بسم ﷲ الرحمن الرحيم المقدمة : الحمد وصلوات ﷲ وسالمه على سيدنا محمد رسول ﷲ وآله وصحبه اجمعين اما بعد :فإنا نرى طائفة من الحشوية يحاولون إكفار األمة جمعاء بين حين وآخر بسبب أنھم يزورون القبور ويتوسلون ﷲ تعالى باألخيار .فكأنھم بذلك اصبحوا عباد األوثان فحاشاھم من ذلك . فأحببت ذكر آراء أئمة أصول الدين في مسألة التوسل ألنھم اصحاب الشأن في تبيين وجود الفرق بين التوحيد واإلشراك وعبادة األوثان ،مع سرد مافي الكتاب والسنة من وجوه الداللة على ذلك عند اھل العلم ردا للحق الى نصابه ،وردعا ً للجھل
واصحابه ،وﷲ سبحانه ولي التسديد والتوفيق
الفصل األول : فأقول مستعينا ً با جل جالله :إني أرى أن أتحدث ھنا عن مسألة التوسل التي ھي وسيلة دعاتھم إلى رميھم األمة المحمدية باإلشراك وكنت ال أحب طرق ھذا البحث لكثرة ما اثاروا حوله من جدل عقيم مع ظھور الحجة واستبانة المحجة وليس قصد أول من أثار ھذه الفتنة سوى استباحة أموال المسلمين ليؤسس حكمه بأموالھم على دمائھم باسم أنھم مشركون وأ ّنى يكون للحشوية صدق الدعوة إلى التوحيد ! وھم في إنكارھم التوسل محجوجون بالكتاب ،والسنة والعمل المتوارث والمعقول . أما الكتاب فمنه قوله تعالى ) وابتغوا إليه الوسيلة ( بعمومھا تشمل التوسل باألشخاص ،والتوسل باألعمال بل المتبادر من التوسل في الشرع ھو ھذا وذاك ،رغم تقول كل مفتر أفاك والفرق بين الحي والميت في ذلك ال يصدر إال عمن ينطوي على اعتقاد فناء األرواح ،المؤدي الى إنكار البعث وعلى ادعاء انتفاء اإلدراكات الجزئية من النفس بعد مفارقتھا البدن ، المستلزم إلنكار األدلة الشرعية في ذلك . أما شمول الوسيلة في اآلية المذكورة للتوسل باألشخاص فليس برأي مجرد ،وال ھو بمأخوذ من العموم اللغوى فحسب ،بل
ھو المأثور عن عمر الفاروق رضي ﷲ عنه حيث قال بعد أن توسل بالعباس رضي ﷲ عنه في االستسقاء)ھذا و الوسيلة الى ﷲ عز جل ( كما في االستيعاب البن عبد البر . واما السنة فمنھا حديث عثمان بن حنيف – بالتصغير – رضي ﷲ عنه وفيه " :يا محمد إني توجھت بك إلى ربي " وھكذا علّم الرسول صلى ﷲ عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاھره تحريف للكلم عن مواضعه بھوى . وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات ﷲ عليه – وھو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ،فال شأن لنا بذلك ،بل الحجة ھي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصالة والسالم . وقد نص على صحة ھذا الحديث جماعة من الحفاظ كما سيأتي وقد ورد أيضا ً في حديث فاطمة بنت أسد رضي ﷲ عنھا " بحق نبيك واألنبياء الذين من قبلي" .ورجال ھذا الحديث ثقات سوى روح بن صالح .وعنه يقول الحاكم :ثقة مأمون وذكره ابن حبان في الثقات. وھو نص على أنه ال فرق بين األحياء واألموات في باب التوسل وھذا توسل بجاه األنبياء صريح . وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي ﷲ عنه " :اللھم إني أسألك بحق السائلين عليك " .وھذا توسل بالمسلمين عامة أحياء وأمواتا . وابن الموفق في سنده لم ينفرد عن مرزوق وابن مرزوق من رجال مسلم وعطية حسّن له الترمذي عدة احاديث ،كما سيأتي
. وعلى التوسل باألنبياء والصالحين أحياء وأمواتا جرت األمة طبقة فطبقة. وقول عمر رضي ﷲ عنه في اإلستسقاء " :إنا نتوسل إليك بعم نبينا " نص في توسل الصحابة بالصحابة ،وفيه إنشاء التوسل بشخص العباس رضي ﷲ عنه . وليس في ھذه الجملة فائدة الخبر ،ألن ﷲ تعالى يعلم أيضا ً علم المتوسلين بتوسلھم ،فتمحضت الجملة إلنشاء التوسل بالشخص . وقوله ) كنا نتوسل ( فيه أيضا ً ما في الجملة األولى ،وعلى أن قول الصحابي :كنا نفعل كذا ينصب على ما قبل القول فيكون المعنى أن الصحابة رضي ﷲ عنھم كانوا يتوسلون به صلى ﷲ عليه و سلم في حياته ،وبعد لحوقه بالرفيق األعلى إلى عام الرمادة . وقصر ذلك على ما قبل وفاته عليه السالم تقصير عن ھوى وتحريف لنص الحديث ،وتأويل بدون دليل. ومن حاول إنكار جواز التوسل باألنبياء بعد موتھم بعدول عمر إلى العباس في اإلستسقاء قد حاول المحال ،ونسب إلى عمر ما لم يخطر له على بال ،فضالً عن أن ينطق به ،فال يكون ھذا إال محاولة إبطال السنة الصريحة بالرأي . وفعل عمر إنما يدل على أن التوسل بقرابة الرسول rاألحياء جائز كجوازه بالنبي عليه الصالة والسالم ليس غير ،بل في استعياب ابن عبد البر بيان سبب استسقاء عمر بالعباس حيث يقول فيه ) إن األرض أجدبت إجدابا ً شديداً على عھد عمر زمن الرمادة وذلك سنة سبع عشرة فقال كعب يا أمير المؤمنين :إن
بني إسرائيل كانوا إذا أصابھم مثل ھذا إستقوا بعصبة األنبياء ، فقال عمر :ھذا عم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم وصنو أبيه وسيد بني ھاشم فمشي إليه عمر ,وشكا إليه ( . فھل استبان أن استسقاء عمر بالعباس لم يكن من جھة أن الرسول ميت ال يسمع نداء ،وال جاه له عند ﷲ تعالى :حاش ،ما ھذا إال إفك مفترى . وحديث مالك الدار في مجيء بالل بن الحارث الصحابي إلى قبر النبي صلى ﷲ عليه و سلم أيام القحط في عھد عمر ، وقوله ) يا رسول ﷲ استسق ﷲ ألمتك فإنھم قد ھلكوا فأتاه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم في المنام فقال " :ائت عمر فاقرئه السالم وأخبره أنھم يسقون( نص في توسل الصحابة به عليه السالم بعد وفاته من غير نكير . والحديث مما أخرج ابن أبي شيبه بسند صحيح ،كما في " فتح الباري " وھذا قامع لمن ال يجيز التوسل به صلوات ﷲ عليه بعد لحوقه بالرفيق األعلى وكذلك حديث عثمان بن حنيف في تعليمه دعاء الحاجة السابق ذكره لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان رضي ﷲ عنه وفيه التوسل بالنبي rبعد وفاته ،من غير أن ينكر عليه أحد. والحديث صححه الطبراني ،وأقره ابو الحسن الھيثمي في " مجمع الزوائد " كما سيأتي . وقد جمع المحدث الكبير محمد عابد السندي ،في جزء خاص األحاديث واآلثار الواردة في ھذا الباب فشفى وكفى . وعمل األمة المتوارث طبقة فطبقة في ذلك مما يصعب استقصاؤه وفي ذلك كتب خاصة .
وفي مناسك اإلمام أحمد رواية ابي بكر المروزي التوسل إلى ﷲ تعالى بالنبي rوالصيغة التي ذكرھا أبو الوفاء بن عقيل كبير الحنابلة في " تذكرته " في التوسل به عليه السالم ،على مذھب الحنابلة فيھا طول ،ذكرنا نصھا في تكملتنا " للسيف الصقيل " وتوسل اإلمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح. وتمسح الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي بقبر أحمد لإلستشفاء لدمامل أعيا األطبا ًء مذكور في " الحكايات المنثورة " للحافظ الضياء المقدسي سماعا ً من شيخة المذكور . والكتاب محفوظ بظاھرية دمشق ،وھو بخط المؤلف .فھل ھؤالء عباد القبور؟!. وأما من جھة المعقول فإن أمثال اإلمام فخر الدين الرازي والعالمة سعد الدين التفتازاني والعالمة السيد الشريف الجرجاني وغيرھم من كبار أئمة أصول الدين الذين يفزع اليھم في حل المشكالت في أصول الديانة :قد صرحوا بجواز التوسل باألنبيا والصالحين أحياءا وأمواتا ً ،وأي ضعيف يستطيع أن يرميھم بعبادة القبور ،والدعوة إلى اإلشراك با ، وإليھم تفزع األمة في معرفة اإليمان والكفر ،والتوحيد واإلشراك ،والدين الخالص . والمدد كله عند الجميع من مسبب األسباب جل جالله. فدونك نصوصا ً من كالم ھؤالء األئمة في ھذه المسألة. قال الرازي في تفسيره " :إن األرواح البشرية الخالية من العالئق الجسمانية المشتاقة إلى اإلتصال بالعالم العلوي بعد خروجھا من ظلمة األجساد تذھب إلى عالم المالئكة ومنازل القدس ,ويظھر منھا آثار في أحوال ھذا العالم ،فھي المدبرات
أمرا أليس اإلنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مسألة فيرشده إليھا . وقال الرازي في " المطالب العالية " وھو من أمتع كتبه في أصول الدين :في الفصل العاشر من المقالة الثالثة من الكتاب السابع منه :إن اإلنسان قد يرى أباه وأمه في المنام ويسألھما عن أشياء وھما يذكران أجوبة صحيحة ،وربما أرشداه إلى دفين في موضع ال يعلمه أحد ،ثم قال أنا كنت صبيا ً في أول التعلم ،وكنت أقرأ " حوادث ال أول لھا " فرأيت في المنام أبي فقال لي :أجود الدالئل أن يقال الحركة إنتقال من حالة إلى حالة فھي تقتضي بحسب ماھيتھا مسبوقيتھا بالغير ،واألزل ينافي مسبوقا ً بالغير ،فوجب أن يكون الجمع بينھما محاالً ثم قال المنصف والظاھر أن ھذا الوجه أحسن من كل ما قيل في ھذه المسألة. وأيضا ً سمعت أن الفردوسي الشاعر لمّاصنف كتابة المسمى " بشاھنامه " على اسم السلطان محمود بن سبكتكين ولم يقض حقه كما يجب ،وما راعاه كما يليق بذلك الكتاب ،ضاق قلب الفردوسي ،فرأي في المنام " رستم " فقال له :قد مدحتني في ھذا الكتاب ،كثيراً وأنا في زمرة األموات فال أقدر على قضاء حقك ،ولكن إذھب إلى الموضع الفالني واحفره فإنك تجد فيه دفينا ً فخذه .فكان الفردوسي يقول :أن رستم بعد موته أكثر كرما ً من محمود حال حياته . وقال أيضا ً في الفصل الثامن عشر من تلك المقالة – والفصل الثامن عشر في بيان كيفية اإلنتفاع بزيارة الموتى والقبور " : - ثم قال سألني بعض أكابر الملوك عن المسألة ،وھو الملك محمد بن سالم بن الحسين الغوري – وكان رجالً حسن السيرة
مرضي الطريقة ،شديد الميل إلى العلماء ،قوي الرغبة في مجالسة أھل الدين والعقل – فكتبت فيھا رسالة وأنا أذكر ھنا ملخص ذلك فأقول للكالم فيه مقدمات .المقدمة األولى :أ ّنا قد دللنا على أن النفوس البشرية باقية بعد موت األبدان ،وتلك النفوس التي فارقت أبدانھا أقوى من ھذه النفوس المتعلقة باألبدان من بعض الوجوه .أما أن النفوس المفارقة أقوى من ھذه النفوس من بعض الوجوه ،فھو أن تلك النفوس لما فارقت أبدانھا فقد زال الغطاء ،وانكشف لھا عالم الغيب ،وأسرار منازل األخرة ،وصارت العلوم التي كانت برھانية عند التعلق باألبدان ضرورية بعد مفارقة األبدان ،ألن النفوس في األبدان كانت في عناء وغطاء ،ولمّا زال البدن أشرفت تلك النفوس وتجلت وتألألت ،فحصل للنفوس المفارقة عن األبدان بھذا الطريق نوع من الكمال .وأما أن النفوس المتعلقة باألبدان أقوى من تلك النفوس المفارقة من وجه أخر فألن آالت الكسب والطلب باقية لھذه النفوس بواسطة األفكار المتالحقة ، واألنظار المتتالية تستفيد كل يوم علما ً جديداً ،وھذه الحالة غير حاصلة للنفوس المفارقة . والمقدمة الثانية أن تعلق النفوس بأبدانھا تعلق يشبه العشق الشديد ،والحب التام ، ،ولھذا السبب كان كل شيء تطلب تحصيله في الدنيا فإنما تطلبه لتتوصل به إلى إيصال الخير والراحة إلى ھذا البدن .فإذا مات اإلنسان وفارقت النفس ھذا البدن ،فذلك الميل يبقى ،وذلك العشق ال يزول وتبقى تلك النفوس عظيمة الميل إلى ذلك البدن,عظيمة اإلنجذاب ،على ھذا المذھب الذي نصرناه من أن النفوس الناطقة مدركة للجزئيات ،وأنھا تبقى موصوفة بھذا اإلدراك بعد موتھا ،إذا
عرفت ھذه المقدمات فنقول :إن اإلنسان إذا ذھب إلى قبر إنسان قوي النفس ،كامل الجوھر شديد التأثير ،ووقف ھناك ساعة ،وتأثرت نفسه من تلك التربة – وقد عرفت أن لنفس ذلك الميت تعلقا ً بتلك التربة أيضا ً -فحينئذ يحصل لھذا الزائر الحي ،ولنفس ذلك الميت مالقاة بسبب إجتماعھما على تلك التربة ،فصارت ھاتان النفسان شبيھتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من كل واحدة منھما إلى أخرى . فكل ما حصل في نفس ھذا الزائر الحي من المعارف البرھانية ،والعلوم الكسبية ،واألخالق الفاضلة من الخضوع له ، والرضا بقضاء ﷲ ينعكس منه نور إلى روح ذلك الميت ،وكل ما حصل ذلك اإلنسان الميت من العلوم المشرقة الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح ھذا الزائر الحي .وبھذا الطريق تكون تلك الزيارة سببا ً لحصول المنفعة الكبرى ،والبھجة العظمى لروح الزائر ،ولروح المزور ،وھذا ھو السبب األصلى في شرع الزيارة ،وال يبعد أن تحصل فيھا أسرار أخرى أدق وأغمض مما ذكرنا .وتمام العلم بحقائق األشياء ليس إال عند ﷲ اھـ . و ھا أنت رأيت ما يراه اإلمام فخر الدين الرازي في الزيارة من األخذ والعطاء ،واإلستفاضة واإلفاضة على نسبة منزلتي المزور والزائر . وقال العالمة المحقق السعد التفتازاني في " شرح المقاصد " وھو من أمھات كتب أصول الدين – في الصفحة 32من الجزء الثاني منه في الردة على الفالسفة لماكان إدراك الجزئيات مشروطا ً عند الفالسفة بحصول الصورة في اآلالت ،فعند مفارقة النفس وبطالن اآلالت ال
تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء الشروط بانتفاء الشرط . وعندنا لما لم تكن اآلالت شرطا ً في إدراك الجزئيات ،إما أنه ليس بحصول الصورة ال في النفس وال في الحس ,وإما ألنه ال يتمنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاھر من قواعد اإلسالم أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات جزئية ،وإطالع على بعض جزئيات أحوال األحياء ،سيما الذين بينھم وبين الميت تعارف في الدنيا ،ولذا ينتفع بزيارة القبور ,واإلستعانة بنفوس األخيار من األموات في إستنزال الخيرات وإستدفاع الملمات ،فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ً ما بالبدن وبالتربة التي دفن فيھا .فإذا زار الحي تلك التربة ،توجھت نفسه تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين مالقات وإفاضات .ا ھـ . ھذا ھو تحقيق ھذا اإلمام الجليل في المسألة ،فھذا أيضا ً ممن ال يميز بين التوحيد واإلشراك ؟ قف لرأس يتخيل ذلك ! . وقال التفتازاني أيضاَ◌ً في الصفحة ) ( 150من الجزء المذكور :وبالجملة ظھور كرامات األولياء يكاد يلحق بظھور معجزات األنبياء ،وإنكارھا ليس بعجب من أھل البدع واألھواء إذ لم يشاھدوا ذلك من أنفسھم قط ولم يسمعوا به من رؤسائھم الذين يزعمون انھم على شئ مع إجتھادھم في أمور العبادات واجتناب السيئات فوقعوا في أولياء ﷲ تعالى أصحاب الكرامات ،يمزقون أديمھم ويمضغون لحومھم ،ال يسمّونھم إال باسم الجھلة المتصوفة ,وال يعدونھم إال عداد آحاد المبتدعة قاعدين تحت المثل السائر ) أو سعتھم سبا وأودوا باإلبل ( ولم يعرفوا أن مبنى ھذا األمرعلى صفاء القصيدة ونقاء السريرة ، واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة .اھـ وھذا ھو قول ھذا اإلمام الجليل في أولياء ﷲ أصحاب الكرامات مع انه ال صلة له
بالتصوف ،وفي تلك عبرة لمن تعود أن يلغ في دماء أصفياء األمة . وقال العالمة السيد الشريف الجرجاني في أوائل حاشية على )المطالع ( عند بيان الشارح وجه الصالة على النبي وآله عليه وعليھم الصالة والسالم في أوائل الكتب ،ووجه الحاجة إلى التوسل بھم في االستفاضة " :فإن قيل ھذا التوسل إنما يتصور إذا كانوا متعلقين باألبدان ،وأما إذا تجردوا عنھا فال ،إذ ال وجھة مقتضية للمناسبة .قلنا يكفيه أنھم كانوا متعلقين بھا متوجھين إلى تكميل النفوس الناقصة بھمة عالية ،فإن أثر ذلك باق فيھم ،وكذلك كانت زيارة مراقدھم معدة لفيضان أنوار كثيرة منھم على الزائرين كما يشاھده ،أصحاب البصائر " ا ھـ . فتطابق الكتاب والسنة ،وعمل األمة المتوارثة ،وكالم أئمة أصول الدين في المسألة كما رأيت ومن عاند بعد ذلك فھو زائغ عن السبيل . الفصــل الثـاني : وأتحدث اآلن بإذن ﷲ تعالى عن األحاديث ،واآلثار المروية في ھذا الباب تفصيالً لما أجملناه ،ھناك بعد اإلشارة إلى اآليات في ذلك . فأقول سبق أن تلونا قوله تعالى ) :يا أيھا الذين أمنوا اتقوا ﷲ وابتغوا إليه الوسيلة ( احتجاجا ً به على أن التوسل بالذوات
واألعمال مطلوب شرعا ً ،لشمول إبتغاء الوسيلة لھذا وذاك ،ال بمجرد الرأي فقط ،وال بالعموم اللغوي فحسب ،بل بما رواه ابن عبد البر في) االستيعاب ( عن عمر رضى ﷲ عنه أنه قال بعد أن استسقى بالعباس رضي ﷲ عنه وسقوا " ھذا – وﷲ – الوسيلة إلى ﷲ عز وجل والمكان منه " وزد على ذلك قول عمر أيضا ً في ) أنساب الزبير بن بكار ( على ما في فتح الباري " :واتخذوه – يعني العباس – وسيلة إلى ﷲ " وال يتصور أن يكون ھذا بمعنى :اطلبوا الدعاء منه ألن عمر طلب منه الدعاء ،وتقدم ھو للدعاء ،وبعد طلب أمير المؤمنين منه وتقدمه للدعاء إجابة لطلب عمر ال يكون قول عمر ھذا إال بمعنى " :توسلوا به إلى ﷲ " كما فعل عمر نفسه ،لكن الھوى يعمي ويعم . وفي فتح الباري ) (337 -2وليس في قول عمر أنھم كانوا يتوسلون به داللة على أنھم سألوه أن يستسقي لھم إذ يحتمل أن يكونوا في الحالتين طلبوا السقيا من ﷲ مستشفعين به صلى ﷲ عليه و سلم. وقال ابن رشد أراد بالترجمة ) باب سؤال الناس اإلمام االستسقاء ( االستدالل بالطريق األولى ألنھم إذا كانوا يسألون ﷲ به فيسقيھم فأحرى أن يقدموه للسؤال اھـ . وكالم الحافظين يقضي على وھم من يھم قائالً أن التوسل به r ھو طلب الدعاء منه ،وأين التوسل من الدعاء ؟ نعم قد يدعوا المتوسل به للمتوسل ،ولكن ليس ھذا مدلوالً لغويا ً وال شرعيا ً للتوسل ،ويستأنس في التوسل به rبما ذكره البغوي وغيره من أھل التفسير بالرواية في قوله تعالى ) :وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءھم ما عرفوا كفروا به (
من أن اليھود كانوا إذا حزبھم أمر وداھمھم عدو يقولون " : اللھم انصرنا عليھم بالنبي المبعوث في أخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون " واستقصاء الروايات في ذلك في " الدر المنثور " . وتخصيص قوله تعالى ) :ولو أنھم إذ ظلموا أنفسھم جاءوك فاستغفروا ﷲ واستغفر لھم الرسول لوجدوا ﷲ توابا ً رحيما ً ( . بما قبل الموت تخصيص بدون حجة عن ھوى وترك المطلق على إطالقة مما اتفق عليه أھل الحق ،والتقييد ال يكون إال بحجة,وال حجة ھنا تقيد اآلية ،بل فقھاء المذاھب حتى الحنابلة على شمول اآلية لما بعد الموت واألنبياء أحياء في قبورھم " . وقد ذكرنا صيغة التوسل به صلى ﷲ عليه و سلم عند الحنابلة وقت زيارة قبره نقالً عن كتاب ) التذكرة ( ألبي الوفاء بن عقيل من قدماء الحنابلة في أواخر تكملتنا للرد على نونية ابن القيم ،وفيھا التوسل ،وتالوة تلك اآلية وليس خبر العتبي مما يرد بجرة قلم . ولنعد إلى الكالم في بعض األحاديث واألثار الواردة في التوسل تفصيالً لما أجملناه فيما سبق . أوال :فمنھا ما أخرجه البخاري في ) االستسقاء ( حيث قال في صحيحه ،حدثني الحسن بن محمد ،قال :حدثنا محمد األنصاري قال :حدثني أبي عبد ﷲ بن المثنى ،عن ثمامة بن عبد ﷲ بن أنس ,عن انس أن عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه كان إذا قحطوا استسقوا بالعباس بن عبد المطلب فقال ) :اللھم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون( وفيه التوسل بالذات وادعاء أن ھناك مضافا ً محذوف ،أي بدعاء عم نبينا تقوّ ل محض بدون أي حجة ،كما
أن فرض العدول – لوفاة النبي صلى ﷲ عليه و سلم -إلى العباس تقويل لعمر ما لم يخطر له على بال,بل فيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ،بل التوسل بلفظ " عم نبينا " توسل بقرابة العباس منه عليه الصالة والسالم وبمنزلته لديه ،فيكون ھذا التوسل توسالً به صلى ﷲ عليه و سلم وأيضا ً ولفظ "كنا " غير خاص بعھد النبي صلى ﷲ عليه و سلم بل يشمله وما بعده إلى عام الرمادة ،والتقييد تقييد بدون مقيّد . وكان ابن عمر رضي ﷲ عنھما يتمثل بشعر أبي طالب : وأبيض يستسقى الغمام بوجھه .كما في البخاري بل وروى استنشاد الرسول rذلك الشعر كما في فتح الباري . وفي شعر حسان رضى ﷲ عنه :فسقى الغمام بغرة العباس . كما في االستيعاب وفي كل ذلك طلب السقيا من ﷲ بذات العباس وجاھه عند ﷲ تعالى. ثانيا :ومنھا ما أخرجه البيھقي ،وبطريقه أخرجه التقي السبكي في " شفاء السقام " وغيره ،من حديث مالك الدار في استسقاء بالل بن الحارث المزني رضى ﷲ عنه في عھد عمر بالنبي صلى ﷲ عليه و سلم ومالك الدار باإلضافة ھو مالك بن عياض مولى عمر ،وكان خازنه ،وقد واله وكلة عيال عمر ثم واله عثمان رضى ﷲ عنه القسم فسمي مالك الدار كما في طبقات ابن سعد واإلصابة .وفي " معارف " ابن قتيبة :ومن موالي عمر بن الخطاب مالك الدار ،وكان عمر واله داراً وكان يقسم بين الناس فيھا شيئا ً اھـ . ونص الحديث "أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضى عنه ،فجاء رجل إلى قبر النبي صلى ﷲ عليه و سلم فقال :يا رسول ﷲ استسق ألمتك فإنھم قد ھلكوا ،فأتاه رسول
ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم في المنام فقال " :ائت عمر فأقرئه السالم وأخبره أنھم يسقون " الحديث . ومحل االستشھاد وطلب االستسقاء منه صلى ﷲ عليه و سلم في البرزخ ،ودعاؤه لربه ،وعلمه بسؤال من يسأل لمن ينكر صنيعه ھذا أحد من الصحابة .وقد أخرج ھذا الحديث البخاري في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصراً . وأخرجه ابن أبي خيثمة من ھذا الوجه مطوالً ،كما في اإلصابة وأخرجه أيضا ً ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ،كما نص عليه ابن حجر ،في الفتح / 338 – 2 /من رواية أبي صالح السمان ،عن مالك الدار – والداري باليا سھو من الطابع – ابن حجر :أن الذي رأى المنام المذكور ھو بالل بن الحارث المزني أحد الصحابة ،كما روى سيف في الفتوح .ا ھـ . وھذا نص على عمل الصحابة في االستسقاء به صلى ﷲ عليه و سلم بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد منھم مع بلوغ الخبر إليھم ،وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذيع ويشيع .فھذا يقطع ألسنة المتقولين . ثالثا :ومنھا حديث عثمان بن حنيف رضى ﷲ عنه في دعاء عن النبي صلى ﷲ عليه و سلم وفيه " اللھم إني اسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجھت بك إلى ربي في حاجتي " الحديث .وفيه التوسل بذات النبي صلى ﷲ عليه و سلم وبجاھه ،ونداء له في غيبته . وھذا أيضا ً مما يقطع ألسنة المتقولين . وھذا الحديث أخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في أواخر الدعوات من " جامعه " وابن ماجه في " صالة الحاجة من سننه " وفيه نص على صحته .والنسائي في " عمل اليوم
والليلة " وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " والبيھقي في " دالئل النبوة " وغيرھم على اختالف يسير في غير موضع االستشھاد ،وصححه جماعة من الحفاظ يقارب عددھم خمسة عشر حافظا ً . فمنھم سوى المتأخرين :الترمذي وابن حبان ،والحاكم والطبراني ،وأبو نعيم ،والبيھقي والمنذري ,وسند الترمذي :حدثنا محمود بن غيالن نا عثمان بن عمر ،نا شعبة ،عن أبي جعفر عن عمارة – بالضم – ابن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ،ثم ساق الحديث ،وقال ھذا حديث حسن صحيح غريب ال نعرفه إال من ھذا الوجه من حديث أبي جعفر – وھو الخطمي " . وفي بعض النسخ المطبوعة " وھو غير الخطمي " وفي بعضھا " وليس ھو الخطمي " . وھذا وذاك من تصرفات الناسخين ،وليس من عادة الترمذي أن يقول ھو غير فالن ،ويتركه من غير بيان . على أن ابا جعفر الراوي عن عمارة بين شيوخ شعبه إنما ھو عمير بن يزيد الخطمي المدني األصل ثم البصري ،كما يظھر من كتاب الرجال المعروفة من مطبوع ومخطوط . وأبو جعفر الرازي المتوفي 160من شيوخ شعبه لم يدرك عمارة المتوفي 105اصالً ،ألن رحلته إلى الحجاز بعد وفاة عمارة بنحو تسع سنين ،وشعبة شعبة في التثبيت فيما يروي . على أن طرقا ً أخرى للحديث عند الطبراني وغيره تنص في صلب السند على أنه الخطمي الثقة باتفاق ،وسند الطبراني في الحديث مسوق في " شفاء السقام " للتقي السبكي . ورجال سند الترمذي كلھم ثقات ،وإنما سماه غريبا ً النفراد
عثمان بن عمر ،عن شعبة ،وانفراد أبي جعفر عن عمارة ، وھما ثقتان باتفاق ،وكم من حديث صحيح ينفرد به أحد الرواة كحديث " إنما األعمال بالنيات " وسماه حسناَ◌ً لتعدد طرقه بعد أبي جعفر ،وعثمان بن عمر . وتسميته صحيحا ً باعتبار تكامل أوصاف الصحة في رواته . رابعا :ومنھا حديث عثمان بن حنيف ايضا ً في تعليم دعاء صالة الحاجة المذكور لرجل كانت له حاجة عند عثمان بن عفان رضى ﷲ عنه فدعا به فقضيت حاجته . وموضع االستشھاد أن الصحابي المذكور فھم من حديث دعاء الحاجة أنه ال يختص بزمنه صلى ﷲ عليه و سلم وھذا توسل به ،ونداء بعد وفاته صلى ﷲ عليه و سلم وعمل متوارث بين الصحابة رضوان ﷲ عليھم أجمعين وقد أخرج ھذا الحديث الطبراني في الكبير وصححه بعد سوقه من طرق ،كما ذكره أبو الحسن الھيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه ،كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترھيب " وقبله أبو الحسن المقدسي ،وأخرجه أيضا ً ابو نعيم في " المعرفة " والبيھقي من طريقين ،وإسنادھما صحيح أيضا ً . خامسا :ومنھا حديث فاطمة بنت أسد رضي ﷲ عنھا ،وفيه من لفظ رسول ﷲ صلى ﷲ عليه و سلم " بحق نبيك واألنبياء من قبلي " وصححه ابن حبان والحاكم ،وأخرجه الطبراني في الكبير ،واألوسط بسند فيه روح بن صالح وثقه ابن حبا ن ، والحاكم ،وبقية رجاله رجال الصحيح ،كما قال الھيثمي في " المجمع " . وفيه توسل بذوات األنبياء الذين انتقلوا إلى دار اآلخرة . سادسا :ومنھا حديث عمر رضي ﷲ عنه عن النبي صلى ﷲ
عليه و سلم " لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد أال غفرت لي " أخرجه الحاكم في المستدرك ،وقال ھذا حديث صحيح اإلسناد ،وھو أول حديث ذكرته .لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .اھـ وساق سنده التقى السبكي في ) شفاء السقام ( وأخرجه الطبراني في األوسط والصغير ،وفي سندھما بعض من ال يعرفه الھيثمي . واما عبد الرحمن بن زيد فقد ضعفه مالك ،وتبعه أخرون ،إال أنه لم يتھم بالكذب بل بالوھم . ومثله ينتقى بعض أحاديثه .وھذا ھو الذي فعله الحاكم حيث رأى ان الخبر مما قبله مالك فيما روى ابن حميد عنه حيث قال ألبي جعفر المنصور ....." :وھو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السالم " . وبعد أن أقر اإلمام مالك رضي ﷲ عنه بصحة الخبر واحتج به زالت تھمة الوھم وقلة الضبط عن عبد الرحمن الذي إنما يقتدي من رماه بذلك بمالك ،وعبد الرحمن بن زيد ليس ممن يرد خبره مطلقا ً . وھذا ھو اإلمام الشافعي يستدل في دين ﷲ ببعض احاديثه في " األم " وفي " مسنده " فال لوم على الحاكم في عده ھذا الحديث صحيحا ً ،بل ھو الصحيح ،إال عند من يضيق صدره عند سماع فضائل المصطفى rوأما قول مالك ألبي جعفر المذكور فھو ما أخرجه القاضي عياض في " الشفاء بتعريف حقوق المصطفى " بسند جيد وابن حميد في السند ھو محمد بن حميد الرازي في الراجح ،على خالف ما ظنه التقي السكبي لكن الرازي ھذا ليس حاله كما يريد ان يصوره الشمس بن عبد الھادي حيث حشر قول جميع من تكلم فيه وأھمل كالم من أثنى
عليه ،وھو أحد الثالثة الذين اتصلوا بإبن تيمية ،وھم شباب ، فانخدعوا به ،وزاغوا ,يذكر الجرح ويغفل عن التعديل في األدلة التي تساق ضد شذوذ شيخه . ومحمد بن حميد ھذا روى عن ابو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد بن حنبل ،ويحى بن معين . قال ابن ابي خيثمة :سئل عن أبي معين فقال :ثقة ال بأس به رازي كيّس ،وقال أحمد :ال يزال بالرد علم مادام محمد بن حميد ،وممن أثنى عليه الصاغاني والذھلي .وقال الخليلي في " اإلرشاد " كان حافظا ً عالما ً بھذا الشأن رضيه أحمد ويحي وقال البخاري :فيه نظر ،وليس مثله يتھم في ھذا الخبر ،وقد مات سنة 248عن سن عالية وكان عمره عند وفاة مالك ال يقل عن نحو خمس عشر سنة ،وھم يقبلون رواية ابن خمس في مسند إمامھم ويعقوب بن اسحاق ،البأس به كما ذكره الخطيب في تاريخه . وأبو الحسن عبد ﷲ بن محمد بن المنتاب ،من أج ّل أصحاب إسماعيل القاضي ،واله المقتدر قضاء المدينة المنورة حوالي سنة ثالثمائة ولم يكن غير الثقات األفذاذ من أھل العلم ليولّى قضاء المدينة المنورة في ذلك العھد . واسم المنتاب يھم فيه كثير ،وصاحبه محمد بن احمد بن الفرج وثقه السمعاني في " األنساب " عند ذكر الجزائري ،وأقره ابن األثير في " اللباب " وأبو الحسن الفھري من الثقات األثبات مترجم في " العبر " للذھبي . وابن دلھات من ثقاة شيوخ ابن عبد البر مترجم في " صلة " ابن بشكوال ،وھي مطبوعة بمدريد .وابن عبد الھادي يابى قبول ھذا الخبر ،ألنه يمس شذوذ شيخه ليس إال ،أراد ابن
المنتاب بسوق ھذا الخبر الرد على ما في " مبسوط " شيخه إسماعيل القاضي المالكي المخالف لما رواه ابن وھب ،عن مالك ،وإسماعيل من أھل العراق ،وأھل مصر والمدينة المنورة أعلم بمسائل مالك منھم .على أن إسماعيل لم يسند ما ذكره إلى مالك بل ارسله إرساالً ،لكنه حيث يوافق ھوى إبن عبد الھادي يقبله بدون سؤال عن سنده بخالف ما ھنا ويطريه إطراء يغنيه عن ذكر السند في نظره ،فكأنه لم ير قول داود األصفھاني فيه ،و في خلقه شؤون ،على أنه قد وردت أخبار اخرى في توسل ادم يعضد بعضھا بعضا ً ،استغنينا عن ذكرھا ،اكتفاء بما سطرناه ،ألن األحاديث السابقة فيھا كفاية لغير المتعنت . -7ومنھا حديث ابي سعيد الخدري رضي ﷲ عنه في سنن ابن ماجه في " باب المشي إلى الصالة " " :من خرج من بيته إلى الصالة فقال اللھم إني أسألك بحق السائلين عليك " الحديث .قال الشھاب البوصيري في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه " ھذا إسناد مسلسل بالضعفاء . عطيه ھو العوفي ،وفضيل بن مرزوق ،والفضل بن الموفق )،ھو ابن خال ابن عيينة ،قال أبو حاتم صالح ضعيف الحديث ولم يضعفه سواه وجرحه غير مفسر بل وثقه اليسني ( كلھم ضعفاء ,لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق ،فھو صحيح عنده . وذكر رزين ،ورواه أحمد بن منيع في ) مسنده ( ثنا يزيد ،ثنا فضيل بن مرزوق ،فذكره بإسناده ومتنه وقال عالء الدين مفلطاي في ) األعالم شرح سنن ابن ماجه ( ذكر أبو نعيم الفضل " وھو ابن دكين " في كتاب " الصالة " عن فضيل بن
مرزوق ،عن عطية ،عن أبي سعيد الخدري موقوفا ً اھـ . ولم ينفرد عطية عن الخدري ،بل تابعه أبو الصديق عنه في رواية عبد الحكم بن ذكوان .وھو ثقة عند ابن حبان ،وإن أعله أبو الفرج في ) علله ( . وأخرج ابن اليسني في ) علم اليوم والليلة ( بسند فيه الوازع ،عن بالل ،وليس فيه عطيه وال مرزوق وال ابن الموفق " اللھم بحق السائلين عليك " تظھرانه لم ينفرد عطية ،وال ابن مرزوق ،وال ابن الموفق ,بالنظر إلى ھذه الطرق على فرض ضعف الثالثة .مع أن يزيد بن ھارون شيخ أحمد بن منيع شارك ابن الموفق في روايته ،عن ابن مرزوق وكذا الفضل بن دكين وابن فضيل وسليمان بن حبان وغيرھم . وعطية جرح بالتشيع لكن حسن له الترمذي عدة أحاديث ، وعن ابن معين أنه صالح ،وعن ابن سعد :ثقة إن شاء ﷲ ، وعن ابن عدي :له أحاديث صالحه .وبعد التصريح بالخدري ال يبقى إحتمال التدليس ،وال سيما مع المتابعة وابن مرزوق ترجح توثيقه عند مسلم فروى عنه في " صحيحه " . على أن الحديث مروي بطريق بالل ،رضي ﷲ عنه فال تنزل درجة الحديث مھما نزلت عن درجة االحتجاج به ،بل يدور أمره بين الصحة والحسن لكثرة المتابعات الشواھد كما أشرنا إليھا . وقول من يقول :إن الجرح مقدم على التعديل على ضعفه فيما إذا تعارضا بتكافئھما في الميزان ،دون إثبات ذلك مفاوز فال يتمكن المبتدعة من اتخاذ ذلك تكأة لرد األحاديث الثابتة برجال وثقھم أھل الشأن بترجح ذلك عندھم . وقدحسن ھذا الحديث الحافظان :العراقي في " تخريج أحاديث
اإلحياء " وابن حجر في " أمالي " األذكار " وفي الحديث التوسل بعامة المسلمين وخاصتھم ،وإدخال الباء في أحد مفعولي السؤال إنما ھو في السؤال اإلستعالمي كقوله تعالى " فسئل به خبيراً " و " وسأل سائل بعذاب واقع " وأما السؤال اإلستعطائي فال تدخل الباء فيه أصالً إال على المتوسل به فدونك األدعية المأثورة فتصوّ ر إدخالھا ھنا في المفعول الثاني إخراج للكالم عن سننه بھوى ،وصيحة باطل تمجھا األسماع . وليس معنى الحق اإلجابة ،بل ما يستحقه السائلون المتضرعون فضالً من ﷲ سبحانه .فيكون عد " بحق السائلين " سؤاالً لھذا الداعي ھذيانا ً محضا ً ،وال سيما عند مالحظة ما عطف عليه في الحديث ،وأما زعم أنه ليس في سياق الحديث ما يصلح أن يكون سؤاالً غير ذلك فمما يثير الضحك الشديد والھزء المديد ،فأين ذھب من ھذا الزاعم " أن تعيذني من النار" وكم يكرر الفعل للتوكيد :فالسؤال في الفعل األخر ھو السؤال في الفعلين المتقدمين ،بل لو لم تكن تلك األفعال من باب التوكيد لدخلت في باب التنازع ،فيكون ھذا القيد معتبراً في الجميع على كل تقدير وأما من يحاول رد التوسل بتصور دخوله في الحلف بغير ﷲ ،فإنما حاول الرد على المصطفى صلوات ﷲ عليه ألنه ھو الذي علم صيغ التوسل ،وفيھا التوسل باألشخاص ،وأين التوسل من الحلف ؟ الفصـل الثالث :
وال بأس أن نزيد ھنا كلمة في االستغاثة واالستعانة ،والكل من واد واحد ففي حديث الشفاعة عند البخاري " بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى ﷲ عليه و سلم" وھذا يدل على جواز إستعمال اإلستغاثة في صدد التوسل . وأما حديث " ال يستغاث بي " عند الطبراني ،ففي سنده لھيعة وقد شرحنا حاله في ) االشفاق ( فال يناھض الحديث الصحيح. وأما حديث " وإذا استعنت فاستعن با " فمعناه :عند استعانتك بأي مستعان فاستعن با – على لين في طرقھا كلھا – حمالً على الحقيقة فالمسلم ال ينسى مسبب األسباب عندما يستعين بسبب من األسباب وھا ھو عمر رضي ﷲ عنه حينما أستسقى بالعباس رضي ﷲ عنه لم ينس أن يقول آن االستسقاء ))اللھم فاسقنا((..وھذا ھو األدب اإلسالمي . ولو لم نحمل الحديث على ھذا المعنى لتكلفنا المجاز ، ولعارضته عدة آيات وأحاديث في سردھا طول .على أن لفظ "إذا" في الحديث بعيد عن إفادة معنى "كلما" بل ھو من صيغ اإلھمال عند المناطقة ،فال يكون للخصم مجال أن يتمسك به أصال .وزد على ذلك إفراد الضمير ,والخاصة – ومنھم ابن عباس رضي ﷲ عنھما – يحسن بھم أن تكون استعانتھم بمسبب األسباب . وأما قوله تعالى ) :إياك نعبد وإياك نستعين ( ففي العبادة والھداية بقرينة السباق والسياق كما ھو الجدير بحال المناجاة ، فال يكون فيه تعطيل األسباب العادية الدنيوية وقد أحسن صديقنا العالمة المحض صاحب المؤلفات الممتعة األستاذ الكبير الشيخ محمد حسنين العدوي المالكي حيث ألف
عدة كتب في دفع شبه يصطنعھا التيميون حول التوسل فأزاح ظلما تھم ببيانه العذب وتحقيقه الرئع ،ومقامة في العلم فوق منازل شيوخ مشايخ ھؤالء بدرجات اتفاقا ً بين أھل العلم . وأما سماع أصحاب القبور وإدراكھم فمن أوسع من سرد أدله ذلك المحدث عبد الحي اللكنوي في ) تذكرة الراشد( وأما قوله تعالى ) :وما أنت بمسمع من في القبور ( ففي حق المشركين عند المحققين . وھناك تحقيق ذلك فال تلتفت إلى مغالطات المغالطين الخاتمــة : وبتلك األحاديث واآلثار يظھر أن من ينكر التوسل باألنبياء واألولياء والصالحين أحياء وأمواتا ً ليس عنده أدنى حجة ،وإن رمي المسلمين باإلشراك بسبب التوسل ما ھو إال تھور يرجع ضرره إلى الرامي ،نسأل ﷲ العافية . وأما إن كان بين العامة من يخطئ في مراعاة أدب الزيارة والتوسل فمن واجب أھل العلم إرشادھم إلى الصواب برفق. وقد جرى عمل األمة على التوسل والزيارة إلى أن أبتدع إنكار ذلك الحراني ،فرد أھل العلم كيده في نحره ،ودامت فتنته عند جاھلي بالياه . وقد غلط اآللوسي وابنه المتصرف في تفسيره بعض غلط ترده عليھما تلك األدلة ،وكانا مضطر بين في مسائل من عدوى جيرانھما ،وبعض شيوخھما ،وليس ھذا بموضع بسط لذكر
ذلك. ومن أراد ان يعرف عمل األمة في التوسل بخير الخلق فليراجع ) مصباح الظالم في المستغيثين بخير األنام( لإلمام القدوة أبي عبدﷲ النعمان بن محمد موسى التلمساني المالكي المتوفي سنة ،683وھو من محفوظات الدار المصرية وفي ذلك كفاية لغير المتعنتين ،ومن ﷲ الھداية والتوفيق.
ﺍﻟﻼﻣﺬﻫﺒﻴﺔ ﻗﻨﻄﺮﺓ ﺍﻟﻼﺩﻳﻨﻴﺔ ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻜﻮﺛﺮﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ بسم ﷲ الرحمن الرحيم ال تجد بين رجال السياسة -على اختالف مبادئھم -من يقيم وزنا لرجل يدعي السياسة وليس له مبدأ يسير عليه ويكافح عنه باقتناع وإخالص ،وكذلك الرجل الذي يحاول أن يخادع الجمھور قائال لكل فريق :أنا معك . ومن أردإ خالل المرء أن يكون إمعة ،ال مع ھذا الفريق وال
مع ذلك الفريق ،وإن تظاھر لكل فريق أنه معه .وقدما قال الشاعر العربي : يوما يمان إذا القيت ذا يمن = وإذا لقيت معديا فعدناني ومن يتذبذب بين المذاھب منتھجا الالمذھبية في الدين اإلسالمي فھو أسوأ وأردأ من الجميع . وللعلوم طوائف خاصة تختلف مناھجھم حتى في العلم الواحد عن اقتناع خاص ؛ فمن ادعى الفلسفة من غير انتماء إلى أحد مسالكھا المعروفة ،فإنه يعد سفيھا منتسبا إلى السفه ،ال إلى الفلسفة ،والقائمون بتدوين العلوم لھم مبادئ خاصة ومذاھب معينة حتى في العلوم العربية ال يمكن إغفالھا ،وال تسفيه أحالم المتمسكين بأھدابھا لمن يريد أن يكرع من ينابيعھا الصافية . وليس ثمة علم من العلوم عني به العلماء عناية تامة على توالي القرون من أبعد عھد في اإلسالم إلى أدنى عھوده القريبة منا مثل الفقه اإلسالمي ،فالنبي -صلى ﷲ عليه وسلم – كان يفقه أصحابه في الدين ،ويدربھم على وجوه االستنباط ،حتى كان نحو ستة من الصحابة – رضوان ﷲ عليھم أجمعين – يفتون في عھد النبي – صلى ﷲ عليه وسلم . - وبعد انتقاله إلى الرفيق األعلى استمر الصحابة على التفقه على ھؤالء ،ولھم أصحاب معروفون بين الصحابة والتابعين في
الفتيا ،فالمدينة كانت مھبط الوحي ،ومقر جمھرة الصحابة إلى آخر عھد ثالث الخلفاء الراشدين ،وعني كثير من التابعين من أھل المدينة بجمع شتات المنقول عن الصحابة من الفقه والحديث ،حتى كان للفقھاء السبعة من أھل المدينة منزلة عظيمة في الفقه ،كان سعيد بن المسيب يسأله ابن عمر – رضي ﷲ عنھما – عن أقضية أبيه ،تقديرا من ذلك الصحابي الجليل لسعة علم ھذا التابعي الكبير بأقضية الصحابة . ثم انتقلت علوم ھؤالء إلى شيوخ مالك من أھل المدينة ،فقام مالك بجمعھا وإذاعتھا على الجماھير ،فنسب المذھب إليه تأصيال وتفريعا ،وانصاع له علماء كبار تقديرا لقوة حججه ونور منھجه على توالي القرون ،ولو قام أحد ھؤالء العلماء المنتمين إليه بالدعوة إلى مذھب يستجده لوجد من يتابعه من أھل العلم لسعة علمه وقوة نظره ،لكنھم فضلوا المحافظة على االنتساب إلى مذھب عالم المدينة ،حرصا على جمع الكلمة ، وعلما منھم بأن بعض المسائل الضعيفة المروية عن صاحب المذھب تترك في المذھب إلى ما ھو أقوى حجة وأمتن نظرا برأي أصحاب الشأن من فقھاء المذھب ،حتى أصبح المذھب باستدراك المستدركين لمواطن الضعف َ بالغ القوة ،بحيث إذا قارعه أحد المتأخرين أو ناطحه َف َقدَ رأسه . وھكذا باقي المذاھب لألئمة المتبوعين ،فھا ھي الكوفة بعد أن ابتناھا الفاروق – رضي ﷲ عنه – وأسكن حولھا الفُصَّح من قبائل العرب ،بعث إليھا ابن مسعود – رضي ﷲ عنه – ليفقه أھل الكوفة في دين ﷲ قائال لھم :إني آثرتكم على نفسي بعبدﷲ .
وعبدﷲ ھذا منزلته في العلم بين الصحابة عظيمة جدا ،وھو الذي يقول فيه عمر :كنيف ملئ علما .وفيه ورد حديث ) : إني رضيت ألمتي ما رضي لھا ابن أم عبد ( وحديث ) :من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد . فقراءة ابن مسعود ھي التي يرويھا عاصم عن زر بن حبيش عنه ،كما أن قراءة علي بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه – ھي التي يرويھا عاصم عن أبي عبدالرحمن عبدﷲ بن حبيب السلمي عنه . فعُني ابن مسعود بتفقيه أھل الكوفة من عھد عمر إلى أواخر عھد عثمان – رضي ﷲ عنھم – عناية ال مزيد عليھا ،حتى امتألت الكوفة بالفقھاء . ولما انتقل علي بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه – إلى الكوفة ، سُرَّ من كثرة فقھائھا جدا فقال :رحم ﷲ ابن أم عبد ،قد مأل ھذه القرية علما . ووالى بابُ مدينة العلم )يعني علي رضي ﷲ عنه( تفقيھھم ، إلى أن أصبحت الكوفة ال مثيل لھا في أمصار المسلمين في كثرة فقھائھا ومحدثيھا ،والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيھا بعد أن اتخذھا على بن أبي طالب – كرم ﷲ وجھه – عاصمة الخالفة ،وبعد أن انتقل إليھا أقوياء الصحابة
وفقھاؤھم ،وقد ذكر العجلي أنه توطن الكوفة وحدھا من الصحابة ألف وخمسمائة صحابي ،سوى من أقام بھا ونشر العلم بين ربوعھا ،ثم انتقل إلى بلد آخر فضال عن باقي بالد العراق ،فكبار أصحاب علي وابن مسعود – رضي ﷲ عنھما – بھا لو دونت تراجمھم في كتاب خاص ألتى كتابا ضخما ، وليس ھذا موضع سرد ألسمائھم ،وقد جمع شتات علوم ھؤالء إبراھيم بن يزيد النخعي ،وآراؤه مدونة في آثار أبي يوسف ، وآثار محمد بن الحسن ،ومصنف ابن أبي شيبة وغيرھا ،ويعد النقاد مراسيله صحاحا ،ويفضله على جميع علماء األمصار الشعبي الذي يقول عنه ابن عمر – رضي ﷲ عنھما – حينما رآه يحدث بالمغازي :لھو أحفظ لھا مني وإن كنت قد شھدتھا مع رسول ﷲ – صلى ﷲ عليه وسلم . - ويقول أنس بن سيرين :دخلت الكوفة فوجدت بھا أربعة آالف يطلبون الحديث وأربعمائة قد فقھوا كما في الفاصل للرا َمھُرْ م ُِزيّ . وقد جمع أبو حنيفة علوم ھؤالء ودوَّ نھا بعد أخذ ور ّد سديدين في المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه في مجمع فقھي كيانه من أربعين فقيھا من نبالء تالميذه المتبحرين في الفقه والحديث وعلوم القرآن والعربية ،كما نص على ذلك الطحطاوي وغيره . وعن ھذا اإلمام األعظم يقول محمد بن إسحاق النديم ،الذي ليس ھو من أھل مذھبه :والعلم برا وبحرا ،شرقا وغربا ، بعدا وقربا تدوينه رضي ﷲ عنه .
ويقول الشافعي رضي ﷲ عنه :الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة . ثم أتى الشافعي -رضي ﷲ عنه – فجمع عيونا من المعينين ، وزاد ما تلقاه من شيوخه من أھل مكة كمسلم بن خالد ،الذي تلقى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس -رضي ﷲ عنھما ، -وقد امتأل الخافقان بأصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه ،وملؤوا العالم علما ،وأھل مصر من أعرف الناس بعلومه وعلوم أصحابه حيث سكنھا في أواخر عمره ،ونشر بھا مذھبه الجديد ،ودفن بھا – رضي ﷲ عنه . - وال يتسع ھذا المقال لبيان ما لسائر األئمة من الفقھاء من الفضل على الفقه اإلسالمي ،وھم على اتفاق في نحو ثلثي مسائل الفقه ،والثلث الباقي ھو معترك آرائھم ،وحججھم في ذلك ومداركھم مدونة في كتب أھل الفقه . فمذاھب تكون بھذا التأسيس وھذا التدعيم إذا لقيت في آخر الزمن متزعما في الشرع يدعو إلى نبذ التمذھب باجتھاد جديد يقيمه مقامھا ،محاوال تدعيم إمامته بالالمذھبية بدون أصل يبني عليه غير شھوة الظھور ،تبقى تلك المذاھب وتابعوھا في حيرة بماذا يحق أن يلقب من عنده مثل ھذه الھواجس والوساوس ،أھو مجنون مكشوف األمر ،غلط من لم يقده إلى مستشفى المجاذيب ،أم مذبذب بين الفريقين يختلف أھل العقول في ع ِّده من عقالء المجانين ،أو مجانين العقالء ؟! .
بدأنا منذ مدة نسمع مثل ھذه النعرة من أناس في حاجة شديدة على ما أرى إلى الكشف عن عقولھم بمعرفة الطبيب الشرعي . قبل االلتفات إلى مزاعمھم في االجتھاد الشرعي القاضي – في زعمھم – على اجتھادات المجتھدين ،فعلى تقدير ثبوت أن عندھم بعض عقل ،فال بد أن يكونوا من صنائع أعداء ھذا الدين الحنيف ،ممن لھم غاية ملعونة إلى تشتيت اتجاه األمة اإلسالمية في شؤون دينھم ودنياھم ،تشتيتا يؤدي بھم إلى التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز يوما بعد يوم ،بعد إخاء مديد استمر بينھم منذ بزغت شمس اإلسالم إلى اليوم . فالمسلم الرزين ال ينخدع بمثل ھذه الدعوة ،فإذا سمع نعرة الدعوة إلى االنفضاض من حول أئمة الدين الذين حرسوا أصول الدين اإلسالمي وفروعه من عھد التابعين إلى اليوم ، كما توارثوه من النبي – صلى ﷲ عليه وسلم – وأصحابه – رضي ﷲ عنھم أجمعين – أو طرق سمعه نعيق ال َّنيْل من مذاھب أھل الحق ،فال بد له من تحقيق مصدر ھذه النعرة واكتشاف وكر ھذه الفتنة ،وھذه النعرة ال يصح أن تكون من مسلم صميم درس العلوم اإلسالمية حق الدراسة ،بل إنما تكون من متمسلم مندس بين علماء المسلمين أخذ بعض رؤوس مسائل من علوم اإلسالم بقدر ما يظن أنھا تؤھله لخدمة صنائعه النظر في مصدر تلك ومرشحيه ،فإذا دقق ذلك المسلم الرزين َ النعرة بنوره الذي يسعى بين يديه ،يجده شخصا ال يشارك المسلمين في آالمھم وآمالھم إال في الظاھر ،بل يزامل
ويصادق إناسا ال يتخذھم المسلمون بطانة ،ويلفيه يجاھر بالعداء لكل قديم وعتيق إال العتيق المجلوب من مغرب شمس الفضيلة ،ويراه يعتقد أن رطانته تؤھله – عند أسياده – لعمل كل ما يعمل ،فعندما يطلع ذلك المسلم على جلية األمر يعرف كيف يخلص نيئة اإلسالم من شرور ھذا النعيق المنكر بإيقاف أھل الشأن على حقائق األمور ،والحق يعلو وال يعلى عليه . فمن يدعو الجمھور إلى نبذ التمذھب بمذاھب األئمة المتبوعين الذين أشرنا فيما سبق إلى بعض سيرھم – ال يخلو من أن يكون من الذين يرون تصويب المجتھدين في استنباطاتھم كلھا ، بحيث يباح لكل شخص غير مجتھد أن يأخذ بأي رأي من آراء مجتھد من المجتھدين ،بدون حاجة إلى االقتصار على آراء مجتھد واحد يتخيره في االتباع ،وھذا ينسب إلى المعتزلة ، وأما الصوفية فإنھم يصوبون المجتھدين ،بمعنى األخذ بالعزائم خاصة من بين أقوالھم من غير اقتصار على مجتھد واحد . وإليه يشير أبو العالء صاعد بن أحمد بن أبي بكر الرازي – من رجال نور الدين الشھيد – في كتابه ) الجمع بين التقوى والفتوى من مھمات الدين والدنيا ( حيث ذكر في أبواب الفقه منه ما ھو مقتضى الفتوى ،وما ھو موجب التقوى من بين أقوال األئمة األربعة خاصة ،وليس في ھذا معنى التشھي أصال ،بل ھو محض التقوى والورع . والرأي الذي ينسب إلى المعتزلة يبيح لغير المجتھد األخذ بما يروقه من اآلراء للمجتھدين ،لكن أقل ما يجب على غير المجتھد في باب االجتھاد أن يتخير لدينه مجتھدا يراه األعلم
واألورع ،فينصاع لفتياه في كل صغير وكبير ،بدون تتبع الرخص – في التحقيق – وأما تتبعه الرخص من أقوال كل إمام ،واألخذ بما يوافق الھوى من آراء األئمة ،فليسا إال تشھيا محضا ،وليس عليھما مسحة من الدين أصال ،كائنا من كان مبيح ذلك . ولذلك يقول األستاذ أبو إسحق اإلسفراييني اإلمام ،عن تصويب المجتھدين مطلقا :أوله سفسطة وآخره زندقة .ألن أقوالھم تدور بين النفي واإلثبات ،فأنى يكون الصواب في النفي واإلثبات معا ؟ . نعم ،إن من تابع ھذا المجتھد جميع آرائه فقد خرج من العھدة ،أصاب مجتھده أم أخطأ ،وكذا المجتھدون اآلخرون ،ألن الحاكم إذا اجتھد وأصاب فله أجران ،وإذا اجتھد وأخطأ فله أجر واحد ،واألحاديث في ھذا الباب في غاية من الكثرة . وعلى اعتبار من قلد المجتھد خارجا من العھدة وإن أخطأ مجتھ ُده َ ،ج َرت األم ُة منذ بزغت شمس اإلسالم ،وال تزال بازغة إلى قيام الساعة -بخالف شمس السماء فإن لھا فجرا وضحى وغروبا – ولوال أن المجتھد يخرج من العھدة على تقدير خطئه لما كان له أجر ،وليس كالمنا فيه ،وكالم األستاذ أبي أسحق اإلسفراييني عن المصوبة حق ،يدل عليه ألف دليل ودليل ،ولكن ليس ھذا بموضع توسع في بيان ذلك . وأما إن كان الداعي إلى نبذ التمذھب يعتقد في األئمة المتبوعين
أنھم من أسباب وعوامل الفرقة والخالف بين المسلمين ،وأن المجتھدين في اإلسالم إلى اليوم كلھم على خطإ ،وأنه يستدرك عليھم في آخر الزمن الصواب الذي خفي على األمة منذ بزوغ شمس اإلسالم إلى اليوم ،فھذا من التھور والمجازفة البالغين حد النھاية . ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة ھذه النعرة بين حين وآخر تھوين أمر أخبار اآلحاد الصحيحة من السنة ،وكذا اإلجماع والقياس ،بل دالالت الكتاب المعتبرة عند أھل االستنباط . فبتھوين أخبار اآلحاد يتخلصون من كتب السنة من صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد وتفاسير بالرواية وغيرھا ، وإذن فال معجزة كونية تستفاد منھا وال أحكام شرعية تستمد منھا ،فھل يسلك مثل ھذه السبيل من سبل الشيطان غير صنائع أعداء اإلسالم ؟ . على أن أخبار اآلحاد الصحيحة قد يحصل بتعدد طرقھا تواتر معنوي ،بل قد يحصل العلم بخبر اآلحاد عند احتفافه بالقرائن ، بل يوجد بين أھل العلم من يرى أن أحاديث الصحيحين – غير المنتقدة – من تلك األحاديث المحتفة بالقرائن . وبنفي اإلجماع يتخلصون من مذاھب جمھرة أھل الحق ، وينحازون إلى الخوارج المرقة ،والروافض المردة . وب َر ِّد القياس الشرعي يسدون على أنفسھم باب االجتھاد ِ ومسالك العلة – على طرقھا المعروفة المألوفة – منحازين إلى
نفاة القياس من الخوارج والروافض وجامدي أھل الظاھر . وبتالعبھم بدالالت الكتاب المعتبرة عند أھل االستنباط يتخذون القيود الجارية مجرى الغالب الملغاة باتفاق بين القائلين بالمفاھيم وغير القائلين بھا من صدر اإلسالم إلى اليوم وسيلة لتغيير كثير من األحكام القطعية ،ويجعلون للعرف شأنا غير ما له عند جميع فقھاء ھذه األمة ،خانعين لما ألقاه بعض مستشرقي اليھود بمصر في عمل أھل المدينة ونحوه ،وكذلك صنيعھم في المصلحة المرسلة التي شرحنا دخائلھا بعض شرح في مقالنا ) شرع ﷲ في نظر المسلمين ( . وكل ذلك يجري تحت بصر األزھر وسمعه ،ورجاله سكوت ، والسكوت على تلك المخازي مما ال يرتضيه األزھر السني الذي أسس بنيانه على التقوى منذ عھد الملك الظاھر بيبرس وأمرائه األبرار ،حيث صيروه معقل العلم ألھل السنة ،بعد أن أحيوا معالمه ،ولم تزل ملوك اإلسالم ترعاه على ھذا األساس إلى اليوم ،وال يزال بابه مغلقا على غير أتباع األئمة األربعة ،وكم أدروا عليه من الخيرات لھذه الغاية النبيلة ، وللملك فؤاد األول – رحمه ﷲ – يد بيضاء في إنھاض األزھر على ذلك األس القويم ،والحكومة الرشيدة المتمسكة بأھداب الدين اإلسالمي لم تزل تسدي إليه كل جميل مراعاة لتلك الغاية السديدة . فإذا تم لدعاة النعرة الحديثة في قصر االجتھاد على شخص واحد من أبناء العھد الحديث – بمؤھالت غير معروفة –
وتمكنوا من إبادة المذاھب المدونة في اإلسالم لھؤالء األئمة األعالم ،ومن حمل الجماھير على االنصياع آلراء ذلك الشخص يتم لھم ما يريدون . لكن الذي يتغنى بحرية الرأي على اإلطالق بكل وسيلة كيف يستقيم له منح الطامحين من أبناء الزمن مثله إلى االجتھاد من االجتھاد ،أم كيف يجيز إمالء ما يريد أن يمليه من اآلراء على الجماھير مرغمين فاقدي الحرية ،أم كيف يبيح داعي الحرية المطلقة حرما الجماھير المساكين المقلدين حرية تخير مجتھد يتابعونه باعتبار تعويلھم عليه في دينه وعلمه في عھد النور!!؟ .ولم يسبق لھذا الحجر مثيل في عھد الظلمات !!! وھذا مما ال أستطيع الجواب عنه . وقصارى القول أنك إذا قمت بدرس أحوال القائمين بتلك النعرة الخبيثة وجدتھم ال يألفون المألوف ،وال يعرفون المعروف ، أعمت شھوة الظھور بصائرھم ،حتى تراھم يصادقون المتألبين على الشرق المسكين ،فنعرتھم ھذه ما ھي إال نعيق اإللحاد المنبعث عن أھل الفساد ،فيجب على أھل الشأن أن يسعوا في تعرف مصدر الخطر ،وإطفاء الشرر ،وليست ھذه الدعوة المنكرة سوى قنطرة الالدينية السائدة في بالد أخرى منيت باإللحاد وكتبت لھا التعاسة ،والمؤمن ال يلدغ من جحر مرتين ،والعاقل من اتعظ بغيره ،وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل .
ھامش )) ال ِّدين الخالص (( ج/1ص 39لإلمام محمود ال ُّسبْكي ـ ط 5ـ الجمعية الشرعية ،القاھرة.
ﻓﺘﻮﻯ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﺪ ﻓﻴﻤﻦ ﺍﻧﺘﻘﺺ ﺍﻷﺷﺎﻋﺮﺓ سئل اإلمام ابن رشد الجد المالكي رحمه ﷲ تعالى الملقب عند المالكية بشيخ المذھب عن رأي المالكية في السادة األشاعرة وحكم من ينتقصھم كما في فتاواه ) ( 802 / 2وھذا نص السؤال والجواب : السؤاال: ما يقول الفقيه القاضي األجل .أبو الوليد وصل ﷲ توفيقه وتسديده ،ونھج إلى كل صالحة طريقه ،في أبي الحسن األشعري وأبي إسحاق اإلسفراييني وأبي بكر الباقالني وأبي بكربن فورك وأبي المعالي ،ونظرائھم ممن ينتحل علم الكالم ويتكلم في أصول الديانات ويصنف للرد على أھل األھواء ؟ أھم أئمة رشاد وھداية أم ھم قادة حيرة وعماية ؟ . وما تقول في قوم يسبونھم وينتقصونھم ،ويسبون كل من ينتمي
إلى علم األشعرية ،ويكفرونھم ويتبرأون منھم ،وينحرفون بالوالية عنھم ،ويعتقدون أنھم على ضاللة ،وخائضون في جھالة ،فماذا يقال لھم ويصنع بھم ويعتقد فيھم ؟ أيتركون على أھوائھم ،أم يكف عن غلوائھم ؟ ! . فأجاب رحمه ﷲ : تصفحت عصمنا ﷲ وإياك سؤالك ھذا ،ووقفت على الذين سميت من العلماء فھؤالء أئمة خير وھدى ،وممن يجب بھم االقتداء ،ألنھم قاموا بنصر الشريعة ،وأبطلوا شبه أھل الزيغ والضاللة ،وأوضحوا المشكالت ،وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات ،فھم بمعرفتھم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة ،لعلمھم با عزوجل وما يجب له وما يجوز عليه ، وما ينتفي عنه ،إذ ال تعلم الفروع إال بعد معرفة االصول ، فمن الواجب أن يعترف بفضائلھم ،ويقر لھم بسوابقھم ،فھم الذين عنى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بقوله ) :يحمل ھذا العلم من كل خلف عدوله ،ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ،وتأويل الجاھلين ( . فاليعتقد أنھم على ضاللة وجھالة إال غبي جاھل ،أو مبتدع زائغ عن الحق مائل ،وال يسبھم وينسب إليھم خالف ما ھم عليه إال فاسق ،وقد قال ﷲ عز وجل ) :والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بھتانا وإثما مبينا( .
فيجب أن يبصر الجاھل منھم ،ويؤدب الفاسق ،ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسھال ببدعة ،فإن تاب وإال ضرب أبدا حتى يتوب ،كما فعل عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه بصبيغ المتھم في اعتقاده ،من ضربه إياه حتى قال :يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء ،وإن كنت تريد قتلي فأجھز علي ،فخلى سبيله ،وﷲ أسأل العصمة والتوفيق برحمته . قاله :محمدبن رشد .
ﻛﻼﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ قال اإلمام الداعية الكبير الحسن بن أحمد بن عبدالرحمن البنا الساعاتي رحمه ﷲ تعالى في كتابه ) العقائد ( ط االتحاد اإلسالمي 1404ھـ ص 74ما نصه : )) ..قد علمت أن مذھب السلف في اآليات المتشابھات واألحاديث التي تتعلق بصفات ﷲ تبارك وتعالى أن يمروھا على ماجاءت عليه ،ويسكتوا عن تفسيرھا أو تأويلھا ،وأن مذھب الخلف أن يؤولوھا بما يتفق مع تنـزيه ﷲ تبارك وتعالى عن مشابھة خلقه ،وعلمت أن الخالف شديد بين أھل الرأيين حتى أدى بينھما إلى التنابز باأللقاب العصبية ،وبيان ذلك من
عدة أوجه : أوال : اتفق الفريقان على تنـزيه ﷲ تبارك وتعالى عن المشابھة لخلقه . ثانيا : كل منھما يقطع بأن المراد بألفاظ ھذه النصوص في حق ﷲ تبارك وتعالى غير ظواھرھا التي وضعت لھا ھذه األلفاظ في حق المخلوقات ،وذلك مترتب على اتفاقھما على نفي التشبيه . ثالثا : كل من الفريقين يعلم أن األلفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس ،أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيھا ،وأن اللغات مھما اتسعت ال تحيط بما ليس ألھلھا بحقائقه علم ،وحقائق ما يتعلق بذات ﷲ تبارك وتعالى من ھذا القبيل ،فاللغة أقصر من أن تواتينا باأللفاظ التي تدل على ھذه الحقائق ،فالتحكم في تحديد المعاني بھذه األلفاظ تغرير . وإذا تقرر ھذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل ، وانحصر الخالف بينھما في أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتھم ضرورة التنـزيه إلى ذلك حفظا لعقائد العوام من شبھة التشبيه ،وھو خالف ال يستحق ضجة وال إعناتا .
) ترجيح مذھب السلف( ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم ھذه المعاني إلى ﷲ تبارك وتعالى أسلم وأولى باالتباع ،حسما لمادة التأويل والتعطيل ،فإن كنت ممن أسعده ﷲ بطمأنينة اإليمان ، وأثلج صدره ببرد اليقين ،فال تعدل به بديال ،ونعتقد إلى جانب ھذا أن تأويالت الخلف ال توجب الحكم عليھم بكفر وال فسوق ، وال تستدعي ھذا النـزاع الطويل بينھم وبين غيرھم قديما وحديثا ،وصدر اإلسالم أوسع من ھذا كله . وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف ،رضوان ﷲ عليھم ، إلى التأويل في عدة مواطن ،وھو اإلمام أحمد بن حنبل رضي ﷲ عنه ،من ذلك تأويله لحديث )) :الحجر األسود يمين ﷲ في أرضه (( وقوله صلى ﷲ عليه وسلم )) :قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن (( وقوله صلى ﷲ عليه وسلم )) : إني ألجد نفس الرحمن من جانب اليمن (( . وقد رأيت لإلمام النووي رضي ﷲ عنه ما يفيد قرب مسافة الخالف بين الرأيين مما ال يدع مجاال للنـزاع والجدال ،وال سيما وقد قيد الخلف أنفسھم في التأويل بجوازه عقال وشرعا ، بحيث ال يصطدم بأصل من أصول الدين . قال الرازي في كتابه )) أساس التقديس (( )) :ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويالت على التفصيل ،وإن لم نجز التأويل فوضنا العلم بھا إلى ﷲ تعالى ،
فھذا ھو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابھات ، وبا التوفيق (( . وخالصة ھذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاھر المتعارف بين الخلق ،وھو تأويل في الجملة ، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم باألصول الشرعية غير جائز ،فانحصر الخالف في تأويل األلفاظ بما يجوز في الشرع ،وھو ھين كما ترى ،وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسھم ، وأھم ما يجب أن تتوجه إليه ھمم المسلمين اآلن توحيد الصفوف ،وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيال ،وﷲ حسبنا ونعم الوكيل (( اھـ .كالم اإلمام البنا رحمه ﷲ تعالى نقال عن رسالته في العقائد .
ﻧﻘﺪ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﺭﺑﻮﺑﻴﺔ ﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺣﺠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﺪﺟﻮﻱ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ بسم ﷲ الرحمن الرحيم قال العالمة أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد ال ِّدجوي المالكي األزھري المتوفى سنة 1365ھـ : جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوھا عن توحيد األلوھية وتوحيد الربوبية ما معناھما ؟؟ وما الذي يترتب عليھما ؟؟ ومن ذا الذي فرق بينھما ؟؟ وما ھو البرھان على صحة ذلك أو بطالنه ؟؟ فنقول وبا التوفيق : إن صاحب ھذا الرأي ھو ابن تيمية الذي شاد بذكره ،قال )) : إن الرسل لم يبعثوا إال لتوحيد األلوھية وھو إفراد ﷲ بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وھو اعتقاد أن ﷲ رب العالمين المتصرف في أمورھم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل
قوله تعالى ) :ولئن سألتھم من خلق السموات واألرض ليقولن ﷲ( اھـ . ثم قالوا :إن الذين يتوسلون باألنبياء واألولياء ويتشفعون بھم وينادونھم عند الشدائد ھم عابدون لھم قد كفروا باعتقادھم الربوبية في تلك األوثان والمالئكة والمسيح سواء بسواء ،فإنھم لم يكفروا باعتقادھم الربوبية في تلك األوثان وما معھا بل بتركھم توحيد األلوھية بعبادتھا ،وھذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين باألولياء المنادين لھم المستغيثين بھم الطالبين منھم ما ال يقدر عليه إال ﷲ تعالى ..بل قال محمد بن عبدالوھاب: )) إن كفرھم أشنع من كفر عباد األوثان (( اھـ !! وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة ،فھذا ملخص مذھبھم مع اإليضاح ،وفيه عدة دعاوى ،فلنعرض لھا على سبيل االختصار ،ولنجعل الكالم في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل ،فنقول: قولھم ) :إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد األلوھية ( تقسيم غير معروف ألحد قبل ابن تيمية ،وغير معقول أيضا كما ستعرفه ،وما كان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول ألحد دخل في اإلسالم :إن ھناك توحيدين وإنك ال تكون مسلما حتى توحد توحيد األلوھية ،وال أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ، وال ُسمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعھم في كل شيء ،وال معنى لھذا التقسيم ،فإن اإلله الحق ھو الرب الحق ،واإلله الباطل ھو الرب الباطل ،وال يستحق العبادة والتأليه إال من كان ربا ،وال معنى ألن نعبد من ال نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر ،فھذا مرتب على ذلك كما قال تعالى ) :
رب السموات واألرض وما بينھما فاعبده واصطبر لعبادته ھل تعلم له سميا ً( . فرتب العبادة على الربوبية ،فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فال معنى ألن نعبده ـ كما قلنا ـ ويقول تعالى ) :أال يسجدوا الذي يخرج الخبء في السموات واألرض ( يشير إلى أنه ال ينبغي السجود إال لمن ثبت اقتداره التام ،وال معنى ألن نسجد لغيره ،ھذا ھو المعقول ،ويدل عليه القرآن والسنة . أما القرآن فقد قال ) :وال يأمركم أن تتخذوا المالئكة والنبيين أربابا ( ،فصرح بتعدد األرباب عندھم ،وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنھم جعلوا المالئكة أربابا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبدالوھاب :إنھم موحدون توحيد الربوبية وليس عندھم إال رب واحد وإنما أشركوا في توحيد األلوھية !! ويقول يوسف عليه السالم لصاحبي السجن وھو يدعوھما إلى التوحيد ) :أأرباب متفرقون خير أم ﷲ الواحد القھار ( ،ويقول ﷲ تعالى أيضا ) :وھم يكفرون بالرحمن قل ھو ربي( ،وأما ھم فلم يجعلوه ربا . ومثل ذلك قوله تعالى ) :لكنا ھو ﷲ ربي ( خطابا لمن أنكر ربوبيته تعالى ،وانظر إلى قولھم يوم القيامة ) :تا إن كنا لفي ضالل مبين إذ نسويكم برب العالمين ( ،أي في جعلكم أربابا ـ كما ھو ظاھر ـ وانظر إلى قوله تعالى ) :وإذا قيل لھم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ، ( ..فھل ترى صاحب ھذا الكالم موحدا أو معترفا ؟!. ثم انظر إلى قوله تعالى ) :وھم يجادلون في ﷲ ( ،إلى غير ذلك وھو كثير ال نطيل بذكره ،فإذا ليس عند ھؤالء الكفار توحيد الربوبية ـ كما قال ابن تيمية ـ ،وما كان يوسف عليه
السالم يدعوھم إال إلى توحيد الربوبية ،ألنه ليس ھناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد األلوھية عند يوسف عليه السالم ،فھل ھم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه مخطئا في التعبير باألرباب دون اآللھة ؟!. ويقول ﷲ في أخذ الميثاق ) :ألست بربكم قالوا بلى ( ،فلو كان اإلقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين ولكنه ال ينفعھم ـ كما يقول ابن تيمية ـ ،ما صح أن يؤخذ عليھم الميثاق بھذا ،وال صح أن يقولوا يوم القيامة ) :إنا كنا عن ھذا غافلين ( ،وكان الواجب أن يغير ﷲ عبارة الميثاق إلى ما يوجب اعترافھم بتوحيد األلوھية حيث إن توحيد الربوبية غير كاف ـ كما يقول ھؤالء ـ ،إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ، وھو ال يخفى عليك ،وعلى كل حال فقد اكتفى منھم بتوحيد الربوبية ،ولو لم يكونا متالزمين لطلب إقرارھم بتوحيد األلوھية أيضا ً. ومن ذلك قوله تعالى ) :وھو الذي في السماء إله وفي األرض إله ( ،فإنه إله في األرض ولو لم يكن فيھا من يعبده كما في آخر الزمان ،فإن قالوا :إنه معبود فيھا أي مستحق للعبادة ، قلنا :إذن ال فرق بين اإلله والرب ،فإن المستحق للعبادة ھو الرب ال غير ] ،و[ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه الصالة والسالم إال في الربوبية وقد قال ) :أنا ربكم األعلى ( ثم قال ) :لئن اتخذت إلھا غيري ألجعلنك من المسجونين ( وال داعي للتطويل في ھذا . وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه ال عن إلھه ،ألنھم ال يفرقون بين الرب واإلله ،فإنھم ليسوا بتيميين وال متخبطين ، وكان الواجب على مذھب ھؤالء أن يقولوا للميت :من إلھك ال
من ربك !! أو يسألوه عن ھذا وذاك . وأماقوله ) :ولئن سألتھم من خلق السموات واألرض ليقولن ﷲ ( ،فھم يقولون بألسنتھم ما ليس في قلوبھم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات واآليات البينات ، ولعلھم نطقوا بما ال يكاد يستقر في قلوبھم أو يصل إلى نفوسھم ،بدليل أنھم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبھم ،وأنھم ينسبون الضر والنفع إلى غيره ،وبدليل أنھم يجھلون ﷲ تمام الجھل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر األمور ،وإن شئت فانظر إلى قولھم لھود عليه الصالة والسالم ) :إن نقول إال اعتراك بعض آلھتنا بسوء ( فكيف يقول ابن تيمية :إنھم معتقدون أن األصنام ال تضر وال تنفع إلى آخر ما يقول؟!. ثم انظر بعد ذلك في زرعھم وأنعامھم ) :ھذا بزعمھم وھذا لشركائنا فما كان لشركائھم فال يصل إلى ﷲ وما كان فھو يصل إلى شركائھم ( ،فقدموا شركاءھم على ﷲ تعالى في أصغر األمور وأحقرھا . وقال تعالى في بيان اعتقادھم في األصنام ) :وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنھم فيكم شركاء ( ،فذكر أنھم يعتقدون أنھم شركاء فيھم ،ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد : ) أعل ھبل ( ،فأجابه صلى ﷲ عليه وسلم بقوله ) :ﷲ أعلى وأجل( ،فانظر إلى ھذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليھم ابن تيمية ويقول :إنھم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد األلوھية ؟!. وأدل من ذلك كله قوله تعالى ) :وال تسبوا الذين يدعون من دون ﷲ فيسبوا ﷲ عدوا بغير علم ( ،إلى غير ذلك مما يطول شرحه ،فھل ترى لھم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه
عقيدة ؟!. أما التيميون فيقولون بعد ھذا كله :إنھم موحدون توحيد الربوبية ،وإن الرسل لم يقاتلوھم إال على توحيد األلوھية الذي لم يكفروا إال بتركه !! وال أدري ما معنى ھذا الحصر مع أنھم كذبوا األنبياء وردوا ما أنزل عليھم واستحلوا المحرمات وأنكروا البعث واليوم اآلخر وزعموا أن صاحبة وولدا وأن المالئكة بنات ﷲ ) أال إنھم من إفكھم ليقولون ولد ﷲ وإنھم لكاذبون( ،وذلك كله لم يقاتلھم عليه الرسل ـ في رأي ھؤالء ـ وإنما قاتلوھم على عدم توحيد األلوھية ـ كما يزعمون ـ وھم بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منھم في رأي ابن عبدالوھاب!!. وما علينا من ذلك كله ،ولكن نقول لھم بعد ھذا :على فرض أن ھناك فرقا بين توحيد األلوھية وتوحيد الربوبية ـ كما يزعمون ـ فالتوسل ال ينافي توحيد األلوھية فإنه ليس من العبادة في شيء ال لغة وال شرعا وال عرفا ،ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ،وال أخبرنا الرسول صلى ﷲ عليه وسلم بذلك ،ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي وال بالميت. فإن تشبث متشبث بأن ﷲ أقرب إلينا من حبل الوريد فال يحتاج إلى واسطة ،قلنا له ) :حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ( ،فإن رأيك ھذا يلزمه ترك األسباب والوسائط في كل شيء ،مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت األسباب والمسببات في كل شيء ،ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة ـ وھي معلومة من الدين بالضرورة ـ فإنھا ـ على ھذا الرأي ـ ال حاجة إليھا ،إذ ال يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله ) :إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس إلخ ، ( ..وعلى الجملة يلزم سد باب األسباب والمسببات والوسائل والوسائط ،وھذا خالف السنة اإللھية التي قام عليھا بناء ھذه العوالم كلھا من أولھا إلى آخرھا ،ولزمھم على ھذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ،فإنه ال يمكنھم أن َيدَ عوا األسباب أو يتركوا الوسائط بل ھم أشد الناس تعلقا بھا واعتمادا عليھا . وال يفوتنا أن نقول :إن التفرقة بين الحي والميت في ھذا المقام ال معنى لھا فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصال ،وإنما طلب من ﷲ متوسال إليه بكرامة ھذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ،فھل في ھذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم ھو حق ال مرية فيه ؟؟ ،ولكنھم قوم يجازفون وال يحققون ، كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين . وانظر كتب المذاھب األربعة ،حتى مذھب الحنابلة في آداب زيارته صلى ﷲ عليه وسلم تجدھم قد استحبوا التوسل به إلى ﷲ تعالى ،حتى جاء ابن تيمية فخرق اإلجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اھـ . انتھى جواب العالمة حجة اإلسالم يوسف الدجوي المالكي األزھري رحمه ﷲ تعالى .
التحق النبي صلى ﷲ عليه وسلم بالرفيق األعلى وقد أورث الناس دينا ساطع الحجج ،محكم اآليات ،فساروا في ضوئه أمة واحدة ،ال يختلفون في شيء يرجع إلى العقائد حتى آخر خالفة عثمان رضي ﷲ عنه حيث حميت تلك المناقشات السياسية، واتخذھا مرضى القلوب أمثال )عبدﷲ بن سبأ( ذريعة إلى فتنة
يكيدون بھا اإلسالم ،ففتحوا بابھا بقتل الخليفة ،ونشأت خالفة علي كرم ﷲ وجھه ،وغبار الفتنة ثائر ،فتولدت تحت مثاره آراء سياسية ،ثم جعلت تلك اآلراء تتحول إلى مذاھب دينية، ودب في النفوس مرض االختالف ،ومن ھذا االختالف ما يرجع إلى أصول العقائد ،فيحل عروة اإليمان ،ومنه ما يرجع إلى فروعھا ،فال يزيد على أن يسمى انحرافا عن الصواب. كثرت الفرق ،وتعددت األلقاب ،فوھن حبل االتحاد اإلسالمي، ولوال ھذا التفرق لبلغ اإلسالم من القوة فوق ما بلغ ،وارتقى في السيادة ذروة فوق التي ارتقى. ومن ھذه الفرق فرقة يغالون في )التشيع( لإلمام علي كرم ﷲ وجھه ،ومن أبعدھم في ھذا الغلو السبئية أتباع )عبدﷲ بن سبأ(، الذي ادعى لعلي عليه السالم وصف اإللھية ،فنفاه علي إلى المدائن ،ويقال :إنه كان يھوديا ،فتظاھر باإلسالم ليكيد له بمثل ھذه الدعوى. ويقابل ھذه الفرقة فرقة يدينون بكراھة علي رضي ﷲ عنه، وھم )الخوارج( ،ونشأ ھذا المذھب من جماعة كانوا مع علي في حرب صفين ،ثم خرجوا عليه عقب قضية التحيكم. ومن ھذه الفرق فرقة يبالغون في إثبات الوعد ،حتى قال بعضھم :ال يضر مع اإليمان معصية ،وھم )المرجئة(. أما اإلرجاء الذي ينسب إلى بعض فضالء التابعين كالحسن بن محمد بن الحنفية ،فمعناه عدم القطع على إحدى الطائفتين المقتتلتين من العلويين واألمويين بكونھا مخطئة أو مصيبة، وإرجاء أمرھما أي تأخيره وتفويضه إلى ﷲ تعالى ،وھو بھذا المعنى ال يمس جانب اإليمان ،وال يعد صاحبه عند أھل السنة موضعا للعيب.
ومن ھذه الفرق فرقة يبالغون في إثبات القدرة لإلنسان، وينكرون إضافة الخير والشر إلى القدر ،وھم )القدرية( ،وأول من تكلم بھذا )معبد بن عبدﷲ الجھني( الذي خرج مع ابن األشعث ،ووقع في يد الحجاج فقتله سنة 80ھـ. ومن ھذه الفرق فرقة ال يثبتون للعبد قدرة على الفعل ال مؤثرة وال كاسبة ،وھم )الجبرية( ،وأول من ظھر بھذا المذھب )جھم بن صفوان( الذي خرج مع الحارث بن سريج على بني أمية في أواخر دولتھم ،ووقع في قبضتھم بعد انھزام الحارث وقتل سنة 128أو 131ھـ. ومن ھذه الفرق فرقة ي َش ِّبھُون ﷲ ـ وھو واجب الوجود ـ ببعض مخلوقاته ،وھم )المشبھة( ،وممن تعزى إليه ھذه البدعة )الجعد بن درھم( مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. ومن غالة المشبھة )الكرامية( أتباع )محمد بن َكرَّ ام) وھو شيخ نشأ في سجستان ،ثم دخل نيسابور ،وباح بالتجسيم ،فحبسه عبدﷲ بن طاھر ،ثم أطلقه فتخلص إلى القدس الشريف ،وھناك توفي سنة 256ھـ. ومن ھذه الفرق فرقة يؤولون القرآن والسنة على غير ما يراد منھا ،مكرا بالدين وصرفا للناس عن ھدايته ،وھم )الباطنية(، وائتمار من أصلھم المجوسية بالكيد لإلسالم وقع ـ على ما يقصه أبو بكر بن العربي ـ في عھد البرامكة ،ولكن تأويل الظاھر على وجوه تعطل أحكام الشريعة وتذھب ببھاء حكمتھا ظھر فيما بعد ،ومن زعماء ھذه النحلة )حمدان قرمط( المتوفى سنة 264ھـ ،ومنه أخذ الباطنية لقب )القرامطة). ومن أذناب ھذه الفرقة اليوم الطائفة المسماة بـ)البابية( أو
)البھائية( ،وكانت قبل ھذا تعمل في خفاء ،فسرى وباؤھا في نفوس كثير من المسلمين الغافلين ،حتى أخذ بعض زعمائھا الغرور ،فجاھروا بشيء مما يسرون ،فانكشفت للناس سريرتھا ،وافتضح أمرھا ،فال تقوم لدعايتھا بعد ھذا ـ إن شاء ﷲ ـ قائمة. ومن ھذه الفرق فرقة )المعتزلة( ،ومن رؤوسھا )أبو حذيفة واصل بن عطاء َّ الغزال( ،وصاحبه )عمرو بن عبيد( ،وكانا يجالسان الحسن البصري المتوفى سنة 116ھـ ،ثم اعتزاله في نفر كانوا على رأيھما ،وظھر بعد ھؤالء طبقة أخرى ،من زعمائھا )إبراھيم بن يسار ال َّن َّظام( المتوفى سنة 221ھـ، و)محمد بن الھذيل العالّف( المتوفى سنة235ھـ ،و)أحمد بن أبي دؤاد( المتوفى سنة 240ھـ ،و)بشر المريسي( المتوفى سنة 218ھـ ،ثم عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 250ھـ. وظھر بعد ھؤالء طبقة ،من رجالھا )أبو علي محمد الجبائي( المتوفى سنة 303ھـ ،وھو أستاذ أبي الحسن األشعري ،و)أبو القاسم عبدﷲ الكعبي( المتوفى سنة 317ھـ ،وإليه تنسب الفرقة )الكعبية) ،و)أبو ھاشم عبدالسالمبن أبي علي الجبائي( المتوفى سنة 321ھـ ،وإليه تنسب الفرقة (البھشمية( ،فالكعبي وأبو ھاشم كانا معاصرين ألبي الحسن األشعري. وظھر مذھب االعتزال لذلك العھد ،إذ كان لكثير من زعمائه البراعة في البيان والوجاھة عند رجال الدولة ،فعمرو بن عبيد كان رفيع المنـزلة عند المنصور ،وكان المجلس الذي يعقده البرامكة ألصحاب المقاالت ينتظم من أبي الھذيل العالف، وإبراھيم النظام ،وبشر بن المعتمر ،وجعفر بن حرب ،وثمامة
بن أشرس ،وجعفر بن بشر ،وكلھم من زعماء االعتزال. وأحمد بن أبي دؤاد كان وجيھا لدى المأمون ،وتولى قاضي القضاة في خالفة المعتصم ،وھو الذي امتحن اإلمام أحمد بن حنبل وحاول إلزامه القول بخلق القرآن الكريم ،وكذلك كان ابن أبي دؤاد في عھد الواثق ،ولما تقلد المتوكل الخالفة أصيب ابن أبي دؤاد بفالج ،فخلفه في القضاء ابنه محمد بن أحمد ،ثم صرفه المتوكل عن القضاء ،وولّى مكانه يحيى بن أكثم ،وكان يقتدي بمذھب أھل السنة. ومن أسباب ظھور االعتزال أن بعض زعمائه كانوا يتصدون للرد على الخارجين عن الملة من نحو الكالحدة والطبيعيين، كما رد واصل الغزال على المانوية ،ورد أبو ھاشم بن أبي علي الجبائي على القائلين بالطبائع ،ورد أبو الحسين بن أبي عمر الخياط على ابن الراوندي في كتاب (االنتصار( ،وكانوا يدرسون الفلسفة ،ويتناولون آراء رجالھا بالنقض ،فألبي ھاشم ھذا كتاب )النقض على أرسطاليس في الكون والفساد( ،ومما نقرؤه في ترجمة النظام أن جعفر بن يحي البرمكي ذكر أرسطاليس ،فقال النظام :قد نقضت عليه كتابه ،فقال جعفر: كيف وأنت ال تحسن أن تقرأه! فقال النظام :أيھما أحب إليك :أن أقرأه من أوله إلى آخره ،أمن آخره إلى أوله؟ ثم أخذ يذكره شيئا فشيئا ،وينقض عليه ،فتعجب جعفر منه. ودراسة المعتزلة للفلسفة أفادت في ردھم على بعض الفالسفة والمالحدة ،ولكن انحرفت ببعض آرائھم عن قصد السبيل، فتعسفوا في نقض نصوص من الكتاب والسنةظنا منھم أن الفلسفة تتعاصى عن قبول ما تدل عليه ھذه النصوص ،ولم يكن المعتزلة في المسائل التي تعزى إليھم على رأي واحد ،بل كانوا
يختلفون في بعض اآلراء ،وقد ينتصب بعضھم لتفنيد آراء بعض ،كما ألف جعفر بن حرب في الرد على أبي الھذيل العالّف كتابا سماه (توبيخ أبي الھذيل( وبالغ في الرد عليه حتى أشار إلى تكفيره. مذھب االعتزال في القرن الثاني والثالث رواجا أن أھل وزاد َ السنة كانوا ال يعنون بمجادلتھم على طريقة نظرية يرخي فيھا الخصم لخصمه العنان ،ثم يدفع شيھه شبھة بعد أخرى ،وينقض أدلته دليال بعد دليل ،وكان اإلمام أحمد بن حنبل رضي ﷲ عنه يكره التصدي لمجادلة المبتدعين ،وحكى عنه الغزالي في كتاب )المنقذ( أنه أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة ،فقال الحارث :الرد على المبتدعة فرض ،فقال أحمد: نعم ،ولكن حيث حكيت شبھتھم أوال ،ثم أجبت عنھا ،فال يؤمن أن يطالع الشبھة من تعلق بفھمه ،وال يلتفت إلى الجواب ،أو ينظرإلى الجواب ،وال يفھم كنھه ،قال الغزالي :وما ذكره أحد حق ،ولكن في شبھة لم تنتشر ولم تشتھر ،أما إذا انتشرت فالجواب عنھا واجب ،وال يمكن الجواب إال بعد الحكاية. كان أھل السنة من ناحية التفقه في الدين وتقرير أصول األحكام يبسطون القول إلى أبعد غاية ،أما موقفھم أمام الفرق التي تتكلم في العقائد وما يتصل بھا ،فيشبه موقف من يستخف بقوة خصمه ،فال يعد لھم ما استطاع من قوة ،أو ال يُعمل في دفاعھم ما لديه من سالح ،حتى يجوسوا خالل أرضه ،وينقصوھا من أطرافھا. سادت في القرن الثالث اآلراء المخالفة لمذھب السلف ،حتى ظھر أبو الحسن األشعري فأحسن التعبير عن مذھب أھل السنة ،وانقلب علم الكالم إلى ھيئة غير ھيئته التي خلعھا عليه
المعتزلة والمرجئة والمشبھة والقدرية ،والذي يستطيع ان يجاھد فيقلب أمما كثيرة من جھة إلى أخرى ،جدير بأن يعد في أعاظم الرجال ،فإذا عرضنا عليك صحيفة من حياة أبي الحسن األشعري ،فإنما نعرض عليك شيئا من سيرة رجل كان له في إصالح النفوس وتقويم العقول جھاد أي جھاد. نسب أبي الحسن األشعري ومولده: ھو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدﷲ بن موسى بن بالل بن أبي بردة بن ابي موسى األشعري صاحب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،واألشعري نسبة إلى )أشعر( قبيلة باليمن ،فنسبه عربي صريح ،ومولده بالبصرة سنة ستين ومائتين. نشأته العلمية: نشأ األشعري بالبصرة ،وھي يومئذ زاھية بالعلوم الدينية والعربية وفن الكالم ،فأخذ السنة عن :الحافظ زكريا بن يحيى الساجي ،وأبي خليفة الجمحي ،وسھل بن نوح ،ومحمد بن يعقوب المقرئ ،وعبدالرحمن بن خلف الضبي ،وقد أكثر في تفسيره من الرواية عن ھؤالء،ثم رحل إلى بغداد ،وأخذ عمن لقيه فيھا من علماء الحديث. ودرس علم الكالم على مذھب المعتزلة ،فكان يتلقى على طائفة من كبارھم مثل أبي علي الجبائي ،والشحام ،والعطوي ،وكان
متقدما في ھذا العلم على أقرانه ،وسنحدثك قريبا عن براءته من مذھب المعتزلة ،ورجوعه إلى مذھب أھل السنة. وإذا لم يذكر األشعري في طبقات المحدثين ،فألن ھمته لم تكن مصروفة إلى اإلكثار من الرواية ،وإنما كان يبذل جھده في تعرف آراء الفرق ،والغوص على الحجج التي تنقض شبھھم، وتدمغ باطلھم ،فال بأس عليه مما وصفه به بعض الحنابلة من أن خبرته بمقاالت أھل الكالم أوسع من خبرته بمذاھب أھل الحديث ،وكثير ممن عاصروه أو تلقوا عنه قد شھدوا له بغزارة العلم ،وحسن التصرف فيما يعلم ،وقال األستاذ )أبو إسحق اإلسفرائيني( :كنت في جنب الشيخ )أبي الحسن الباھلي( كقطرة في جنب البحر ،وسمعت الباھلي يقول :كنت في جنب األشعري كقطرة في جنب البحر. وھذه الشھادة وإن كانت صادرة عن تواضع من أبي الحسن الباھلي ،ال تخلو من إيماء إلى عظم منـزلة أبي الحسن األشعري في العلم. مذھبه في أصول الدين: كان أبو الحسن األشعري في مبدأ أمره على مذھب االعتزال، ولزم أبا علي الجبائي سنين كثيرة ،ثم اھتدى إلى أن الحق في جانب أھل السنة ،وأراد أن يكون رجوعه عن االعتزال عالنية ،فأتى المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ورقي كرسيا ،ونادى بأعلى صوته قائال :من عرفني فقد عرفني ،ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي :أنا فالن بن فالن ،كنت أقول بخلق القرآن ،وأن ﷲ ال تراه أألبصار ـ يعني في الدار اآلخرة
ـ وأن أفعال الشر أنا أفعلھا ،وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة. والواقع أنه لم يأت بمذھب جديد ،وإنما صار إلى مذھب السلف وما كان عليه األئمة الراشدون ،فقام بتأييده والنضال عنه، وإنما يُنسب إليه المتمسكون بمذھب أھل السنة ألنه زاد المذھب حججا ،وألف فيه كتبا كثيرة ،وقد صرح في كتاب )اإلبانة( بأنه على طريق السلف فقال)) :وديانتنا التي بھا ندين التمسك بكتاب ﷲ وسنة نبيه صلى ﷲ عليه وسلم ،وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ،ونحن بذلك معتصمون ،وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر ﷲ وجھه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ،ولمن خالف قوله مجانبون(( .وعوده إلى إلى مذھب أھل السنة بعد االعتزال شاھد ـ كما قال القاضي عياض في )المدارك( ـ على ثبات قدمه ،وصحة يقينه في االلتزام بالسنة، إذ لم يلزمھا ألنه نشأ عليھا ،وال اعتقدھا تقليدا. مذھبه في األحكام العملية: تنازع بعض أصحاب المذاھب أبا الحسن األشعري ،كل ينسبه إلى مذھبه ،ذكره ابن السبكي في )طبقات الشافعية( وقال :قد زعم بعض الناس أن الشيخ مالكي المذھب ،وليس بصحيح، وإنما كان شافعيا تفقه على أبي إسحق المروزي ،نص على ذلك األستاذ )أبو بكر بن فورك( في )طبقات المتكلمين(، واألستاذ )أبو إسحق اإلسفرائيني( فيما نقله عنه الشيخ )أبو محمد الجويني( في )شرح الرسالة(. وذكره القاضي عياض في كتاب )المدارك( على أنه من فقھاء
المالكية ،وقال :ذكر محمد بن موسى بن عمران أن األشعري كان مالكيا وقال :ذكر لي بعض الشافعية أنه كان شافعيا ،حتى لقيت الشيخ الفاضل الفقيه رافعا الحمال الشافعي فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن كان مالكيا ،وكان مذھب مالك رحمه ﷲ تعالى في وقته شائعا في العراق ،أيام إسماعيل بن إسحق. والذي يظھر أن أبا الحسن األشعري لم يؤلف كتابا في األحكام يستفاد منه أنه مستقل النظر في األحكام ،أو أنه مقتد بأحد األئمة. قوته على المناظرة: تمرن األشعري على المناظرات منذ كان على مذھب االعتزال ،حتى إن أستاذه أبا علي الجبائي كان إذا حضرت مناظرة ،قال لهُ :نبْ عني ،وكان الجبائي صاحب قلم ،ولم يكن قويا على المناظرة في المجالس. وكان رحمه ﷲ يقصد إلى مواطن المعتزلة ليناظرھم ،فقيل له: كيف تخالط أھل البدع ،وتقصدھم بنفسك ،وقد أمرت بھجرھم؟ فقال :ھم أولو رئاسة :منھم الوالي والقاضي ،ولرئاستھم ال ينـزلون إليّ ،فإذا كانوا ھم ال ينـزلون إليّ ،وال أسير أنا إليھم، فكيف يظھر الحق ،ويعلمون أن ألھل السنة ناصرا بالحجة! . وكان ال يبتدئ مناظريه بالسؤال ،بل يقف موقف المجيب المدافع ،حضر األستاذ أبو عبدﷲ بن خفيف مناظرة بين األشعري وبعض مخالفيه ،فقضى العجب من علمه وفصاحته، وقال له :لم ال تسأل أنت ابتداء؟ فقال األشعري :أنا ال أكلم ھؤالء ابتداء ،ولكن إذا خاضوا في ذكر ما ال يجوز في دين
ﷲ ،رددنا عليھم بحكم ما فرض ﷲ سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق. وجرت مناظرات بين أبي الحسن األشعري والجبائي ،منھا مناظرة في قول الجبائي كسائر معتزلة البصرة :إنه يجب على ﷲ تعالى مراعاة األصلح بمعنى األنفع للعبد ،فسأل األشعريُّ أبا علي الجبائي عن ثالثة إخوة عاش أحدھم في الطاعة، وأحدھم في الكفر والمعصية ،واآلخر مات صغيرا ،فقال له الجبائي :يثاب األول ويعاقب الثاني ،وال يعاقب الثالث وال يثاب ،فقال األشعري :إن قال الثالث :يارب ھل عمرتني، فأصلح ،فأدخل الجنة كما دخلھا أخي المؤمن! فأجاب الجبائي بأن الرب يقول :كنت أعلم أنك لو عشت لفسقت فدخلت النار، ثم قال األشعري :فإن قال الثاني :يارب لِ َم َل ْم ُتمِتني صغيرا حتى ال أعصي فال أدخل النار كما أ َم َّ ت الثالث! فانقطع الجبائي. فمعتزلة البصرة ھم الذين يرون وجوب مراعاة األصلح بمعنى األنفع للعبد ،أما معتزلة بغداد فيذھبون في تفسير األصلح الذي يجب على ﷲ مراعاته إلى معنى األوفق في الحكمة والتدبير، وليس ھذا المذھب بموضع المناظرة السالفة ،ألن الحكمة ال تتبع جلب المنفعة أو درء المفسدة الشخصية ،وإنما تقوم على ما يقتضيه حسن النظام العام للخليقة. أخالقه وتقواه: كان في أبي الحسن دعابة ،وكان له مع ھذه الدعابة غيرة على الحق حامية ،وتلك الغيرة ھي التي تدفعه إلى مقارعة مخالفيه
غير مبال بما كان لھم من جاه أو رئاسة ،قال أحد أصحابه: ))إنه كان حضر معه مجلسا في جماعة من المبتدعة ،فقام فيه مقاما حسنا ،وكسر حجتھم ،فلما خرج قلت له :جزاك ﷲ خيرا ،قال :وما ذاك؟ قلت :لمقامك ھذا تعالى ونصر دينه، فقال :يا أخي إنا ابتلينا بأمراء سوء أظھروا بدع المخالفين، ونصروھا ،فوجب علينا القيام ،والذب عن دينه حسب الطاقة ،فمسألة من معرفة ربك ،وما تطيعه به وتتقرب به إليه أجدى عليك من ھذا((. وھذه القصة تدلك على أنه كان يؤثر الحق على رضى األمراء، وأنه كان من التواضع بحال من يذكر أن االزدياد من معرفة ﷲ واإلقبال على فعل الطاعات يفضل ما كان يشتغل به من مقارعة االبتداع على طريقة علم الكالم. وفي أبي الحسن خصلة يع ُِّز في أھل العلم وجودھا ،وھي الرجوع عن الرأي عندما يستبين الحق ،وشاھد ھذا أنه نفض يده من مذھب االعتزال عالنية عندما استبان أن الحق في جانب أھل السنة ،وكان قد صنف في أيام اعتزاله كتابا كبيرا نصر فيه مذھب االعتزال ،وقد يقول في بعض مؤلفاته :ألفنا كتابا في مسألة كذا ،رجعنا عنه ،ونقضناه ،فمن وقع إليه فال ي َُعوِّ َلن عليه. وكان رحمه ﷲ متجمال بالحياء والورع ،قال أحمد بن علي الفقيه :خدمت اإلمام أبا الحسن بالبصرة سنتين ،وعاشرته ببغداد إلى أن توفي ،فلم أجد أورع منه ،وال أغض طرفا ،ولم أر أحدا أكثر حياء منه في أمور الدنيا ،وال أنشط منه في أمور اآلخرة. وكان ينفق من غلة ضيعة وقفھا جده بالل بن أبي بردة.
خصومه: خصوم الرجل على قدر عظم شأنه ،فكلما ارتفع الرجل درجة، أو ظھرت له مزية ،تألم لھامن أحسوا من أنفسھم العجز عن أن يبلغوا شأوه ،فليس من العجيب أن يكون لمثل األشعري خصوم يناوءونه ،و َيعْ ُزون إليه من المقاالت ما لم ينطق به لسانه ،ولم يخطر على قلبه ،وليس من المعقول أن يقف األشعري لطوائف مختلفة المذاھب واآلراء وقفة من ال يعرف ذلك الذي يسميه الناس رھبة أو إحجاما ،ويرجو مع ھذا أن يمضي في سالمة من أن يتحدثوا عنه في غير أمانة. ألصق به خصومه أقواال لم تسمع منه في مناظرة وال توجد له في كتاب ،كما عزوا إليه أنه قال :إن المعجز ھو كالم ﷲ تعالى الذي لم يزل غير مخلوق ،وال نزل إلينا وال سمعناه قط ،وقد ساق األستاذ ركن الدين )أبو محمد عبدﷲ الجويني( في كتاب )عقيدة اإلمام المطلبي( أشياء من ھذه األراجيف ،وقال)) :قد تصفحت ما تصفحت من كتبه ،وتأملت نصوصه في ھذه المسائل ،فوجدتھا كلھا على خالف ما نسب إليه(( ثم قال)) :وال عجب أن اعترضوا عليه واخترصوا ،فإنه رحمه ﷲ تعالى فاضح القدرية وعامة المبتدعة ،وكاشف عوراتھم ،وال خير فيمن ال يعرف حاسده((. وتحدث القاضي عياض في كتاب )المدارك( عمن يناوئون األشعري فنسب طائفة منھم إلى الغلو في ترك التأويل حتى وقعوا في التشبيه ،ثم قال)) :وأكثر من شنع عليه باألندلس ابن
حزم ،فإنه مأل كتابه وعلى أئمة أصحابه كذبا وتشانيع باطلة، وذلك في كتابه المسمى بـ))النصائح والفضائح((. وألبي العباس أحمد بن محمد بن عبدالمنعم القرطبي رسالة ر َّد بھا على شخص تورط في ھجو األشعري ،تسمى ))زجر المفتري على أبي الحسن الشعري(( قال في مطلعھا: أسير الھوى ضلت خطاك عن القصد فھا أنت ال ُتھدَى لخيـر وال َتھْـدِي والع َلـم الفـرد سللت حساما مـن لسانـك كاذبـا على عالم اإلسـالم َ تمرست في أعراض بيـت مقـدس رمى ﷲ منك الثغر بالحجر الصلـد ومما قال في وصف األشعري: وسـل حسامـا مـن بيـان فھـومـه فـرد سيـوف الغـي مغلولـة الـحـد وأبدى علومـا ميـزت فضـل فضلـه كتمييز ذي البردين والغـرس والـورد فجاءت مجيء الصبح ،والصبح واضـح وسارت مسير الشمس والشمس في السعد سللن سيوف الحق في موطـن الھـدى فغادرن صرعى الملحديـن بـال لحـد
وأيـدن ديـن ﷲ فـي أفــق الـعـال بال منصـل عضـب ،وال فـرس نھـد وأمضين حكم النقـل والعقـل فاحتـوى كالم إمـام الحـق مجـدا علـى مجـد أنصاره: قلنا فيما سلف :إن األشعري لم يبتدع مذھبا جديدا ،وإنما ھو مقرر لمذھب السلف المبني على الوقوف عند نصوص الكتاب والسنة ،وترك تأويلھا حيث لم يعارضھا قاطع من معقول أو محسوس ،فمزية األشعري أنه بسط البحث والمناضلة عنھا بالحجج النظرية ،أي على طريقة علم الكالم ،وھي الطريقة التي مكنته من الظھور على من يدرسون أو يدعون الفلسفة، ويتعلقون في الجدال عن مذاھبھم بشيء من آرائھم ،وألخذه بظاھر الكتب والسنة ،وتصديه لمدافعة كل فرقة شاذة أو ضالة بمثل سالحھا ،كان لمؤلفاته الوقع الحسن في نفوس أكثر أھل العلم من أتباع األئمة ،قال القاضي عياض في كتاب )المدارك(: ))فلما كثرت تآليفه وان ُتفع بقوله ،وظھر ألھل الحديث والفقه َذبُّه عن السنن والدين ،تعلق بكتبه أھل السنة وأخذوا عنه، ودرسوا عليه ،وتفقھوا في طريقه ،وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في َ الذبِّ عن السنة وبسط الحجج واألدلة في نصر الملة((. وقد ينساق أبو الحسن األشعري في مجادلة الخصوم إلى آراء ال تمس أصول العقائد ،وال ترجع إلى صريح القرآن أو السنة،
وأكثر ما يخالفه فيه بعض علماء السنة الذين يجلونه كإمام الحرمين وغيره من الراسخين في العلم عائد إلى ھذا القبيل. أنكر بعض أھل العلم على اإلمام الرازي مناقشته لألشعري في بعض مؤلفاته ،فقال ابن السبكي :واإلمام الرازي ال ينكر عظمة األشعري ،كيف وھو على طريقته يمشي ،وبقوله يأخذ! ولكن لم تبرح األئمة يعترض متأخرُھا على متقدمھا ،وال يشينه ذلك ،بل يزينه. ومن معاصري األشعري محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي المتوفى سنة 333ھـ وھو من أئمة أھل الحق ،وبينه وبين األشھري خالف في مسائل يعذر كل منھما صاحبه في االجتھاد فيھا ،وال يراه حائدا بھا عن مذھب أھل السنة. مؤلفاته: ألبي الحسن مؤلفات كثيرة ،حتى قيل إنھا تزيد على مائتي مصنف ،من ھذه المؤلفات: 1ـ كتاب ))الفصول في الرد على الخارجين على الملة من الملحدين والفالسفة والطبيعيين والدھريين وأھل التشبيه والقائلين بقدم الدھر على اختالف مقاالتھم وأنواع مذاھبھم((، ثم رد على البراھمة واليھود والنصارى والمجوس ،وھو كتاب كبير يشتمل على اثني عشر كتابا. 2ـ ومنه كتاب ))الموجز))وھو يشتمل على اثني عشر كتابا على حسب تنوع مقاالت المخالفين من الخارجين عن الملة والداخلين فيھا ،وآخره كتاب اإلمامة.
3ـ ومنھا تفسيره المسمى بـ))المختزن(( ،قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب )القواصم والعواصم( :انتدب األشعري إلى كتاب ﷲ فشرحه في خمسمائة مجلد ،وسماه بالمختزن ،ومنه أخذ الناس كتبھم ،ومنه أخذ عبدالجبار الھمداني كتابه في تفسير القرآن الذي يسمى بالمحيط في مائة سفر ،ثم ذكر ابن العربي أن الصاحب ابن عباد بذل عشرة آالف دينار لخازن الكتب في بغداد ،فألقى النار في الخزانة ،فاحترقت الكتب واحترق من بينھا ))المختزن(( ولم تكن منه إال نسخة واحدة ،فنفدت من أيدي الناس ،وكان الصاحب بن عباد على مذھب المعتزلة، وألبيه عباد بن عباس كتاب أحكام القرآن ينصر فيه مذھب االعتزال. وليس بين أيدينا من مؤلفات أبي الحسن غير كتاب ))اإلبانة((، ور َّد على ما يخالفھا من آراء وھو كتاب قرر فيه عقيدة السلفَ ، اعتزالية ،ومنه يقف القارئ على طريقة الشيخ في الرد على مخالفيه ،ويعرف كيف كان يجمع في االستدالل بين السمع والعقل. وفاته: توفي أبو الحسن رحمه ﷲ تعالى في بغداد سنة أربع وعشرين وثالثمائة ،قال أبو علي زاھر بن أحمد السرخسي :لما قرب أجل أبي الحسن األشعري دعاني فأتيته ،فقال :اشھد علي أني ال أكفر أحدا من أھل ھذه القبلة ،ألن الكل يشيرون إلى معبود واحد ،وإنما ھذا كله اختالف عبارات. ومات في حجر أبي علي ھذا ،وكانوا يصفونه عند النداء
لجنازته بناصر الدين ،ودفن في تربة بين الكرخ وباب البصرة، قال أبو الحسن القابسي :لقد مات األشعري يوم مات وأھل السنة باكون عليه وأھل البدع مستريحون منه .أفاض ﷲ على قبره رحمة ونورا.
ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺭﺍﺕ ﺣﻮﻝ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻭ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ بسم ﷲ الرحمن الرحيم السؤال: عندي استفسارات عن: أوال :حديث الجارية كما نعلم له عدة روايات صحيحة ومختلفة األلفاظ ،فمنھا ) أتشھدين أن ال إله إال ﷲ ( ...ومنھا ) سألھا من ربك ، (..فھل يحمل ذلك على تصرف الراوي أم على
اختالف الحادثة ،وكيف نجمع بين الروايات ..؟؟ وما تعليقك على قول ابن حجر :ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليھود ال إله إال الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك ،إال إن كان عاميا ال يفقه معنى التجسيم فيكتفي منه بذلك كما في قصة الجارية التي سألھا النبي صلى ﷲ عليه وسلم أنت مؤمنة ،قالت نعم، قال فأين ﷲ؟ قالت في السماء ،فقال أعتقھا فإنھا مؤمنة. وبالنسبة لراويه :معاوية بن الحكم السلمي :قال عنه البخاري :له صحبة ،وال أدري لماذا ال يقال أنه صحابي ،وما تأثير ذلك على درجة حديثه ..فكيف إذا قيل عنه أعرابي ؟؟ ان َن ِبيّ م َِن األ ْن ِب َيا ِء َي ُخ ّ ط َف َمنْ َوا َف َق في الحديث نفسه ورد َ ) :ك ََخ ّ ط ُه َف َذاك( ،وھذا قد يستغله البعض إلباحة العرافة والتكھن ، وھل يفعل ذلك األنبياء ..؟ فھل ورد عن غير معاوية ھذا شيء شبيه بھذه الرواية ،أم تفرد بھا ،؟؟ وقد أجمع العلماء على عدم جواز الخط ،خالفا لظاھر الرواية !.. قال النووي :قد اتفقوا على النھي عنه االَن في حديثه أيضا أنه تكلم أثناء الصالة ،مما يدل على عدم علمه بأحكام الصالة ،قال النووي : أما كالم الجاھل إذا كان قريب عھد باإلسالم فھو ككالم الناسي فال تبطل الصالة بقليله لحديث معاوية بن الحكم انظر كيف وصفه :جاھل قريب عھد باإلسالم !!! كما أن عبد الرزاق رواه في الجامع بلفظ : عن زيد بن أسلم قال :عطس رجل في الصالة فقال له )) أعرابي (( إلى جنبه :رحمك ﷲ ،قال األعرابي :فنظر إلي
القوم ،فقلت :واثكاله ثانيا :كيف تفسر عبارة )الذي في السماء ( الواردة في األحاديث التالية : أخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويهوالبيھقي في الدالئل بسند صحيح ،عن ابن عباس رضي ﷲ عنھما قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم" :لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة ،فقلت :يا جبريل ما ھذه الرائحة الطيبة؟ قال :ماشطة بنت فرعون وأوالدھا كانت تمشطھا ،فسقط المشط من يدھا ،فقالت بسم ﷲ ،فقالت ابنة فرعون ،أبي؟ قالت :بل ربي وربك ورب أبيك .قالت :أولك رب غير أبي؟ قالت :ألك رب غيري؟ قال :نعم ،ربي وربك ﷲ الذي في السماء. في سنن أب داوود :عن ِأبي ال ّدرْ دَ ا ِء قا َل َس ِمعْ ُت َرسُو َل ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم َيقُو ُلَ " :منْ ا ْش َت َكى ِم ْن ُكم َشيْئا ً أو ا ْش َت َكاهُ أ ٌخ ُك في ال ّس َما ِء ُك أَ ْمر َ س اسْ م َ َل ُه َف ْل َيقُ ْلَ :ر ّب َنا ﷲ الّذِي في السّماء َت َق ّد َ ض ض كما َرحْ َم ُت َ ك في ال ّس َماء فاجْ َع ْل َرحْ َم َت َ َواألرْ ِ ك في األرْ ِ ت َربّ ّ ْ اغ ِفرْ َل َنا حُو َب َنا َو َخ َطا َيا َنا أ ْن َ ين أ ْن ِز ْل َرحْ َم ًة مِن الطي ِّب َ ِك َع َلى َھ َذا ْال َو َج ِع َف َيب َْرأ ُ" ك َوشِ َفا ًء ِمنْ شِ َفائ َ َرحْ َم ِت َ وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس ـمولى لعبد اللھابن عمرو بن العاص ـ عن عبد ﷲ بن عمرو أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال "ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ﷲ صلى -في صحيح مسلم َ :عنْ أَ ِبي ھ َُري َْرة َقا َلَ :قا َل َرسُو ُل ّ ِ
امْرأَ َت ُه ﷲ عليه وسلمَ " :والّذِي َن ْفسِ ي ِب َي ِد ِه! َما ِمنْ َرج ٍُل َي ْدعُو َ ان الّذِي فِي ال ّس َما ِء َساخِطا ً َع َل ْي َھا، إِ َلى ف َِراشِ َھاَ ،ف َتأْ َبى َع َل ْيهِ ،إِالّ َك َ ضى َع ْن َھا" َح ّتى َيرْ َ ثالثا :قال العز بن عبد السالم :إن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس ،فإنھم ال يفھمون موجودا في غير جھة ،بخالف الحلول فإنه ال يعم االبتالء به وال يخطر على قلب عاقل ،فال يعفى عنه ) قال السيوطي بعده :مقصود الشيخ أنه ال يجري في تكفيرھم الخالف الذي جرى في المجسمة ،بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا ،وإن جرى في المجسمة خالف (. وقال ابن رشد الفيلسوف ما معناه :إنه وإن كان الحق أن ﷲ تعالى ليس جسما ،إال أنه ال يجوز التصريح بذلك لعامة الناس وذلك ألن عقولھم ال تستطيع أن تستوعب مثل ھذا الكالم .. ما رأيك في ھذه األقوال ..؟ رابعا :رأيتك تعتقد بتوبة ابن تيمية من أشياء خطيرة ) مثل حلول الحوادث -قدم العالم -فناء النار ( ،فما قولك بمن يعتقد ھذه األشياء اآلن وال يقتنع برواية التوبة التي تتمسك بھا ..؟؟
الجواب: األخ الكريم: سأجيب باختصار على ما فھمته من األسئلة على ھذا النحو : أوال :بالنسبة الختالف ألفاظ حديث الجارية فمبني على اتحاد الحادثة ،وبالتالي عدم التعويل على أين ﷲ من باب ما طرقه االحتمال سقط به االستدالل ،أقول ھذه طريقة اإلمام البيھقي وآخرون ،وقد سبق وأشرت إلى كالم لإلمام أحمد كما رواه الخالل عنه قال فيه ليس كل أحد يقول إنھا مؤمنة ،وھذه الطريقة مرجعھا إلى اختالف األلفاظ ودخول االحتمال كما ترى حتى على القول بتعدد الحادثة ،وھي وجيھة ،ومن قال بتعدد الحادثة يلزمه قول أحمد المؤسس على نفي اإليمان أو نفيه في الحال ،أو يصير إلى التاوبل بحمل كالم الجارية على محمل يخرجه عن الحلول والجھة .. وأما الكالم على معاوية بن الحكم باعتباره أعرابيا فطريقة ال تعجبني ،ويلزم عليھا اطراح أحاديث األعراب أو الشك فيھا مع أن العبرة بصحة النقل والوثاقة وفھم اللغة وھذا حاصل .. وأما رواية الخط فقد قدح فيھا أبو الوليد بن رشد الجد الفقيه المالكي في رسالة له طبعت باسم ) الرد على من ذھب إلى تصحيح علم الغيب من جھة الخط لما روي في ذلك من أحاديث ووجه تاويلھا( وقال في ھذه الرسالة طبع دار ابن حزم ص: 42
)) وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم في الخط فال يصح عنه من طريق صحيح ،وإن صح فال بد من تأويل على ما يطابق القرآن وال يخرج عما انعقد عليه بين أھل السنة اإلجماع ،فنقول إن معنى قول النبي صلى ﷲ عليه وسلم :فمن وافق خطه علم ،اإلنكار ال اإلخبار (( اھـ . كما يفھم القدح أيضا من إطالق ابن العربي في أحكام القرآن عدم صحة شيء في الخط 696/4وقد تعقبه القرطبي في التفسير 179/16بتصحيح حديث معاوية بن الحكم ..لكن الشذوذ ال ينافي صحة السند. وأما ھل وردت آثار تؤيد حديث معاوية ھذا فنعم جاء ھذا عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى )أو أثارة من علم( وروي أيضا عن أبي ھريرة ،وفي الرسالة السالفة البن رشد بيان لذلك ،وراجع فتح الباري 576/8وغيره .. ونعته بالجھل اعتذار عنه وبيان لوجه صدور ما صدر منه لعدم مؤاخذته ال استصغارا واحتقارا ،وھذا معقول في حديث عھد باإلسالم .. ثانيا :وأما كيف أفسر عبارة )الذي في السماء ( الذي في قصة الماشطة فھذا ظاھره أن ﷲ حال في السماء التي تعرفھا الماشطة !!! وھذا إما لقرب عھدھا باإليمان فتعذر للجھل ،وإما عنت الذي في السماء سلطانه وقھره ونحو ذلك مما قاله األئمة في مناسبات كثيرة ،على أن ھذه القصة ال يصح سندھا ألن راويھا ھو عطاء بن السائب وقد اختلط فسقطت روايته ،
وحماد بن سلمة الراوي عنه اختلف العلماء في روايته عن عطاء ھل ھي قبل أو بعد االختالط ،فال تقوم به حجة على ھذا ،وقد أشار الھيثمي إلى ھذا في مجمع الزوائد .. ُك ( فھذه فيھا وأما رواية ) َر ّب َنا ﷲ الّذِي في السّماء َت َق ّد َ س اسْ م َ جار وجرور ھما ) في السماء ( فيجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقين بما قبلھما يعني ) ﷲ الذي في السماء ( ويجوز أن يكونا متعلقين بما بعدھما أي ) في السماء تقدس اسمك ( وعلى ھذا الوجه فال داللة فيه ألن الذي في السماء إنما ھو تقديس االسم من المالئكة ..وسيأتي أن ھذا الوجه تؤيده رواية صريحة سيأتيك ذكرھا .. وقد كنت من مدة طويلة كتبت تعليقا على ھذا الحديث في ھامش كتاب السيف الصقيل ص 140طبعة مكتبة زھران استدركت به على العالمة الكوثري وھذا ھو أثبته بنصه : )) لھذا الخبر ثالث طرق ھذه إحداھا ،وھي كما ترى ] أعني التي أشار إليھا الكوثري وفي سندھا زيادة بن محمد منكر الحديث [ ،والثانية عن أبي بكر بن أبي مريم وھو ضعيف عن أشياخه وھم مجاھيل ،والثالثة من طريق طلق بن حبيب عن أبيه ،ورواھا شعبة فقال :عن طلق عن رجل من أھل الشام عن أبيه أن رجال ..وصححھا الحافظ عبدان !! عن ] الرواية [ السابقة ،لكن لفظھا ) :ربنا ﷲ الذي تقدس في السماء اسمه ( فبين أن الجملة متعلقة بتقدس اسمه وھي معينة ألحد االحتمالين ،وعليھا ال حجة ..البن القيم ،والطرق كلھا ضعيفة (( اھـ وھو واضح .
وأما حديث الراحمون فھو مشھور لكنه ضعيف لذاته وإن حسنه الحفاظ لشواھده ألن راويه أبا قابوس مجھول ومع ھذا فالقول فيه كالقول في قوله تعالى ءأمنتم من في السماء سواء بسواء .. ان الّذِي فِي ال ّس َما ِء َساخِطا ً َع َل ْي َھا ،فراجع وأما حديث إِالّ َك َ صحيح مسلم تر الروايات مصرحة بأن الساخط والالعن ھم المالئكة .. ثالثا :وأما كالم العز بن عبدالسالم فقد شرحه السيوطي ومقصوده بالتجسيم القول بالجھة الحسية السيما مع نفي اللوازم فھذا في إكفاره خالف ،واألصح عند األشاعرة عدم اإلكفار بھا وﷲ أعلم ،وليس كذلك الحلول ،فمقصود العز أن الخالف على اإلكفار في الجھة واإلجماع عليه في الحلول دليل على اختالف المسألتين بسبب وضوح الكفر في الثاني .. وأما ابن رشد فھذا ھو الفيلسوف وال ينبغي االلتفات إليه وقد كاد يقتل على الزندقة بفتاوى أشاعرة المغرب لوال السالطين ، وكون الحديثي العھد في اإلسالم ـ فضال عن العوام من المسلمين ـ ينزھون ﷲ عن كونه صنما وحجرا ونارا وعجال وجسدا ـ وكلھا أجسام ـ فأمر ال يحتاج إلى تدليل وفيه رد على ھذا الفيلسوف ،وكل العوام عقيدتھم أحسن من عقيدة ھذا الفيلسوف الخبيث الذي دافع عن كفريات الفالسفة ورد على الغزالي ..
رابعا :ينبغي التنبيه إلى أن ابن تيمية لم يقل بقدم العالم بل قال بقدم النوع وبينھما فرق كبير ،وقدم النوع حكم قائله حكم المعتزلة الذين أثبتوا قادرا ولم يثبتوا قدرة فلم يكفرھم أھل السنة بسبب التنتاقض في كالمھم ،وأما حلول الحدواث في الذات وھي عقيدة الكرامية فتكفير قائلھا واجب ،وأما فناء النار فھو جھمي وال نكفره ،فبان أن المستحق للتكفير ھو القائل بحلول الحوادث بالذات دون القول بالقدم النوعي أو فناء النار في األصح إن شاء ﷲ ،فمن قال من أتباعه بحلول الحوادث بالذات فھو كافر ..وﷲ أعلم .
ف " :أنَّ رجالً بن حُني ٍ ضرير البصر أتى ال َّنبيَّ َ َعن ع ُْث َم َ ان ِ ِ صلَّى َّ ﷲ أنْ يُعافينيَ ،قا َل إنْ شِ َ ئت ﷲُ َع َل ْي ِه َ َ وسلَّم ف َقا َل :اد ُع َّ َ ُ َ عوت ،وإنْ شِ َ فأمرهُ لكَ ،قا َل فادعُهْ َ ،قا َل ئت دَ َ فھو خي ٌر َ صبرت َ أسألك ُحسن وُ ضُو َءهُ ويدعو ب َھ َذا ال ُّدعا ِء :الَّل ُھ َّم إ ِّني َ أنْ يتوضَّأ في َ ِّك م َُحمَّد نبيِّ الرَّ حم ِة إ ِّني توجَّ ُ بك إِلى َربِّي ھت َ إليك بنبي َ وأتوجَّ ُه َ ضى لي ،الَّل ُھ َّم َف َش ِّفعْ ُه فيَّ " .حديث صحيح في حاجتي ھ ِذ ِه ل ُت ْق َ أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ،وابن ماجه باب ما جاء في صالة الحاجة ،والنسائي في عمل اليوم والليلة ،والحاكم في المستدرك وابن خزيمة في صحيحه ،والطبراني في الدعاء وغيرھم . قال الشوكاني في تحفة الذاكرين )) :وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إلى ﷲ عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل ھو ﷲ سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ،ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (( انتھى . وقال فيھا في شرح قول صاحب العمدة ) :ويتوسل إلى ﷲ بأنبيائه والصالحين ( ما لفظه )) :ومن التوسل باألنبيا ء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي ﷲ عنه أن أعمى أتى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال :وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي ﷲ عنه عم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،وقال عمر رضي ﷲ عنه اللھم إنا نتوسل إليك بعم نبينا الخ (( انتھى . وقال في رسالته ) الدر النضيد في إخالص كلمة التوحيد ()) : وأما التوسل إلى ﷲ سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السالم إنه ال
يجوز التوسل إلى ﷲ تعالى إال بالنبي صلى ﷲ عليه وسلم إن صح الحديث فيه اھـ .ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه وابن ماجه وغيرھم أن أعمى أتى إلى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فقال :يا رسول ﷲ إني أصبت في بصري فادع ﷲ لي ،فقال له النبي صلى ﷲ عليه وسلم )) :توضأ وصل ركعتين ثم قل :اللھم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ،يا محمد إني أستشفع بك في رد بصري اللھم شفع النبي فيّ (( وقال )) :فإن كان لك حاجة فمثل ذلك (( فرد ﷲ بصره. وللناس في معنى ھذا قوالن : أحدھما :أن التوسل ھو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال : كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وھو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضي ﷲ عنه أنھم كانوا يتوسلون بالنبي صلى ﷲ عليه وسلم في حياته في االستسقاء ،ثم توسل بعمه العباس بعد موته ،وتوسلھم ھو استسقاؤھم بحيث يدعو ويدعون معه ،فيكون ھو وسيلتھم إلى ﷲ تعالى ،والنبي صلى ﷲ عليه وسلم كان في مثل ھذا شافعا ً وداعيا ً لھم . والقول الثاني :أن التوسل به صلى ﷲ عليه وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ،وال يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى ﷲ عليه وسلم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا ً سكوتيا ً لعدم إنكار أحد منھم على عمر رضي ﷲ عنه في التوسل بالعباس رضي ﷲ عنه ، وعندي أنه ال وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى ﷲ عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السالم ألمرين :
األول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي ﷲ عنھم . والثاني :أن التوسل إلى ﷲ بأھل الفضل والعلم ھو في التحقيق توسل بأعمالھم الصالحة ومزاياھم الفاضلة إذ ال يكون الفاضل فاضالً إال بأعماله ،فإذا قال القائل ) :اللھم إني أتوسل إليك بالعالم الفالني ( فھو باعتبار ما قام به من العلم ،وقد ثبت في الصحيحين وغيرھما أن النبي صلى ﷲ عليه وسلم حكى عن الثالثة الذين انطبقت عليھم الصخرة أن كل واحد منھم توسل إلى ﷲ بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ،فلو كان التوسل باألعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المتشددون في ھذا الباب كابن عبد السالم ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل اإلجابة لھم وال سكت النبي صلى ﷲ عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنھم ،وبھذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل باألنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى } ما نعبدھم إال ليقربونا إلى ﷲ زلفى { ونحو قوله تعالى } فال تدعوا مع ﷲ أحداً { ونحو قوله تعالى } له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ال يستجيبون لھم بشيء { ليس بوارد بل ھو من االستدالل على محل النـزاع بما ھو أجنبي عنه ، فإن قولھم } ما نعبدھم إال ليقربونا إلى ﷲ زلفى { مصرح بأنھم عبدوھم لذلك ،والمتوسل بالعالم مثالً لم يعبده بل علم أن له مزية عند ﷲ بحمله العلم فتوسل به لذلك ،وكذلك قوله } وال تدعوا مع ﷲ أحداً { فإنه نھى عن أن يدعى مع ﷲ غيره كأن يقول با وبفالن ،والمتوسل بالعالم مثالً لم يدع إال ﷲ فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثالثة الذين انطبقت عليھم الصخرة بصالح أعمالھم وكذلك قوله } والذين يدعون من دونه { االَية فإن ھؤالء دعوا من ال
يستجيب لھم ولم يدعوا ربھم الذي يستجيب لھم والمتوسل بالعالم مثالً لم يدع إال ﷲ ولم يدع غيره دونه وال دعا غيره معه ،وإذا عرفت ھذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من األدلة الخارجة عن محل النـزاع خروجا ً زائداً على ما ذكرناه كاستداللھم بقوله تعالى } وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم ال تملك نفس لنفس شيئا ً واألمر يومئذ { فإن ھذه االَية الشريفة ليس فيھا إال أنه تعالى المنفرد باألمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من األمر شيء ، والمتوسل بنبي من األنبياء أو عالم من العلماء ھو ال يعتقد أن لمن توسل به مشاركة جل جالله في أمر يوم الدين ،ومن اعتقد ھذا لعبد من العباد سواء كان نبيا ً أو غير نبي فھو في ضالل مبين ،وھكذا االستدالل على منع التوسل بقوله } ليس لك من األمر شيء { و قوله تعالى } :قل ال أملك لنفسي نفعا ً وال ضراً { فإن ھاتين االَيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من أمر ﷲ شيء وأنه ال يملك لنفسه نفعا ً وال ضراً فكيف يملك لغيره ،وليس فيھما منع التوسل به أو بغيره من األنبياء أو األولياء أو العلماء ،وقد جعل ﷲ لرسوله صلى ﷲ عليه وسلم المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه واشفع تشفع وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة ال تكون إال بإذنه وال تكون إال لمن ارتضى ،وھكذا االستدالل على منع التوسل بقوله صلى ﷲ عليه وسلم لما نزل قوله تعالى } وأنذر عشيرتك األقربين { يا فالن بن فالن ال أملك لك من ﷲ شيئا ً ،يا فالنة بنت فالن ال أملك لك من ﷲ شيئا ً ،فإن ھذا ليس فيه إال التصريح بأنه صلى ﷲ عليه وسلم ال يستطيع نفع
من أراد ﷲ ضره وال ضر من أراد ﷲ تعالى نفعه ،وأنه ال يملك ألحد من قرابته فضالً عن غيرھم شيئا ً من ﷲ ،وھذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه ال يتوسل به إلى ﷲ فإن ذلك ھو طلب األمر ممن له األمر والنھي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا ً لإلجابة ممن ھو المنفرد بالعطاء والمنع وھو مالك يوم الدين (( انتھى كالم الشوكاني .
السؤال: الحمد ،والصالة والسالم على سيدنا رسول ﷲ ،وعلى آله وصحبه ومن اتبع ھداه ،وبعد .. فقد سألني بعض أھل العلم عن قصة عبدﷲ بن رواحة مع زوجه لما أنشدھا شعرا يوھمھا أنه من كالم ﷲ !! ھل تصح أم ال ؟؟ . الجواب : القصة المسؤول عنھا رويناھا في ) سنن الدارقطني ( : أنبأني العالمة األديب عبدالقادر البخاري عن عبدالقادر المجددي عن فضل الرحمن عن الشاه عبدالعزيز عن أبيه الشاه ولي ﷲ عن أبي طاھر الكوراني عن أبيه البرھان عن النجم الغزي عن أبيه البدر عن أبي الفتح السكندري عن عائشة بنت محمد عن الحجار عن القطيعي عن الشھرزوري عن ابن المھتدي عن الحافظ الدراقطني في سننه ) مع المغني 120/1 ( قال : )) حدثنا محمد بن مخلد نا العباس بن محمد الدوري ،وحدثنا إبراھيم بن دبيس بن أحمد الحداد نا محمد بن سليمان الواسطي قاال :نا أبو نعيم نا زمعة بن صالح عن سلمة بن وھرام عن عكرمة قال : كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته ،فقام إلى جارية له
في ناحية الحجرة فوقع عليھا ،وفزعت امرأته ،فلم تجده في مضجعه ،فقامت وخرجت ،فرأته على جاريته ،فرجعت إلى البيت ،فأخذت الشفرة ثم خرجت ،وفرغ فقام فلقيھا تحمل الشفرة ،فقال مھيم ؟! فقالت :مھيم !! ،لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بھذه الشفرة ،قال :وأين رأيتني ؟ قالت : رأيتك على الجارية ،فقال ما رأيتني ،وقد نھى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وھو جنب ،قالت : فاقرأ ،فقال : أتانا رسول ﷲ يتلوا كتابه = كما الح مشھور من الفجر ساطع أتى بالھدى بعد العمى فقلوبنا = به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه = إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فقالت آمنت با وكذبت بصري ،ثم غدا على رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فأخبره ،فضحك حتى رأيت نواجذه صلى ﷲ عليه وسلم (( اھـ . وھذه القصة المسؤول عنھا ينبغي النظر فيھا متنا وسندا .. أوال ) :بحث سندھا ( : وما وقفت عليه من طرقھا ست فقط : األولى ) :طريق عكرمة ( :
عند الدارقطني في سننه ج1ص 120وقد رويناھا من طريقه كما مضى ،وابن أبي الدنيا في األشراف ص 113وغيرھما ، وفي السند إلى عكرمة ) :زمعة بن صالح ( و ) سلمة بن وھرام ( وھما ضعيفان ،وقد اختلف فيه على عكرمة فبعضھم يجعله موقوفا على عكرمة وبعضھم يجعله عن عكرمة عن ابن عباس ،فھذا الطريق ضعيف ،واألبيات المروية في ھذا الطريق سبق ذكرھا . الثانية ) :طريق نافع ( : عند ابن أبي الدنيا في األشراف ص 114قال : حدثنا وليد بن شجاع قال حدثني ابن وھب قال حدثني أسامة بن زيد الليثي أن نافعا حدثه قال )) :كانت البن رواحة امرأة وكان يتقيھا ،وكانت له جارية فوقع عليھا ،فقالت له ـ وفرقت أن يكون قد فعل ـ فقال سبحان ﷲ ،قالت :اقرأ علي إذن فإنك جنب فقال : شھدت بإذن ﷲ أن محمدا = رسول الذي فوق السماوات من عل وأن أبا يحيى ويحيى كالھما = له عمل في دينه متقبل (( اھـ . أسامة بن زيد الليثي في اإلسناد فيه ضعف خفيف ،واإلسناد منقطع بين نافع وعبدﷲ بن رواحة ،واألبيات فيه رويت في قصة أخرى منسوبة لحسان بن ثابت !! ومع ھذا ھي مغايرة
لألبيات التي في الطريق األولى !! وأخرجھا ابن أبي شيبة في مصنفه 174/6عن أبي أسامة عن نافع !! وأبو أسامة حماد بن زيد لم يدرك نافعا وھو مدلس وقد عنعن ،ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجھا الموفق المقدسي في العلو ص ، 100ونقل ھذ الطريق الذھبي في سير أعالم النبالء ، 238/1فليس ھذا الطريق أيضا بصحيح . تنبيه: في االستيعاب والعلو للموفق وللذھبي أن زوجة ابن رواحة قالت بعد أن فرغ من األبيات )) :صدق ﷲ !! (( ..قالت ھذا وھي تحسب أنه فرغ من التالوة ،فلو صح ھذا لكان شاھدا لختم التالوة بصدق ﷲ العظيم . الثالثة ) :طريق ابن الماجشون ( : رواھا اليزيدي في أماليه ص 102قال : حدثنا أبو حرب قال حدثني محمد بن عباد قال حدثني عبدالعزيز بن أخي الماجشون قال )) :بلغني أنه كانت لعبدﷲ بن رواحة جارية يستسرھا عن أھله فقالت له امرأته :لقد رأيتك دخلت مع جاريتك وإنك اآلن جنب منھا ،فجاحد ذلك، قالت فإن كنت صادقا فاتل علي القرآن فقال : شھدت بأن وعد ﷲ حق = وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف = وفوق العرش رب العالمينا وتحمله مالئكة شداد = مالئكة اإلله مقربينا
قالت آمنت با وكذبت البصر !! فأتى ابن رواحة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فحدثه الحديث فضحك صلى ﷲ عليه وسلم ولم يغير عليه (( اھـ . ومن طريق اليزيدي أخرجھا الذھبي في السير 238/1مع أخطاء في المطبوعة ففيھا ) :الزيدي ( والصواب اليزيدي ، وفيھا :محمد بن عياذ ،وھو ) محمد بن عباد ( وأخرجھا اإلمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية 139/1من وجه آخر عن ابن الماجشون ،وأخرجھا الحافظ ابن عساكر في تاريخه ،وابن الماجشون بينه وبين ابن رواحة وسائط فالسند ضعيف باالنقطاع . الرابعة ) :طريق يزيد بن الھاد ( : عند ابن ابي الدنيا في األشراف ص 113قال : حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني قال :حدثني عبدﷲ بن وھب عن عبدالرحمن بن سلمان عن ابن الھاد أن أمرأة ابن رواحة ..إلخ وابن الھاد وھو يزيد بن عبدﷲ الليثي من الطبقة الخامسة لم يدرك ابن رواحة فالسند منقطع ،واألبيات في ھذا الطريق كاألبيات في الطريق الثالث ،مع أن الوليد بن شجاع وعبدﷲ بن وھب في ھذا الطريق ھم رواة الطريق الثاني طريق نافع واألبيات فيه مختلفة عن ھذا الطريق ھنا !! . الخامسة ) :طريق قدامة بن إبراھيم ( :
وھي في كتاب ) الرد على الجھمية ( المنسوب لعثمان بن سعيد الدارمي ص 46قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري أنبأ يحيى بن أيوب حدثني عمارة بن غزية عن قدامة بن إبراھيم بن محمد بن حاطب أنه حدثه أن عبدﷲ بن رواحة رضي ﷲ عنه وقع بجارية له … إلخ وھذا السند أيضا فيه انقطاع بين قدامة وعبدﷲ بن رواحة ، وفيه يحيى بن أيوب كثير الخطأ ،واألبيات في ھذا الطريق كاألبيات في الطريق الثالثة . السادسة ) :طريق أبي ھريرة رضي ﷲ عنه ( : رواھا اإلمام البخاري في صحيحة في كتاب التھجد ،باب فضل من تعارَّ من الليل فصلى ،قال : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شھاب أخبرني الھيثم بن أبي سنان أنه سمع أبا ھريرة رضي ﷲ عنه ـ وھو يقصص في قصصه ـ وھو يذكر رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم :إن أخا لكم ال يقول الرفث ،يعني عبدﷲ بن رواحة : وفينا رسول ﷲ يتلو كتابه = إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الھدى بعد العمى فقلوبنا = به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه = إذا استثقلت بالمشركين المضاجع (( اھـ . قال الحافظ في الفتح 41/3في شرح ھذه الرواية :
)) فائدة :وقعت لعبدﷲ بن رواحة في ھذه األبيات قصة أخرجھا الدارقطني من طريق سلمة بن وھرام عن عكرمة قال كان عبدﷲ بن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته ،فقام إلى جاريته فذكر القصة في رؤيتھا إياه على الجارية وجحده ذلك والتماسھا منه القراءة ألن الجنب ال يقرأ ،فقال ھذه األبيات ، فقالت :آمنت با وكذبت بصري ،فأعلم النبي صلى ﷲ عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه (( اھـ . فالحافظ ابن حجر رحمه ﷲ يرى أن ھذه الرواية ھنا في الصحيح مرتبطة بالقصة التي رواھا الدارقطني بدليل أن األبيات ھي ھي سوى اختالف يسير .. التفصيل: ال بد أن نفرق أوال بين القصة وبين األبيات الشعرية الواردة فيھا ،أما القصة فإن الطرق الخمسة الضعيفة تكاد تتفق على أحداثھا إال في قليل منھا ،فھل تصلح ھذه الطرق ألن يشد بعضھا بعضا فترتقي إلى الحسن لغيره أم ال ؟؟؟ ھذا متوقف على وجود تعدد يُطمأن إليه ،قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث عند كالمه على مبحث الحسن : 72/1 )) ..وحيث ثبت اختالف صنيع األئمة في إطالقه فال يسوغ إطالق القول باالحتجاج به ،بل البد من النظر في ذلك ،فما كان منه منطبقا على الحسن لذاته فھو حجة ،أو الحسن لغيره فيفصل بين ما تكثر طرقه فيحتج وما ال فال (( اھـ كالم السخاوي .
فإذا كان كل طريق من طرق ھذه القصة ال يرتقي إلى الحسن لذاته بل غاية ما يصل إليه ھو الحسن لغيره فھل يمكننا عد ھذه الطرق المتعاضدة كثيرة بحيث يحتج بھا أم ال ؟؟ مسألة بحث ونظر ،والذي أميل إليه أن الحكم البات في المسألة ينبغي أن يؤخر إلى بحث مضمون المتن ومدى موافقته لقواعد الشريعة ، فالمتن واإلسناد مرتبطان ال ينفصالن . ما تقدم كان متعلقا بالقصة دون األبيات الشعرية ،أما األبيات الشعرية فالضعف فيھا أشد واالضطراب فيھا أكبر ،فإنك إذا نظرت إلى الطرق المذكورة وجدت األبيات قد قيلت على ثالثة أوجه متغايرة بحرا ورويا ومعنى !!! فاألبيات في الطريق األول من بحر ) الطويل ( ورويھا على حرف ) العين ( ، واألبيات في الطريق الثاني من بحر ) الطويل ( ورويھا على حرف ) الالم ( ،واألبيات في الطريق الثالث والرابع والخامس من بحر ) الوافر ( ورويھا على حرف ) النون ( !!! والمعاني مختلفة في الصور الثالث !! وھذا اضطراب عجيب ال يمكن االطمئنان معه إلى صحة ھذه األبيات . فإن قيل :أال يعضد الطرق الثالث والرابع والخامس بعضھا بعضا من جھة اتحاد األبيات فيھا ؟؟ فالجواب :إن الطريق السادس صحيح لذاته وھو شاھد للطريق األول !! فإن لم نرجح ھذا الطريق لصحته لذاته واعتبرنا الطرق األخرى وجب االضطراب . لكن ال يفوتني ھنا أن أشير إلى بعض ما وجدته من أحكام على ھذه القصة :
أوال ـ الحافظ ابن عبد البر قال في االستيعاب عن ھذه القصة : )) روينا من وجوه صحاح !! (( ..ومعنى قوله ھذا أنه يصحح كل طريق من طرق ھذه القصة !! فھذا إما تجوز منه وتوسع وإنما أراد أنھا واردة من طرق متعددة يشد بعضھا بعضا ، وإما خطأ منه لما مر من أنه ال يصح لھذه القصة طريق بمفرده . ثانيا ـ وھناك احتمال ثالث رأيته للعالمة محمد زاھد الكوثري ، قال في تكملة النونية ما نصه ص: 143 )) وھذه قصة تذكر في كتب المحاضرات والمسامرات دون كتب الحديث المعتمدة ،ولم ترد في كتب أھل الحديث بسند متصل ولو من وجه واحد وأما ما وقع في االستيعاب من قول ابن عبدالبر :رويناه من وجوه صحاح ،فسھو واضح من الناسخ ،وأصل الكالم :من وجوه غير صحاح ،فسقط لفظ ) غير ( فتتابعت النسخ على السھو إذ لم يجد أھل االستقصاء سندا واحدا يحتج بمثله في ھذه القصة بل كل ما عندھم في ھذا الصدد أخبار منقطعة ،وما يكون في عھد ابن عبدالبر مرويا بطرق صحيحة كيف ال يكون مرويا عند من بعده ولو بطريق واحد صحيح ؟! وھذا يعين ما قلنا من سقوط لفظ ) غير ( في الكتاب ،ولم يتمكن الذھبي بعد بذل جھده من ذكر سند واحد غير منقطع في القصة (( ..اھـ . وھذا االحتمال الذي ذكره األستاذ الكوثري وارد ومعقول . ثالثا ـ ورأيت الحافظ التاج السبكي قال في طبقات الشافعية : 139/1
)) قلت :ولم يخرج ھذا األثر في شيء من الكتب الستة (( ثم قال )) :واعلم أن األثر عن عبدﷲ بن رواحة روي على وجه آخر وبشعر آخر فرواه الدارقطني من حديث زمعة بن صالح عن سلمة بن وھرام عن عكرمة قال كان عبدﷲ بن رواحة … كذا رواه الدراقطني مرسال ورواه من وجه عن زمعة عن عكرمة عن ابن عباس متصال ،وزمعة وشيخه سلمة بن وھرام متكلم فيھما (( اھـ كالم اإلمام السبكي وھو صحيح ،وھو يشير إلى ضعف ھذا الطريق ،لكنه لم يستوف ذكر الطرق فيكون كالمه منصبا على طريق الدارقطني فقط وھو طريق عكرمة . رابعا ـ والمفھوم من صنيع األلباني في مختصر العلو أنه ال يصحح ھذه القصة ألنه حذفھا من المختصر وھي موجودة في األصل للذھبي ،وھو ال يفعل ذلك إال إذا رأى عدم صحتھا ، لكن ال أدري ما سبب التضعيف عنده ؟ أھو راجع إلى المتن أم السند ؟؟ أم غليھما معا ؟؟ . خامسا ـ ورأيت محقق كتاب العلو للمقدسي طبعة الدار ) السلفية ( ص 99بعد أن ذكر طريقين فقط ،وھما طريق الماجشون وقدامة قال )) :والطريقان ال يقوي أحدھما اآلخر لشدة ضعفھما (( ..اھـ والمفھوم من كالمه أنه لم يقف على باقي الطرق !! ورأيته قال في تعليقه على ) الرد على الجھمية ( ص 47بعد أن ذكر الطريقين )) :فطرقه ضعيفة ضعفا ال يقوي بعضھا بعضا (( ..اھـ فالظاھر أنه لم يتتبع الطرق كلھا ،كما يفھم من كالمه أن الضعف الكائن في ھذين الطريقين ضعف شديد وبالتالي ال ينجبر !! وھذا خالف الواقع فليس في
ھذه األسانيد من ھو في حد المتروك ،فإن قصد الوسائط المجھولة فھذا أيضا غير سديد ألنه مبني على كون المجھول متروك !! وھذا مردود ألن الجھالة ال سيما في المتقدمين من كبار التابعين في حد المقبول ،قال الحافظ الذھبي في ختام كتاب الضعفاء : )) وأما المجھولون من الرواة فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أواسطھم احتمل حديثه ،وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة األصول ومن ركاكة األلفاظ ..وإن كان الرجل منھم من صغار التابعين فسائغ رواية خبره ،ويختلف ذلك باختالف جاللة الراوي عنه وتحريه وعدم ذلك ،وإن كان المجھول من أتباع التابعين فمن بعدھم فھو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به (( ..اھـ . وناھيك بمن يروي عنه عكرمة ونافع ويزيد ابن الھاد وأشباھھم ،فرد ھذا الخبر ـ عند من رده ال يسوغ أن يكون لعلة الترك أي ليس لكونه ضعيفا ضعفا ال ينجبر ـ كما قيل ـ بل لقرائن مجتمعة ،تفھم مما ذكرناه . فھذه األحكام منصبة على طرق ھذه الرواية ،وسيأتي ما يتعلق بالمتن . ثانيا ) :بحث متن القصة ( : قد تقدم ما يتعلق باإلسناد ،ورأينا أنه ال يصح سند واحد لھذه القصة ،وغاية ما يقال أن األحداث المشتركة في الطرق الست لھذه القصة يشھد بعضھا لبعض فيرتقي اإلسناد إلى الحسن
لغيره ،فلو قال قائل ھذا لم يكن قوله عندي ببعيد ،ولكن ھناك إشكاالت وردت على المتن ال بد من التعرض لھا ،فإن عجزنا عن الجواب لم يكن بد من نكارة القصة أو شذوذھا : ) االعتراض األول ( : ھذه القصة فيھا ـ من جھة الظاھر ـ ما يضع من قدر صحابي رفيع المقام ،وذلك أن عبدﷲ بن رواحة من أجالء الصحابة ، ومن كبارھم ممن جاھد مع النبي صلى ﷲ عليه وسلم وقاد المسلمين في مؤتة حتى استشھد ،ومثله ال يليق صدور ذلك منه بحال ،إذ كيف يتصور أن مثله يوھم زوجه بأن شعره من كالم ﷲ تعالى ؟؟!! ،رأيت ھذا االستشكال لفضيلة العالمة محمد زاھد بن الحسن الكوثري إذ قال في تكلمة النونية ص: 143 )) وأفعال الصحابة كلھا جد ،وجل مقدار مثل ھذا الصحابي عن أن يوھم صحابية أنه يتلو القرآن بإنشاده الشعر لھا (( .. اھـ . كما رأيته لمحقق العلو للمقدسي ـ طبعة الدار السلفية ـ قال )) : ومتن القصة منكر ،إذ كيف يوھم ھذا الصحابي الجليل زوجه بأنه قد قرأ عليھا قرآنا ؟ فكان عليه أن يجيبھا بشيء آخر ،وﷲ أعلم (( اھـ . ونقل ھذا المحقق عن المعلق على العلو طبعة المنار قوله )) : ال شك عندي في أن ھذه المسألة موضوعة ،فإن صحابيا جليال ال يكذب عمدا ،ويلبس القرآن (( اھـ .
الجواب : يمكن أن يجاب بأنه رضي ﷲ عنه لم يسبق له توجيه من النبي صلى ﷲ عليه وسلم بخصوص ھذا الخطأ الذي وقع له ،وإنما يلزم يقبح ھذا لو كان النبي قد حذرھم من ھذا ونھاھم من قبل ، وال دليل على ھذا ،بل البد من وقوعھم في الخطأ ليعلمھم النبي الصواب كما حصل في رفع الصوت بحضرته وقصة مھاجر أم قيس وقصة قتل أسامة لمن شھد أن ال إله إال ﷲ وھكذا ،وقد يجوز أن عبدﷲ بن رواحة لما علم بإباحة الكذب على الزوج بنية الصلح ظن ھذا الجواز على إطالقه بحيث يتناول مثل ھذا الصنيع منه ،ويجاب أيضا بأنه قد يجوز أن يكون أدرك أنه ارتكب محرما ـ وھو غير معصوم قطعا ـ ولھذا أخبر النبي من خوفه ووجله فطمأنه النبي بمغفرة زلته لحسن مقصده . ) االعتراض الثاني ( : كيف يرتكب ھذا الخداع والتدليس ليفر من االعتراف بشيء حالل مباح ؟؟!! . والجواب : أن الكذب على الزوجة من أجل اإلصالح ال يدخل في الوعيد على الكذب المذموم ،وقدمنا أنه قد يكون معذورا لعدم علمه ، ولھذا ذھب إلى النبي وأخبره بما كان منه . ) االعتراض الثالث ( :
كيف يتصور أن امرأة عربية من ذلك الجيل ال تفرق بين الشعر والقرآن ؟؟!!. الجواب : ھذا اإلشكال لم أجد جوابا مقنعا عليه ،ولن يخلو الجواب عليه من تكلف وتعسف ،إذ يبعد كل البعد أن يشتبه القرآن على امرأة عربية زوج لشاعر كبير ،واالعتذار بأنھا ال تحفظ القرآن ال يصلح ،ومثل ھذا اإلشكال يصعب دفعه عندي ،ولو تصورنا أن المجتمع العربي ذلك الوقت كان غير قادر على التفريق بين الشعر والقرآن كھذه المرأة لكان ذلك من أعظم حجج أھل اإللحاد والزندقة ،وھذا ما قام اإلجماع واألدلة والبراھين على بطالنه . ) االعتراض الرابع ( : كيف يعقل أن ﷲ تعالى يقول مثل ھذه العبارات ) :أتانا رسول ﷲ ( !! ) كتابه ( !! ) فقلوبنا به موقنات ( !! أفيجوز في عقل عاقل من ھذا الجيل أن يكون ﷲ ھو قائل ھذا ؟؟!! اللھم ال ، فكيف يجوز ذلك في فھم امرأة عربية فصيحة من جيل فجر اإلسالم ،وزوج صحابي جليل شاعر من فصحاء العرب ؟؟!! . الجواب : أقول :ھذا اإلشكال أيضا كسابقه يصعب دفعه ،ألن األبيات
في كل صورھا تحمل ألفاظا ال يتصور العربي الفصيح صدورھا من ﷲ ،ألن ﷲ ال يجوز أن يقول تلك األلفاظ ، فكيف جوزت زوج ابن رواحة أن يكون ھذا من كالم ﷲ ؟؟!! ولو جاز اشتباه ذلك على امرأة عربية من ذلك الجيل لجر ھذا لنتائج خطيرة ،ولعل ھذا مما ال يشتبه على نساء ھذا الجيل فكيف بذاك ؟؟!! ولم أجد ما أدفع به ھذا اإلشكال أيضا ، ويصعب أن نتصور القصة دون األبيات الشعرية فيھا . ) االعتراض الخامس ( : إن عبدﷲ بن رواحة قد قال لھا :ما رأيتني !! وھذا كذب ألنھا رأته . الجواب : ھذا يمكن دفعه بما تقدم من أن عبدﷲ بن رواحة لم يكن يعلم حكم ھذا الفعل فمشى على البراءة األصلية ،أو لعله كان يعلم أن الكذب من أجل اإلصالح سائغ ،أو لعله عنى ما رأيتني من رآه إذا ضربه على رئته ال من الرؤية البصرية تورية ،وفي المعاريض مندوحة عن الكذب . ) االعتراض السادس ( : ثم ھي تقول :آمنت با وكذبت بصري !! فكيف سكت عنھا وقد صدقت أن شعره ھو كالم ﷲ !! أم كيف كذبت ما رأته بعينھا وھو يقين !! وما نعلم أن مذھبا كذب البصر إال السوفسطائية الذين ال يدرون إذا نظروا إلى أحدھم أحمار ھو أم
إنسان أم جماد !!! . الجواب : يمكن الجواب بأن سكوته لعله ألنه لم يعرف الحكم كما قدمنا فظن أن مثل ھذه الحيلة جائزة ثم علم عدم جوازھا من النبي ، أو لعله فرع على جواز الكذب بنية اإلصالح جواز السكوت أيضا على اعتقاد الخطأ ،أما تكذيبھا البصر فيمكن حمله على أنھا ظنته إياه ولم تتحققه جيدا ،والظن الغالب قد يندفع بمثله أو بما ھو أقوى منه فال تكون رؤيتھا رؤية تحقق وإدراك تام ،ال سيما إذا كان ذلك بالليل ،فال يكون تكذيبھا لرؤيتھا ورجوعھا عن شيء ھو متيقن عندھا ،بل لما ھو مظنون فقط لورود ما ھو أقوى منه عندھا . ) االعتراض السادس ( : كيف يضحك النبي صلى ﷲ عليه وسلم ـ ورضاه إقرار !! ـ من ھذا الفعل !! وھو القائل صلوات ﷲ وسالمه عليه )) :من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (( !! ھذا فيمن كذب عليه ھو صلى ﷲ عليه وسلم ،فكيف بمن كذب على ﷲ ؟؟!! وﷲ تعالى يقول في ذم الكفار )) :ويقولون ھو من عند ﷲ ،وما ھو من عند ﷲ ،ويقولون على ﷲ الكذب وھم يعلمون (( ويقول تعالى )) :ومن أظلم ممن افترى على ﷲ الكذب (( .. ..وتلخيص ھذا االعتراض في كالم األستاذ الكوثري في التكملة حيث قال :
)) وإيھام كون الشعر من القرآن ليس مما يقر عليه النبي صلى ﷲ عليه وسلم فمتن الخبر نفسه يدل على البطالن (( ..اھـ . الجواب : ھذا الضحك ال يدل على اإلقرار بل على استظراف ھذه الحيلة الدالة على الذكاء فقط ،ولھذا ذكرھا ابن الجوزي في كتاب األذكياء ،فقد يجتمع الضحك واالستنكار معا ،كما ضحك النبي من اليھودي في خبر األصابع ،وكما ضحك النبي من الذي أتى امرأته في نھار رمضان وكما ضحك من اعتقاد عائشة لحصان له جناحان ونحو ذلك ،وليس في القصة أن النبي أقره على ھذا بل في طريق اليزيدي ـ مثل سير النبالء ـ أن النبي لم ) يغير عليه ( كذا بالياء المثاة تحت ،ولعله ) لم يغبر عليه ( من االغبرار وھو تغير اللون ،أي لم يشدد ، ومعناه أنه أنكر عليه ھذا وعلمه عدم جوازه غير معنف له وال ساخط عليه ،ألنه كان حسن النية ،والجاھل يتلطف به ويعلم ، وما كان الرفق في شيء إال زانه . ) االعتراض السابع ( : ورود لفظ ) فوق العرش ( !! . الجواب : األبيات الواردة في القصة مضطربة فھي لم تتفق على ھذا اللفظ كما مر ،وعلى فرض صحة ورود ھذا اللفظ فال إشكال أيضا في استعماله ألن اإلشكال إنما ھو في حمله على ظاھره
المحسوس لنا ،وليس ھذا مما يحمل على ظاھره عند أھل السنة والجماعة ،بل يفوض علمه إلى ﷲ ،أو يؤول تأويال صحيحا ،ومن ألطف تأويالته ما نقله اإلمام تاج الدين السبكي في الطبقات 139/1عن اإلمام الرافعي الفقيه الكبير واستحسنه فقال : )) ما أحسن قول اإلمام الرافعي في كتاب األمالي وقد أورد ھذه األبيات :ھذه الفوقية فوقية العظمة واالستغناء ،في مقابلة صفة الموسومين بصفة العجز والفناء (( اھـ . الخالصة : تبين من خالل ما تقدم أن طرق القصة قد يقال فيھا بأنھا ترتقي إلى الحسن لغيره ،أو على األقل ترقى عن اإلنكار بذلك التعدد ،ولكن تبقى متقاصرة عن درجة الحجة ال سيما مع ورود اإلشكاالت على المتن ،وال يخلو الجواب عن بعضھا من تكلف ،وفي الجملة أميل إلى أن ھذه القصة قد حصلت على نحو ما ليس بالضرورة أن يتطابق كل التطابق مع سياق ھذه المقاطيع ھنا ،لكني ال أستطيع أن أقول بأنھا صالحة لالحتجاج في شيء من أبواب العقد والحالل والحرام ،ھذا وﷲ أعلم ،وصلى وﷲ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
/ 74النحل . ========== ) ليس كمثله شيء وھو السميع البصير ( /11الشورى . ========== ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على المرسلين ،والحمد رب العالمين ( الصافات 180 /ـ . 182 ] المقدمة [ الحمد رب العالمين ،والعاقبة للمتقين ،وال عدوان إال على الظالمين ،والصالة والسالم على خاتم النبيين ،وصفوة الخلق أجمعين ،سيدنا محمد وعلى آله الطيبين ،وأصحابه المجاھدين ،ومن تبعھم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد .. فقد زرت ذات يوم إحدى المكتبات المعروفة ببلدنا الخليجية ، والتي تحرص على استحضار كل جديد وھام من كتب أھل
الحديث واألثر أعلى ﷲ منارھم وثبت بحوله أركانھم ،فبينما كنت أ ُ َطوِّ ف النظر في نفائسھا ،وأقلب البصر في طرائفھا ،إذ أفزعني عنوان كتاب لطالما سمعنا بذمه وقرأنا عن فضائحه في بطون الكتب دون أن نراه ،حتى كنا نشك في صحة ما ينقل عنه من أقوال فاسدة ،وعقائد كاسدة ،ونقول :ال وجود لكتاب كھذا ،وھو كتاب )) إبطال التأويالت ألخبار الصفات (( تأليف القاضي أبي يعلى ) ( 1محمد ابن الحسين بن الفراء الحنبلي المتوفى سنة ) 458ھـ ( ،حتى رأيناه اآلن ،فقرأته ألزداد يقينا بصدق ما قاله أھل العلم عنه ؟؟ ولما علم بأمر ھذا الكتاب بعض الفضالء ممن عندھم محبة لمنھج السلف وغيرة عليه ، طلب مني أن أكتب كلمات كاشفات لما فيه من مسائل التجسيم والتشبيه ،على سبيل االختصار ،ليعرضھا على من له يد في نشره من باب المناصحة في الدين ،ولما كان الفاضل المذكور غير متھم عند الناشر أيضا ،وال بظنين لديھم ،رأيت إسعافه بذلك فرض عين َع َليّ ،عساه يفلح في كفھم عن نشره ، وإقناعھم بعدم خيره بل بكثرة شره ،وقبل أن يفتتن بما فيه بعض الجھال ) ( 2ممن ضعفت مناعتھم عن مقاومة مسائل التشبيه ،وقبل أن يھجم البعض عليه بالترجمة إلى اللغات األجنبية ) ( 3فيصل إلى أسواق الغرب فيكون سبة وفضيحة لإلسالم ما بعدھا فضيحة ،وسميت ھذا المختصر بـ) التحذيرات من كتاب إبطال التأويالت ( ،وﷲ الموفق . ] الكتاب وتاريخه [
صنف أبو يعلى كتابه ھذا في أوائل القرن الخامس الھجري في بغداد عاصمة الخالفة اإلسالمية ،لكن الكتاب ما شاع وذاع خبره إال سنة ) 429ھـ ( لما ضج علماء بغداد لظھور ھذا الكتاب والفتتان بعض الجھال بما فيه ،وقد سجل اإلمام المؤرخ ابن األثير في كتابه الشھير ) الكامل في التاريخ ( 16/8ھذه الواقعة في أحداث سنة ) 429ھـ ( فقال : )) وفيھا أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات ﷲ سبحانه وتعالى المشعرة بأنه يعتقد التجسيم ،وحضر أبو الحسن القزويني الزاھد بجامع المنصور ،وتكلم في ذلك تعالى ﷲ عما يقول الظالمون علوا كبيرا (( اھـ . وال شك أن ھذه الحادثة ما كانت إال بسبب انتشار كتاب أبي بـ) إبطال التأويالت ( ،واغترار بعض يعلى المسمى الجھال بما فيه ،واطلع العلماء عليه فضجوا واستنكروا ، وصارت فتنة اقتضت تدخل الخليفة القائم بأمر ﷲ العباسي لتسكينھا بمساعدة أبي الحسن القزويني الزاھد الشافعي ) ( 1 المقبول من جميع الطوائف ،وقد أخرج القائم بأمر ﷲ عقيدة والده الخليفة القادر با وھي عقيدة طيبة مختصرة نافعة ساقھا وو َّق َع عليھا العلماء ابن الجوزي في ) المنتظم ( بطولھا َ ، وسكنت الفتنة . ويجمل بنا ھنا أن نسوق الحادثة أيضا من ) طبقات الحنابلة ( ألبي الحسين بن أبي يعلى وھو يتحدث عن أبيه مؤلف ) إبطال التأويالت ( ،قال : 197/2
)) وقد كان حضر الوالد السعيد قدس ﷲ روحه في سنة اثنتين وثالثين وأربعمائة في دار الخالفة في أيام القائم بأمر ﷲ رضوان ﷲ عليه مع الجم الغفير والعدد الكثير من أھل العلم وكان صحبته الشيخ الزاھد أبو الحسن القزويني ،لفساد قول جرى من المخالفين لما شاع من قراءة كتاب ) إبطال التأويالت ( فخرج إلى الوالد السعيد من اإلمام القائم بأمر ﷲ رضوان ﷲ عليھم :االعتقا ُد القادري في ذلك بما يعتقد الوالد السعيد ،وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب ) إبطال التأويالت ( ليتأمل فأعيد إلى الوالد ،وشكر له تصانيفه .. (( اھـ كالم ولده ،وفيه تلطف معذور . أما الذھبي فقد ذكر الحادثة في ) سير أعالم النبالء ( 90/18 في ترجمة أبي يعلى فقال : )) وجمع كتاب ) إبطال تأويل الصفات ( فقاموا عليه لما فيه من الواھي والموضوع ،فخرج إلى العلماء من القادر با ) إبطال المعتقد الذي جمعه ،و ُحمِل إلى القادر كتاب التأويل ( فأعجبه ،وجرت أمور وفتن نسأل ﷲ العافية ،ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة (( ..اھـ ) ( 1 . والحاصل أن الخليفة ألزم أبا يعلى بالتوقيع على العقيدة القادرية المعترف بھا بأسلوب لطيف يليق بعالم مثله في وظيفة القضاء ،وشاركه في ذلك جمع من العلماء الشافعية لئال يستنكف عن التوقيع ،لكن توقيعه ھذا ال يعني أكثر من كفه عن قراءة كتابه
عالنية بين عامة الناس ،أما ھل رجع في باطن األمر عن كتابه ھذا أم ال ؟ مسألة بحث ونظر ،وباب حسن الظن واسع ) ( 2لكن الكتاب بقي متداوال في بغداد بين بعض الحشوية من أصحاب أبي يعلى ،ووقف عليه غير واحد من العلماء الكبار من أھل مذھبه ومن غيرھم ،وبسبب عدم ظھور رجوع صريح ألبي يعلى عن ھذا الكتاب فقد تباينت واختلفت مواقف العلماء من أبي يعلى ،خاصة وھم يرون استدالل بعض الحشوية بھذا الكتاب ،وبعض أھل مذھبه صار أشد حنقا عليه من غيرھم ،غيرة منھم على مذھبھم أن يعيبه الناس بسبب أبي يعلى وكتابه المقيت . قال ابن األثير في ) الكامل في التاريخ ( في أحداث سنة ) 459ھـ ( حيث كانت وفاة أبي يعلى : )) وفي شھر رمضان منھا توفي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي ،ومولده سنة ثمانين وثالثمائة ،وعنه انتشر مذھب أحمد رضي ﷲ عنه ،وكان إليه قضاء الحريم ببغداد بدار الخالفة ،وھو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة ،وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض ،تعالى ﷲ عن ذلك (( ..اھـ . وقد قال فيه معاصره أبو محمد رزق ﷲ الحنبلي ) ( 1شيخ الحنابلة ورئيسھم في بغداد ،ما لفظه )) :لقد شان المذھب شينا قبيحا ال يغسل إلى يوم القيامة (( اھـ كما في ) دفع شبه التشبيه ( البن الجوزي ص ، 10والعبارة عند سبط ابن
الجوزي في ) مرآة الزمان ( بلفظ أقبح )) :لقد بال أبو يعلى على الحنابلة بولة ال يغسلھا ماء البحر (( اھـ نقال من ) السيف الصقيل ( ص ، 148وھي عند ابن األثير في ) الكامل ( 104/8أشنع لفظا )) :لقد خري أبو يعلى على الحنابلة خرية ال يغسلھا الماء (( اھـ ،كل ھذا بسبب الكتاب المذكور . وقد بقي ھذا الكتاب مثار فتن ،وحجة تستغل للتشنيع على الحنابلة ،كما حدث في سنة ) 475ھـ ( ،قال ابن األثير في الكامل في أحداث ھذه السنة : )) َو َردَ إلى بغداد ھذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ ) ( 2وكان أشعري المذھب ،وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة ،فوعظ بالمدرسة النظامية وكان يذكر الحنابلة ويعيبھم ويقول ) :وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ،وﷲ ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا ( ثم إنه قصد يوما دار قاضي القضاة أبي عبدﷲ الدامغاني بنھر القالئين فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دُور بني الفراء وأخذ كتبھم ، وأخذ منھا كتاب الصفات ألبي يعلى ،فكان ُيقرأ بين يديه وھو جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليھم ،وجرى له معھم س َّنة ،ومات خصومات وفتن ولُ ِّق َب بع َلم ال ُّ البكري من الديوان َ ُّ ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن األشعري (( اھـ .
فترى أن ھذا الواعظ قد جعل ما في ھذا الكتاب حجة له فيما ذھب إليه من الطعن والتشنيع ،وأن الحنابلة قد فتحوا على أنفسھم بابا يُتوسل من خالله للطعن عليھم ،وقد كانوا في غنى عن مثل ھذا ،مما يدل داللة واضحة على أن ھذا الكتاب كان له أثر كبير في إثارة الفتن وتأجيجھا ،حتى جاوز خبرھا بالد المشرق إلى بالد المغرب . قال اإلمام الحافظ أبوبكر بن العربي المالكي األندلسي في كتابه الشھير ) ) ( 1العواصم من القواصم ( ص: 209 )) ..وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء رئيس الحنابلة ببغداد كان يقول إذا ذكر ﷲ تعالى وما ورد من ھذه الظواھر في صفاته يقول :ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إال اللحية والعورة !! (( ..اھـ ) . ( 2 وھذا القول ال يخلو من حاصل ،وسترى أن كتاب ) إبطال ُصدق ھذا القول ويشھد له . التأويالت ( فيه ما ي َ ثم جاء دور اإلمام الشھير الحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي الحنبلي ليذب عن مذھبه ويبرأ إمامه من أكاذيب الدجالين ،ويصنف في األخبار الموضوعة ويحذر الناس منھا بھمة عالية لم ُتعھد ،وشن حربا شعواء على كتاب ) إبطال التأويالت ( ورفع عن الحنابلة عارا وشنارا دام دھرا ، فاستطاع أن يمحوه محوا بحيث يحق للحنابلة أن يفتخروا بمثله ،فصنف كتابه الجليل ) دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه ( الذي
صار مسمارا في حلوق المجسمة ،وال يُعرف في الحنابلة أشد وأصلب منه في مواجھة ھذه البدعة ،وكتابه كله في الرد على فضائح أبي يعلى ومن شابھه من شيوخه أو تالميذه فنكتفي بما يفي ،قال رحمه ﷲ تعالى : )) ورأيت من أصحابنا من تكلم في األصول بما ال يصلح ، وانتدب للتصنيف ثالثة :أبو عبدﷲ بن حامد ،وصاحبه القاضي أبو يعلى ،وابن الزاغوني ،فصنفوا كتبا شانوا بھا المذھب ،ورأيتھم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ،فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمعوا أن ﷲ سبحانه وتعالى خلق آدم عليه الصالة والسالم على صورته فأثبتوا له صورة ووجھا زائدا على الذات ،وعينين ،وفما ولھوات وأضراسا ، وأضواء لوجھه ھي السبحات ،ويدين وأصابع وكفا وخنصرا وإبھاما وصدرا وفخذا ) ( 1وساقين ورجلين وقالوا :ما س !! س و ُي َم َّ سمعنا بذكر الرأس !! وقالوا :يجوز أن َي َم َّ ويدني العبد من ذاته وقال بعضھم :ويتنفس ،ثم إنھم ُيعقل ! (( ..اھـ من يرضون العوام بقولھم :ال كما أوله ص 8 _7ط الكليات األزھرية . وقال في آخره : )) ولما علم بكتابي ھذا جماعة من الجھال ،لم يعجبھم ألنھم أَلِفُوا كالم رؤسائھم المجسمة فقالوا :ليس ھذا المذھب .قلت :ليس مذھبكم وال مذھب من قلدتم من أشياخكم ،فقد نزھت مذھب اإلمام أحمد ،ونفيت عنه كذب المنقوالت ،وھذيان المقوالت ،غير مقلد فيما أعتقده (( ..اھـ من ص. 67
وھذا كتاب عظيم نافع في الدفاع عن الحنابلة ونفي التشبيه عنھم ،ورحم ﷲ ابن الجوزي الذي لم يحاب أحدا في الحق . وجاء ابن تيمية فأكد على احتواء كتابه على األخبار الباطلة فقال عنه في ) درء تعارض العقل والنقل ( 237/5ـ: 238 )) ..وھو وإن أسند األحاديث التي ذكرھا وذكر من رواھا ، ففيھا عدة أحاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه ،وفيھا أشياء عن بعض السلف رواھا بعض الناس مرفوعة ،كحديث قعود الرسول eعلى العرش ،رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة ،وھي كلھا موضوعة ..ولھذا وغيره تكلم رزق ﷲ التميمي وغيره من أصحاب أحمد في تصنيف القاضي أبي يعلى لھذا الكتاب بكالم غليظ ) ، ( 1وشنع عليه أعداؤه بأشياء ھو منھا بريء ،كما ذكر ھو ذلك في آخر الكتاب ..مع أن ھؤالء وإن كانوا نقلوا عنه ما ھو كذب عليه ،ففي كالمه ما ھو مردود نقال وتوجيھا .. (( اھـ ) . ( 2 والعذر الوحيد ألبي يعلى في إيراد الموضوعات ھو ما قاله الحافظ الذھبي في ) سير أعالم النبالء ( 91/18ونصه : )) ولم تكن له يد طولى في معرفة الحديث ،فربما احتج بالواھي (( اھـ . ومع ما في كالم ابن تيمية والذھبي من التلطف والتحنن على أبي يعلى ،إال أنھما يتفقان مع غيرھما في اإلنكار على كتابه في الجملة وإن اختلفت األسباب .
وكأني بموفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي يعني أبا يعلى عندما قال في كتابه ) ذم التأويل ( َ )) :و ْل ُي ْع َل ْم أن من أثبت تعالى صفة بشيء من ھذه األحاديث الموضوعة ،فھو أشد حاال ممن تأول األخبار الصحيحة (( ..اھـ منه ص. 46 +++ ] كتاب أبي يعلى يظھر من جديد [ بقي ھذا الكتاب مغمورا مھجورا مفقودا ال يُسمع له بذكر طيلة ھذه القرون ،وحتى من نقد الكتاب ممن قدمنا ذكرھم لم يكن الكتاب شائعا في أعصارھم ،ولھذا ال ترى إشارة إليه إال نادرا ،وكلما سار الزمن اضمحل وجوده حتى صار في حكم المعدوم بعد القرن الثامن الھجري ،ولم يبق له أثر إال تلك النقول التي حفظھا لنا من ردوا عليه وأنكروا ما فيه ،وبقي الحال كذلك إلى عصرنا ھذا الذي نحن فيه ) القرن الخامس عشر الھجري ( ،ولوال ثقتنا بأولئك الطاعنين عليه والرادين ، وتقديرنا لمكانتھم العلمية وصدقھم وإمامتھم ،لكان من الصعب جدا التصديق بأن أحدا من أتباع المذاھب األربعة يكتب مثل ھذا الكتاب ،أوينطق بما نقلوه عنه ،والحاصل أن الزمان قد استدار ليرجع الكتاب إلى الظھور ثانية في حلة قشيبة وجرأة عجيبة . ففي سنة ) 1408ھـ ( عثروا على مخطوطة الكتاب في مكتبة عباس العزاوي بالعراق ،وكانت ناقصة ،وفي سنة )
1409ھـ ( ظفر محقق الكتاب ) ( 1الذي باء بإثم نشره ووزره ظفر بمصورة من نسخة كاملة منه في مكتبة حماد األنصاري ،وھكذا شرع في إخراج الكتاب فتم طبعه سنة ) 1410ھـ ( وقد وُ ضعت عليه ملصقة مكتوب عليھا ) :الناشر دار إيالف الدولية للنشر والتوزيع ( ويظھر من تحت الملصق ) :مكتبة اإلمام الذھبي للنشر والتوزيع ( كما ھو مثبت على جانب الكتاب ،والناشران من الكويت ،ورأيت أنا الكتاب يباع في المملكة وغيرھا ،والذي طبع منه حتى اآلن جزءان فقط ، والمحقق َيعِد في آخر الجزء الثاني بإصدار الجزء الثالث . ولقد قام المحقق بإخراج الكتاب والتقديم له بجرأة متناھية وبشكل ملفت للنظر يقتضي منا موقفا لوجه ﷲ تعالى ،وذودا عن عقيدة أھل السنة والجماعة ومنھج السلف . وليس التفخيم من شأن الكتاب بالزخارف والنقوش والعناوين الرنانة الملفتة للنظر ،وليس ذلك الثناء العظيم ،وذلك اإلطراء الزائد ألبي يعلى بأنه ) القاضي اإلمام األوحد ..نور ﷲ وجھه آمين ( ثم طرحه للبيع بتحقيق أبي عبدﷲ النجدي !! ليس ذلك إال محاولة مكشوفة إلغراء الجھال والبسطاء الغافلين بشراء ھذا الكتاب واقتنائه لِ َت َعلُّ ِم العقيدة الصحيحة السلفية النقية من شوائب التجسيم والتشبيه !! والحاصل أن كثيرا من صغار طالب العلم باتوا يعانون من ضعف المناعة الفطرية المقاومة للتشبيه والتجسيم ،بسبب تكسر كريات التنـزيه البيضاء الناشئ من تناول الوجبات الدسمة ،ولعلھم ال
يجدون مدى الدھر مثل ھذا الكتاب القاضي على ما تبقى من آثار فطرة التوحيد والتنـزيه . ويواصل المحقق محاولة إقناع القراء بعظمة الكتاب فيقول بعد خطبة الكتاب ص: 4 )) وبعد ،فإن كتاب ) إبطال التأويالت ألخبار الصفات ( للقاضي أبي يعلى الفراء كان يعد إلى زمن قريب من الكتب المفقودة ،وھو كتاب فريد في بابه ،إذ تضمن الرد على تأويالت األشاعرة والمعتزلة والجھمية ألخبار الصفات اإللھية ،الواردة على لسان رسوله eوأعلم الخلق به ،وبيان مذھب السلف فيھا وھو إثباتھا واإليمان بھا ،ونفي التكييف عنھا والتمثيل لھا ،فھذا ھو التوحيد الذي بينه ﷲ تعالى (( ..اھـ . فأما قول المحقق ) :يعد إلى زمن قريب من الكتب المفقودة ( فنعم ھو كذلك في حكم المفقود منذ ألف سنة ،وما نال أحد من المسلمين شرف إظھاره من حكم العدم إلى الوجود إال ھذا المحقق المسكين ،فھنيئا له ھذا العمل الصالح الذي سيسجل في صحائف أعماله الخالدة والذي يجد بشارته في قوله )) : eمن سن سنة ، (( ..وقول المحقق عن كتاب أبي يعلى ھذا بأنه ) : فريد في بابه ( فال شك أنه فريد في بابه نادر الوجود ،وما تقدم من كالم أھل العلم دليل صادق على أنه فريد وحيد !! وھل تجرأ أحد من المسلمين على تصنيف كتاب ككتاب أبي يعلى
ھذا ؟! بل ھل فقد المسلمون الحياء والعقل معا حتى يصفوا ﷲ تعالى وتقدس بما وصفه به أبو يعلى مما سيطلع عليه القارئ الكريم ؟! بل ومحققه فريد أيضا بين المحققين ،وأما قوله ) : تضمن الرد على تأويالت األشاعرة ) ( 1والمعتزلة والجھمية ( فإي وﷲ لقد رد على األشاعرة والماتريدية أھل السنة أھل الحديث ،وھدم دين المسلمين وداس العقل والفھم ،واجتث التوحيد والتنـزيه من أصوله ،ووصف ﷲ تعالى وتقدس بما لم يسبقه إليه إال اإلغريق واليھود وأھل التجسيم ،وصار سبة وعارا على األمة ،وخري به على أھل السنة عامة ،وعلى الحنابلة خاصة كما قال رزق ﷲ الحنبلي وقد صدق ،وقد كال له العلماء الصاع صاعين ال سيما أھل مذھبه ،ومحققنا العظيم قد قلد أبا يعلى بعد ألف سنة فشنع بتحقيقه لھذا الكتاب على أھل السنة عامة وعلى أھل الحديث والسلفية خاصة ، وإلى ﷲ المشتكى منه ،ثم قال المحقق العظيم ) :الواردة على لسان رسوله ( فعجبا لھذا المجازف ،وھل كان إنكار أھل العلم على ھذا الكتاب ألنه مشتمل على ما صح وثبت ؟؟!! فسيرى القارئ الكريم كم طار المحقق بعيدا عن الواقع المؤلم ، فورب السماوات إن الكتاب لموبوء بالموضوعات ،وكيف صوَّ ر من نور ﷲ قلبه باإليمان أن النبي eينطق ببعض ما َي َت َ نطق به أبو يعلى ؟!! فوالذي خلق الخلق ما يقول ذلك إال كذاب أشر ،ثم قال ) :وبيان مذھب السلف فيھا ..فھذا ھو التوحيد ( ..يقصد أن أبا يعلى أبان في كتابه مذھب السلف !! وأنه حقق فيه عين التوحيد !! وھذا الكالم من المحقق من أوضح األدلة على أن االنتساب لمذھب السلف قد صار لعبة يتلھى بھا كل من ھب ودب لِي َُروِّ َج بدعته ،فالمجسم يقول نحن
نتبع السلف ،والمعطل يقول نحن نتبع السلف ،و الخارجي السفاح يقول ذلك ،وھكذا كل مخرف ينسب دجله إلى السلف لِ َت ْنفُ َق سوقه عند العوام من الناس ،وأنا أقول ھنا :من قال بأن كتاب أبي يعلى ھذا ھو مذھب السلف فعليه لعنة ﷲ ،ألنه بقوله ھذا قد نسب السلف إلى التشبيه والتجسيم قطعا ويقينا ، والمحقق يرى ما في كتاب أبي يعلى من الجرأة على ذات العظيم سبحانه مجرد ھفوات فيقول ص )) : 6والكتاب ال يخلو من ھفوات ،كما ھو شأن جميع الكتب فقد أبى ﷲ أن يتم إال كتابه (( اھـ ،فھل رأيتم يأيھا المسلمون كتابا قط يصف ﷲ تعالى بأنه ) شاب أمرد ( ؟؟!!! ) ، ( 1وھل ھذه أم تجسيمات وتشبيھات يونانيات أو يھوديات ھفوات، ال تؤاخذنا بما قاله من أوضح الكفريات ؟؟!! ،اللھم السفھاء منا . والحاصل أن المحقق قد أتى جرما عظيما بإخراج ھذا الكتاب من مقبرة التشبيه ،وإذا كان المحقق يقول إن كتاب أبي يعلى ) ال يخلو من ھفوات ( فغيره ممن عميت قلوبھم ال يرون ھذه الھفوات !! فقد جاء من ) ( 2وصف ) إبطال التأويالت ( بـ : ) المستطاب ( !!! فليفرح المحقق فقد آتى الكتاب أكله ! وظھرت منافع طباعته ونشره فھنيئا له ،وما أعظم دعوته إلى منھج السلف !!! فسبحانك يا موالي ،كيف استطابوا كتابا ينتقصك ؟؟!! وبالباطل يصفك ؟؟!! فإنا وإنا إليه راجعون . أفھكذا تزداد قافلة المستطيبين لھذه المخازي ؟! فا المحاسب والمجازي ،والذي نخشاه أن يتسع الخرق على الراتق ،ويفلت الزمام من قبضة اإلحكام ،فينتشر التشبيه باسم التوحيد
والتنـزيه ،ويُعزى كل ما عطب وتلف إلى مذھب السلف ، والسلف الصالح برآء من كل ھذا الھراء . وفيما يلي أمثلة لما تضمنه الكتاب من التعرض لعظمة الذات القدسية ،بوصف الجبار المنتقم بالنعوت الوقحة الردية !! بل ونسبة ذلك بكل صفاقة ووقاحة إلى صاحب الخلق األعظم ، والمقام األفخم ،سيد العرب والعجم ،صلوات ربي وسالمه عليه ،وھو بأبي وأمي بريء من ھذا المختلق المكذوب ، براءة الحق من ال ِّس َنة واللُّغوب ،وإلى ﷲ المصير . +++ ] نقوالت من إبطال التأويالت [ اعلم أن محقق الكتاب قد صنع عناوين وضعھا بين معقوفين ھكذا ] [ لبعض الصفات ،ولم يفعل ذلك لكل الصفات التي أثبتھا أبو يعلى !! ألن أكثرھا نقائص واضحة ال تليق با ، فاستحيى المحقق من إبرازھا في عناوين ظاھرة ،فاختفت في طيات الكتاب ،واآلن سأذكر الصفات التي صنع لھا المحقق أبوابا دون تعليق ،ثم ننظر فيما أھمله المحقق مما أثبته أبو يعلى في جملة الصفات ،بوب المحقق لـ : إثبات صفة الساق /الشخص والغيرة /اليد واليمين والقبض الع َجب /النـزول / /الرجل والقدم /الضحك /ال ُعلُ ّو /الفرح َ /
ف /األصابع /القبض والبسط / رؤية المؤمنين لربھم /ال َك ّ السمع والبصر /العينين /الحياء /ال َّن ْفس ..اھـ ) . ( 1 ھذا ما بوب له المحقق من الصفات في الجزءين األول والثاني ،والمحقق يعتبر ھذه صفات يجب التسليم بھا كلھا على حد سواء !! وھذا خطأ ،والحاصل أن المحقق قد خلط أمورا كثيرة ،خلط ما ھو من الصفات بإجماع ،مع ما ليس بصفة أصال ، مع أمور فسرھا السلف على ما ال يھوى المحقق ،وأشياء أخرى محل نزاع ،كما ترك أشياء أخرى عدھا أبو يعلى صفات وتحرج المحقق من التبويب لھا ،ونحن اآلن بصدد فضحھا . ) قعود النبي eعلى العرش مع ﷲ ( !! في ج/1ص 72و ج/2ص 476ذكر أبو يعلى أن النبي eيقعد على العرش يوم القيامة مع ﷲ تعالى !! وأن ھذا ھو المقام المحمود الذي وعده به ربه ،وذكر في ذلك روايات ،وقد تقدم عن ابن تيمية أنھا كلھا موضوعة ،وقال أبو يعلى في 485/2معتمدا على الروايات الموضوعة )) :فلزمنا اإلنكار على من رد ھذه الفضيلة التي قالتھا العلماء وتلقوھا بالقبول ،فمن ردھا فھو من الفرق الھالكة (( اھـ !!! بل ونقل أبو يعلى عن بعضھم تكفير منكر ذلك !! .
) االستلقاء واالتكاء والقعود ،ورفع إحدى الرجلين على األخرى ( !! ذكر أبو يعلى في ، 73/1وفي 187/1الرواية الموضوعة التالية : )) إن ﷲ لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى ووضع إحدى رجليه على األخرى وقال :إنھا ال تصلح لبشر (( اھـ !!! ،وذكر ص 188عن كعب األحبار أنه قال لمن سأله أين ربنا )) :ھو على العرش العظيم متكئ واضع إحدى رجليه على األخرى (( اھـ !! ،وقد أثبت أبو يعلى بھذا وذاك وغيره من الباطل صفات تعالى وتقدس عن إفكه فقال ص: 190 )) اعلم أن ھذا الخبر يفيد أشياء :منھا جواز إطالق االستلقاء عليه ،ال على وجه االستراحة بل على صفة ال نعقل ) ( 1 معناھا ،وأن له رجلين كما له يدان ،وأنه يضع إحداھما على األخرى على صفة ال نعقلھا (( اھـ !!! . وذكر ص 191الرواية الواھية التالية : )) ما تعجبون من رجل نصر ﷲ ورسوله ،لقي ﷲ غدا متكئا فقعد له (( ثم قال على إثرھا )) :والكالم فيه كالكالم في الذي قبله في االستلقاء سواء (( اھـ ،فأتبت بھذا سبحانه االتكاء والقعود !!! وھذه الجرأة من أبي يعلى ال تحتاج منا إلى تعليق .
) الصورة ( !! في 77/1أورد أبو يعلى رواية )) :إن ﷲ خلق آدم على صورته (( ،ثم قال في 80/1ما نصه .. )) :والكالم فيه في فصلين :أحدھما جواز إطالق تسمية الصورة عليه سبحانه (( ..اھـ !! ،ومع ذلك فقد أَوَّ َل أبو يعلى الصورة فقال )) الصورة ليست في حقيقة اللغة عبارة عن : 81/1 التخاطيط ،وإنما ھي عبارة عن حقيقة الشيء ،ولھذا يقول : عرفني صورة ھذا األمر (( اھـ ،ولست أدري كيف يتفق ھذا التأويل للصورة من أبي يعلى مع الحديث المتقدم ؟! فھل يقال ـ على ھذا التأويل ـ إن ﷲ خلق آدم على حقيقته ھو تعالى ؟!! وأقبح من ھذا قول أبي يعلى 83/1مستدال برواية موضوعة : )) فقد نص على أنه نحله صورته (( اھـ !! ،فيأيھا القارئ العاقل ،قل لي بربك كيف يصح أن يقال :إن ﷲ نحل ـ أي أعطى ـ صورته ھو تعالى وتقدس آلدم ؟؟! مع مالحظة أن صورته عند أبي يعلى تعني ) حقيقته ( !!! فھل حقيقة آدم ھي حقيقة ﷲ ؟!! فأي تجسيم بقي بعد ھذا ؟؟!! ) . ( 1 وأعجب من ذاك أن أبا يعلى يستدل بالرواية الباطلة التالية .. )) : 97/1غضب موسى على قومه في بعض ما كانوا الح َجر قال :اشربوا يا حمير ،فأوحى ﷲ يسألونه ،فلما نزل َ إليه :تعمد إلى عبيد من عبيدي خلقتھم على مثل صورتي
فتقول اشربوا يا حمير ،قال :فما برح حتى أصابته عقوبة (( اھـ فانظر إلى انتقاص ﷲ ورسوله !!! . ) التدلي ( !! استدل أبو يعلى بقوله تعالى ) :ثم دنا فتدلى ( على أن المتدلي ھو ﷲ !! فقال في )) : 125/1فعلم أن المتدلي ھو الذي يوحي وھو ﷲ تعالى (( اھـ !! .يقول ھذا مع أن أئمة اللغة قد أجمعوا على أن الضمائر تعود على ما يناسبھا ولو بعدت . ) شاب ،أمرد ،أجعد ،في حلة حمراء ،عليه تاج ،ونعالن من ذھب ،وعلى وجھه َف َراش من ذھب ( !! أنفق أبو يعلى صفحات كثيرة من الكتاب 133/1ليثبت ھذه األوصاف ـ تعالى وتقدس عن إفكه ـ وقد شحنھا بالروايات الموضوعة ،ونقل في 144/1أن من لم يؤمن بھذه الصفات العظيمة !! فھو ) :زنديق ( ) ،معتزلي ( ) ،جھمي ( ) ،ال تقبل شھادته ( ) ،ال يسلم عليه ( ) ،ال يعاد ( ،ثم قال أبو يعلى في : 146/1 )) وليس في قوله :شاب وأمرد وجعد وقطط وموفور إثبات تشبيه ،ألننا نثبت ذلك تسمية كما جاء الخبر ال نعقل معناھا ، كما أثبتنا ذاتا ونفسا ،وألنه ليس في إثبات ال َف َراش والنعلين
والتاج وأخضر أكثر من تقريب المحدث من القديم ،وھذا غير ممتنع كما لم يمتنع وصفه بالجلوس على العرش (( ..اھـ !!!! . وھذا الكالم ) ( 1لو قاله المشركون ،أو اليھود ونحوھم فال عجب ،فھم أھل ھذه المخازي ،أما أن يقوله رجل من أتباع المذاھب األربعة ،فھذا وﷲ الخزي والعار علينا معشر المسلمين ،أن يكون قائل ذلك واحدا منا ،فيا شماتة األعداء ، ويا فرحة المالحدة والزنادقة بأفكار أبي يعلى ھذه ،وأنا أخشى أن يُترجم ھذا الكتاب إلى اللغات األجنبية كما ترجموا غيره ، فيشنع به المتربصون الحاقدون على اإلسالم والمسلمين . ) الشمال ( !! في 178/1و 328/2لم يتورع أبو يعلى من إطالق الشمال على ﷲ ،والمحقق تظاھر في البداية بمخالفة أبي يعلى فقال : )) كالم المصنف رحمه ﷲ يدل على أنه ال يرى بأسا في تسمية اليد األخرى لربنا سبحانه بالشمال ،وقد أنكر ھذا ابن خزيمة في كتابه التوحيد ص (( .. 66اھـ ،ثم بعد ھذا تكلم المحقق بكالم وجاء بنصوص يضيع معھا القارئ البسيط ،وال يصل إلى نتيجة معينة من خاللھا ) . ( 1 ) وطء الصخرة وأرض الطائف ( !!
ذكر أبو يعلى في 202/1عن كعب األحبار أنه قال )) :إن ﷲ تعالى نظر إلى األرض فقال :إني واط على بعضك ، فانتسفت إليه الجبال فتضعضعت الصخرة فشكر ﷲ لھا ذلك فوضع عليھا قدمه (( اھـ ،والمحقق يقول )) :الخبر من اإلسرائيليات (( اھـ ،لكن أبا يعلى ال يتورع عن إثبات صفات بمثل ھذا ،ففي 377/2يذكر أبو يعلى الرواية الواھية التالية بو ّج ) (( ( 2اھـ ،ثم .. )) :آخر وطأة وطئھا رب العالمين َ يذكر قول كعب األحبار ـ الذي ينقل عن كتب اليھود ـ 379/2 َ )) :و ّج مقدس ،منه َع َر َج الرب إلى السماء يوم قضى خلق األرض (( اھـ !! ،ثم يقول أبو يعلى )) :اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا ) ( 3حمل ھذا الخبر على ظاھره ،وأن ذلك على معنى يليق بالذات دون الفعل (( ..اھـ .وفي ھذا النقل والفھم السقيم من أبي يعلى دليل على بطالن أصوله وقواعده التي بنى عليھا ،فال ينتج الباط َل إال باط ٌل مثله . ومما يتعلق بھذا المقام أن أبا يعلى مغرم بنسبة كل شيء إلى الذات ! ال يتردد أبدا في ذلك فتراه يذكر في 227/1رواية ) إن ﷲ يدني العبد يوم القيامة ( فيقول )) :المراد من دنوه الدنو من الذات (( !! ،وفي 265/1يذكر )) :نزول ذاته (( !! تعالى وتقدس ،يستدل لذلك بخبر موضوع )) :إن ﷲ جل اسمه إذا أراد أن ينـزل نزل بذاته (( !! وفي 266/1يذكر : )) ھبوط الذات (( !! ،وفي )) : 297/2الدنو والقرب من الذات (( !! وفي )) : 334/2فأما التجلي فھو راجع إلى
الذات (( !! وھكذا يختلق أبو يعلى أمورا ال صلة لھا بكتاب ﷲ وال بسنة رسوله وال بھدي السلف ) . ( 1 ) الذراعان والصدر والساعد ( !! أثبت أبو يعلى الذراع صفة ذات في 203/1بروايات ال تثبت ،وليست صريحة فيما أراده ،وفي 221/1استدل بأثر باطل نصه )) :خلق ﷲ المالئكة من نور الذراعين والصدر (( !! ) ( 2ثم قال )) :الكالم في ھذا الخبر في فصلين :أحدھما في إثبات الذراعين والصدر ،والثاني في خلق المالئكة من نوره (( اھـ !! فأثبت الذراعين والصدر والنور صفات ،كما ذكر في 343/2قول النبي eلمن شق آذان األنعام محذرا إياه من غضب ﷲ )) :موسى ﷲ أَ َح ُّد من موساك ،وساعد ﷲ أشد من ساعدك (( فأثبت به صفة الساعد ،ألن الساعد مضاف إلى ﷲ ،وقد امتنع من إثبات ) الموسى ( صفة ،مع أن الموسى مضاف إلى ﷲ أيضا ،ألن الموسى آلة وﷲ منـزه عن اآلالت بزعمه ،لكن على منطق أبي يعلى يمكن الرد عليه بأن الموسى الشاھد ،وال يلزم ذلك في الغائب عنا ، آلة عندنا نحن في وھو موسى ﷲ ،فال يمتنع على منطقه إثبات الموسى صفة أيضا !! . ) الفخذ واألمام والخلف ( !!!!
يستدل أبو يعلى في 206/1بالرواية الباطلة التالية )) :إذا كان يوم القيامة يذكر داود ذنبه فيقول ﷲ عز وجل له :كن أمامي ،فيقول :رب ذنبي ،فيقول ﷲ :كن خلفي فيقول : رب ذنبي ذنبي ،فيقول ﷲ له خذ بقدمي (( اھـ ،ثم يذكر الرواية الباطلة التالية )) :إن ﷲ عز وجل ليقرب داود حتى يضع يده على فخذه يقول :ادن منا أزلفت لدينا (( اھـ ،أثبت أبو يعلى بھذا صفات وحمل الخبر ـ مع بطالنه ـ على ظاھره !! فقال )) :اعلم أنه غير ممتنع حمل ھذا الخبر على ظاھره ،إذ ليس فيه ما يحيل صفاته وال يخرجھا عما تستحقه ألنا ال نثبت قدما وفخذا جارحة وال أبعاضا ،بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا الذات والوجه واليدين … وال نثبت أيضا أماما وخلفا على وجه الحد والجھة ،بل نثبت ذلك صفة غير محدودة … (( اھـ !!! . فأبو يعلى لم يستحيي من جعل الفخذ صفة تعالى وتقدس ، مع أن إضافة الفخذ إليه تعالى نقص محض ال يمكن أن يكون كماال بحال من األحوال ،فكما ال يمكن وجود نوم أو نسيان أوغفلة تليق به تعالى أبدا ،فكذلك ال يمكن وجود فخذ تليق به ألن ذلك نقص محض ،والفخذ من العورة في شريعة اإلسالم ، وكذا الحال بالنسبة للخلف واألمام ) . ( 1 ) الحقو ( !!
الح ْقو ) ( 1صفة وفي 208/1و 420/2أثبت أبو يعلى َ برواية )) ..قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن (( ..اھـ وھي رواية صحيحة ،والمقصود بالحقو ھنا قائمة العرش كما جاء التصريح به في رواية مسلم ) ، ( 2وذلك على سبيل االستعارة وھي من أجمل الصور البالغية عند العرب ،أما أبو يعلى فقد حمل ذلك على ظاھره كعادته فقال في )) : 420/2 اعلم أنه غير ممتنع حمل ھذا الخبر على ظاھره ،وأن الحقو والحجزة صفة ذات ال على وجه الجارحة والبعض (( اھـ !! ،فاسمع إلى ھذا الھراء واحمد ﷲ . ) اإلبھام والخنصر والسبابة والتي تليھا ( !! أثبت أبو يعلى اإلبھام صفة فقال 210/1مستدال بمرسل باطل من رواية سعيد بن َزرْ بى وھو منكر الحديث نصه )) :أوحى لك ..ومحوت ﷲ إلى داود :ارفع رأسك فقد غفرت خطيئتك بإبھام يميني (( اھـ !! ،ثم قال أبو يعلى )) :وھذه الزيادة تقتضي إثبات اإلبھام (( ..اھـ ،وبمثل ھذا المنھج المعوج واألصول التالفة الباطلة قال في )) : 316/2الخبر على ظاھره في إثبات األصابع والسبابة والتي تليھا (( اھـ ، ويقول في .. )) : 335/2الخنصر وھو على ظاھره ،إذ ليس في حمله على ظاھره ما يحيل صفاته (( اھـ ،وھكذا يتجاوز أبو يعلى الحدود فيثبت بالموضوعات والبواطيل صفات تعالى وتقدس عما يقول الظالمون .
) اللھوات واألضراس ( !! في 214/1يذكر أبو يعلى خبرا باطال نصه )) :يضحك ﷲ .. حتى بدت لھواته وأضراسه (( اھـ !! ،ثم يقول أبو يعلى )) : 218/1ال نثبت أضراسا ولھوات ھي جارحة وال أبعاضا ،بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا الوجه واليدين والسمع والبصر ،وإن لم نعقل معناھا ) (( ( 1اھـ . وال أدري أي قيمة لنفي الجوارح واألبعاض بعد تجويز وصف ﷲ بھذا ؟! فإن مجرد وصفه تعالى بھذا عبث واستھزاء . ) الملل ( !! استدل أبو يعلى في 369/2برواية )) :إن ﷲ ال يمل حتى تملوا (( فأثبت الملل له تعالى صفة ،قال )) : 370/2اعلم أنه غيرممتنع إطالق وصفه تعالى بالملل ال على معنى السآمة واالستثقال (( ..اھـ !!! . ولست أدري كيف يمكن أن يفھم أبو يعلى الملل على ظاھره ـ أبي يعلى في أشباه ھذا ـ ثم ال يكون بمعنى كما ھي قاعدة السآمة ؟!! ألنه إذا لم يكن الملل بھذا المعنى فليس على ظاھره
،ومع ھذا فقد رفض أبو يعلى تأويل الخبر وتفسيره بمعنى مفھوم ،بل ترك الخبر دون معنى على صفة ال يعقل معناھا ،وكأن الشارع يخاطب المجانين والمھابيل !! اللھم احفظ علينا عقولنا . ) الفم ( !! استدل أبو يعلى بأثر ال يصح كعادته فأثبت به صفة ،ففي 387/2ذكر األثر الباطل التالي )) :كأن الناس إذا سمعوا القرآن من في الرحمن عز وجل يوم القيامة فكأنھم لم يسمعوه قبل ذلك (( اھـ وھذا مع كونه أثرا ال يثبت ،فقد أثبت به أبو يعلى دون خشية من ﷲ صفة ) الفم ( فقال مقولته ال ُم ِملَّ َة على عادته )) :اعلم أنه غير ممتنع إطالق الفي عليه سبحانه (( اھـ !! وأنه )) :صفة قد ورد الخبر بھا (( اھـ !! . ) الجنب ( !! قال أبو يعلى )) : 427/2وأما قوله تعالى ) :يا حسرتى على ما فرطت في جنب ﷲ ( فحكى شيخنا أبو عبدﷲ ) ( 1 رحمه ﷲ في كتابه عن جماعة من أصحابنا األخذ بظاھر اآلية في إثبات الجنب صفة سبحانه (( اھـ !!! .
وھذا يدل على سخافة عقول ھؤالء وغباوتھم ،وإال فكيف ُي َتصور أن يقع التفريط في جنب ﷲ بمعنى الصفة ؟؟! وأبو يعلى وإن نقل ھذا عن شيوخه لكنه لم يوافقھم َ ،فأَوَّ ل الجنب بأنه أمر ﷲ ،ألن التفريط إنما يقع فيه ،وإنما نقلنا ھذا لتعرف منـزلة شيوخه . ) الھجو واالستھزاء والسخرية ( !! أثبت أبو يعلى ذلك من جملة الصفات في 462/2وقال )) : واعلم أنه غير ممتنع على أصولنا إطالق الھجو عليه سبحانه ..وكذلك االستھزاء والسخرية (( اھـ !! ويؤيد أبويعلى قوله ھذا بأن ﷲ تعالى يذم الكفار ويستھزئ بھم ،وغفل عن كون الصفات توقيفية ال مجال لالجتھاد فيھا ،وعن كون العرب تسمي الجزاء باسم العمل ،فيسمون جزاء االستھزاء باالستھزاء ،وجزاء المكر بالمكر ،وإن لم يكن مثله ،فا سمى جزاءه الكفار على مكرھم سماه مكرا ،ال أنه كذلك على الحقيقة ،فالمكر الحقيقي المذموم ما كان مبتدءا ال ما كان عقوبة ومقابلة بالمثل ،فال يجوز أن يسمى ﷲ تعالى أو يوصف بالمستھزئ أو الماكر ..تعالى ﷲ عن ذلك ،ولو وُ صِ ف إنسان بمثل ھذا لغضب ولو كان أخس الناس ،فكيف با تعالى ؟!! .
] الروايات الباطلة [ أبو يعلى ال يتورع عن إيراد الموضوعات في كتاب خصصه لصفات ﷲ تعالى ،وھذا من أعظم أبواب االعتقاد ) ، ( 1ولو شرعت في ذكر األخبار الباطلة التي جاء بھا أبو يعلى مستدال محتجا ،فأثبت صفات تعالى بناء عليھا ،فلو رُحْ ُ ت أسرد ھذه الواھيات والموضوعات لطال األمر جدا ،ألنھا منثورة على طول الجزءين األول والثاني ،لكن سأكتفي بمثالين ينمان عما وراءھما ،ويشفان عما تحتھما . ) الرواية عن مقاتل بن سليمان ( !! أورد أبو يعلى في كتابه 161/1من طريق مقاتل بن سليمان قال )) :قال عبدﷲ بن مسعود في قوله عز وجل ) :يوم يكشف عن ساق ( يعني ساقه اليمين ،فيضيء من نور ساقه األرض ،فذلك قوله ) :وأشرقت األرض بنور ربھا ( ، يعني نور ساقه اليمين (( اھـ !! ،ويكفي تعليقا على ھذا ما قاله محقق الكتاب نفسه ،قال )) :إسناده ضعيف جدا ،مقاتل بن سليمان متھم ورمي بالتجسيم (( اھـ .
لكن أبا يعلى ال يبالي بھذا كله ،وال شأن له بعلم الجرح والتعديل ،فميزان صحة الحديث عنده ھو مجرد وروده في كتب شيوخه أو على ألسنتھم أمثال أبي عبدﷲ بن حامد وغيره !! . ) على حوت من نور ( !! لم يتورع أبو يعلى من إيراد الرواية التالية في كتابه 237/1 على بطالن سندھا ومتنھا : وس س َ صيصي قال :دخلت َط َر ُ )) ..عن عبدﷲ بن الحسين ال ِم ِّ ،فقيل لي ھھنا امرأة قد رأت الجن الذين وفدوا إلى النبي e ،فأتيتھا ،فإذا ھي امرأة مستلقية على قفاھا فقلت :رأيت أحدا من الجن الذين وفدوا إلى رسول ﷲ e؟ قالت :نعم ، حدثني عبدﷲ سمحج قال :قلت :يا رسول ﷲ ،أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات واألرض ؟ قال ) :على حوت من نور يتلجلج في النور ( (( ..اھـ !! ) . ( 1 فلو أورد ھذا يھودي أو نصراني أو وثني مشرك محتجا به على صفات خالقه لكان أھال لھذه المصائب والمخازي ،أما أن يحتج به من ينتسب إلى شيخ السنة اإلمام المبجل أحمد بن حنبل فھو وﷲ العار والشنار والفضيحة الكبرى ،والغريب أن أبا يعلى كان يقرأ كتابه ھذا على عامة الناس في المساجد في بغداد ـ قبل محاكمته ـ فكيف ساغ له ذلك ؟؟!! ،فالمتشابھات ال يجوز
ذكرھا أمام العامة ولو صحت أسانيدھا كما تقرر في ) آداب المحدث ( من كتب مصطلح الحديث ) ، ( 2فكيف وھي موضوعات بواطيل ؟؟!! ،وفي ھذين المثالين مقنع للمتبصرين ،وداللة للمتوسمين ،على قلة المخافة من ﷲ عند أمثال ھؤالء ،وعدم تنـزيھھم ،وضعف أفھامھم ،وانتكاس عقولھم ،ومرض قلوبھم ،والشيء بالشيء يعرف ويكتشف . ھذا وكما حدث باألمس البعيد قبل ألف سنة أن تأثر بكتاب أبي يعلى ھذا جماعة من أصحابه وأحبابه ،الطالبين العلم من غير بابه ،فنسجوا على منواله ،وقلدوه في أحواله وأقواله ،فنشروا بدعه بين العامة ) ، ( 1فال يبعد أبدا أن يحدث ھذا اآلن ، وكيف ال ونحن من الساعة على اقتراب !! أم كيف ال وقد جاء اآلن من وصف كتاب ) إبطال التأويالت ( ألبي يعلى بـ) المستطاب ( !! فال حول وال قوة إال با العلي العظيم . ] الخاتمة [ أعتقد وﷲ أعلم ،أن القارئ المتبصر ال يشك ـ بعد كل ما تقدم ـ في خطورة ھذا الكتاب وما شابھه على العقيدة الصحيحة التي لم تخالطھا شوائب التشبيه ،والتي ھي على فطرتھا غافلة عما يراد بھا ،وال يرتاب الفطن في آثاره الوبيلة على المسلمين إذا ما تم نشره والتصفيق له ،ولو على تمھل وخفية ،ألنه حتما سيؤدي إلى نتائج مؤسفة ولو بعد حين ،فالتأثر بمثل ھذه الكتب اآلن أمر متوقع ،ال سيما بعد حمالت كثيرة متعددة قصد من ورائھا سحق الفطرة ،وتدمير المناعة الدينية ضد أمراض
التجسيم والتشبيه ،حتى نشأ شباب ممسوخ الفھم والفطرة منكوس العقل ،من السھل اجتذابه إلى مھاوي التشبيه ،حتى لقد رأينا منھم من نقل الشريك والولد من قسم المستحيالت في حق الخالق سبحانه إلى قسم الجائزات !! وھذه وﷲ حالقة الدين ،وسالخة اليقين ،ولعل من وھبه ﷲ حسن التفكر ،ال يخالفني بأن أيديا خفية تعمل لبعث فرقة التشبيه والتجسيم مرة أخرى ،واعية لجرمھا أو غافلة عنه ،فإنه ُتشم منذ مدة روائح ھذه الرمم البالية من ثنايا كتب ومنشورات ،يتبوأ كتاب ) إبطال التأويالت ( المكانة الكبرى بينھا حتى اآلن ،ولست مترددا في أن ھذا الكتاب وأشباھه أولى بالمنع والقمع من القصص والروايات والكتب العلمانية ،ذلك ألن ھذه األخيرة إنما تنخر في فئات ھي أصال نخرة ،أما تلك فتعمل في أبنية المجتمع المسلم ،وألن العقول المسلمة ال تزال مناعتھا قوية قادرة على مقاومة اإللحاد والعلمانية ولو وجدانيا ،ولكن ال تبدو ھذه القدرة واضحة تجاه كتب التشبيه ،ألن سمھا خفي ال يتبينه السذج من الناس سريعا ،لذلك وغيره وجب على كل ذي غيرة على دينه وعقيدته محاربة ھذه السموم واألوبئة بكل ما قبل أن يسبق السيف العذل ،والت ساعة أوتي من قوة ، مندم ،وقد آن للقلم أن يرتفع بعد خالص النصح ،وصلى ﷲ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على المرسلين ،والحمد رب العالمين . كتبه
) ( 1ـ ھو غير اإلمام أبي يعلى الموصلي صاحب المسند المشھور فتنبه . ) ( 2ـ رأيت بعض ھؤالء ممن جوزت لھم عقولھم أن يكون من جملة صفات الحق ـ تعالى وتقدس ـ القرنان والذيل والولد إذا جاء بذلك الخبر بزعمھم !! وال حول وال قوة إال با العلي العظيم . ) ( 3ـ كما بلغني أن بعض المتسرعين ترجم كتاب شرح السنة المنسوب للبربھاري إلى لغة أجنبية ،والحقيقة أن الكتاب لغالم خليل الوضاع المشھور ،والموصوف بدجال بغداد !! . ) ( 1ـ إمام قدوة توفي سنة 442ھـ ،وترجمته في طبقات الشافعية ،وانظر سير أعالم النبالء . 609/17 ) ( 1ـ وفي كالم الذھبي أخطاء ،أولھا في اسم الكتاب ، وثانيھا قوله ) :لما فيه من الواھي والموضوع ( والحق أن الموضوعات كانت منتشرة في ذلك الوقت خصوصا في بغداد فلم يكن النكير من أجلھا بل لكون الكتاب يصف ﷲ بما ال يليق ،وثالثھا قوله ) :من القادر با ( والصواب أن الخليفة الشاھد للحادثة ھو القائم بأمر ﷲ بن القادر با ،أما أبوه الخليفة القادر با فقد توفي في سنة ) 422ھـ ( ،قبل الحادثة بسنين ،ورابعھا قوله ) :فأعجبه ( وھذا غير ممكن ألن ھذا الكتاب ھو سبب الفتنة ،وفيه ما ال يمكن تحمله من النقائص
جبُ خليف َة المسلمين ؟! ويبدو أن المنسوبة تعالى ،فكيف يُعْ ِ ھذا ما فھمه الذھبي من عبارة ) طبقات الحنابلة ( السابقة القائلة ) :وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب ) إبطال التأويالت ( ليتأمل فأعيد إلى الوالد ،وشكر له تصانيفه ( اھـ لكن ھذه العبارة ال ينبغي للذھبي أن يفھم منھا إعجاب الخليفة بالكتاب ، ألن الخليفة قد رد الكتاب ولم يقبله على عادة الخلفاء ،وفي ھذا إشارة إلى عدم رضاه عنه ،لكنه شكر له تصانيفه غير ھذا الكتاب ،وخامسھا قوله ) :ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة ( وھذا كان في حادثة أخرى جرت سنة ) 445ھـ ( غير حادثتنا ھذه الكائنة في 432ھـ ،وعلى كل حال يجب أن نالحظ في نقل ) طبقات الحنابلة ( ميل الولد ألبيه ، أما الذھبي فتصرفه في العبارة له سبب معروف عند أھل العلم . ) ( 2ـ قال األستاذ الكوثري في ) السيف الصقيل ( ص: 149 )) وألبي يعلى ھذا كتاب ) المعتمد في المعتقد ( وھو قريب إلى السنة ،ونرجوا أن يكون ھذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما سلف منه (( ..اھـ . ) ( 1ـ إمام متفق على جاللته وعظيم مكانته ،توفي سنة 488ھـ ،وترجمته واسعة ،انظر السير . 609/18
) ( 2ـ ذكره الذھبي في السير 561/18ووصفه بالواعظ العالم وذكر قصته . ) ( 1ـ نشره عالمة الجزائر عبدالحميد بن باديس كامال سنة ، 1940ثم نشر األستاذ محب الدين الخطيب من ھذا الكتاب ما يتعلق بالرد على الرافضة فقط سنة 1970وھو جزء صغير من الكتاب ،وكثيرون يظنونه الكتاب كله لشھرة ھذه الطبعة ،وقد اعتمدنا على طبعة دار الثقافة بالدوحة ،وھي كاملة بحمد ﷲ . ) ( 2ـ ھذه العبارة فيھا قصور عن الحقيقة ،فسيأتي أن أبا يعلى قد أثبت شيئا من العورة !! . ) ( 1ـ سترى أن ذلك كله وأكثر منه موجود في كتاب أبي يعلى ! . ) ( 1ـ قد تقدمت عبارة رزق ﷲ الحنبلي في أبي يعلى ،وإليھا يشير ابن تيمية ھنا . ) ( 2ـ قول ابن تيمية ) :ولھذا وغيره ( ُي ْف َھم منه أن سبب اإلنكار على الكتاب ھو إيراد الموضوعات ،وأن ھناك أسبابا أخرى أشار إليھا بقوله ) :وغيره ( لم تستحق الذكر عنده فأبھمھا كما ترى !! والحق أن الموضوعات كانت منتشرة خاصة في زمن أبي يعلى ،فلم تكن ھي أساس اإلنكار ،بل
لكون أبي يعلى وصف ﷲ بما ال يليق وھذا ما أھمل ابن تيمية توضيحه والسبب معروف ،وقد حذفت من كالمه ما ال يعنينا ، وإنما ذكرت محل االتفاق بينه وبين غيره . ) ( 1ـ لقد ُدعِ ي محقق الكتاب بكل أسف إلى بلدنا اآلمن وقام بإلقاء محاضرة عن منھج السلف !! مع أن ھذا المحقق قد أساء غاية اإلساءة إلى منھج السلف بإخراج كتاب أبي يعلى وطبعه، ھذا الذي يعد بحق عارا على اإلسالم والمسلمين ،وال شك أن من يسعى في نشر كتاب كھذا يطعن فيه على أھل السنة والجماعة لھو إلى التعرف على منھج السلف أحوج منه إلى التعريف به ،وال يكون داعيا إلى منھج السلف بل إلى غيره ، وفي ھذا األمر عبرة لمن كان له عقل ،وعالمة من عالمات الساعة دون ريب ،وال حول وال قوة إال با العلي العظيم . ) ( 1ـ انظر كيف جمع األشاعرة الذين ھم أھل السنة والجماعة مع المعتزلة والجھمية الذين ھم أھل البدعة !! وما ذلك إال لكونه مائال إلى التشبيه ،فھو ال يتفق مع اعتدال أھل السنة ،وال مع تعطيل أھل البدعة ،والدليل على ميله إلى التشبيه ،ھو إخراجه لكتاب أبي يعلى ھذا ،الذي صب العلماء عليه سخطھم وغضبھم ووصفوه بأنه كتاب تشبيه وتجسيم وكذب على ﷲ ورسوله . ) ( 1ـ قد كنا نسمع ونقرأ أن ھناك من يصف ﷲ بذلك فال نصدق ،ولكن النقلة لھذه الحقائق علماء كبار ال يسعنا الشك فيما نقلوه كاإلمام الحافظ ابن عساكر في ) تبيين كذب المفتري ( واإلمام الحافظ أبي بكر بن العربي في ) العواصم من
القواصم ( واإلمام أبي الفرج بن الجوزي في ) دفع شبه التشبيه ( واإلمام ابن األثير في ) الكامل في التاريخ ( وكثيرون غيرھم ،فاألمر متواتر ،وأنت اآلن أيھا القارئ الكريم أمام دليل مادي ال يدع مجاال للشك في صدقھم ،ھذا الدليل ھو كتاب ) إبطال التأويالت ( ألبي يعلى بن الفراء . ) ( 2ـ وصفه بذلك الھاللي في ) المنھل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير يوم يكشف عن ساق ( ..ص 35ـ ط 1ـ 1412ھـ /دار ابن الجوزي /الدمام . ) ( 1ـ ھذا ما بوب له المحقق من الصفات في الجزءين األول والثاني ،وبعض ما ذكره من الصفات حق وصدق ثابت بإجماع ال ينازع فيه أحد من أھل السنة كـ) السمع والبصر ( ، وبعض ما ذكره حق ثابت لكن ال مدخل له في الصفات كـ) رؤية المؤمنين لربھم في الجنة ( ،وكذلك ) النفس ( ال مدخل لھا في الصفات ألن نفس ﷲ أي ذات ﷲ ،فالنفس ھي التي توصف وليست صفة ،وكذلك ) الساق ( ألن الثابت تأويل ابن عباس وتالميذه لھا بشدة يوم القيامة فال تعلق لھا بصفات ﷲ تعالى ،وأما ما يوھم ظاھره النقص كـ) الغيرة أو العجب أو الضحك ونحوھا ( مما أضيف إلى ﷲ فھذا ال يجوز حمله على ظاھره ،ألن ظاھره نقص محض ال يليق با تعالى وتقدس ، فھذه وأشباھھا مما صحت أدلتھا فيھا نزاع بين األئمة ،ھل ھي صفات ال على ظاھرھا بل على معنى يليق با ؟ أم ُتأَوَّ ل وتفسر بمعان الئقة به مما يسوغ في كالم العرب وإن أخرجھا
ذلك عن كونھا صفات مستقلة ؟ أم يُسْ َك ُ ت عنھا فال يقال صفات وال تأول ؟ ثالثة مذاھب كلھا حق وصدق ،ولكنھا خارجة عن كونھا صفات ضرورية ،فھي ليست كالصفات الثابتة المجمع عليھا والتي يكفر منكرھا بل والجاھل بھا كما لو جھل إنسان أن ﷲ موجود ،واحد ،حي ،قديم بال ابتداء ،دائم بال انتھاء ،عليم ،قدير ،متكلم ،غني ،فعال لما يريد ،ليس كمثله شيء ،وھو السميع البصير ،فھذه ال يحكم بإسالم جاھلھا ، بخالف تلك المتنازع فيھا ،فعامة المسلمين بين جاھل بھا أو منكر لھا كما ال يخفى ،فمن قال بضاللھم فھو الضال ،ومن قال بكفرھم فھو الكافر . ) ( 1ـ قد تقدم قول ابن الجوزي عن أبي يعلى وأمثاله )) :ثم إنھم يرضون العوام بقولھم :ال كما يعقل ! (( . ) ( 1ـ تقدم كالم ابن الجوزي الدال على أن ھذه الفرقة قالت ھذا ،ونحوه عند اإلمام أبي بكر بن العربي المالكي في العواصم من القواصم ص 210وكذا عند غيرھم ،ومما تمسك به أبو يعلى رواية أخرى جاء فيھا .. )) :على صورة الرحمن (( ،وھي رواية ال تصح ،وقد قال ابن خزيمة في كتاب ) التوحيد ( ص 38ما نصه )) :وقد افتتن بھذه اللفظة التي في خبر عطاء عالم ممن لم يتحر العلم ،وتوھموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في ھذا الخبر من إضافة صفات الذات فغلطوا في ھذا غلطا بينا ،وقالوا مقالة شنيعة مضاھية لقول المشبھة أعاذنا ﷲ وكل المسلمين من قولھم ،والذي عندي في تأويل ھذا الخبر إن صح من جھة النقل موصوال ـ فإن في الخبر علال … فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسندا
فإن ابن آدم ُخلق على الصورة التي َخ َلقھا الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح ،قال ﷲ جل وعال ) :ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( (( ..اھـ ،وھذا الكالم من ابن خزيمة يُعد مردودا عند الحشوية ألنھم يتدينون بالروايات الباطلة أوال ،ويحملونھا على ظاھرھا ويأبون تأويلھا ثانيا . ) ( 1ـ ومع كل ھذا الذي يدعيه أبو يعلى وأتباعه ،فإن المحقق يلوم أھل السنة ألنھم يقولون عن أفكار أبي يعلى ھذه بأنھا من الحشو !! وأن أصحاب ھذه المقاالت حشوية !! وما عسانا أن نقول فيمن فاه بھذا الھراء ؟! وأين الغضب ؟! وأين ذھبت عظمة ﷲ من قلوب ھؤالء ؟! وھل الدفاع عن ھذا الكتاب ومؤلفه وأشباھه مما يخدم منھج السلف الصالح ويؤيده ؟!! أم ھي دعوة جديدة إلحياء التجسيم والتشبيه والشرك با بين المسلمين ؟؟!! . ) ( 1ـ لكني ال أشك في أن ھوى المحقق يدور مع أبي يعلى ، ألن بينھما عالقة حميمة . ) ( 2ـ وج :اسم موضع بالطائف . ) ( 3ـ قال ابن الجوزي ردا عليه في دفع الشبه ص)) : 51 ھذا الرجل يشير بأصولھم إلى ما يوجب التجسيم والتشبيه واالنتقال والحركة ،وھذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة التواريخ وأدلة العقول (( ..اھـ .
) ( 1ـ ال أدري كيف يجمع أبو يعلى وطائفته بين قولھم عن ﷲ بأنه وطأ الصخرة وأرض الطائف وأنه ينـزل ويھبط بذاته إلى السماء الدنيا كل ذلك على الظاھر والحقيقة ،كيف يجمعون بين ھذا وبين صفة العلو التي يثبتونھا على الظاھر والحقيقة أيضا !! ،علو ونزول وھبوط ووطء في آن واحد وكل ذلك على الظاھر والحقيقة ،فسبحان ﷲ ،كيف ضاعت الحقائق عند ھؤالء الناس ؟؟!! . ُ رأيت ابن َم ْنده ذكر في الرد على الجھمية ھذه الرواية )(2ـ بلفظ )) ..من شعر الذراعين والصدر (( !!! وال يخفى على القارئ الكريم أن حمل ھذا الخبر على ظاھره يجر قطعا إلى الكفر ،وذلك أن من اعتقد أن شيئا من خلق ﷲ تعالى قد ُخلق من ذات ﷲ ،وأن حقيقة ھذا المخلوق من حقيقة ﷲ فقد كفر كفرا أعظم ينقله عن الملة ،فھذا القول ال يختلف عن قول النصارى بأن المسيح روح ﷲ على الحقيقة وأنه من ذاته ، فكذلك من حمل ھذا الخبر على ظاھره فقد زعم أن ﷲ خلق المالئكة من صفته ـ فالنور صفة من صفات ﷲ عند أبي يعلى وأصحابه ـ ولھذا اضطر أبو يعلى إلى تأويل ) من نور ( .. بمعنى َخ َل َق بنوره ،فا يخلق بنوره تشريفا كما يخلق بيده تشريفا ،كذا قال أبو يعلى ،وھذا تأويل جيد ،ولكن الخبر باطل فال حاجة إلى ذلك . ) ( 1ـ قد تقدم قول اإلمام أبي بكر بن العربي في كتابه الشھير ) العواصم من القواصم ( ص 209ما نصه :
)) ..وأخبرني من أثق به من مشيختي أن أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء رئيس الحنابلة ببغداد كان يقول إذا ذكر ﷲ تعالى وما ورد من ھذه الظواھر في صفاته يقول :ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إال اللحية والعورة !! (( ..اھـ وأنت رأيت وسترى بعد أن أبا يعلى لم يدع شيئا من أعضاء اإلنسان الظاھرة إال وأثبته صفة عز وجل
Thank you for interesting in our services. We are a non-profit group that run this website to share documents. We need your help to maintenance this website.