ ‪:‬‬ ‫إثبات صفة الساق ‪ /‬الشخص والغيرة ‪ /‬اليد واليمين والقبض‬ ‫الع َجب ‪ /‬النـزول ‪/‬‬ ‫‪ /‬الرجل والقدم ‪ /‬الضحك ‪ /‬ال ُعلُ ّو ‪ /‬الفرح ‪َ /‬‬

‫ف ‪ /‬األصابع ‪ /‬القبض والبسط ‪/‬‬ ‫رؤية المؤمنين لربھم ‪ /‬ال َك ّ‬ ‫السمع والبصر ‪ /‬العينين ‪ /‬الحياء ‪ /‬ال َّن ْفس ‪ ..‬اھـ ) ‪. ( 1‬‬ ‫ھذا ما بوب له المحقق من الصفات في الجزءين األول والثاني‬ ‫‪ ،‬والمحقق يعتبر ھذه صفات يجب التسليم بھا كلھا على حد‬ ‫سواء !! وھذا خطأ ‪ ،‬والحاصل أن المحقق قد خلط أمورا كثيرة‬ ‫‪ ،‬خلط ما ھو من الصفات بإجماع ‪ ،‬مع ما ليس بصفة أصال ‪،‬‬ ‫مع أمور فسرھا السلف على ما ال يھوى المحقق ‪ ،‬وأشياء‬ ‫أخرى محل نزاع ‪ ،‬كما ترك أشياء أخرى عدھا أبو يعلى‬ ‫صفات وتحرج المحقق من التبويب لھا ‪ ،‬ونحن اآلن بصدد‬ ‫فضحھا ‪.‬‬ ‫) قعود النبي ‪ e‬على العرش مع ﷲ ( !!‬ ‫في ج‪/1‬ص‪ 72‬و ج‪/2‬ص‪ 476‬ذكر أبو يعلى أن النبي‪ e‬يقعد‬ ‫على العرش يوم القيامة مع ﷲ تعالى !! وأن ھذا ھو المقام‬ ‫المحمود الذي وعده به ربه ‪ ،‬وذكر في ذلك روايات ‪ ،‬وقد‬ ‫تقدم عن ابن تيمية أنھا كلھا موضوعة ‪ ،‬وقال أبو يعلى في‬ ‫‪ 485/2‬معتمدا على الروايات الموضوعة ‪ )) :‬فلزمنا اإلنكار‬ ‫على من رد ھذه الفضيلة التي قالتھا العلماء وتلقوھا بالقبول‬ ‫‪ ،‬فمن ردھا فھو من الفرق الھالكة (( اھـ !!! بل ونقل أبو‬ ‫يعلى عن بعضھم تكفير منكر ذلك !! ‪.‬‬

‫) االستلقاء واالتكاء والقعود ‪ ،‬ورفع إحدى الرجلين على‬ ‫األخرى ( !!‬ ‫ذكر أبو يعلى في ‪ ، 73/1‬وفي ‪ 187/1‬الرواية الموضوعة‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫)) إن ﷲ لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى‬ ‫ووضع إحدى رجليه على األخرى وقال ‪ :‬إنھا ال تصلح لبشر‬ ‫(( اھـ !!! ‪ ،‬وذكر ص‪ 188‬عن كعب األحبار أنه قال لمن سأله‬ ‫أين ربنا ‪ )) :‬ھو على العرش العظيم متكئ واضع إحدى‬ ‫رجليه على األخرى (( اھـ !! ‪ ،‬وقد أثبت أبو يعلى بھذا وذاك‬ ‫وغيره من الباطل صفات تعالى وتقدس عن إفكه فقال‬ ‫ص‪: 190‬‬ ‫)) اعلم أن ھذا الخبر يفيد أشياء ‪ :‬منھا جواز إطالق االستلقاء‬ ‫عليه ‪ ،‬ال على وجه االستراحة بل على صفة ال نعقل ) ‪( 1‬‬ ‫معناھا ‪ ،‬وأن له رجلين كما له يدان ‪ ،‬وأنه يضع إحداھما‬ ‫على األخرى على صفة ال نعقلھا (( اھـ !!! ‪.‬‬ ‫وذكر ص ‪ 191‬الرواية الواھية التالية ‪:‬‬ ‫)) ما تعجبون من رجل نصر ﷲ ورسوله ‪ ،‬لقي ﷲ غدا متكئا‬ ‫فقعد له (( ثم قال على إثرھا ‪ )) :‬والكالم فيه كالكالم في الذي‬ ‫قبله في االستلقاء سواء (( اھـ ‪ ،‬فأتبت بھذا سبحانه االتكاء‬ ‫والقعود !!! وھذه الجرأة من أبي يعلى ال تحتاج منا إلى تعليق ‪.‬‬

‫) الصورة ( !!‬ ‫في ‪ 77/1‬أورد أبو يعلى رواية ‪ )) :‬إن ﷲ خلق آدم على‬ ‫صورته (( ‪ ،‬ثم قال في ‪ 80/1‬ما نصه ‪ .. )) :‬والكالم فيه‬ ‫في فصلين ‪ :‬أحدھما جواز إطالق تسمية الصورة عليه‬ ‫سبحانه ‪ (( ..‬اھـ !! ‪ ،‬ومع ذلك فقد أَوَّ َل أبو يعلى الصورة فقال‬ ‫)) الصورة ليست في حقيقة اللغة عبارة عن‬ ‫‪: 81/1‬‬ ‫التخاطيط ‪ ،‬وإنما ھي عبارة عن حقيقة الشيء ‪ ،‬ولھذا يقول ‪:‬‬ ‫عرفني صورة ھذا األمر (( اھـ ‪ ،‬ولست أدري كيف يتفق ھذا‬ ‫التأويل للصورة من أبي يعلى مع الحديث المتقدم ؟! فھل يقال ـ‬ ‫على ھذا التأويل ـ إن ﷲ خلق آدم على حقيقته ھو تعالى ؟!!‬ ‫وأقبح من ھذا قول أبي يعلى ‪ 83/1‬مستدال برواية موضوعة ‪:‬‬ ‫)) فقد نص على أنه نحله صورته (( اھـ !! ‪ ،‬فيأيھا القارئ‬ ‫العاقل ‪ ،‬قل لي بربك كيف يصح أن يقال ‪ :‬إن ﷲ نحل ـ أي‬ ‫أعطى ـ صورته ھو تعالى وتقدس آلدم ؟؟! مع مالحظة أن‬ ‫صورته عند أبي يعلى تعني ) حقيقته ( !!! فھل حقيقة آدم ھي‬ ‫حقيقة ﷲ ؟!! فأي تجسيم بقي بعد ھذا ؟؟!! ) ‪. ( 1‬‬ ‫وأعجب من ذاك أن أبا يعلى يستدل بالرواية الباطلة التالية‬ ‫‪ .. )) : 97/1‬غضب موسى على قومه في بعض ما كانوا‬ ‫الح َجر قال ‪ :‬اشربوا يا حمير ‪ ،‬فأوحى ﷲ‬ ‫يسألونه ‪ ،‬فلما نزل َ‬ ‫إليه ‪ :‬تعمد إلى عبيد من عبيدي خلقتھم على مثل صورتي‬

‫فتقول اشربوا يا حمير ‪ ،‬قال ‪ :‬فما برح حتى أصابته عقوبة‬ ‫(( اھـ فانظر إلى انتقاص ﷲ ورسوله !!! ‪.‬‬ ‫) التدلي ( !!‬ ‫استدل أبو يعلى بقوله تعالى ‪ ) :‬ثم دنا فتدلى ( على أن المتدلي‬ ‫ھو ﷲ !! فقال في ‪ )) : 125/1‬فعلم أن المتدلي ھو الذي‬ ‫يوحي وھو ﷲ تعالى (( اھـ !! ‪ .‬يقول ھذا مع أن أئمة اللغة‬ ‫قد أجمعوا على أن الضمائر تعود على ما يناسبھا ولو بعدت ‪.‬‬ ‫) شاب ‪ ،‬أمرد ‪ ،‬أجعد ‪ ،‬في حلة حمراء ‪ ،‬عليه تاج ‪ ،‬ونعالن‬ ‫من ذھب ‪ ،‬وعلى وجھه َف َراش من ذھب ( !!‬ ‫أنفق أبو يعلى صفحات كثيرة من الكتاب ‪ 133/1‬ليثبت ھذه‬ ‫األوصاف ـ تعالى وتقدس عن إفكه ـ وقد شحنھا بالروايات‬ ‫الموضوعة ‪ ،‬ونقل في ‪ 144/1‬أن من لم يؤمن بھذه الصفات‬ ‫العظيمة !! فھو ‪ ) :‬زنديق ( ‪ ) ،‬معتزلي ( ‪ ) ،‬جھمي ( ‪ ) ،‬ال‬ ‫تقبل شھادته ( ‪ ) ،‬ال يسلم عليه ( ‪ ) ،‬ال يعاد ( ‪ ،‬ثم قال أبو‬ ‫يعلى في ‪: 146/1‬‬ ‫)) وليس في قوله ‪ :‬شاب وأمرد وجعد وقطط وموفور إثبات‬ ‫تشبيه ‪ ،‬ألننا نثبت ذلك تسمية كما جاء الخبر ال نعقل معناھا ‪،‬‬ ‫كما أثبتنا ذاتا ونفسا ‪ ،‬وألنه ليس في إثبات ال َف َراش والنعلين‬

‫والتاج وأخضر أكثر من تقريب المحدث من القديم ‪ ،‬وھذا غير‬ ‫ممتنع كما لم يمتنع وصفه بالجلوس على العرش ‪ (( ..‬اھـ‬ ‫!!!! ‪.‬‬ ‫وھذا الكالم ) ‪ ( 1‬لو قاله المشركون ‪ ،‬أو اليھود ونحوھم فال‬ ‫عجب ‪ ،‬فھم أھل ھذه المخازي ‪ ،‬أما أن يقوله رجل من أتباع‬ ‫المذاھب األربعة ‪ ،‬فھذا وﷲ الخزي والعار علينا معشر‬ ‫المسلمين ‪ ،‬أن يكون قائل ذلك واحدا منا ‪ ،‬فيا شماتة األعداء ‪،‬‬ ‫ويا فرحة المالحدة والزنادقة بأفكار أبي يعلى ھذه ‪ ،‬وأنا أخشى‬ ‫أن يُترجم ھذا الكتاب إلى اللغات األجنبية كما ترجموا غيره ‪،‬‬ ‫فيشنع به المتربصون الحاقدون على اإلسالم والمسلمين ‪.‬‬ ‫) الشمال ( !!‬ ‫في ‪ 178/1‬و ‪ 328/2‬لم يتورع أبو يعلى من إطالق الشمال‬ ‫على ﷲ ‪ ،‬والمحقق تظاھر في البداية بمخالفة أبي يعلى فقال ‪:‬‬ ‫)) كالم المصنف رحمه ﷲ يدل على أنه ال يرى بأسا في‬ ‫تسمية اليد األخرى لربنا سبحانه بالشمال ‪ ،‬وقد أنكر ھذا ابن‬ ‫خزيمة في كتابه التوحيد ص‪ (( .. 66‬اھـ ‪ ،‬ثم بعد ھذا تكلم‬ ‫المحقق بكالم وجاء بنصوص يضيع معھا القارئ البسيط ‪ ،‬وال‬ ‫يصل إلى نتيجة معينة من خاللھا ) ‪. ( 1‬‬ ‫) وطء الصخرة وأرض الطائف ( !!‬

‫ذكر أبو يعلى في ‪ 202/1‬عن كعب األحبار أنه قال ‪ )) :‬إن‬ ‫ﷲ تعالى نظر إلى األرض فقال ‪ :‬إني واط على بعضك ‪،‬‬ ‫فانتسفت إليه الجبال فتضعضعت الصخرة فشكر ﷲ لھا ذلك‬ ‫فوضع عليھا قدمه (( اھـ ‪ ،‬والمحقق يقول ‪ )) :‬الخبر من‬ ‫اإلسرائيليات (( اھـ ‪ ،‬لكن أبا يعلى ال يتورع عن إثبات صفات‬ ‫بمثل ھذا ‪ ،‬ففي ‪ 377/2‬يذكر أبو يعلى الرواية الواھية التالية‬ ‫بو ّج ) ‪ (( ( 2‬اھـ ‪ ،‬ثم‬ ‫‪ .. )) :‬آخر وطأة وطئھا رب العالمين َ‬ ‫يذكر قول كعب األحبار ـ الذي ينقل عن كتب اليھود ـ ‪379/2‬‬ ‫‪َ )) :‬و ّج مقدس ‪ ،‬منه َع َر َج الرب إلى السماء يوم قضى خلق‬ ‫األرض (( اھـ !! ‪ ،‬ثم يقول أبو يعلى ‪ )) :‬اعلم أنه غير‬ ‫ممتنع على أصولنا ) ‪ ( 3‬حمل ھذا الخبر على ظاھره ‪ ،‬وأن‬ ‫ذلك على معنى يليق بالذات دون الفعل ‪ (( ..‬اھـ ‪ .‬وفي ھذا‬ ‫النقل والفھم السقيم من أبي يعلى دليل على بطالن أصوله‬ ‫وقواعده التي بنى عليھا ‪ ،‬فال ينتج الباط َل إال باط ٌل مثله ‪.‬‬ ‫ومما يتعلق بھذا المقام أن أبا يعلى مغرم بنسبة كل شيء إلى‬ ‫الذات ! ال يتردد أبدا في ذلك فتراه يذكر في ‪ 227/1‬رواية )‬ ‫إن ﷲ يدني العبد يوم القيامة ( فيقول ‪ )) :‬المراد من دنوه‬ ‫الدنو من الذات (( !! ‪ ،‬وفي ‪ 265/1‬يذكر ‪ )) :‬نزول ذاته ((‬ ‫!! تعالى وتقدس ‪ ،‬يستدل لذلك بخبر موضوع ‪ )) :‬إن ﷲ جل‬ ‫اسمه إذا أراد أن ينـزل نزل بذاته (( !! وفي ‪ 266/1‬يذكر ‪:‬‬ ‫)) ھبوط الذات (( !! ‪ ،‬وفي ‪ )) : 297/2‬الدنو والقرب من‬ ‫الذات (( !! وفي ‪ )) : 334/2‬فأما التجلي فھو راجع إلى‬

‫الذات (( !! وھكذا يختلق أبو يعلى أمورا ال صلة لھا بكتاب ﷲ‬ ‫وال بسنة رسوله وال بھدي السلف ) ‪. ( 1‬‬ ‫) الذراعان والصدر والساعد ( !!‬ ‫أثبت أبو يعلى الذراع صفة ذات في ‪ 203/1‬بروايات ال تثبت‬ ‫‪ ،‬وليست صريحة فيما أراده ‪ ،‬وفي ‪ 221/1‬استدل بأثر باطل‬ ‫نصه ‪ )) :‬خلق ﷲ المالئكة من نور الذراعين والصدر (( !! )‬ ‫‪ ( 2‬ثم قال ‪ )) :‬الكالم في ھذا الخبر في فصلين ‪ :‬أحدھما في‬ ‫إثبات الذراعين والصدر ‪ ،‬والثاني في خلق المالئكة من نوره‬ ‫(( اھـ !! فأثبت الذراعين والصدر والنور صفات ‪ ،‬كما ذكر في‬ ‫‪ 343/2‬قول النبي‪ e‬لمن شق آذان األنعام محذرا إياه من‬ ‫غضب ﷲ ‪ )) :‬موسى ﷲ أَ َح ُّد من موساك ‪ ،‬وساعد ﷲ أشد‬ ‫من ساعدك (( فأثبت به صفة الساعد ‪ ،‬ألن الساعد مضاف إلى‬ ‫ﷲ ‪ ،‬وقد امتنع من إثبات ) الموسى ( صفة ‪ ،‬مع أن الموسى‬ ‫مضاف إلى ﷲ أيضا ‪ ،‬ألن الموسى آلة وﷲ منـزه عن اآلالت‬ ‫بزعمه ‪ ،‬لكن على منطق أبي يعلى يمكن الرد عليه بأن الموسى‬ ‫الشاھد ‪ ،‬وال يلزم ذلك في الغائب عنا ‪،‬‬ ‫آلة عندنا نحن في‬ ‫وھو موسى ﷲ ‪ ،‬فال يمتنع على منطقه إثبات الموسى صفة‬ ‫أيضا !! ‪.‬‬ ‫) الفخذ واألمام والخلف ( !!!!‬

‫يستدل أبو يعلى في ‪ 206/1‬بالرواية الباطلة التالية ‪ )) :‬إذا‬ ‫كان يوم القيامة يذكر داود ذنبه فيقول ﷲ عز وجل له ‪ :‬كن‬ ‫أمامي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب ذنبي ‪ ،‬فيقول ﷲ ‪ :‬كن خلفي فيقول ‪:‬‬ ‫رب ذنبي ذنبي ‪ ،‬فيقول ﷲ له خذ بقدمي (( اھـ ‪ ،‬ثم يذكر‬ ‫الرواية الباطلة التالية ‪ )) :‬إن ﷲ عز وجل ليقرب داود حتى‬ ‫يضع يده على فخذه يقول ‪ :‬ادن منا أزلفت لدينا (( اھـ ‪ ،‬أثبت‬ ‫أبو يعلى بھذا صفات وحمل الخبر ـ مع بطالنه ـ على‬ ‫ظاھره !! فقال ‪ )) :‬اعلم أنه غير ممتنع حمل ھذا الخبر على‬ ‫ظاھره ‪ ،‬إذ ليس فيه ما يحيل صفاته وال يخرجھا عما تستحقه‬ ‫ألنا ال نثبت قدما وفخذا جارحة وال أبعاضا ‪ ،‬بل نثبت ذلك‬ ‫صفة كما أثبتنا الذات والوجه واليدين … وال نثبت أيضا أماما‬ ‫وخلفا على وجه الحد والجھة ‪ ،‬بل نثبت ذلك صفة غير‬ ‫محدودة … (( اھـ !!! ‪.‬‬ ‫فأبو يعلى لم يستحيي من جعل الفخذ صفة تعالى وتقدس ‪،‬‬ ‫مع أن إضافة الفخذ إليه تعالى نقص محض ال يمكن أن يكون‬ ‫كماال بحال من األحوال ‪ ،‬فكما ال يمكن وجود نوم أو نسيان‬ ‫أوغفلة تليق به تعالى أبدا ‪ ،‬فكذلك ال يمكن وجود فخذ تليق به‬ ‫ألن ذلك نقص محض ‪ ،‬والفخذ من العورة في شريعة اإلسالم ‪،‬‬ ‫وكذا الحال بالنسبة للخلف واألمام ) ‪. ( 1‬‬ ‫) الحقو ( !!‬

‫الح ْقو ) ‪ ( 1‬صفة‬ ‫وفي ‪ 208/1‬و ‪ 420/2‬أثبت أبو يعلى َ‬ ‫برواية )) ‪ ..‬قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن ‪ (( ..‬اھـ وھي‬ ‫رواية صحيحة ‪ ،‬والمقصود بالحقو ھنا قائمة العرش كما جاء‬ ‫التصريح به في رواية مسلم ) ‪ ، ( 2‬وذلك على سبيل‬ ‫االستعارة وھي من أجمل الصور البالغية عند العرب ‪ ،‬أما أبو‬ ‫يعلى فقد حمل ذلك على ظاھره كعادته فقال في ‪)) : 420/2‬‬ ‫اعلم أنه غير ممتنع حمل ھذا الخبر على ظاھره ‪ ،‬وأن الحقو‬ ‫والحجزة صفة ذات ال على وجه الجارحة والبعض (( اھـ !!‬ ‫‪ ،‬فاسمع إلى ھذا الھراء واحمد ﷲ ‪.‬‬ ‫) اإلبھام والخنصر والسبابة والتي تليھا ( !!‬ ‫أثبت أبو يعلى اإلبھام صفة فقال ‪ 210/1‬مستدال بمرسل باطل‬ ‫من رواية سعيد بن َزرْ بى وھو منكر الحديث نصه ‪ )) :‬أوحى‬ ‫لك ‪ ..‬ومحوت‬ ‫ﷲ إلى داود ‪ :‬ارفع رأسك فقد غفرت‬ ‫خطيئتك بإبھام يميني (( اھـ !! ‪ ،‬ثم قال أبو يعلى ‪ )) :‬وھذه‬ ‫الزيادة تقتضي إثبات اإلبھام ‪ (( ..‬اھـ ‪ ،‬وبمثل ھذا المنھج‬ ‫المعوج واألصول التالفة الباطلة قال في ‪ )) : 316/2‬الخبر‬ ‫على ظاھره في إثبات األصابع والسبابة والتي تليھا (( اھـ ‪،‬‬ ‫ويقول في ‪ .. )) : 335/2‬الخنصر وھو على ظاھره ‪ ،‬إذ ليس‬ ‫في حمله على ظاھره ما يحيل صفاته (( اھـ ‪ ،‬وھكذا يتجاوز‬ ‫أبو يعلى الحدود فيثبت بالموضوعات والبواطيل صفات‬ ‫تعالى وتقدس عما يقول الظالمون ‪.‬‬

‫) اللھوات واألضراس ( !!‬ ‫في ‪ 214/1‬يذكر أبو يعلى خبرا باطال نصه ‪ )) :‬يضحك ﷲ ‪..‬‬ ‫حتى بدت لھواته وأضراسه (( اھـ !! ‪ ،‬ثم يقول أبو يعلى‬ ‫‪ )) : 218/1‬ال نثبت أضراسا ولھوات ھي جارحة وال أبعاضا‬ ‫‪ ،‬بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا الوجه واليدين والسمع والبصر‬ ‫‪ ،‬وإن لم نعقل معناھا ) ‪ (( ( 1‬اھـ ‪.‬‬ ‫وال أدري أي قيمة لنفي الجوارح واألبعاض بعد تجويز وصف‬ ‫ﷲ بھذا ؟! فإن مجرد وصفه تعالى بھذا عبث واستھزاء ‪.‬‬ ‫) الملل ( !!‬ ‫استدل أبو يعلى في ‪ 369/2‬برواية ‪ )) :‬إن ﷲ ال يمل حتى‬ ‫تملوا (( فأثبت الملل له تعالى صفة ‪ ،‬قال ‪ )) : 370/2‬اعلم‬ ‫أنه غيرممتنع إطالق وصفه تعالى بالملل ال على معنى السآمة‬ ‫واالستثقال ‪ (( ..‬اھـ !!! ‪.‬‬ ‫ولست أدري كيف يمكن أن يفھم أبو يعلى الملل على ظاھره ـ‬ ‫أبي يعلى في أشباه ھذا ـ ثم ال يكون بمعنى‬ ‫كما ھي قاعدة‬ ‫السآمة ؟!! ألنه إذا لم يكن الملل بھذا المعنى فليس على ظاھره‬

‫‪ ،‬ومع ھذا فقد رفض أبو يعلى تأويل الخبر وتفسيره بمعنى‬ ‫مفھوم ‪ ،‬بل ترك الخبر دون معنى على صفة ال يعقل معناھا‬ ‫‪ ،‬وكأن الشارع يخاطب المجانين والمھابيل !! اللھم احفظ علينا‬ ‫عقولنا ‪.‬‬ ‫) الفم ( !!‬ ‫استدل أبو يعلى بأثر ال يصح كعادته فأثبت به صفة ‪ ،‬ففي‬ ‫‪ 387/2‬ذكر األثر الباطل التالي ‪ )) :‬كأن الناس إذا سمعوا‬ ‫القرآن من في الرحمن عز وجل يوم القيامة فكأنھم لم يسمعوه‬ ‫قبل ذلك (( اھـ وھذا مع كونه أثرا ال يثبت ‪ ،‬فقد أثبت به أبو‬ ‫يعلى دون خشية من ﷲ صفة ) الفم ( فقال مقولته ال ُم ِملَّ َة على‬ ‫عادته ‪ )) :‬اعلم أنه غير ممتنع إطالق الفي عليه سبحانه ((‬ ‫اھـ !! وأنه ‪ )) :‬صفة قد ورد الخبر بھا (( اھـ !! ‪.‬‬ ‫) الجنب ( !!‬ ‫قال أبو يعلى ‪ )) : 427/2‬وأما قوله تعالى ‪ ) :‬يا حسرتى‬ ‫على ما فرطت في جنب ﷲ ( فحكى شيخنا أبو عبدﷲ ) ‪( 1‬‬ ‫رحمه ﷲ في كتابه عن جماعة من أصحابنا األخذ بظاھر اآلية‬ ‫في إثبات الجنب صفة سبحانه (( اھـ !!! ‪.‬‬

‫وھذا يدل على سخافة عقول ھؤالء وغباوتھم ‪ ،‬وإال فكيف‬ ‫ُي َتصور أن يقع التفريط في جنب ﷲ بمعنى الصفة ؟؟! وأبو‬ ‫يعلى وإن نقل ھذا عن شيوخه لكنه لم يوافقھم ‪َ ،‬فأَوَّ ل الجنب‬ ‫بأنه أمر ﷲ ‪ ،‬ألن التفريط إنما يقع فيه ‪ ،‬وإنما نقلنا ھذا لتعرف‬ ‫منـزلة شيوخه ‪.‬‬ ‫) الھجو واالستھزاء والسخرية ( !!‬ ‫أثبت أبو يعلى ذلك من جملة الصفات في ‪ 462/2‬وقال ‪)) :‬‬ ‫واعلم أنه غير ممتنع على أصولنا إطالق الھجو عليه سبحانه‬ ‫‪ ..‬وكذلك االستھزاء والسخرية (( اھـ !! ويؤيد أبويعلى قوله‬ ‫ھذا بأن ﷲ تعالى يذم الكفار ويستھزئ بھم ‪ ،‬وغفل عن كون‬ ‫الصفات توقيفية ال مجال لالجتھاد فيھا ‪ ،‬وعن كون العرب‬ ‫تسمي الجزاء باسم العمل ‪ ،‬فيسمون جزاء االستھزاء‬ ‫باالستھزاء ‪ ،‬وجزاء المكر بالمكر ‪ ،‬وإن لم يكن مثله ‪ ،‬فا‬ ‫سمى جزاءه الكفار على مكرھم سماه مكرا ‪ ،‬ال أنه كذلك على‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬فالمكر الحقيقي المذموم ما كان مبتدءا ال ما كان‬ ‫عقوبة ومقابلة بالمثل ‪ ،‬فال يجوز أن يسمى ﷲ تعالى أو‬ ‫يوصف بالمستھزئ أو الماكر ‪ ..‬تعالى ﷲ عن ذلك ‪ ،‬ولو‬ ‫وُ صِ ف إنسان بمثل ھذا لغضب ولو كان أخس الناس ‪ ،‬فكيف‬ ‫با تعالى ؟!! ‪.‬‬

‫] الروايات الباطلة [‬ ‫أبو يعلى ال يتورع عن إيراد الموضوعات في كتاب خصصه‬ ‫لصفات ﷲ تعالى ‪ ،‬وھذا من أعظم أبواب االعتقاد ) ‪ ، ( 1‬ولو‬ ‫شرعت في ذكر األخبار الباطلة التي جاء بھا أبو يعلى مستدال‬ ‫محتجا ‪ ،‬فأثبت صفات تعالى بناء عليھا ‪ ،‬فلو رُحْ ُ‬ ‫ت أسرد‬ ‫ھذه الواھيات والموضوعات لطال األمر جدا ‪ ،‬ألنھا منثورة‬ ‫على طول الجزءين األول والثاني ‪ ،‬لكن سأكتفي بمثالين ينمان‬ ‫عما وراءھما ‪ ،‬ويشفان عما تحتھما ‪.‬‬ ‫) الرواية عن مقاتل بن سليمان ( !!‬ ‫أورد أبو يعلى في كتابه ‪ 161/1‬من طريق مقاتل بن سليمان‬ ‫قال ‪ )) :‬قال عبدﷲ بن مسعود في قوله عز وجل ‪ ) :‬يوم‬ ‫يكشف عن ساق ( يعني ساقه اليمين ‪ ،‬فيضيء من نور‬ ‫ساقه األرض ‪ ،‬فذلك قوله ‪ ) :‬وأشرقت األرض بنور ربھا ( ‪،‬‬ ‫يعني نور ساقه اليمين (( اھـ !! ‪ ،‬ويكفي تعليقا على ھذا ما‬ ‫قاله محقق الكتاب نفسه ‪ ،‬قال ‪ )) :‬إسناده ضعيف جدا ‪ ،‬مقاتل‬ ‫بن سليمان متھم ورمي بالتجسيم (( اھـ ‪.‬‬

‫لكن أبا يعلى ال يبالي بھذا كله ‪ ،‬وال شأن له بعلم الجرح‬ ‫والتعديل ‪ ،‬فميزان صحة الحديث عنده ھو مجرد وروده في‬ ‫كتب شيوخه أو على ألسنتھم أمثال أبي عبدﷲ بن حامد وغيره‬ ‫!! ‪.‬‬ ‫) على حوت من نور ( !!‬ ‫لم يتورع أبو يعلى من إيراد الرواية التالية في كتابه ‪237/1‬‬ ‫على بطالن سندھا ومتنھا ‪:‬‬ ‫وس‬ ‫س َ‬ ‫صيصي قال ‪ :‬دخلت َط َر ُ‬ ‫)) ‪ ..‬عن عبدﷲ بن الحسين ال ِم ِّ‬ ‫‪ ،‬فقيل لي ھھنا امرأة قد رأت الجن الذين وفدوا إلى النبي ‪e‬‬ ‫‪ ،‬فأتيتھا ‪ ،‬فإذا ھي امرأة مستلقية على قفاھا فقلت ‪ :‬رأيت‬ ‫أحدا من الجن الذين وفدوا إلى رسول ﷲ ‪ e‬؟ قالت ‪ :‬نعم ‪،‬‬ ‫حدثني عبدﷲ سمحج قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ﷲ ‪ ،‬أين كان ربنا‬ ‫قبل أن يخلق السموات واألرض ؟ قال ‪ ) :‬على حوت من نور‬ ‫يتلجلج في النور ( ‪ (( ..‬اھـ !! ) ‪. ( 1‬‬ ‫فلو أورد ھذا يھودي أو نصراني أو وثني مشرك محتجا به‬ ‫على صفات خالقه لكان أھال لھذه المصائب والمخازي ‪ ،‬أما أن‬ ‫يحتج به من ينتسب إلى شيخ السنة اإلمام المبجل أحمد بن حنبل‬ ‫فھو وﷲ العار والشنار والفضيحة الكبرى ‪ ،‬والغريب أن أبا‬ ‫يعلى كان يقرأ كتابه ھذا على عامة الناس في المساجد في بغداد‬ ‫ـ قبل محاكمته ـ فكيف ساغ له ذلك ؟؟!! ‪ ،‬فالمتشابھات ال يجوز‬

‫ذكرھا أمام العامة ولو صحت أسانيدھا كما تقرر في ) آداب‬ ‫المحدث ( من كتب مصطلح الحديث ) ‪ ، ( 2‬فكيف وھي‬ ‫موضوعات بواطيل ؟؟!! ‪ ،‬وفي ھذين المثالين مقنع‬ ‫للمتبصرين ‪ ،‬وداللة للمتوسمين ‪ ،‬على قلة المخافة من ﷲ عند‬ ‫أمثال ھؤالء ‪ ،‬وعدم تنـزيھھم ‪ ،‬وضعف أفھامھم ‪ ،‬وانتكاس‬ ‫عقولھم ‪ ،‬ومرض قلوبھم ‪ ،‬والشيء بالشيء يعرف ويكتشف ‪.‬‬ ‫ھذا وكما حدث باألمس البعيد قبل ألف سنة أن تأثر بكتاب أبي‬ ‫يعلى ھذا جماعة من أصحابه وأحبابه ‪ ،‬الطالبين العلم من غير‬ ‫بابه ‪ ،‬فنسجوا على منواله ‪ ،‬وقلدوه في أحواله وأقواله ‪ ،‬فنشروا‬ ‫بدعه بين العامة ) ‪ ، ( 1‬فال يبعد أبدا أن يحدث ھذا اآلن ‪،‬‬ ‫وكيف ال ونحن من الساعة على اقتراب !! أم كيف ال وقد جاء‬ ‫اآلن من وصف كتاب ) إبطال التأويالت ( ألبي يعلى بـ)‬ ‫المستطاب ( !! فال حول وال قوة إال با العلي العظيم ‪.‬‬ ‫] الخاتمة [‬ ‫أعتقد وﷲ أعلم ‪ ،‬أن القارئ المتبصر ال يشك ـ بعد كل ما تقدم‬ ‫ـ في خطورة ھذا الكتاب وما شابھه على العقيدة الصحيحة التي‬ ‫لم تخالطھا شوائب التشبيه ‪ ،‬والتي ھي على فطرتھا غافلة‬ ‫عما يراد بھا ‪ ،‬وال يرتاب الفطن في آثاره الوبيلة على المسلمين‬ ‫إذا ما تم نشره والتصفيق له ‪ ،‬ولو على تمھل وخفية ‪ ،‬ألنه‬ ‫حتما سيؤدي إلى نتائج مؤسفة ولو بعد حين ‪ ،‬فالتأثر بمثل ھذه‬ ‫الكتب اآلن أمر متوقع ‪ ،‬ال سيما بعد حمالت كثيرة متعددة قصد‬ ‫من ورائھا سحق الفطرة ‪ ،‬وتدمير المناعة الدينية ضد أمراض‬

‫التجسيم والتشبيه ‪ ،‬حتى نشأ شباب ممسوخ الفھم والفطرة‬ ‫منكوس العقل ‪ ،‬من السھل اجتذابه إلى مھاوي التشبيه ‪ ،‬حتى‬ ‫لقد رأينا منھم من نقل الشريك والولد من قسم المستحيالت في‬ ‫حق الخالق سبحانه إلى قسم الجائزات !! وھذه وﷲ حالقة‬ ‫الدين ‪ ،‬وسالخة اليقين ‪ ،‬ولعل من وھبه ﷲ حسن التفكر ‪ ،‬ال‬ ‫يخالفني بأن أيديا خفية تعمل لبعث فرقة التشبيه والتجسيم مرة‬ ‫أخرى ‪ ،‬واعية لجرمھا أو غافلة عنه ‪ ،‬فإنه ُتشم منذ مدة روائح‬ ‫ھذه الرمم البالية من ثنايا كتب ومنشورات ‪ ،‬يتبوأ كتاب )‬ ‫إبطال التأويالت ( المكانة الكبرى بينھا حتى اآلن ‪ ،‬ولست‬ ‫مترددا في أن ھذا الكتاب وأشباھه أولى بالمنع والقمع من‬ ‫القصص والروايات والكتب العلمانية ‪ ،‬ذلك ألن ھذه األخيرة‬ ‫إنما تنخر في فئات ھي أصال نخرة ‪ ،‬أما تلك فتعمل في أبنية‬ ‫المجتمع المسلم ‪ ،‬وألن العقول المسلمة ال تزال مناعتھا قوية‬ ‫قادرة على مقاومة اإللحاد والعلمانية ولو وجدانيا ‪ ،‬ولكن ال‬ ‫تبدو ھذه القدرة واضحة تجاه كتب التشبيه ‪ ،‬ألن سمھا خفي ال‬ ‫يتبينه السذج من الناس سريعا ‪ ،‬لذلك وغيره وجب على كل ذي‬ ‫غيرة على دينه وعقيدته محاربة ھذه السموم واألوبئة بكل ما‬ ‫قبل أن يسبق السيف العذل ‪ ،‬والت ساعة‬ ‫أوتي من قوة ‪،‬‬ ‫مندم ‪ ،‬وقد آن للقلم أن يرتفع بعد خالص النصح ‪ ،‬وصلى ﷲ‬ ‫وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬سبحان‬ ‫ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد‬ ‫رب العالمين ‪.‬‬ ‫كتبه‬

‫األزھري عفا ﷲ عنه‬ ‫) الموضوعات (‬ ‫المقدمة‬

‫)‪(3‬‬

‫] الكتاب وتاريخه [‬

‫)‪(4‬‬

‫] كتاب أبي يعلى يظھر من‬ ‫جديد [‬

‫) ‪( 10‬‬ ‫) ‪( 15‬‬

‫] نقوالت من إبطال التأويالت‬ ‫) ‪( 16‬‬ ‫[‬ ‫) ‪( 16‬‬ ‫قعود النبي ‪ e‬على العرش‬ ‫) ‪( 17‬‬ ‫االستلقاء واالتكاء ‪..‬‬ ‫) ‪( 18‬‬ ‫الصورة‬ ‫) ‪( 18‬‬ ‫التدلي‬ ‫) ‪( 19‬‬ ‫شاب أمرد أجعد ‪..‬‬ ‫) ‪( 19‬‬ ‫الشمال‬ ‫) ‪( 20‬‬ ‫وطء الصخرة وأرض‬ ‫الطائف‬ ‫) ‪( 21‬‬

‫الذراعان والصدر والساعد‬

‫) ‪( 22‬‬

‫الفخذ واألمام والخلف‬

‫) ‪( 22‬‬

‫الحقو‬

‫) ‪( 23‬‬

‫اإلبھام والخنصر والسبابة ‪( 23 ) ..‬‬ ‫اللھوات واألضراس‬

‫) ‪( 24‬‬

‫الملل‬

‫) ‪( 24‬‬

‫الفم‬

‫) ‪( 25‬‬

‫الجنب‬

‫) ‪( 26‬‬

‫الھجو واالستھزاء والسخرية ) ‪( 26‬‬ ‫] الروايات الباطلة [‬

‫) ‪( 27‬‬

‫الرواية عن مقاتل بن‬ ‫سليمان‬

‫) ‪( 29‬‬

‫على حوت من نور‬ ‫الخاتمة‬ ‫الموضوعات‬

‫) ‪( 30‬‬

‫) ‪ ( 1‬ـ ھو غير اإلمام أبي يعلى الموصلي صاحب المسند‬ ‫المشھور فتنبه ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ رأيت بعض ھؤالء ممن جوزت لھم عقولھم أن يكون‬ ‫من جملة صفات الحق ـ تعالى وتقدس ـ القرنان والذيل والولد‬ ‫إذا جاء بذلك الخبر بزعمھم !! وال حول وال قوة إال با العلي‬ ‫العظيم ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 3‬ـ كما بلغني أن بعض المتسرعين ترجم كتاب شرح السنة‬ ‫المنسوب للبربھاري إلى لغة أجنبية ‪ ،‬والحقيقة أن الكتاب لغالم‬ ‫خليل الوضاع المشھور ‪ ،‬والموصوف بدجال بغداد !! ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ إمام قدوة توفي سنة ‪442‬ھـ ‪ ،‬وترجمته في طبقات‬ ‫الشافعية ‪ ،‬وانظر سير أعالم النبالء ‪. 609/17‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ وفي كالم الذھبي أخطاء ‪ ،‬أولھا في اسم الكتاب ‪،‬‬ ‫وثانيھا قوله ‪ ) :‬لما فيه من الواھي والموضوع ( والحق أن‬ ‫الموضوعات كانت منتشرة في ذلك الوقت خصوصا في بغداد‬ ‫فلم يكن النكير من أجلھا بل لكون الكتاب يصف ﷲ بما ال يليق‬ ‫‪ ،‬وثالثھا قوله ‪ ) :‬من القادر با ( والصواب أن الخليفة‬ ‫الشاھد للحادثة ھو القائم بأمر ﷲ بن القادر با ‪ ،‬أما أبوه‬ ‫الخليفة القادر با فقد توفي في سنة ) ‪422‬ھـ ( ‪ ،‬قبل الحادثة‬ ‫بسنين ‪ ،‬ورابعھا قوله ‪ ) :‬فأعجبه ( وھذا غير ممكن ألن ھذا‬ ‫الكتاب ھو سبب الفتنة ‪ ،‬وفيه ما ال يمكن تحمله من النقائص‬

‫جبُ خليف َة المسلمين ؟! ويبدو أن‬ ‫المنسوبة تعالى ‪ ،‬فكيف يُعْ ِ‬ ‫ھذا ما فھمه الذھبي من عبارة ) طبقات الحنابلة ( السابقة القائلة‬ ‫‪ ) :‬وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب ) إبطال التأويالت‬ ‫( ليتأمل فأعيد إلى الوالد ‪ ،‬وشكر له تصانيفه ( اھـ لكن ھذه‬ ‫العبارة ال ينبغي للذھبي أن يفھم منھا إعجاب الخليفة بالكتاب ‪،‬‬ ‫ألن الخليفة قد رد الكتاب ولم يقبله على عادة الخلفاء ‪ ،‬وفي‬ ‫ھذا إشارة إلى عدم رضاه عنه ‪ ،‬لكنه شكر له تصانيفه غير ھذا‬ ‫الكتاب ‪ ،‬وخامسھا قوله ‪ ) :‬ثم أصلح بين الفريقين الوزير‬ ‫علي بن المسلمة ( وھذا كان في حادثة أخرى جرت سنة )‬ ‫‪445‬ھـ ( غير حادثتنا ھذه الكائنة في ‪432‬ھـ ‪ ،‬وعلى كل حال‬ ‫يجب أن نالحظ في نقل ) طبقات الحنابلة ( ميل الولد ألبيه ‪،‬‬ ‫أما الذھبي فتصرفه في العبارة له سبب معروف عند أھل العلم‬ ‫‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ قال األستاذ الكوثري في ) السيف الصقيل ( ص‪: 149‬‬ ‫)) وألبي يعلى ھذا كتاب ) المعتمد في المعتقد ( وھو قريب إلى‬ ‫السنة ‪ ،‬ونرجوا أن يكون ھذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما‬ ‫سلف منه ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ إمام متفق على جاللته وعظيم مكانته ‪ ،‬توفي سنة‬ ‫‪488‬ھـ ‪ ،‬وترجمته واسعة ‪ ،‬انظر السير ‪. 609/18‬‬

‫) ‪ ( 2‬ـ ذكره الذھبي في السير ‪ 561/18‬ووصفه بالواعظ‬ ‫العالم وذكر قصته ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ نشره عالمة الجزائر عبدالحميد بن باديس كامال سنة‬ ‫‪ ، 1940‬ثم نشر األستاذ محب الدين الخطيب من ھذا الكتاب‬ ‫ما يتعلق بالرد على الرافضة فقط سنة ‪ 1970‬وھو جزء‬ ‫صغير من الكتاب ‪ ،‬وكثيرون يظنونه الكتاب كله لشھرة ھذه‬ ‫الطبعة ‪ ،‬وقد اعتمدنا على طبعة دار الثقافة بالدوحة ‪ ،‬وھي‬ ‫كاملة بحمد ﷲ ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ ھذه العبارة فيھا قصور عن الحقيقة ‪ ،‬فسيأتي أن أبا‬ ‫يعلى قد أثبت شيئا من العورة !! ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ سترى أن ذلك كله وأكثر منه موجود في كتاب أبي‬ ‫يعلى ! ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ قد تقدمت عبارة رزق ﷲ الحنبلي في أبي يعلى ‪ ،‬وإليھا‬ ‫يشير ابن تيمية ھنا ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ قول ابن تيمية ‪ ) :‬ولھذا وغيره ( ُي ْف َھم منه أن سبب‬ ‫اإلنكار على الكتاب ھو إيراد الموضوعات ‪ ،‬وأن ھناك أسبابا‬ ‫أخرى أشار إليھا بقوله ‪ ) :‬وغيره ( لم تستحق الذكر عنده‬ ‫فأبھمھا كما ترى !! والحق أن الموضوعات كانت منتشرة‬ ‫خاصة في زمن أبي يعلى ‪ ،‬فلم تكن ھي أساس اإلنكار ‪ ،‬بل‬

‫لكون أبي يعلى وصف ﷲ بما ال يليق وھذا ما أھمل ابن تيمية‬ ‫توضيحه والسبب معروف ‪ ،‬وقد حذفت من كالمه ما ال يعنينا ‪،‬‬ ‫وإنما ذكرت محل االتفاق بينه وبين غيره ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ لقد ُدعِ ي محقق الكتاب بكل أسف إلى بلدنا اآلمن وقام‬ ‫بإلقاء محاضرة عن منھج السلف !! مع أن ھذا المحقق قد أساء‬ ‫غاية اإلساءة إلى منھج السلف بإخراج كتاب أبي يعلى وطبعه‪،‬‬ ‫ھذا الذي يعد بحق عارا على اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وال شك أن‬ ‫من يسعى في نشر كتاب كھذا يطعن فيه على أھل السنة‬ ‫والجماعة لھو إلى التعرف على منھج السلف أحوج منه إلى‬ ‫التعريف به ‪ ،‬وال يكون داعيا إلى منھج السلف بل إلى غيره ‪،‬‬ ‫وفي ھذا األمر عبرة لمن كان له عقل ‪ ،‬وعالمة من عالمات‬ ‫الساعة دون ريب ‪ ،‬وال حول وال قوة إال با العلي العظيم ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ انظر كيف جمع األشاعرة الذين ھم أھل السنة‬ ‫والجماعة مع المعتزلة والجھمية الذين ھم أھل البدعة !! وما‬ ‫ذلك إال لكونه مائال إلى التشبيه ‪ ،‬فھو ال يتفق مع اعتدال أھل‬ ‫السنة ‪ ،‬وال مع تعطيل أھل البدعة ‪ ،‬والدليل على ميله إلى‬ ‫التشبيه ‪ ،‬ھو إخراجه لكتاب أبي يعلى ھذا ‪ ،‬الذي صب العلماء‬ ‫عليه سخطھم وغضبھم ووصفوه بأنه كتاب تشبيه وتجسيم‬ ‫وكذب على ﷲ ورسوله ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ قد كنا نسمع ونقرأ أن ھناك من يصف ﷲ بذلك فال‬ ‫نصدق ‪ ،‬ولكن النقلة لھذه الحقائق علماء كبار ال يسعنا الشك‬ ‫فيما نقلوه كاإلمام الحافظ ابن عساكر في ) تبيين كذب المفتري‬ ‫( واإلمام الحافظ أبي بكر بن العربي في ) العواصم من‬

‫القواصم ( واإلمام أبي الفرج بن الجوزي في ) دفع شبه التشبيه‬ ‫( واإلمام ابن األثير في ) الكامل في التاريخ ( وكثيرون غيرھم‬ ‫‪ ،‬فاألمر متواتر ‪ ،‬وأنت اآلن أيھا القارئ الكريم أمام دليل مادي‬ ‫ال يدع مجاال للشك في صدقھم ‪ ،‬ھذا الدليل ھو كتاب ) إبطال‬ ‫التأويالت ( ألبي يعلى بن الفراء ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ وصفه بذلك الھاللي في ) المنھل الرقراق في تخريج‬ ‫ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير يوم يكشف عن ساق‬ ‫‪ ( ..‬ص‪ 35‬ـ ط‪ 1‬ـ ‪1412‬ھـ ‪ /‬دار ابن الجوزي ‪ /‬الدمام ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ ھذا ما بوب له المحقق من الصفات في الجزءين األول‬ ‫والثاني ‪ ،‬وبعض ما ذكره من الصفات حق وصدق ثابت‬ ‫بإجماع ال ينازع فيه أحد من أھل السنة كـ) السمع والبصر ( ‪،‬‬ ‫وبعض ما ذكره حق ثابت لكن ال مدخل له في الصفات كـ)‬ ‫رؤية المؤمنين لربھم في الجنة ( ‪ ،‬وكذلك ) النفس ( ال مدخل‬ ‫لھا في الصفات ألن نفس ﷲ أي ذات ﷲ ‪ ،‬فالنفس ھي التي‬ ‫توصف وليست صفة ‪ ،‬وكذلك ) الساق ( ألن الثابت تأويل ابن‬ ‫عباس وتالميذه لھا بشدة يوم القيامة فال تعلق لھا بصفات ﷲ‬ ‫تعالى ‪ ،‬وأما ما يوھم ظاھره النقص كـ) الغيرة أو العجب أو‬ ‫الضحك ونحوھا ( مما أضيف إلى ﷲ فھذا ال يجوز حمله على‬ ‫ظاھره ‪ ،‬ألن ظاھره نقص محض ال يليق با تعالى وتقدس ‪،‬‬ ‫فھذه وأشباھھا مما صحت أدلتھا فيھا نزاع بين األئمة ‪ ،‬ھل ھي‬ ‫صفات ال على ظاھرھا بل على معنى يليق با ؟ أم ُتأَوَّ ل‬ ‫وتفسر بمعان الئقة به مما يسوغ في كالم العرب وإن أخرجھا‬

‫ذلك عن كونھا صفات مستقلة ؟ أم يُسْ َك ُ‬ ‫ت عنھا فال يقال صفات‬ ‫وال تأول ؟ ثالثة مذاھب كلھا حق وصدق ‪ ،‬ولكنھا خارجة عن‬ ‫كونھا صفات ضرورية ‪ ،‬فھي ليست كالصفات الثابتة المجمع‬ ‫عليھا والتي يكفر منكرھا بل والجاھل بھا كما لو جھل إنسان‬ ‫أن ﷲ موجود ‪ ،‬واحد ‪ ،‬حي ‪ ،‬قديم بال ابتداء ‪ ،‬دائم بال انتھاء‬ ‫‪ ،‬عليم ‪ ،‬قدير ‪ ،‬متكلم ‪ ،‬غني ‪ ،‬فعال لما يريد ‪ ،‬ليس كمثله‬ ‫شيء ‪ ،‬وھو السميع البصير ‪ ،‬فھذه ال يحكم بإسالم جاھلھا ‪،‬‬ ‫بخالف تلك المتنازع فيھا ‪ ،‬فعامة المسلمين بين جاھل بھا أو‬ ‫منكر لھا كما ال يخفى ‪ ،‬فمن قال بضاللھم فھو الضال ‪ ،‬ومن‬ ‫قال بكفرھم فھو الكافر ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ قد تقدم قول ابن الجوزي عن أبي يعلى وأمثاله ‪ )) :‬ثم‬ ‫إنھم يرضون العوام بقولھم ‪ :‬ال كما يعقل ! (( ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ تقدم كالم ابن الجوزي الدال على أن ھذه الفرقة قالت‬ ‫ھذا ‪ ،‬ونحوه عند اإلمام أبي بكر بن العربي المالكي في‬ ‫العواصم من القواصم ص‪ 210‬وكذا عند غيرھم ‪ ،‬ومما تمسك‬ ‫به أبو يعلى رواية أخرى جاء فيھا ‪ .. )) :‬على صورة‬ ‫الرحمن (( ‪ ،‬وھي رواية ال تصح ‪ ،‬وقد قال ابن خزيمة في‬ ‫كتاب ) التوحيد ( ص‪ 38‬ما نصه ‪ )) :‬وقد افتتن بھذه اللفظة‬ ‫التي في خبر عطاء عالم ممن لم يتحر العلم ‪ ،‬وتوھموا أن‬ ‫إضافة الصورة إلى الرحمن في ھذا الخبر من إضافة صفات‬ ‫الذات فغلطوا في ھذا غلطا بينا ‪ ،‬وقالوا مقالة شنيعة مضاھية‬ ‫لقول المشبھة أعاذنا ﷲ وكل المسلمين من قولھم ‪ ،‬والذي عندي‬ ‫في تأويل ھذا الخبر إن صح من جھة النقل موصوال ـ فإن في‬ ‫الخبر علال … فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسندا‬

‫فإن ابن آدم ُخلق على الصورة التي َخ َلقھا الرحمن حين صور‬ ‫آدم ثم نفخ فيه الروح ‪ ،‬قال ﷲ جل وعال ‪ ) :‬ولقد خلقناكم ثم‬ ‫صورناكم ( ‪ (( ..‬اھـ ‪ ،‬وھذا الكالم من ابن خزيمة يُعد مردودا‬ ‫عند الحشوية ألنھم يتدينون بالروايات الباطلة أوال ‪ ،‬ويحملونھا‬ ‫على ظاھرھا ويأبون تأويلھا ثانيا ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ ومع كل ھذا الذي يدعيه أبو يعلى وأتباعه ‪ ،‬فإن‬ ‫المحقق يلوم أھل السنة ألنھم يقولون عن أفكار أبي يعلى ھذه‬ ‫بأنھا من الحشو !! وأن أصحاب ھذه المقاالت حشوية !! وما‬ ‫عسانا أن نقول فيمن فاه بھذا الھراء ؟! وأين الغضب ؟!‬ ‫وأين ذھبت عظمة ﷲ من قلوب ھؤالء ؟! وھل الدفاع عن ھذا‬ ‫الكتاب ومؤلفه وأشباھه مما يخدم منھج السلف الصالح ويؤيده‬ ‫؟!! أم ھي دعوة جديدة إلحياء التجسيم والتشبيه والشرك با‬ ‫بين المسلمين ؟؟!! ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ لكني ال أشك في أن ھوى المحقق يدور مع أبي يعلى ‪،‬‬ ‫ألن بينھما عالقة حميمة ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 2‬ـ وج ‪ :‬اسم موضع بالطائف ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 3‬ـ قال ابن الجوزي ردا عليه في دفع الشبه ص‪)) : 51‬‬ ‫ھذا الرجل يشير بأصولھم إلى ما يوجب التجسيم والتشبيه‬ ‫واالنتقال والحركة ‪ ،‬وھذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة‬ ‫التواريخ وأدلة العقول ‪ (( ..‬اھـ ‪.‬‬

‫) ‪ ( 1‬ـ ال أدري كيف يجمع أبو يعلى وطائفته بين قولھم عن‬ ‫ﷲ بأنه وطأ الصخرة وأرض الطائف وأنه ينـزل ويھبط بذاته‬ ‫إلى السماء الدنيا كل ذلك على الظاھر والحقيقة ‪ ،‬كيف يجمعون‬ ‫بين ھذا وبين صفة العلو التي يثبتونھا على الظاھر والحقيقة‬ ‫أيضا !! ‪ ،‬علو ونزول وھبوط ووطء في آن واحد وكل ذلك‬ ‫على الظاھر والحقيقة ‪ ،‬فسبحان ﷲ ‪ ،‬كيف ضاعت الحقائق‬ ‫عند ھؤالء الناس ؟؟!! ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رأيت ابن َم ْنده ذكر في الرد على الجھمية ھذه الرواية‬ ‫)‪(2‬ـ‬ ‫بلفظ )) ‪ ..‬من شعر الذراعين والصدر (( !!! وال يخفى على‬ ‫القارئ الكريم أن حمل ھذا الخبر على ظاھره يجر قطعا إلى‬ ‫الكفر ‪ ،‬وذلك أن من اعتقد أن شيئا من خلق ﷲ تعالى قد ُخلق‬ ‫من ذات ﷲ ‪ ،‬وأن حقيقة ھذا المخلوق من حقيقة ﷲ فقد كفر‬ ‫كفرا أعظم ينقله عن الملة ‪ ،‬فھذا القول ال يختلف عن قول‬ ‫النصارى بأن المسيح روح ﷲ على الحقيقة وأنه من ذاته ‪،‬‬ ‫فكذلك من حمل ھذا الخبر على ظاھره فقد زعم أن ﷲ خلق‬ ‫المالئكة من صفته ـ فالنور صفة من صفات ﷲ عند أبي يعلى‬ ‫وأصحابه ـ ولھذا اضطر أبو يعلى إلى تأويل ) من نور ‪( ..‬‬ ‫بمعنى َخ َل َق بنوره ‪ ،‬فا يخلق بنوره تشريفا كما يخلق بيده‬ ‫تشريفا ‪ ،‬كذا قال أبو يعلى ‪ ،‬وھذا تأويل جيد ‪ ،‬ولكن الخبر‬ ‫باطل فال حاجة إلى ذلك ‪.‬‬ ‫) ‪ ( 1‬ـ قد تقدم قول اإلمام أبي بكر بن العربي في كتابه الشھير‬ ‫) العواصم من القواصم ( ص‪ 209‬ما نصه ‪:‬‬

‫)) ‪ ..‬وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن‬ ‫الحسين الفراء رئيس الحنابلة ببغداد كان يقول إذا ذكر ﷲ‬ ‫تعالى وما ورد من ھذه الظواھر في صفاته يقول ‪ :‬ألزموني ما‬ ‫شئتم فإني ألتزمه إال اللحية والعورة !! ‪ (( ..‬اھـ وأنت رأيت‬ ‫وسترى بعد أن أبا يعلى لم يدع شيئا من أعضاء اإلنسان‬ ‫الظاھرة إال وأثبته صفة عز وجل
View more...

Comments

Copyright ©2017 KUPDF Inc.
SUPPORT KUPDF